الجمعة، 25 أغسطس 2017

محطات سوداء تستحق الوقوف

محطات سوداء تستحق الوقوف

قطار الحياة يمر بنا على محطات متعددة الأشخاص، نقف عند محطة نجد فيها سلبيات الآخرين، وكأنها نقاط سوداء توصم صاحبها بالعار، والذل والمذلة؛ بل يستوجب علينا أن نبتعد عن تلك الشخصيات ونحتقرهم، ولا نقترب منهم.

وفي تلك المحطة السوداء، نرى أنفسنا وكأننا أبرياء أتقياء منزَّهون عن كل نقيصة أو عيب أو خطيئة، ونتناسى قول المسيح في إنجيل يوحنا "من كان منكم بلا خطيئة فلْيرمِها أولاً بحجر".

ويسير بنا القطار.. ونتوقف عند محطة أخرى، نلمح فيها أشخاصاً فيهم كل الإيجابيات، فلا نعيرهم اهتماماً؛ ظناً منا أن تلك الإيجابيات نحن أولى وأحق بها؛ بل نرى أنها راسخة في داخلنا. والوقوف عند تلك المحطة لا يستوجب منا تنميةً لتلك الإيجابيات؛ غروراً منا وترفُّعاً عن فهم ذواتنا.

ولما يسير بنا قطار الحياة نجد أنفسنا قد وقعنا في سلبيات المحطة السوداء نفسها التي كانت وصمة عار عند الآخرين؛ فنراجع أنفسنا ونقف بعين الازدراء والاحتقار لأنفسنا ونتهكم على أنفسنا، كم نحن ظالمون! كم نحن مدلِّسون! كم نحن بلا قلب! كم نحن أشقياء! وكم نحن ضائقو الأفق!

بإيجاز شديد وتلخيصاً لكم، لأننا لم نراعِ الظروف والملابسات التي جعلت هؤلاء الأشخاص يرتكبون تلك الأخطاء والسقطات والزلات في حياتهم، فالطفل الصغير حين يسرق أو يكذب أو يتعدى على الآخرين بالسب أو الضرب أو... وغيره من السلوكيات التي نبادر بالعقاب والمعايرة، كان أجدر بنا أن نتوقف معه و نواسيه ونحاوِره ونجادِله ونناقشه، وتناسينا أن الحق قال في كتابه العزيز: "كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم".

ربما أخذنا منهم العبرة والعظة والتوجيه السليم ليصبحوا أفضل حالا مناً. ولكن القدر يعلمنا كثيراً أن من عاب شخصاً وعايَره فلا بد له من أن يكون مَعيباً بتلك السقطات والزلات نفسها.

وهناك أمثلة كثيرة في حياتنا تؤكد تلك المحطة السوداء في حياة كل منا. على سبيل المثال وليس الحصر: الكذب كنوع من الدفاع عن النفس، والجبن من مواجهة الآخرين، والسرقة كنوع من تحقيق الذات واستكمال نقيصة من نقائص حياتنا، والنفاق كنوع من التقرب من الآخرين؛ خوفاً من سطوتهم والنيل منا وإيذائنا.

ثم تستوقفنا محطة كبيرة، هي المحطة الرمادية التي تكون في مفترق طرق مليئة بالمتناقضات من المواقف والبشر والسلوكيات، نحتار فيها كيف سار بنا القطار إلى تلك المجموعة من الوجوه المزيفة المليئة بالأقنعة التي لم نر مثلها في حياتنا!

ربما تكون غربة النفس التي تفارق الوطن أو غربة الوطن التي تفارق النفس.. وجوه لم نعهدها من قبلُ، والتعامل معها ضرب من المستحيل، ليس عيباً فيها؛ بل عيب فينا نحن؛ لأننا لم نتمرَّس منذ نعومة أظافرنا على كيفية التعامل مع الوجوه المزيفة وذلك العالَم تعاملاً فيه سلاسة ومرونة وتبسُّط وبأريحية تقبلها النفس.

ومن هنا، نرى أنفسنا في صراعات نفسية عميقة وخلل مع هؤلاء الأشخاص نتيجة لصعوبة التعامل معه..ألا من معلم يعلمنا كيف الوصول إلى تلك الوجوه المزيفة في حياتنا؟

علينا أن نراجع المحطات كلها ونمر عليها بعقل وحكمة؛ لأن القطار ما زال مستمراً والمحطات كثيرة كثيرة.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/somaya-khallaf-abu-zaid/story_b_17824312.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات