الاثنين، 6 نوفمبر 2017

هل سينجو أحد من قبضة محمد بن سلمان؟ وماذا بعد اعتقالات الأمراء؟

هل سينجو أحد من قبضة محمد بن سلمان؟ وماذا بعد اعتقالات الأمراء؟

صعقت وسائل الإعلام العربية والعالمية إبان خبر إيقاف السلطات السعودية لأحد عشر أميراً وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين، وذلك مساء السبت، في حملة "تطهير" غير مسبوقة في تاريخ المملكة!

حيث إن حملة التطهير تلك قد جرت بعد ساعات فقط على تشكيل الملك السعودي الحالي سلمان بن عبد العزيز لجنة لمكافحة الفساد، أسند رئاستها إلى نجله وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، اللجنة الجديدة التي باركت وأثنت عليها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقتضي بصلاحيات واسعة تبدأ بحصر قضايا الفساد العام، ولا تنتهي بالتحقيق وأوامر القبض على البعض!

كما تتولى اللجنة مهام التحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قِبَل الأشخاص والكيانات أياً كانت صفتها، واتخاذ ما تراه مناسباً بحق الأشخاص والكيانات والأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج، وإعادة الأموال للخزينة العامة للدولة، وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدول، ويمنح الأمر الملكي للجنة مهام أخرى، من بينها حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، وللجنة أيضاً، حسب المرسوم الملكي، الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية، بحسب الأحوال.

كما صدرت أوامر ملكية بإعفاء وزير الحرس الوطني ووزير الاقتصاد والتخطيط من مناصبهما وإحالة قائد القوات البحرية إلى التقاعد، بحسب وكالة الأنباء السعودية واس.


ولكن، ماذا لو كانت حملة الاعتقالات الجديدة تلك قد جاءت بمثابة تعزيز سلطة ونفوذ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وبالإصلاحات الواسعة النطاق غير المسبوقة التي يقوم بها؟ ماذا لو كانت تلك الاعتقالات قد جاءت تمهيداً لترك الملك سلمان العرش؟ ماذا لو كان اعتقال الأمراء والأعضاء في مجلس الوزراء قد جاء تصعيداً للحملة التي أطلقتها القيادة السعودية الجديدة بهدف توطيد السلطة في فترة انتقالية؟ وذلك توضيحاً على أن الأمير محمد بن سلمان الذي تم تعيينه ولياً للعهد في الصيف المنصرم بدلاً من الأمير محمد بن نايف الذي تمت الإطاحة به لتعيين بن سلمان بدلاً منه في خطوة جاءت كضغط كبير في القصر الملكي بمكة المكرمة، حيث قد شرع الأمير الجديد بتعزيز سلطته في وقت من المتوقع فيه أن يتنازل الملك سلمان بن عبد العزيز عن السلطة لنجله قبل نهاية العام الجاري، أو في أوائل العام المقبل.

وأيضاً ليس من المستغرب لاحقاً أن يتم إلغاء منصب ولي ولي العهد مستقبلاً، وأن يتجه الملك سلمان نحو انتقال العرش من الأب إلى الابن، كما في الأنظمة الملكية الكلاسيكية، فذلك ليس من المستبعد، فكل الأمور بات أمرها وارداً!


ولكن، يبدو أن المملكة العربية السّعودية تعاصر انقلاباً ضد التقاليد وكأنها فوق صفيح ساخن! فما لبث الشعب هناك أن سمع باعتقالات رجال دين بارزين دفعةً واحدة، خاصة بعد اعتقال وجوه تيّار "الصّحوة" الديني، وتحريض على آخرين، حتى أفاق على أخبار احتجاز أمراء "صغار" في الأسرة الحاكمة، ليُمسي على اعتقالات للأمراء الكبار!

يذكر أن جميع الأمراء المعتقلين تربطهم صلة قرابة قوية وبعضهم هم أقارب من الدرجة الأولى، حيث عمد الملك عبد العزيز إلى التزوّج من عدد كبير من النساء من أجل بناء علاقات مصاهرة مع كافة قبائل شبه الجزيرة العربيّة وصل حتى سبع وثلاثين زوجة، أنجب منهن قرابة سبعين ولداً، وعلى مدار ثمانين عاماً، شهدت الأسرة المالكة خلافات حامية الوطيس بين أفرادها، أحدها هو التنافس المحموم على العرش الذي حصل خلال القرن المنصرم بين الملكين سعود وفيصل، وعلى أثر ذلك الأمر لم يخلُ من حصول تنافس بين قبائل أخوال الملكين، انتهت بخلع الأول من منصبه، وتحييد أبنائه عن المناصب ردحاً من الزمان ثمّ اغتيال الثاني من قِبل عضو في الأسرة الحاكمة!

فقد أصبح أمراً واضحاً للعيان ومن السخرية تجاهله أن الأمير السعودي وولي العهد محمد بن سلمان يسعى لإزالة كافة العوائق في سبيل جلوسه على كرسي العرش، حتى لو كان ذلك بالقضاء على من تربطهم علاقة وطيدة به!

موجة الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي تلك قد جعلت بعض السعوديين في حالة من الحذر والحيرة، وإذا ما استمر الأمير محمد بن سلمان على ذلك النهج، سيعزز ويساهم في كراهيته من أوساط النخبة السعودية!


ولكن يبدو أن لولي العهد وجهة نظر أخرى، حيث إنه يحاول استمالة الرأي العام الدولي عبر الظهور في ثياب "الوسطية"، المنادية بمحاربة التطرف والساعية وراء الإصلاحات السياسية في المملكة، خصوصاً بعد "رؤية 2030"، ذلك المشروع الذي بدأ تنفيذه الأمير قبل مدة سنة تقريباً، ويهدف إلى زيادة واردات الدولة بتنويع الاقتصاد، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر للدخل في إحدى أكبر الدول النفطية في العالم!

وتشجيع المشروعات الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، التي أصبحت تشكل حالياً ما نسبته أربعون في المائة من الناتج الإجمالي المحلي وجميعها خارج قطاع النفط، كذلك فإن لديه مشروعات جديدة في التعليم العالي والمهني، وهناك خطط جذرية تتعلق بتغيير نمط حياة المواطنين، خصوصاً بعد السماح للمرأة السعودية بالقيادة؛ حيث إنه بدأ أيضاً السماح بإقامة الحفلات وافتتاح دور السينما، وإذا أخذنا بالاعتبار أن 65 بالمائة من سكان المملكة هم دون الثلاثين عاماً، عندها سيدرك الجميع لمصلحة مَن تدور كل تلك الأحداث وهذه التغييرات، كما أن كل التغييرات التي تحدث هي تدريجية ومن دون خطوات ثورية.

لم يكن يتوقع الشعب هناك أن وليّ العهد سيشرع بتنفيذ ضرباته القاضية آخذاً الأمور على محمل الجد.

الضربة القاضية قد أتت بالفعل وأطاحت برؤوس كانت تظن أنها بمأمن وبعيدة كل البعد عن الملاحقة القضائية والقانونية والمحاسبة!

ولكن ماذا لو عدنا للزمن بالوراء؟ ماذا لو عرفنا أن محمد بن سلمان قد نوّه لما هو يحدث اليوم؟! فقبل مدة زمنية قريبة وفي أحد اللقاءات تحدث ولي العهد محمد بن سلمان عن ملاحقة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وقال وبمنتهى صريح العبارة: "لن ينجو أحد! كل من تورط بقضايا فساد سيعاقب"!

الأمير قد صدق، ونفّذ ما قد صرح به، وأثبت للجميع أنه وبالفعل لم ينجُ أحد.. مكافحة الفساد أصبحت السلاح الذي أشهره بن سلمان في وجه كل من وقف ضده بالسر والعلن، خصوصاً بعد هيمنته عليها بعد أن أسند والده العاهل السعودي رئاستها له.

فقد أصبحت ضرورة للاستمرار والاستقرار فالمال العام لم يعد ثروة مخصصة لفئة معينة، ولم يعد غنيمة سهلة يقتطع منها المسؤول ما أراد وقتما شاء.


فمحمد بن سلمان أصبح يقف للجميع على قدر وصاع، والجميع سيحاسب إذا ما تم تورطهم بقضايا فساد، محمد بن سلمان ولي العهد السعودي والملك الفعلي، يحاول أن يثبت للجميع أنه رجل قوي ويسعى لبناء دولة ليبرالية ومملكة دستورية، فقد وصفته صحيفة إندبندنت البريطانية في وقت سابق بأنه أخطر رجل في العالم ولديه طموحات كبيرة ويضع أعداءه في الداخل والخارج نصب عينيه، ويسعى لأن يكون القائد الأقوى في الشرق الأوسط!

وأشارت الصحيفة إلى أن قوة محمد بن سلمان تنبع من اعتماد والده الملك سلمان عليه، وكلما كان ملازماً له في كل خطوة، ارتفع في التسلسل الهرمي للحكم في عائلة "آل سعود"؛ حيث إنه من الحكم المعروفة داخل النخبة الدينية ورجال الأعمال في السعودية أنه "إذا كنت تريد أن ترى الأب كان عليك أن تقصد الابن أولاً"، وذلك بالتحديد يفصل منهجية العلاقة بين سلمان بن عبد العزيز ونجله الأمير محمد، وعلى الرغم من تنديد أعدائه داخل الأسرة الحاكمة بغطرسته، حتى إن عداءهم له قد وصل إلى درجة دعوتهم للإطاحة به جنباً إلى جنب مع والده وولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، إلا أن هذه الدعوات لم تصل إلى شيء في النهاية، وكانت كما الحفرة التي حفرها أمراء آل سعود ووقعوا بها بالنهاية، بل إن الأمير الشاب ظل على قمة الدعم الشعبي في المملكة السعودية، حتى إن الصحيفة البريطانية قد أوضحت أن محمد بن سلمان الذي يريد أن يظهر بصورة جده عبد العزيز كمحارب سُني وبطل قومي! وبإمكانه أن يوازن بين الخيارات المطروحة بذكاء وبديهة، ومن الممكن أن يفكر في توجيه ضربة عسكرية إلى إيران وهي الفكرة التي وصفها منظرون سياسيون بالمخيفة وتحدث في منطقة تمزقها الصراعات الطائفية، إلا أنه بنرجسية محمد بن سلمان، وبدعم الولايات المتحدة له، وبجرأته في اتخاذ القرارات، أصبح ليس من المستبعد عنه شيء، فكل التوقعات التي كانت في وقت ما مستحيلة هي الآن أمور مرجحة وخياراتها واردة.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/alaa-mohmd-soudi/story_b_18473566.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات