الخميس، 15 يونيو 2017

فتنة المرأة اللعوب

فتنة المرأة اللعوب


إذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أوصى بأن تُنكح المرأة لدينها "اظفر بذات الدين تربت يداك"؛ فإن البحث عن معنى "ذات الدين" أمر بالغ الأهمية والحساسية والخطورة؛ حيث إنه يترتب على هذا اختيار شريكة الحياة، التي إن صلحت صلح كل شيء، وإن فسدت فسد كل شيء، ولا يوجد أخطر على قلب الرجل من امرأة فاسدة تفسده وتفسد حياته، وتفسد قلبه، وتذهب عنه رباطة جأشه، وقوامة عقله، وهو يحسبها نعم الاختيار وحُسن القرار!

ولعل أقرب المعاني الدالة على "ذات الدين" هو الحياء، وقد ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم- على أنه شعبة من شُعَب الإيمان، والمرأة تمتاز به دوماً ويصبح تمتعها به من الفضائل التي تُحمد، أو تذم حال خلوها منه، فلا يوجد أشهر من ذم المرأة التي توصف بأنها خلعت برقع الحياء، ولكن يلتبس الأمر كثيراً عندما نحاول تعريف الحياء، فبعضهم ينظر له نظرة غاية في السطحية فنربط بينه وبين حمرة الخجل! ولا شك أن لغة الجسد قد تعكس بعضاً مما في النفوس، ولكنه ليس حكماً أو معياراً تطمئن له القلوب، خاصة في زمن كثر فيه الخبث وشاع بيننا نموذج "المرأة اللعوب" التي وصفتها سيمون دي بوفوار: هي أخطر النساء، إنها امرأة ذات خيال دائب التوثّب، وأعصاب دائمة الاتقاد، وحواس دائمة التيه والتيقظ متأججة بحب المرح والحياة، إنها تحب مهازل الحب وفواجعه، أكثر مما تحب الحب نفسه، والتعرف برجل واحد لا يكفيها، بل إن الإخلاص لرجل واحد لا يروقها، والولاء لرجل واحد لا يرضي خيالها أو يشعرها بلذة التحكم والسيطرة، إنها تود أن تكون محبوبة ومرغوبة من الجميع، وهي تبذل أقصى جهد لكي تكون كذلك بشرط ألا تفقد سُلطانها على نفسها وحُكمها على تصرفاتها، وقدرتها على العبث بقلب من يحبها عبثاً يُلقي في روعها أنها أقوى من الحب ومن الرجال، بل من الطبيعة أيضاً.

إن الغاية عندها أن تُمَنى عاشقها طويلاً، ثم لا تعطيه إلا قدراً ضئيلاً، وأن ترهقه وتقلقه كثيراً، ثم لا تُطَمئِنه إلا لتعود فتتنكر له، وأن تعذبه طويلاً على ألا تهبه نعمة السعادة الكاملة أبداً، والواقع أن لذة الحب عندها لا تنبع من لذة التآلف والتفاهم والمشاركة، بل من رغبة المحاورة والمداورة والشماتة والتعذيب! إنها تنشد لذة التعذيب في الحب جاهدة! وهذه اللذة تغري الرجل بها وتضاعف رغبته فيها وتدفعه إن كان قوياً إلى محاولة إخضاعها، وإن كان ضعيفـاً إلى الهوس أو الجنون أو الانتحار تخلصاً من مكرها وتلونها وغدرها، إنها تتعمد إثارة الغيرة في قلب رجلها بشتى الفنون فتقبل عليه كالحمل ثم تروغ منه كالثعلب، ثم تتبدد أمامه كالحلم أو تتصل به كالظل، فتثور ثائرة الرجل ويزداد بها تعلقـاً حتى يغلبها أو تغلبه آخر المطاف.

على أنه لو تمكن منها فهي لا يمكن أن تحبه حباً خالصاً مطلقـاً، وإن كانت قد أعجبت بقوته وسلمت لرجولته! ذلك لأنها لا تستطيع أن تعيش بلا عقبة ولا تستطيع أن تشعر حلاوة الحياة إلا بتحديها ومحاولة أن تسيطر على قلوب رجال آخرين!

انتهى كلام سيمون دي بوفوار وهي المرأة التي تصف بنات جنسها من هذا النوع بأنهن "أخطر النساء!"

تلك المرأة التي هي أشبه بأنثى العنكبوت تلتف على ضحيتها فتعصره وتستهلك قواه بإغوائها له، ثم سرعان ما تلدغه لتقضي عليه بعدما تنتهي منه، وتنتقل لضحايا جدد، تاركة ضحاياها في حيرة من أمرهم، ولعل أدق وصف في اختلاط الأمر عليهم وصف "نيتشه" لمن أفقدته عقله ودفعته للجنون حرفياً وليس مجازياً! وحطمته حتى انتهى به الحال مريضاً في المستشفى بعد أن عشقها؛ الشاعرة الروسية "لو سالومي" التي اشتهر عنها مصادقتها لكل الرجال المشاهير!

فعندما انضمّت "لو سالومي" إلى حلقة "فرويد" بهدف تعلّم التحليل النفسي، أرادت أن تحصل على المُعلِم، وحين لم يتم لها ما أرادت، اختارت أحد تلاميذه الأكثر نباهة آنذاك، "فيكتور توسك" بوصفه ثاني أفضل الخيارات بعد فرويد! وأسهمت في إرساله إلى التهلكة أيضاً، لقد وصفها نيتشه بأنها المتصوفة اللاأخلاقية!

فظاهرها الحياء والتصوف، ولكن باطنها عكس ذلك تماماً، فهي لا تتمتع بالأخلاق على الإطلاق، رغم تلك الصورة الصوفية الزائفة التي غالباً ما تكون ورقة من ورقات لعبة الإغواء التي تجيدها فحسب.

الفرق بين الحياء والادعاء

الحياء لا يعني برودة القلب، ولا يعني غياب المشاعر؛ فالمشاعر تحكمنا رغماً عنا، والقلوب ليس لنا عليها سلطان، وإنما يظهر الحياء في تقييد السلوكيات، وذلك لا يكون إلا عند المقدرة.

فلننظر لقصة موسى -عليه السلام- فالمرأة جاءته تمشي على استحياء ولكنها رغم حيائها لم تنكر، ولم تكذب، ولم تخالف مشاعرها، إنما قالت بوضوح لا يقطعه شك استأجره فإن خير من استأجرت القوي الأمين.

وقد يتعجب البعض كيف لامرأة تتمتع بالحياء أن تصرح بهذه المشاعر بكل قوة وحسم بهذا الشكل، ذلك هو الحياء الحقيقي الطبيعي وليس المتصنع الذي نراه الآن، فرغم أن والدها شيخ كبير، وهي تمتلك حرية الحركة، واستطاعت أن تعود لسيدنا موسى وحدها دون أختها في المرة الثانية، فإنها لم تنتهز الفرصة أو تخون الأمانة، إنها جاءته تمشي على استحياء، وفي الوقت نفسه لم يمنعها حياؤها من وضوح مشاعرها والتصريح بها، ولم تبخس الرجل حقه فقد رأته قوياً أميناً.

أما التمنع فهو تصنع ولا علاقة له بالحياء، إنه لعبة المرأة اللعوب كما ذكرنا.

إنها على العكس من المرأة ذات الحياء تتعمد الإغواء في سلوكياتها، ولكنها تخفي مشاعرها ولا تصرح بها ولا تظهرها لأحد كائناً مَن كان، بل ربما يذهب بها الفجور إلى ما هو أبعد فتجدها تصرح بعكس مشاعرها الحقيقية! فتبخس الرجل حقه، وتنكر عليه تمتعه بأي خصال طيبة، في الوقت نفسه الذي تقوم هي فيه بإغوائه ونسج خيوط العنكبوت حوله وربما حول غيره أيضاً!

وهي مما ينطبق عليهم القول: "يتمنعن وهن الراغبات"، فذلك الامتناع ليس مرده الحياء أبداً، إنما مرده العجز الذي قد يكون له أسباب كثيرة جداً: كعدم الثقة في النفس، أو في الآخرين، أو التعرض لجراح سابقة وخذلان، أو لبرود جنسي، أو لنرجسية مرضية تجعل المرأة ترى نفسها تستحق الأفضل، أو لعقد نفسية، أو ربما عدم نضج للمشاعر، فهي لا تزال تنتظر الأمير الفارس الذي سيحارب المجرة كلها من أجل أن يحصل منها على نظرة أو ابتسامة! وتُخفي تلك الأسباب الحقيقية تحت شعار جذاب أصبح شائعاً الآن وهو "المرأة القوية" أو ما يعرف strong independent woman وهو ما سنناقشه في مقال آخر.

إن استراتيجية المرأة اللعوب تتلخص في "شوق ولا تدوق"؛ فهي لا يمكن أن تدخل على قلبك الطمأنينة، إنها تلهب مشاعرك وتجعلك دائماً في حالة قلق وتوتر وشك لا تدري أحقـاً تحبك أم لا، أهنالك رجل آخر في حياتها أم لا، إنها تتلوى كالأفعى فلا تتمكن من الإمساك بها، وتظل تسحبك إلى جحرها حتى تعجز عن الخروج، وتصبح مستسلماً لعشقها، ذلك العشق المسموم الذي ما إن نفذ سمه إلى قلبك أصبح كالسرطان يسري في جسدك حتى يقضي عليك ويهلكك تماماً.

فلا تُفتتن بالدروشة الدينية التي تُخفي أفعى خلف هذا القناع الزائف، إنه ادعاء وليس حياء، وهذا هو الفارق بين "ذات الدين" و"تاجرة الدين".




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/jalal-alsawi/story_b_16891998.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات