لا يلاقي الموقف التفاوضي المتصلب للدول المُحاصرة لقطر ترحيباً في الدوحة، ولا في العواصم الأوروبية كما يبدو، ولا لدى ريكس تيلرسون وزير الخرجية الأميركي، الذي اقترح تخفيفاً للحصار، ورأى أنَّ الأزمة الحالية تعطل الجهود التي تقودها الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم داعش، وإيران.
بيد أن ترامب يقف إلى جانب الخطوات التي تقوم بها أبو ظبي والرياض، إذ هنأ في نفس اليوم الذي دعا فيه تيلرسون إلى تسويةٍ سريعةٍ في وقتٍ مبكرٍ من يونيو/حزيران الجاري، السعودية والإمارات على الخطوة التي اعتبرها "صعبة، ولكن ضرورية"، وفق تقرير لـ The Washington Post.
ووفقاً لتقريرٍ نشره الصحفي مارك بيري في مجلة "ذي أميريكان كونسيرفاتيف"، فإنَّ تيلرسون كان غاضاً بشدة، وانزعج خصوصاً مما اعتبره النفوذ الذي يحظى به السفير الإماراتي في واشنطن على البيت الأبيض، وقال بيري:
أحد المُقرَّبين من وزير الخارجية قال وفقا لما ورد في صحيفة The Washington Post أنَّ تيلرسون كان منزعج للغاية من أنَّ البيت الأبيض ووزارة الخارجية لم يكن لهما نفس الموقف. وذكر أنَّ الكاتب الحقيقي لتصريح ترامب كان هو السفير الإماراتي بواشنطن يوسف العتيبة، وهو الصديق المقرب لجاريد كوشنر صهر ترامب.
يضيف الشخص المُقرَّب من تيلرسون قائلاً: لقد جمع وزير الخارجية أجزاء الصورة معاً، وخَلُصَ إلى أنَّ ذلك الفتى الأبله تماماً كان يدير سياسة خارجية أخرى من جناح العائلة بالبيت الأبيض. فالعتيبة يؤثر على جاريد، وجاريد يؤثر على ترامب. يا لها من فوضى.
وكان تصريح ترامب وفق الصحيفة هو القشة الأخيرة تقريباً بالنسبة لتيلرسون، فيقول ذلك الشخص المقرب: "الوزير مرهقٌ للغاية، فهو لا يستطيع الحصول على موافقةٍ لأي مقابلة، وهو يركض في مختلف أنحاء العالم لإصلاح ما يفسده الرئيس الذي جعل مستشاره الأساسي في الشؤون الخارجية فتى هاوياً يبلغ من العمر 36 عاماً".
أما وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني فقد أشاد بخطابه الذي ألقاه في واشنطن الخميس، 29 يونيو/حزيران، بـ"الجهود الثمينة" لنظيره الأميركي ريكس تيلرسون في إطار السعي لحل الأزمة الدبلوماسية التي تهدد بتفكيك واحدٍ من الأركان القليلة المستقرة في العالم العربي.
ولا يبدي محاصرو قطر في مجلس التعاون الخليجي -تكتل الدول العربية الغنية المستغرق في الأزمة الآن- أي استعدادٍ للتوصُّل إلى حلٍ وسط.
وظهرت أخبار غضب تيلرسون الخميس، 29 يونيو/حزيران، حين ذكرت مجلة بوليتيكو أنَّ وزير الخارجية "انفجر" غاضباً أثناء اجتماعٍ في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، مشتكياً من عدم قدرته على تعيين موظفين بالوزارة. وعلى ما يبدو فإنَّ ذلك الثوران قد "صعق" كبار الموظفين في البيت الأبيض.
ولن يساعد الشقاق داخل إدارة ترامب في تهدئة ما قد يبدو مواجهةً مزعزعةً للاستقرار. ويلفت المحللون إلى أنَّ المأزق لا يدفع قطر سوى للاقتراب أكثر من فلك طهران. وألمح الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني على استحياءٍ بأنَّ ترامب قد يرغب في التنسيق مع الأجنحة الأخرى في إدارته، كوزارة الخارجية ووزارة الخزانة.
وقال آل ثاني: "أعتقد أنَّ مزيداً من التنسيق بين الوكالات داخل الولايات المتحدة من شأنه أن يعطي الرئيس نظرةً أفضل عن طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر".
يوضح سايمون هندرسون من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وفق تقرير الصحيفة بأنَّ قائمة مطالب الدول الأربع المقاطعة لقطر -السعودية والإمارات ومصر والبحرين- صادمةٌ وعميقة.
وأضاف: "لطالما أغضب المملكة العربية السعودية احتياطي الغاز الضخم الذي تملكه قطر، والذي منحها استقلالاً مادياً عن المملكة".
باختصار، كلا الطرفين لا يُبدي نيةً للتراجع،. وفي هذه الأثناء، يقول وزير الخارجية القطري إنَّ الأزمة "تثير تساؤلاً كبيراً حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي"، موجهاً ضربةً لأي أحلامٍ بتحالفٍ عربيٍ سني حركها ترامب في أثناء زيارته للسعودية. وتشكل عواقب هذا التفكك الصداع الجديد الذي لا يحتاجه كوشنر ولا تيلرسون، ولا أي شخصٍ آخر في الإدارة.
مع قرب انتهاء المهلة التي منحتها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر لتنفيذ مطالبها، تبرز 3 سيناريوهات متوقعة في ضوء رفض المطالب من قبل الدوحة، التي تعتبرها صعبة التنفيذ وأنها مجرد ادعاءات من دون أدلة، وكذلك في ضوء تهديدات الدول الأربع المتواصلة للدوحة من مغبة الرفض.
وكانت الأزمة الخليجية قد بدأت في 5 يونيو/حزيران الجاري؛ حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرضت الثلاث الأولى عليها حصاراً برياً وجوياً، لاتهامها بـ"دعم الإرهاب"، وهو ما نفته الأخيرة.
وبضغط دولي، قدمت الدول الأربع مساء الخميس 22 يونيو/حزيران الجاري إلى قطر، عبر الكويت، قائمة تضم 13 مطلباً لإعادة العلاقات مع الدوحة، بينها إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، واغلاق قناة "الجزيرة"، وأمهلتها 10 أيام لتنفيذها، وفق الوكالة البحرينية الرسمية للأنباء.
وهي المطالب التي اعتبرت الدوحة أنها "ليست واقعية ولا متوازنة وغير منطقية وغير قابلة للتنفيذ". ومع انتهاء المهلة منتصف ليل الأحد المقبل، يتوقع أن تسير الأزمة في اتجاه واحد من 3 سيناريوهات:
تشديد الحصار على قطر مع فرض حزمة عقوبات جديدة، وهذا هو ليس السيناريو الراجح وقوعه فحسب؛ بل إن المتتبع لتسلسل الأزمة يصل لاستنتاج أن الدول المقاطعة لقطر تدفع بالأمر دفعاً نحو هذا الاتجاه.
فرغم أن العالم كان يترقب قائمة مطالب الدول الأربع، لتكون خطوة باتجاه حل الأزمة، فإن إعلان قائمة المطالب نقل الأزمة إلى مرحلة أكثر تعقيداً، لأكثر من سبب، أبرزها طبيعة المطالب التي وصفها مراقبون بأنها "تعجيزية" وتنتهك "سيادة" الدوحة.
ويبدو أن الدول الأربع كانت تريد أن تلقي الكرة في ملعب قطر؛ لتحمِّلها المسؤولية عن استمرار الأزمة في حال رفضها، وهو ما أدركته الدوحة من الوهلة الأولى، وعبر عنه لاحقاً وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في تصريحات للتلفزيون العربي، مساء الخميس 29 يونيو/حزيران 2017، قال فيها إن "المطالب الثلاثة عشر لدول الحصار قُدِّمت لكي تُرفَض".
ومن هنا، جاء الرد القطري -رغم رفضه قائمة المطالب على الصعيدين الرسمي والشعبي- غير متعجل، وأعلنت الخارجية القطرية أنها تعكف على بحث هذه الطلبات والأسس التي استندت إليها؛ لغرض إعداد الرد المناسب بشأنها وتسليمه لدولة الكويت.
ولكن في خطوة جديدة بدا أنها قطعت الطريق على أي محاولة لإيجاد مقاربة لحل الأزمة عبر التفاوض لتخفيض سقف المطالب، أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بعد مرور 5 أيام من المهلة (الثلاثاء الماضي)، أنه "لا تفاوض مع قطر بشأن قائمة المطالب ويجب تنفيذها كاملة".
وأعقب ذلك سلسلة تصريحات لوزير الخارجية القطري، اعتبر فيها أن ما تقدمت به دول الحصار هو مجرد ادعاءات من دون أدلة، مشيراً إلى أنه "إذا كانت هناك ادعاءات فيجب أن تكون مدعَّمة بأدلة؛ ومن ثم تأتي المطالب".
وشدد على أن "المطالب يجب أن تكون واضحة وقابلة للتنفيذ، أما غير ذلك فهو أمر مرفوض". واعتبر أن تقديم مطالب غير قابلة للتفاوض عدم احترام للقانون الدولي .
ويبدو واضحاً من تطور الأحداث، أن الأمور تُدفع دفعاً نحو تشديد الحصار على قطر، وبينما كان الحديث في الأيام الخمسة الأولى من المهلة، عن تهديدات لقطر بالعزلة من تلك الدول، تطور الأمر في النصف الثاني من المهلة، إلى تلميحات بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها.
وهو ما عبر عنه عمر غباش، سفير الإمارات لدى روسيا، خلال مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية، نُشرت قبل يومين، قال فيها إن "هناك بعض العقوبات الاقتصادية التي يمكننا فرضها، تجري دراستها في الوقت الحالي".
وأضاف: "يتمثل أحد الاحتمالات في فرض شروط على شركائنا التجاريين وإبلاغهم أنهم إذا أرادوا العمل معنا فعليهم أن يحددوا خياراً تجارياً". وبيَّن أن إخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي "ليس العقوبة الوحيدة المتاحة".
في السياق نفسه، نقلت مجلة "الأهرام العربي"، المصرية الحكومية، عبر موقعها الإلكتروني، عن "مصادر عربية رفيعة" (لم تسمها)، أن العقوبات التي تنتظر قطر بعد انتهاء المهلة، هي تشديد المقاطعة الاقتصادية، وتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وتجميد ودائع قطر في الدول المقاطعة (دون أن يتم الإعلان عن حجم تلك الودائع).
ورغم أن هذا السيناريو مستبعَد؛ لكونه يحتاج ضوءاً أخضر من أميركا للمضي قدماً فيه، لا سيما أن وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكد أنه تم "الاتفاق مع واشنطن على ضرورة البحث عن حل سلمي للأزمة الخليجية".
رغم هذا فإن شبح هذا السيناريو يخيم على المنطقة، ويُستخدم كورقة ضغط من قِبل الدول المقاطعة كوسيلة ضغط نفسي، إما بالتصريح تارة كما سبق أن لوح به وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، في تغريدة له حمَّل فيها الدوحة مغبة التصعيد العسكري في المنطقة، وإما عبر الإيحاء بإمكانية تنفيذه تارة أخرى عبر تسريب أخبار توصل هذا الإيحاء دون تأكيدها أو نفيها.
وفي هذا الصدد، قالت مجلة "الأهرام العربي"، الخميس 29 يونيو/حزيران الجاري، إن الدول الأربع المقاطعة لقطر تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية في البحرين، ما لم تستجب قطر، خلال 72 ساعة، لمطالب الدول الأربع.
وأشارت إلى أن الخطوة ستمثل أول وجود عسكري مصري متقدم وثابت في منطقة الخليج.
ولم يصدر أي تعقيب رسمي من الدول الأربع على ما ذكرته المجلة.
وهو أمر يبدو مستبعداً في الأفق القريب -ما لم تحدث مفاجأة في مواقف أحد طرفي الأزمة- وخصوصاً في ظل استقراء المواقف الحالية التي تؤكد أن كل طرف ماضٍ في موقفه وثابت عليه بقوة.
تمضي الدوحة في مواجهة الأزمة وسيناريوهاتها المتوقعة على أكثر من صعيد، ضمن محور ثابت أعلنته؛ وهو أن الحوار هو الخيار الاستراتيجي لها في حل الأزمة، مع استعدادها لمناقشة وبحث أي طلبات لا تنتهك سيادتها.
- وبالتوازي مع هذا المبدأ المعلن، تتحرك الدوحة على أكثر من مسار، على الصعيد الدبلوماسي (عبر تحركات وجولات وزير خارجيتها المتواصلة لشرح موقف بلاده من الأزمة).
- على الصعيد الحقوقي (عبر قيام اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر بعقد مؤتمرات تكشف الانتهاكات الحقوقية للحصار، وإعلانها أنها تعتزم مقاضاة الدول المقاطعة لقطر على تلك الانتهاكات وطلب تعويضات من المتضررين).
- على الصعيد الاقتصادي، نشطت قطر في تأمين الاحتياجات الغذائية لمواطنيها والمقيمين بها، والبحث عن بدائل على المدى الطويل؛ لسد احتياجاتها من مختلف المجالات، وتدشين خطوط ملاحية جديدة لتعزيز تجارتها الخارجية، والبحث عن أسواق جديدة.
وكان علي شريف العمادي، وزير المالية القطري، قد أوضح في تصريحات خاصة لقناة سكاي نيوز البريطانية، أن قطر لا تواجه تحديات على صعيد حركة التصدير ولا حركة الموانئ أو المطارات قائلاً: "نحن ما زلنا نشغل رحلات إلى أكثر من 150 وجهة، ولا تزال سعة مرافئنا تتخطى الـ5 ملايين حاوية مع خطوط شحن مباشرة إلى غالبية الدول الأجنبية، ولدينا تعاملات تجارية مع أكثر من 190 دولة، ولن نتأثر بخسارة 3 أو 4 دول على الصعيد التجاري".
وبيّن العمادي أن دولة قطر تستورد المواد الغذائية من أكثر من 100 دولة، وخسارتها أربع منها يمكن تعويضها، مشدداً على أن شحنات الغاز القطري لم تتأثر منذ بدء الحصار.
- على الصعيد الإعلامي، نشطت قناة الجزيرة، ذات التأثير الكبير، في القيام بحملة إعلامية تولت فيها توضيح الموقف الرسمي لقطر من جانب، والرد على الشائعات التي تستهدفها من جانب آخر، وتوجيه هجمات مضادة للدول المقاطعة لقطر من جانب ثالث، كما نشط الإعلام المحلي، ممثلاً في تليفزيون قطر والصحف المحلية، في القيام بدور مساند لـ"الجزيرة" لتحقيق الأهداف نفسها، مع التركيز على الرسائل الموجهة للداخل.
- أما على الصعيد الشعبي، فظهر التفاف واضح من قِبل الشعب القطري تجاه قيادته وحكومته ودعم مواقفها.
وهذا ما نجحت الدوحة بالفعل في مواجهته من الحزمة الأولى من العقوبات أو المرحلة الأولى من الحصار، وهذا أيضاً ما ستستند إليه قطعاً في المرحلة الثانية من تشديد الحصار، حال تحقق السيناريو الثاني، مع وجود أوراق أخرى لديها لم تستخدمها حتى الآن، أبرزها ملف الغاز.
وينقل خط الأنابيب "دولفين" من حقل الشمال القطري نحو ملياري قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي إلى الإمارات وسلطنة عمان. وتلبي إمدادات الغاز القطري نحو 30 في المائة من احتياجات الإمارات والذي تستخدمه في توليد الكهرباء.
وسبق أن أكدت قطر أنها لا تريد الضرر للشعب الإماراتي، الذي سيتأثر بانقطاع الكهرباء عنه نتيجة توقف إمدادات الغاز القطري، مؤكدة أن الشعب الإماراتي لا ذنب له فيما يحصل.
وفي كل الأحوال، فإن تصعيد الأزمة لن يكون في مصلحة جميع الأطراف، والحل هو حوار مباشر، يدفع إلى مقاربة بين أطراف الأزمة تحقق السيناريو الثالث عبر التوصل لحل يجنِّب المنطقة الكثير من المخاطر المقبلة عليها في حال استمرار الأزمة.
بيد أن ترامب يقف إلى جانب الخطوات التي تقوم بها أبو ظبي والرياض، إذ هنأ في نفس اليوم الذي دعا فيه تيلرسون إلى تسويةٍ سريعةٍ في وقتٍ مبكرٍ من يونيو/حزيران الجاري، السعودية والإمارات على الخطوة التي اعتبرها "صعبة، ولكن ضرورية"، وفق تقرير لـ The Washington Post.
ووفقاً لتقريرٍ نشره الصحفي مارك بيري في مجلة "ذي أميريكان كونسيرفاتيف"، فإنَّ تيلرسون كان غاضاً بشدة، وانزعج خصوصاً مما اعتبره النفوذ الذي يحظى به السفير الإماراتي في واشنطن على البيت الأبيض، وقال بيري:
سفير الإمارات كتب تصريح ترامب!
أحد المُقرَّبين من وزير الخارجية قال وفقا لما ورد في صحيفة The Washington Post أنَّ تيلرسون كان منزعج للغاية من أنَّ البيت الأبيض ووزارة الخارجية لم يكن لهما نفس الموقف. وذكر أنَّ الكاتب الحقيقي لتصريح ترامب كان هو السفير الإماراتي بواشنطن يوسف العتيبة، وهو الصديق المقرب لجاريد كوشنر صهر ترامب.
يضيف الشخص المُقرَّب من تيلرسون قائلاً: لقد جمع وزير الخارجية أجزاء الصورة معاً، وخَلُصَ إلى أنَّ ذلك الفتى الأبله تماماً كان يدير سياسة خارجية أخرى من جناح العائلة بالبيت الأبيض. فالعتيبة يؤثر على جاريد، وجاريد يؤثر على ترامب. يا لها من فوضى.
وكان تصريح ترامب وفق الصحيفة هو القشة الأخيرة تقريباً بالنسبة لتيلرسون، فيقول ذلك الشخص المقرب: "الوزير مرهقٌ للغاية، فهو لا يستطيع الحصول على موافقةٍ لأي مقابلة، وهو يركض في مختلف أنحاء العالم لإصلاح ما يفسده الرئيس الذي جعل مستشاره الأساسي في الشؤون الخارجية فتى هاوياً يبلغ من العمر 36 عاماً".
أما وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني فقد أشاد بخطابه الذي ألقاه في واشنطن الخميس، 29 يونيو/حزيران، بـ"الجهود الثمينة" لنظيره الأميركي ريكس تيلرسون في إطار السعي لحل الأزمة الدبلوماسية التي تهدد بتفكيك واحدٍ من الأركان القليلة المستقرة في العالم العربي.
ولا يبدي محاصرو قطر في مجلس التعاون الخليجي -تكتل الدول العربية الغنية المستغرق في الأزمة الآن- أي استعدادٍ للتوصُّل إلى حلٍ وسط.
وظهرت أخبار غضب تيلرسون الخميس، 29 يونيو/حزيران، حين ذكرت مجلة بوليتيكو أنَّ وزير الخارجية "انفجر" غاضباً أثناء اجتماعٍ في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، مشتكياً من عدم قدرته على تعيين موظفين بالوزارة. وعلى ما يبدو فإنَّ ذلك الثوران قد "صعق" كبار الموظفين في البيت الأبيض.
ولن يساعد الشقاق داخل إدارة ترامب في تهدئة ما قد يبدو مواجهةً مزعزعةً للاستقرار. ويلفت المحللون إلى أنَّ المأزق لا يدفع قطر سوى للاقتراب أكثر من فلك طهران. وألمح الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني على استحياءٍ بأنَّ ترامب قد يرغب في التنسيق مع الأجنحة الأخرى في إدارته، كوزارة الخارجية ووزارة الخزانة.
وقال آل ثاني: "أعتقد أنَّ مزيداً من التنسيق بين الوكالات داخل الولايات المتحدة من شأنه أن يعطي الرئيس نظرةً أفضل عن طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر".
الغاز القطري أزعج الجيران
يوضح سايمون هندرسون من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وفق تقرير الصحيفة بأنَّ قائمة مطالب الدول الأربع المقاطعة لقطر -السعودية والإمارات ومصر والبحرين- صادمةٌ وعميقة.
وأضاف: "لطالما أغضب المملكة العربية السعودية احتياطي الغاز الضخم الذي تملكه قطر، والذي منحها استقلالاً مادياً عن المملكة".
باختصار، كلا الطرفين لا يُبدي نيةً للتراجع،. وفي هذه الأثناء، يقول وزير الخارجية القطري إنَّ الأزمة "تثير تساؤلاً كبيراً حول مستقبل مجلس التعاون الخليجي"، موجهاً ضربةً لأي أحلامٍ بتحالفٍ عربيٍ سني حركها ترامب في أثناء زيارته للسعودية. وتشكل عواقب هذا التفكك الصداع الجديد الذي لا يحتاجه كوشنر ولا تيلرسون، ولا أي شخصٍ آخر في الإدارة.
المطالب الصعبة
مع قرب انتهاء المهلة التي منحتها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر لتنفيذ مطالبها، تبرز 3 سيناريوهات متوقعة في ضوء رفض المطالب من قبل الدوحة، التي تعتبرها صعبة التنفيذ وأنها مجرد ادعاءات من دون أدلة، وكذلك في ضوء تهديدات الدول الأربع المتواصلة للدوحة من مغبة الرفض.
وكانت الأزمة الخليجية قد بدأت في 5 يونيو/حزيران الجاري؛ حين قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، وفرضت الثلاث الأولى عليها حصاراً برياً وجوياً، لاتهامها بـ"دعم الإرهاب"، وهو ما نفته الأخيرة.
وبضغط دولي، قدمت الدول الأربع مساء الخميس 22 يونيو/حزيران الجاري إلى قطر، عبر الكويت، قائمة تضم 13 مطلباً لإعادة العلاقات مع الدوحة، بينها إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، واغلاق قناة "الجزيرة"، وأمهلتها 10 أيام لتنفيذها، وفق الوكالة البحرينية الرسمية للأنباء.
وهي المطالب التي اعتبرت الدوحة أنها "ليست واقعية ولا متوازنة وغير منطقية وغير قابلة للتنفيذ". ومع انتهاء المهلة منتصف ليل الأحد المقبل، يتوقع أن تسير الأزمة في اتجاه واحد من 3 سيناريوهات:
السيناريو الأول.. تشديد الحصار وعقوبات جديدة
تشديد الحصار على قطر مع فرض حزمة عقوبات جديدة، وهذا هو ليس السيناريو الراجح وقوعه فحسب؛ بل إن المتتبع لتسلسل الأزمة يصل لاستنتاج أن الدول المقاطعة لقطر تدفع بالأمر دفعاً نحو هذا الاتجاه.
فرغم أن العالم كان يترقب قائمة مطالب الدول الأربع، لتكون خطوة باتجاه حل الأزمة، فإن إعلان قائمة المطالب نقل الأزمة إلى مرحلة أكثر تعقيداً، لأكثر من سبب، أبرزها طبيعة المطالب التي وصفها مراقبون بأنها "تعجيزية" وتنتهك "سيادة" الدوحة.
ويبدو أن الدول الأربع كانت تريد أن تلقي الكرة في ملعب قطر؛ لتحمِّلها المسؤولية عن استمرار الأزمة في حال رفضها، وهو ما أدركته الدوحة من الوهلة الأولى، وعبر عنه لاحقاً وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في تصريحات للتلفزيون العربي، مساء الخميس 29 يونيو/حزيران 2017، قال فيها إن "المطالب الثلاثة عشر لدول الحصار قُدِّمت لكي تُرفَض".
ومن هنا، جاء الرد القطري -رغم رفضه قائمة المطالب على الصعيدين الرسمي والشعبي- غير متعجل، وأعلنت الخارجية القطرية أنها تعكف على بحث هذه الطلبات والأسس التي استندت إليها؛ لغرض إعداد الرد المناسب بشأنها وتسليمه لدولة الكويت.
ولكن في خطوة جديدة بدا أنها قطعت الطريق على أي محاولة لإيجاد مقاربة لحل الأزمة عبر التفاوض لتخفيض سقف المطالب، أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، بعد مرور 5 أيام من المهلة (الثلاثاء الماضي)، أنه "لا تفاوض مع قطر بشأن قائمة المطالب ويجب تنفيذها كاملة".
وأعقب ذلك سلسلة تصريحات لوزير الخارجية القطري، اعتبر فيها أن ما تقدمت به دول الحصار هو مجرد ادعاءات من دون أدلة، مشيراً إلى أنه "إذا كانت هناك ادعاءات فيجب أن تكون مدعَّمة بأدلة؛ ومن ثم تأتي المطالب".
وشدد على أن "المطالب يجب أن تكون واضحة وقابلة للتنفيذ، أما غير ذلك فهو أمر مرفوض". واعتبر أن تقديم مطالب غير قابلة للتفاوض عدم احترام للقانون الدولي .
ويبدو واضحاً من تطور الأحداث، أن الأمور تُدفع دفعاً نحو تشديد الحصار على قطر، وبينما كان الحديث في الأيام الخمسة الأولى من المهلة، عن تهديدات لقطر بالعزلة من تلك الدول، تطور الأمر في النصف الثاني من المهلة، إلى تلميحات بتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها.
وهو ما عبر عنه عمر غباش، سفير الإمارات لدى روسيا، خلال مقابلة مع صحيفة "الغارديان" البريطانية، نُشرت قبل يومين، قال فيها إن "هناك بعض العقوبات الاقتصادية التي يمكننا فرضها، تجري دراستها في الوقت الحالي".
وأضاف: "يتمثل أحد الاحتمالات في فرض شروط على شركائنا التجاريين وإبلاغهم أنهم إذا أرادوا العمل معنا فعليهم أن يحددوا خياراً تجارياً". وبيَّن أن إخراج قطر من مجلس التعاون الخليجي "ليس العقوبة الوحيدة المتاحة".
في السياق نفسه، نقلت مجلة "الأهرام العربي"، المصرية الحكومية، عبر موقعها الإلكتروني، عن "مصادر عربية رفيعة" (لم تسمها)، أن العقوبات التي تنتظر قطر بعد انتهاء المهلة، هي تشديد المقاطعة الاقتصادية، وتجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي، وتجميد ودائع قطر في الدول المقاطعة (دون أن يتم الإعلان عن حجم تلك الودائع).
السيناريو الثاني: التصعيد العسكري
ورغم أن هذا السيناريو مستبعَد؛ لكونه يحتاج ضوءاً أخضر من أميركا للمضي قدماً فيه، لا سيما أن وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكد أنه تم "الاتفاق مع واشنطن على ضرورة البحث عن حل سلمي للأزمة الخليجية".
رغم هذا فإن شبح هذا السيناريو يخيم على المنطقة، ويُستخدم كورقة ضغط من قِبل الدول المقاطعة كوسيلة ضغط نفسي، إما بالتصريح تارة كما سبق أن لوح به وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، في تغريدة له حمَّل فيها الدوحة مغبة التصعيد العسكري في المنطقة، وإما عبر الإيحاء بإمكانية تنفيذه تارة أخرى عبر تسريب أخبار توصل هذا الإيحاء دون تأكيدها أو نفيها.
وفي هذا الصدد، قالت مجلة "الأهرام العربي"، الخميس 29 يونيو/حزيران الجاري، إن الدول الأربع المقاطعة لقطر تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية في البحرين، ما لم تستجب قطر، خلال 72 ساعة، لمطالب الدول الأربع.
وأشارت إلى أن الخطوة ستمثل أول وجود عسكري مصري متقدم وثابت في منطقة الخليج.
ولم يصدر أي تعقيب رسمي من الدول الأربع على ما ذكرته المجلة.
السيناريو الثالث: الوصول لاتفاق لحل الأزمة
وهو أمر يبدو مستبعداً في الأفق القريب -ما لم تحدث مفاجأة في مواقف أحد طرفي الأزمة- وخصوصاً في ظل استقراء المواقف الحالية التي تؤكد أن كل طرف ماضٍ في موقفه وثابت عليه بقوة.
خيارات الدوحة لمواجهة سيناريوهات الأزمة
تمضي الدوحة في مواجهة الأزمة وسيناريوهاتها المتوقعة على أكثر من صعيد، ضمن محور ثابت أعلنته؛ وهو أن الحوار هو الخيار الاستراتيجي لها في حل الأزمة، مع استعدادها لمناقشة وبحث أي طلبات لا تنتهك سيادتها.
- وبالتوازي مع هذا المبدأ المعلن، تتحرك الدوحة على أكثر من مسار، على الصعيد الدبلوماسي (عبر تحركات وجولات وزير خارجيتها المتواصلة لشرح موقف بلاده من الأزمة).
- على الصعيد الحقوقي (عبر قيام اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر بعقد مؤتمرات تكشف الانتهاكات الحقوقية للحصار، وإعلانها أنها تعتزم مقاضاة الدول المقاطعة لقطر على تلك الانتهاكات وطلب تعويضات من المتضررين).
- على الصعيد الاقتصادي، نشطت قطر في تأمين الاحتياجات الغذائية لمواطنيها والمقيمين بها، والبحث عن بدائل على المدى الطويل؛ لسد احتياجاتها من مختلف المجالات، وتدشين خطوط ملاحية جديدة لتعزيز تجارتها الخارجية، والبحث عن أسواق جديدة.
وكان علي شريف العمادي، وزير المالية القطري، قد أوضح في تصريحات خاصة لقناة سكاي نيوز البريطانية، أن قطر لا تواجه تحديات على صعيد حركة التصدير ولا حركة الموانئ أو المطارات قائلاً: "نحن ما زلنا نشغل رحلات إلى أكثر من 150 وجهة، ولا تزال سعة مرافئنا تتخطى الـ5 ملايين حاوية مع خطوط شحن مباشرة إلى غالبية الدول الأجنبية، ولدينا تعاملات تجارية مع أكثر من 190 دولة، ولن نتأثر بخسارة 3 أو 4 دول على الصعيد التجاري".
وبيّن العمادي أن دولة قطر تستورد المواد الغذائية من أكثر من 100 دولة، وخسارتها أربع منها يمكن تعويضها، مشدداً على أن شحنات الغاز القطري لم تتأثر منذ بدء الحصار.
- على الصعيد الإعلامي، نشطت قناة الجزيرة، ذات التأثير الكبير، في القيام بحملة إعلامية تولت فيها توضيح الموقف الرسمي لقطر من جانب، والرد على الشائعات التي تستهدفها من جانب آخر، وتوجيه هجمات مضادة للدول المقاطعة لقطر من جانب ثالث، كما نشط الإعلام المحلي، ممثلاً في تليفزيون قطر والصحف المحلية، في القيام بدور مساند لـ"الجزيرة" لتحقيق الأهداف نفسها، مع التركيز على الرسائل الموجهة للداخل.
- أما على الصعيد الشعبي، فظهر التفاف واضح من قِبل الشعب القطري تجاه قيادته وحكومته ودعم مواقفها.
وهذا ما نجحت الدوحة بالفعل في مواجهته من الحزمة الأولى من العقوبات أو المرحلة الأولى من الحصار، وهذا أيضاً ما ستستند إليه قطعاً في المرحلة الثانية من تشديد الحصار، حال تحقق السيناريو الثاني، مع وجود أوراق أخرى لديها لم تستخدمها حتى الآن، أبرزها ملف الغاز.
وينقل خط الأنابيب "دولفين" من حقل الشمال القطري نحو ملياري قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي إلى الإمارات وسلطنة عمان. وتلبي إمدادات الغاز القطري نحو 30 في المائة من احتياجات الإمارات والذي تستخدمه في توليد الكهرباء.
وسبق أن أكدت قطر أنها لا تريد الضرر للشعب الإماراتي، الذي سيتأثر بانقطاع الكهرباء عنه نتيجة توقف إمدادات الغاز القطري، مؤكدة أن الشعب الإماراتي لا ذنب له فيما يحصل.
وفي كل الأحوال، فإن تصعيد الأزمة لن يكون في مصلحة جميع الأطراف، والحل هو حوار مباشر، يدفع إلى مقاربة بين أطراف الأزمة تحقق السيناريو الثالث عبر التوصل لحل يجنِّب المنطقة الكثير من المخاطر المقبلة عليها في حال استمرار الأزمة.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/06/30/story_n_17347882.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات