الجمعة، 9 يونيو 2017

الله كريم

الله كريم


تفكَّر في الكون حولَك، انظر إلى تلك الوردة الحمراء المزهوة بلونها وعطرها، تتغنى بجمالها، تنظر إلى السماء شاكرة ربها على نعمه الكثيرة، تعلم أنها ستذبل يوماً، ولكنها قبلما تيبس سيفوح عطرها في الجو ليملأه فرحاً، سيقطفها عاشق ليهديها لحبيبته التي تنتظره على أحرِّ من الجمر، وتدرك جيداً أنها ستترك خلفها بذرة ستكبر لتصبح وردة وتُفرح القلوب من جديد.

تأمل في الفصول، شتاء، غيوم سوداء رعد وبرق، يعقبه ربيع، سماء صافية، زقزقة عصافير، أزهار وخضرة، براعم تتفتح، شمس باسمة تُلقي بنورها على كل شيء لتعيد له الحياة بعد سبات.

هكذا هي الحياة، فصول متتالية تمرُّ علينا بين شتاء وربيع، حزن وفرح، هم وفرج، وبين فشل ونجاح. فلا صعود دون هبوط، ولا راحة دون تعب، ولا بسمة دون دمعة.

هل فكَّرت يوماً في حياتك، وحلَّلت كلَّ أحداثها، وأحسست أن حياتك عبارة عن سلسلة مترابطة، وكل تفصيلة حدثت لك كانت لحكمة، احترت فيها عند حدوثها، وبعد فترة أدركت معناها واستشعرت لطف الله وكرمه معك.

كلنا حزِنَّا على أمر تمنَّيناه وسعينا له طويلاً من كل قلوبنا، وحلمنا بالوصول إليه ولم نحصل على ما أردنا، كنا نرى في هذا الأمر الأملَ والنجاة والسعادة، وفجأة انهارت كل الآمال والأحلام، واسودَّت الدنيا، وعَصَر الحزن قلبنا، وشعرنا أن الحياة انتهت، وأن الأفق انسدَّ.

وبعد مرور سنين على الحادثة، أدركنا الخير الكثير الذي خبَّأه الله لنا، والشر الذي أبعده عنا بخسراننا لهذا الشيء، وأننا محظوظون جداً بما حصلنا عليه اليوم، وأن الله أكرم مما نتصور.


في العلوم نحتاج إلى براهين حسية لنؤكد القاعدة العلمية وتجارب كثيرة ملموسة لنصدق ونؤمن. مع الله لا نحتاج إلى كل ذلك. كم هي مريحة الآيات التي تخبرنا أن الفرج آتٍ، وتدعونا إلى عدم الحزن والتفاؤل، وتبشرنا بأن الليل الحالك ما هو إلا مرحلة ستقضي عليها قطرات الفجر الضاحكة ونسمات الصباح الصافية.

تزوَّجا وحلما بأسرة جميلة وأطفال، سنة وراء سنة، وحلم الإنجاب لم يتحقق. أخذا بالأسباب، وقصدا الطبيب تلو الطبيب، هناك أمل، ولكن لم يحن الوقت بعد، الحل الوحيد هو الصبر والاستمرار في البحث والسؤال والإلحاح بالدعاء، وبعد سنوات طوال تحقق الأمل، ورزقا بطفل جميل أنار حياتهما وصبغها بألوان الفرح والسرور.

هي شابة في مقتبل العمر، وردة في بداية تفتُّحها، أحسَّت بألم وضيق تنفس، وإذ بها تفاجأ أنها مريضة، مصابة بالمرض الخبيث. علاجها ممكن ونسبة الشفاء مرتفعة، ولكن رحلة العلاج ستكون صعبة وشاقة. ويشاء القدر أن تخسر والدها في نفس الفترة. صعب أن تخسر السند والصحة والأمل بالمستقبل في الوقت نفسه.


لم تستسلم وقرَّرت تحدي المرض، وأن تكون قوية، وتنتصر في معركتها مع السرطان، لأن أموراً كثيرة وجميلة تنتظرها، فهي تحلم بالزواج والأولاد والشهادة والعمل. أتعبها العلاج كثيراً، وكادت أن تفقد حياتها مرات عديدة، ولكنها صمدت، وهي الآن عادت لحياتها بفضل الله بعد شفائها التام.

هذه ليست قصصاً خيالية، بل هي لأشخاص حقيقيين يعيشون معنا، والقصص كثيرة، شاهدة على كرم الله، وجبره لخواطر المكسورين، ورحمته بالمظلومين والمهمومين.

ويقول الله في كتابه الكريم: "إن مع العسر يسراً" وعد صادق نافذ من الله تعالى، أن الفرج مع الكرب، والنصر مع الصبر، وأن مع العسر يسراً. فإن كنت تعاني من شدائد العسر، أيقن بعدها بنفحات اليسر في كل جوانب حياتك.

ولا تنس أهمية الدعاء، صلّ ركعةً في جوف الليل، تبكي فيها بين يدي الله، تخبره بما أهمَّك، تشكو له من ظلمك، تطلب منه رزقاً، هو يسمع دعاءك، يرى دموعك، ينظر إلى قلبك، يحبك وسيبدل حزنك فرحاً وينصرك ويرزقك ويسعد قلبك وسيأتيك الفرج من حيث لا تحتسب.

كلنا نحمل داخلنا الكثير من الحكايات، مثقلون بأسرارنا وخفايا قلوبنا، وجوهنا تخبِّئ وراءها تارةً أحزاناً وتارةً أفراحاً، تارةً يأساً وتارةً أملاً، نبكي ونضحك وفي الحالتين نسير في هذه الحياة، نمضي متأملين بغدٍ أجمل، وجنة عرضها السماوات والأرض، جزاء لما تحمَّلناه وصبرنا عليه في هذه الدنيا الفانية.

الله كريم.. إن أعطى أدهش


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/diana-hasan-alkhalili/-_11995_b_17011368.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات