السبت، 10 يونيو 2017

فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم؟!

فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم؟!


ما معنى أن يجرد الإنسان من إنسانيته؟ ما معنى أن يشحن الإنسان كخيش أزبال؟ بل ما معنى أن يمعن في إذلال امرئ لم يقترف من ذنب سوى أن يقول: "أريد حياة كالحياة"؟!

معناه أن رعونة العقلية البوليسية التي تُسَيِّر المغرب، وصلت منتهاها، وبدأت تَسِيرُ به نحو العدم بخطى حثيثة؛ عدم الديمقراطية، عدم المساواة، عدم العدالة، بل نحو عدم الحياة.. عقلية تهش على البلاد بعصا الترهيب، والترغيب والتحبيب، الترهيب من التفكير في المطالبة بالحقوق، والتحبيب في كرهها نكاية في حبها، والترغيب في تركها إلى غير رجعة.. ومن ذا يا ترى الذي وصل به الغباء، درجة أن يرجع نحو سجن موحش ومتوحش، سجن يتقمص هيئة وطن؟!

وأي وطن؟ وطن تدبيره في تدميره، تطويره في توريطه، قضاؤه في القضاء عليه، اجتهاده في إجهاضه.

معناه أنه لمن الخير بمكان، لو مات أهل الريف مطحونين كرماء في شاحنة الأزبال، مع شهيدهم المحسن، "محسن فكري"، الذي أحسن لهم بأن أوقد قبساً من نار "لا"، وفكر أهل "نعم" بأنها لا تزال موجودة، مخبأة بين النبض والنبض، في خطاطيف البطالة المفترسة، على أرصفة التهميش الباردة، في أنين العذابات التي خلفتها سياط "الحكرة"، تحت ضمادات الجراح التي فتحتها نصال التهميش المتكسرة على نصال، بين أرجل الواقفين في طوابير "القفف" الرمضانية.

نعم، لكان خيراً لهم، بدل أن يعيشوا​ إلى أن يستدير الزمن القميء بمكر على عنفوان ثورتهم، ويأتي عليهم يوم، تنهك وتنتهك فيه الكرامة، تحت حكم بائس لحكومة مجنونة، يقودها نفساني، يتلمظ الخواء وهو يدس رأسه في التراب كالنعامة، وقفاه يبحث عما يستر عريه، لا يعرف موقع خطوه في ظلام السياسة الدامس، ولا يمكن التكهن بمآل رقبتها، تحت حد سكين في يده، ومقبضه في يد أخرى، يد لا مرئية.

فإن كان قديماً قد قيل: إن البلدان لا تضيق بأهلها، بل أحلام الرجال تضيق، فإن مغرب اليوم يثبت العكس، بل ويؤكد أنه بلد ضاق بأبنائه وأحلامهم حد العصر والسحق.

مهما اختلفت مع الإنسان في الآراء، والمواقف، ووجهات النظر، فإنك لن تختلف معه في جوهر البحث الكرامة، فهي رأس مال الإنسان، وثروته التي لا تساويها كل كنوز الدنيا.. ولن تتردد في ترديد: "ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً"، ودندنتها معه لحناً يناغي إشراقة غدٍ، تُبشر تباشير صباحه بنعيٍ لغوابر الأيام.

للأسف، لن تتناطح شاتان حول إذلال شباب ذنبهم الوحيد أنهم بحثوا عن العدالة في بلد الظلم والظلمات، لن تتناطح عليهم قرون سوى قرون الليل والنهار، اللذَين سيتعاقبان عليهم في الأقبيات الغربيبة الكالحة، ولن تبكيهم سوى عبرات مآقي أمهاتهم، ولن تندد حالهم سوى زفرات يتماوج فيها الحزن والغضب بصدور آبائهم.

وستسجل لهم النهارات بعيونها المبصرة أنهم سحبوا منها الضوء المفبرك، وتركوها سابحة في ظلامها.

أعتقد إلى درجة اليقين أن الحق الذي تملكه دويلة الأنذال في تسفيه أحلام أبنائها، وإذلالهم، هو أنهم كانوا سلميين، ولم يحرقوها بالنار والحديد بدل مسيرات "طنطنة" لم تجد لها سامعاً، سوى آذان من فولاذ، معلقة على رؤوس يكسوها المخاط.

لكنهم لم يفعلوا، ولأنهم لم يفعلوا ما يستحق كل هذه النذالة والدمامة والدناءة في معاملتهم، فعل بهم ذلك.

وكأني بكل منهم يقول: لم أقترف جرماً، سوى أن قلت قول "بخيت" صارخاً ملء إنسانيتي: "سبحان من حرر الإنسان، يخجلني أنا على هذه الأصنام نعتكف"، ويتناصّ لسان حاله مع "الهمداني": فهل أنا في ذا يا لهمدان ظالم؟".

ما أمر كأس القدر الساخر في الحلق، وما أحر سفود سخريته الحارق، وما أقل قدرة الكريم على التعلم!



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/said-elmrabet/-_11846_b_16876284.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات