السبت، 10 يونيو 2017

هو الحُبّ

هو الحُبّ


لما عصى سيدنا آدم ربَّه أخرجَهُ الله هو وزوجته من الجنة، فقال لهما: (اهبطُوا بَعضُكُم لبعضٍ عدوٌّ ولَكُم في الأرضِ مُستقرٌّ ومتاعٌ إِلى حِين).

وتلك هي العقوبة التي أوردها اللهُ في كتابهِ العزيز والتي يعلمُها جميع الخلق، ولكن هناك عقوبة ثانية غفلَ عنها كثيرٌ من الناس ولم يلتفتوا إليها، وهي أن الله -سبحانه وتعالى- لما رأى تعلّق قلب سيدنا آدم بستّنا حواء، وأنهُ قد أذعنَ لقولها ونزلَ على رأيها، وعصى ربَّهُ بسببها، فرّقَ بينهُما في الأرض، فهبط سيدنا آدم، كما ورد في الأثر، في الهند، بينما ستنا حواء قد هبطت على جبلٍ بالبلد الحرام، وتلك كانت عقوبتهما الثانية، وهي أن الله قد فرّقَ بينهما؛ لتتأوه قلوبَهما بالفراق، وتتعذب نفوسهما بعد أن عزّ بينهما اللقاء، وانقطع حبلُ الوصالِ بينهما بعدّ طولِ بقاء!

فأعظمُ أوجاع القلوب غياب الحبيب عن المحبوب، فالنفسُ لا تهنأ إلا بقربها من الحبيب، فإن غابَ عنها ضاق صدرُه، ونزفت بالدموعِ عينـُه، وتمزقت من الأشواقِ نفسُه، فلا تهدأ حتى تعود إليه، وإن طالَ غيابُها هرولت إليه، وقالت له: حبيبي لبيك، فهل هنأت نفسُكَ بالبُعد عني؟ وهل طابَ عيشُك وجسدُكَ ليس بالقرب مني، وهل رأيت لذةً للحياة وأنت لم تدنُ منّي؟!

فالحبيب هو النور الذي تـُرى به الدنيا، فإن غاب عنك تساوت الأشباحُ في نظرك فلا تعد عينكَ تـُميز بين الليلِ والنهار، أو بين الرجالِ والنساء، ولا بين الإنسان والجماد؛ لذلك تجد المُحبين مُكبينَ في الطرقاتِ على وجوههم والأوجاعُ والأشواقُ مَسطورةٌ على جبهاتهم، فأمرُ الحبيبُ غالبٌ على أمرك وطيفةِ لا يـُفارق عينِك.

وهكذا ظلّ سيدنا آدم وستنا حواء يتيهانِ في الأرض يبحث كلٌّ منهما عن الآخر؛ ليهنأ بالقرب قلبُه وتسعد برؤية الحبيب عينُه.

فستنا حواء أخذت تغدو على الجبلِ ذهاباً وإياباً، أما سيدنا آدم فأخذَ يسيرُ في الأرض من مشرقها إلى مغربها مُمنياً نفسَهُ بلقائها، وباحثاً في الأرض عن طيفها، فهكذا أحوال المُحبين لا تهدأ نفوسهُم إلا باللقاء ولا تقر صدورهم إلا بالتلاقي.

فلما ضاقت على سيدنا آدم نفسُه، وتعذبَ منَ البُعد قلبه، واستيأسَ أن يجمع باللقاءِ شملُه، لجأ إلى ربه فسجد سجدةً طويلة، فأوحى اللهُ إليه ببعض الملائكة ليُشيروا إليه بالسيرِ نحو بيتهِ الحرام (كما ورد في بعض كتب السير والتفاسير).

فرأت ستنا حواء وهي على قمة الجبل طيفاً يأتي من بعيد، فعرفت أنه سيدنا آدم، فسُمي هذا الجبل بجبل "عرفة"، فزلفت إليه مُسرعة لتـُقابلَهُ فسُمي مكان اللقاء بينهما بـ"المُزدلفة" فخلدّ اللهُ ذلكَ المكانين ليُذكر الناس بمكان التقاء الحبيبين، وأصبحا من شعائر الإسلام، فلا يصح لمسلمٍ حَج إلا بالمرور عليهما والركون إليهما.. وهكذا كانت قصتهما (معصية فرقتهما وتوبة وسجدة جمعتهما).

وتلك كانت قصة سيدنا آدم وستنا حواء التي تتكرر كل يوم، ولكن مع الفارق، وهو أن الفراق يكون بلا رجعة، فكم من عاشقٍ في هذه الدنيا قد مات مكلوماً من فقد محبوبه، وكم من نفس عاشت في هذه الدنيا مألومة لفراق حبيبها، وكم من قصة حب لم تكتمل فعاش أصحابها على أنقاض ذكرياتها وأنين أوجاعها؛ لذلك لا يمكنني أن أختم تلك المقالة سوى ببيتٍ من الشعر لأعرابي لم تذكر الكتب أو المصنفات اسمه، ولكنها خلدت بين صفحاتها قوله:
إن الهوى لهو الهوان بعينهِ ** ما ذاقَ طعم الذل من لم يعشق




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ayman-ali-dawoud/story_b_16875250.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات