وصلاً بما كان منا نكمل حديث اللطائف، وحديثها جليل، كتبناه والله بماء الفخر والحزن والرجاء، بما كان وعلى الكائن ولما يكون، وليس دفعاً لملالة، أو قضاء لشهوة، أو طلباً لمغنم، فاستقبل - هداك الله - ما أتاك منه بغير ما تستقبل سواه، واحتشد له عقلاً وقلباً وعزماً، وفي قصدك الإصابة منه، ولو أن تغترف غرفة بيدك، فلربما بلغت بها صعباً ترتقيه، وعقرت داء احتلت له من قبل وعز الدواء.
ونعوذ بالله أن يكون حظه منك مرور العين دون مصافحة الفؤاد، إذاً فما أضيع وقتاً أنفقه من كتب ومن قرأ.
أبدأ اليوم حديثاً عن لطيفة حقها الصدارة، وقد خططت لذلك ولكنها المقادير، فما كان لحديث عن أسرة - وإن عظمت - أن يتقدم (إكبار الدين وإجلاله). فذا خطأ نقبل فيه العتاب، ونسوق إلى الله ألوان المتاب.
أعود لأقول: إن (إكبار الدين وإجلاله) قيمة يفيض بها العمل الفني فيض الشراب عن كأس مترعة، ولست مخدوعاً لو طلبت تحدياً في نقض قولي، ولست أبوء بالخسران، فلقد حرص صناعه على أن تغزوك هذه اللطيفة في كل حلقة مرة أو مرتين، ويبدو ذلك جلياً في البدء باسم الله تعالى عند كل يسير وخطير، وفي وضع اليد على الصدر والإطراق بالعين عند ذكر النبي عليه السلام، وكذلك في وضع سجادة الصلاة في مكان خاص بها بعد طيها وتقبيلها في أدب جم، وفي توقير العالم لما يحمله عن الله ورسوله.
وهنا وجب التفريق بين (إكبار الدين وإجلاله) وبين العلم بالشريعة والعمل بها وإقامة الشعائر.
إن (إكبار الدين وإجلاله) حالة فى القلب مظهرها وجل وانكسار لله، وألا تعدل به سواه، فليس الدين كسواه فى شيء، ولا يجري عليه ما يجري على غيره من القول، له ألفاظ دون غيرها، وجلسة دون غيرها، ونبرة صوت دون غيرها، فهو ليس كالدرهم الرديء بيدك تقلبه كيف تشاء، أو متاع تعالجه بأطراف البنان وقد تكون فيه الرغبة وقد يكون فيه الزهد، بل هو أمر تجمع له نفسك، وتأخذ له من روحك، ويخشع له قلبك، وتنكسر له عينك حتى يرضى.. فقط حتى يرضى.
فقلب خلا من (إكبار الدين وإجلاله) تخشى عليه الفتنة - وإن سكنته الشريعة علماً وعملاً- فإن هجرته تلك الأخرى فقد تمت فتنته، ما بال كاشف الصدر فى برد قارس ومطر منهمر! كيف يرجو العافية؟ وقد ينتج العمل العظيم عن علم قليل ما امتلأ القلب بأمر الدين وتعظيم شأنه، أي علم كان يحمله الصديق ليسلم على يديه خمسة من المبشرين بالجنة يوم إسلامه؟ وكذا شخصيات المسلسل جل الدين فى قلوبهم فهال عملهم مع قلة علمهم، ولئن كنت وجدت في صدرك حرجاً من قولي فاعلم أننى لست بسابق إليه ولا مبتدع، وإنما أريد لك ما أراد الله لصدر هذه الأمة، فلقد دأب القرآن الكريم على غرس (إكبار الدين وإجلاله) فى قلوب المؤمنين كأول ما يستحق الغرس،
فبعد النداء على المصطفى وإخباره بطبيعة المهمة جاء الأمر من الله "وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ" هكذا وقبل أن يأمره بالطهر ظاهراً وباطناً، ثم جعل الله على المؤمنين صدقة - قبل التخفيف عنهم بعد ذلك - إذا هم أرادوا مناجاة النبي، فليتصدقوا بالمال طهرة لهم قبل أن يرتقوا لمقام الحديث مع النبي "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"، ثم حذرهم من رفع الصوت في حضرته والغض من إجلاله، فتلك خطيئة لا تثقل معها طاعة، وكسر لا يجبره عمل صالح "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ"،
ثم عاب على قوم رفعوا أصواتهم فى مناداته من وراء الحجرات وعالج الحادثة كأمر جلل ينصدع به جدار الأمة إذا قوبل بالتهاون "إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ"، ثم جعل التعظيم لشعائر الله -لا أقول القيام بها - علامة على التقوى وحسن السريره "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"، وفي غير مرة أكد على خطورة التمييع والخلط، وأهمية التمايز والفصل والحفاظ على الأقدار فى نصابها "لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً"، وهل النبي سوى الإسلام إذا تحرك أو نطق؟ أليس هو القرآن يمشي على قدمين؟ فإكباره إكبار للدين، وتنزيل أمره فى قلبك من علاه ليكون سواء بغيره قصم ظهر للدين كله -وإن كنت ذا حظ من العلم والعمل- هكذا ألح القرآن فى غرس قيمه (إكبار الدين وإجلاله) - ممثلاً فى شخص النبي - فى قلوب الصحابة.
ولما صح الغرس صح النبت وطاب الثمر، فهذا الصدّيق والفاروق لا يكلمان النبي إلا مسارّة، ولا يسمع النبي إلا بعد استفهام منهما لانخفاض الصوت، وآخر يتحرج من السير منتعلاً فى طرقات المدينة ويؤثر الحفاء، عسى قدمه تمس حصى مسته قدم النبي من قبل فتكون المرحمة، وحياء أن يطأ نعله رمالاً شرفت بتقبيل قدم المصطفى، وكل الصحابة كان نظرهم إلى رسول الله خطفاً لا تثبت عيونهم فى عينيه، بل ترتوي منه ما لم ينظر إليهم، فإن نظر إلى أحدهم أطرق إلى الأرض حياء وإجلالاً، هكذا ينظرون إلى الرسول، هكذا ينظرون إلى الرسالة، إياك والفصل بين الرسالة والرسول.
ولما عظم أمر الدين وجل فى قلوبهم استقام البناء، فكان الإنسان.. وكان العمران، وتلك حالة لا تحصلها غزارة العلم، ولا طلاقة اللسان، ولا عمق الفكرة، ولا حسن البيان، فرب آلف للتعبد، وحافظ للمتون، وعالم فى الشرع، لقيت به شخصاً خف أمر الدين على كاهله، وهان فى قلبه، واستوى عنده بغيره، وبقاؤه عليه مشروط بقلة الكلفة، والطاقة عليه في غير لأواء. فإن لاح ما يحذر، كان التنكر والفراق، كأن لم تكن مودة من قبل، وليس كالبلاء كشاف للسرائر، وليس للأيام فضاح للمنافقين.
خلاصة القول: ليكن تعظيم الدين فى قلبك إلى ما ظهر من علمك وعملك كنسبة ما خفي من الوتد إلى ما بدا منه - ثلثان إلى ثلث - فعندها فقط يرجى الثبات، ولئن اختل ذلك = فلن يكفيك العلم والعمل شر المزالق، ولتكونن حريصاً على أخذ (سيلفي) ليلة القدر.
ونعوذ بالله أن يكون حظه منك مرور العين دون مصافحة الفؤاد، إذاً فما أضيع وقتاً أنفقه من كتب ومن قرأ.
أبدأ اليوم حديثاً عن لطيفة حقها الصدارة، وقد خططت لذلك ولكنها المقادير، فما كان لحديث عن أسرة - وإن عظمت - أن يتقدم (إكبار الدين وإجلاله). فذا خطأ نقبل فيه العتاب، ونسوق إلى الله ألوان المتاب.
أعود لأقول: إن (إكبار الدين وإجلاله) قيمة يفيض بها العمل الفني فيض الشراب عن كأس مترعة، ولست مخدوعاً لو طلبت تحدياً في نقض قولي، ولست أبوء بالخسران، فلقد حرص صناعه على أن تغزوك هذه اللطيفة في كل حلقة مرة أو مرتين، ويبدو ذلك جلياً في البدء باسم الله تعالى عند كل يسير وخطير، وفي وضع اليد على الصدر والإطراق بالعين عند ذكر النبي عليه السلام، وكذلك في وضع سجادة الصلاة في مكان خاص بها بعد طيها وتقبيلها في أدب جم، وفي توقير العالم لما يحمله عن الله ورسوله.
وهنا وجب التفريق بين (إكبار الدين وإجلاله) وبين العلم بالشريعة والعمل بها وإقامة الشعائر.
إن (إكبار الدين وإجلاله) حالة فى القلب مظهرها وجل وانكسار لله، وألا تعدل به سواه، فليس الدين كسواه فى شيء، ولا يجري عليه ما يجري على غيره من القول، له ألفاظ دون غيرها، وجلسة دون غيرها، ونبرة صوت دون غيرها، فهو ليس كالدرهم الرديء بيدك تقلبه كيف تشاء، أو متاع تعالجه بأطراف البنان وقد تكون فيه الرغبة وقد يكون فيه الزهد، بل هو أمر تجمع له نفسك، وتأخذ له من روحك، ويخشع له قلبك، وتنكسر له عينك حتى يرضى.. فقط حتى يرضى.
فقلب خلا من (إكبار الدين وإجلاله) تخشى عليه الفتنة - وإن سكنته الشريعة علماً وعملاً- فإن هجرته تلك الأخرى فقد تمت فتنته، ما بال كاشف الصدر فى برد قارس ومطر منهمر! كيف يرجو العافية؟ وقد ينتج العمل العظيم عن علم قليل ما امتلأ القلب بأمر الدين وتعظيم شأنه، أي علم كان يحمله الصديق ليسلم على يديه خمسة من المبشرين بالجنة يوم إسلامه؟ وكذا شخصيات المسلسل جل الدين فى قلوبهم فهال عملهم مع قلة علمهم، ولئن كنت وجدت في صدرك حرجاً من قولي فاعلم أننى لست بسابق إليه ولا مبتدع، وإنما أريد لك ما أراد الله لصدر هذه الأمة، فلقد دأب القرآن الكريم على غرس (إكبار الدين وإجلاله) فى قلوب المؤمنين كأول ما يستحق الغرس،
فبعد النداء على المصطفى وإخباره بطبيعة المهمة جاء الأمر من الله "وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ" هكذا وقبل أن يأمره بالطهر ظاهراً وباطناً، ثم جعل الله على المؤمنين صدقة - قبل التخفيف عنهم بعد ذلك - إذا هم أرادوا مناجاة النبي، فليتصدقوا بالمال طهرة لهم قبل أن يرتقوا لمقام الحديث مع النبي "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ ۚ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"، ثم حذرهم من رفع الصوت في حضرته والغض من إجلاله، فتلك خطيئة لا تثقل معها طاعة، وكسر لا يجبره عمل صالح "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ"،
ثم عاب على قوم رفعوا أصواتهم فى مناداته من وراء الحجرات وعالج الحادثة كأمر جلل ينصدع به جدار الأمة إذا قوبل بالتهاون "إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ"، ثم جعل التعظيم لشعائر الله -لا أقول القيام بها - علامة على التقوى وحسن السريره "ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"، وفي غير مرة أكد على خطورة التمييع والخلط، وأهمية التمايز والفصل والحفاظ على الأقدار فى نصابها "لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً"، وهل النبي سوى الإسلام إذا تحرك أو نطق؟ أليس هو القرآن يمشي على قدمين؟ فإكباره إكبار للدين، وتنزيل أمره فى قلبك من علاه ليكون سواء بغيره قصم ظهر للدين كله -وإن كنت ذا حظ من العلم والعمل- هكذا ألح القرآن فى غرس قيمه (إكبار الدين وإجلاله) - ممثلاً فى شخص النبي - فى قلوب الصحابة.
ولما صح الغرس صح النبت وطاب الثمر، فهذا الصدّيق والفاروق لا يكلمان النبي إلا مسارّة، ولا يسمع النبي إلا بعد استفهام منهما لانخفاض الصوت، وآخر يتحرج من السير منتعلاً فى طرقات المدينة ويؤثر الحفاء، عسى قدمه تمس حصى مسته قدم النبي من قبل فتكون المرحمة، وحياء أن يطأ نعله رمالاً شرفت بتقبيل قدم المصطفى، وكل الصحابة كان نظرهم إلى رسول الله خطفاً لا تثبت عيونهم فى عينيه، بل ترتوي منه ما لم ينظر إليهم، فإن نظر إلى أحدهم أطرق إلى الأرض حياء وإجلالاً، هكذا ينظرون إلى الرسول، هكذا ينظرون إلى الرسالة، إياك والفصل بين الرسالة والرسول.
ولما عظم أمر الدين وجل فى قلوبهم استقام البناء، فكان الإنسان.. وكان العمران، وتلك حالة لا تحصلها غزارة العلم، ولا طلاقة اللسان، ولا عمق الفكرة، ولا حسن البيان، فرب آلف للتعبد، وحافظ للمتون، وعالم فى الشرع، لقيت به شخصاً خف أمر الدين على كاهله، وهان فى قلبه، واستوى عنده بغيره، وبقاؤه عليه مشروط بقلة الكلفة، والطاقة عليه في غير لأواء. فإن لاح ما يحذر، كان التنكر والفراق، كأن لم تكن مودة من قبل، وليس كالبلاء كشاف للسرائر، وليس للأيام فضاح للمنافقين.
خلاصة القول: ليكن تعظيم الدين فى قلبك إلى ما ظهر من علمك وعملك كنسبة ما خفي من الوتد إلى ما بدا منه - ثلثان إلى ثلث - فعندها فقط يرجى الثبات، ولئن اختل ذلك = فلن يكفيك العلم والعمل شر المزالق، ولتكونن حريصاً على أخذ (سيلفي) ليلة القدر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohamed-mogamed-al-naggar/post_15328_b_17350412.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات