نستكمل ما بدأناه في الحلقتين السابقتين حول قراءتنا لرواية باب الخروج للدكتور عز الدين شكري فشير.
الكاتب صاغ قصته على شكل رواية على لسان البطل الرئيسي، مما أفسح المجال واسعاً للكاتب أن يفسر الأحداث، ويحلل الشخصيات، ويحكم عليهم من وجهة نظره، ولكن مع تدخّل بشخصه كراوٍ، والإدلاء برأيه كل فترة، كأنما يلقي محاضرة على طلبته، وليس كراوٍ يسرد الأحداث ويصوغ قصته.
وبدأ كاتبنا الرواية من النهاية برسالة من الأب، يكتبها من فوق ظهر السفينة المحملة بقنابل نووية "صغيرة"، حسب تعبير المؤلف لابنه يحيى لفح، مخطط العسكر على مصر، المخطط الذي سانده د. فشير في الواقع، وساهم في الترويج له كدور للجيش في السياسة وليس انقلاباً عسكرياً، كما ذكرت في المقالتين السابقتين، والأسلوبان "الرواية على لسان الشخصية الرئيسية، وبداية القصة من نهايتها على طريقة الفلاش باك" لونان معتمدان وموجودان كأحد أشكال الرواية العربية والعالمية، ولكن رأيي الشخصي أنه لو كانت بالطريقة التقليدية، بحيث تدور الأحداث على طبيعتها، وأن يكون الكاتب راوياً للأحداث مع كل الشخصيات، وليس راوياً من وجهة نظره الشخصية فقط، لكان أفضل، ولسمح لكل شخوص الرواية بالتعبير عن وجهة نظرهم، وعن رؤيتهم لمن حولهم، وعن حكمهم على الأشخاص، وعن دوافعهم، ونزعاتهم، ومبادئهم، ولما كانت الرواية تتبنى وجهة نظر الكاتب طوال الوقت، أو تتأرجح بين وجهة نظره وبين أمنياته وطموحاته فقط.
ولأن الرواية يختلط فيها الأدب بالسياسة بالعقيدة بالثورة بالتاريخ، والكثير رأوا فيها مستقبل الثورة المصرية؛ لذلك أقول إنه كان من الأفضل إفساح المجال لكل الشخصيات للتعبير عن مكنونها، وذلك أبسط قواعد الحريات والليبرالية التي ينتمي إليها كاتبنا، ويدعو الناس إليها.
ولكن للأسف، يوجد في مجتمعاتنا من يعلنون الحريات والليبرالية في العلن، وهم يضمرون ويطبقون أعلى درجات الديكتاتورية والحجر على آراء وفكر الآخرين كمنهج حياة وأسلوب معيشة.
ولو لم تكن الرواية تتناول، بل وتتنبأ بمستقبل الثورة المصرية، ولو لم تكن تهتم بالشأن السياسي لمصر، لما تطرقت لهذه الجزئية، أو تحدثت عنها.. ولكن دفعني إلى هذه الملاحظة أن الرواية ليست عادية، ولا تخص الكاتب وحده.
وقد يرد قائل بأنه من حق الكاتب أن يصوغ الأحداث ويحلل الوقائع وينظر للشخصيات من وجهة نظره، وليس لأحد أن يحجر عليه، وأرد على ذلك بأنه من حقه تماماً، ولكن بشرط أن لا تعتبر الرواية أو تصنف كأهم عمل روائي يتناول ويحلل الثورة المصرية، ويتنبأ بمستقبلها، ويفسر غوامض وألغاز أحداثها، لكن إذا اعتبرت مفسراً ومتوقعاً للثورة ولمستقبل الدولة والشعب، فكان الأقل أن يدلي كل طرف بما عنده من وجهة نظره، وأن لا يقصر كاتبنا الرؤية والتحليل والتنظير على شخصه المقدر والمكرم.
ونأتي إلى التركيبة النفسية للبطل الرئيسي للقصة، وهو الراوي الذي اتصفت حياته بالسلبية، وكان يتخذ دائماً موقف رد الفعل، وليس المبادر بالفعل أو الصانع للأحداث، بل ظل الشخص المهذب المطيع، والمتلقي للأوامر، والمنفذ لها، سواء في الشأن العام أو في حياته العاطفية وعلاقاته المتعددة في الصين ومصر، وذلك كان وضعه وتصرفه، الأمر عندما هربت زوجته مع والدها "اللواء والرئيس فيما بعد أحمد القطان".
ولم يشذ عن هذه السلبية سوى في موقفين، هما انضمامه للمتظاهرين في التحرير، والثاني في نهاية الرواية، عندما قرر أن يبلغ عن شحنة القنابل النووية "الصغيرة أو محدودة التأثير" التي كلفه حماه "الرئيس القطان" بشرائها كملجأ أخير لإنهاء الاحتلال الصهيوني لسيناء، بعدما فشلت كل محاولات وجهود إنهاء الاحتلال عبر المفاوضات، وبعدما شعر العسكر بأن وجودهم في السلطة مهدد بالاقتلاع عبر ثورة عارمة لعجزهم عن تحرير الأرض، وطرد الصهاينة الذين اضطروا لاحتلال أجزاء من سيناء كرد فعل لتهور التيار الإسلامي في مصر وقطاع غزة.. وهذه طوام كبرى كأنما كاتبنا يبحث عن مبررات للصهاينة لاحتلال الأراضي، وأنهم في موقف رد الفعل، وليسوا مجرمين ومعتدين، وقامت دولتهم على الاحتلال والاستيلاء على أراضي الغير، وعلى معاداة العرب والمسلمين... والطامة الكبرى الثانية هي إيجابيته النادرة بقراره تسليم القنابل النووية لأميركا، وبرر ذلك بأنه لإنهاء حكم العسكر، ومنعهم من صنع بطولات تجعل بقاءهم في الحكم أبدياً، ولتجنيب مصر ويلات هجمات نووية انتقامية من الصهاينة ومن الأميركيين.. وكأنه ليس هناك وسيلة أخرى للاستفادة من امتلاك سلاح ردع نووي يغير موازين القوى وينهي التفوق الصهيوني الأميركي إلا بتسليم هذا السلاح لأميركا، راعية الكيان الصهيوني والمدافعة عنه.
وكان في إمكان كاتبنا أن يجد طرقاً أخرى لتجنيب مصر الويلات التي يخشاها بطرق ثورية، مثل إرسال رسالة بأي وسيلة لرفاق الثورة بانتظار الشحنة النووية مع ممثلين لوسائل إعلام محلية وعالمية في ميناء الوصول، وقبل تركيب القنابل على صواريخ الإطلاق، وأن يعهد لرفاقه بتدشين حملة حشد جماهيري للتمسك بهذا السلاح الرادع، وعدم التفريط فيه، وعدم استخدامه بعبث يهدد بقاء الأمة، وخاصة أن الرئيس القطان لم تكن يده حديدية مثلما كان الحكم العسكري السابق، بل كان يسمح ببعض الحريات، ويترك مجالاً لحرية الرأي والتعبير، وكان بالإمكان تدبير مثل هذه الأمور، وليس اللجوء إلى أميركا كأنها الملاذ الوحيد لليبراليين ومدعي الديمقراطية، وإغفال دورها في صناعة الانقلابات العسكرية ورعاية الصهاينة، وسفك دماء العرب والمسلمين في مختلف بقاع الأرض، وخاصة أن الكاتب ذكر أن المفاوضات لا نفع لها ولا طائل من ورائها، فكان لا بد من امتلاك سلاح رادع، ولتقريب وجهة نظري للقارئ أطرح سؤالاً: هل بغضنا ورفضنا لحكم العسكر يدفعنا لتدمير الأسلحة والمعدات العسكرية التقليدية التي نمتلكها كشرط للتخلص من حكم الجنرالات أو بعد تخلصنا من حكم العسكريين؟ بالطبع لا.. فكذلك الوضع بالنسبة لسلاح الردع النووي.
ونستكمل في الحلقة المقبلة -بمشيئة الله- قراءتنا لرواية باب الخروج.
الكاتب صاغ قصته على شكل رواية على لسان البطل الرئيسي، مما أفسح المجال واسعاً للكاتب أن يفسر الأحداث، ويحلل الشخصيات، ويحكم عليهم من وجهة نظره، ولكن مع تدخّل بشخصه كراوٍ، والإدلاء برأيه كل فترة، كأنما يلقي محاضرة على طلبته، وليس كراوٍ يسرد الأحداث ويصوغ قصته.
وبدأ كاتبنا الرواية من النهاية برسالة من الأب، يكتبها من فوق ظهر السفينة المحملة بقنابل نووية "صغيرة"، حسب تعبير المؤلف لابنه يحيى لفح، مخطط العسكر على مصر، المخطط الذي سانده د. فشير في الواقع، وساهم في الترويج له كدور للجيش في السياسة وليس انقلاباً عسكرياً، كما ذكرت في المقالتين السابقتين، والأسلوبان "الرواية على لسان الشخصية الرئيسية، وبداية القصة من نهايتها على طريقة الفلاش باك" لونان معتمدان وموجودان كأحد أشكال الرواية العربية والعالمية، ولكن رأيي الشخصي أنه لو كانت بالطريقة التقليدية، بحيث تدور الأحداث على طبيعتها، وأن يكون الكاتب راوياً للأحداث مع كل الشخصيات، وليس راوياً من وجهة نظره الشخصية فقط، لكان أفضل، ولسمح لكل شخوص الرواية بالتعبير عن وجهة نظرهم، وعن رؤيتهم لمن حولهم، وعن حكمهم على الأشخاص، وعن دوافعهم، ونزعاتهم، ومبادئهم، ولما كانت الرواية تتبنى وجهة نظر الكاتب طوال الوقت، أو تتأرجح بين وجهة نظره وبين أمنياته وطموحاته فقط.
ولأن الرواية يختلط فيها الأدب بالسياسة بالعقيدة بالثورة بالتاريخ، والكثير رأوا فيها مستقبل الثورة المصرية؛ لذلك أقول إنه كان من الأفضل إفساح المجال لكل الشخصيات للتعبير عن مكنونها، وذلك أبسط قواعد الحريات والليبرالية التي ينتمي إليها كاتبنا، ويدعو الناس إليها.
ولكن للأسف، يوجد في مجتمعاتنا من يعلنون الحريات والليبرالية في العلن، وهم يضمرون ويطبقون أعلى درجات الديكتاتورية والحجر على آراء وفكر الآخرين كمنهج حياة وأسلوب معيشة.
ولو لم تكن الرواية تتناول، بل وتتنبأ بمستقبل الثورة المصرية، ولو لم تكن تهتم بالشأن السياسي لمصر، لما تطرقت لهذه الجزئية، أو تحدثت عنها.. ولكن دفعني إلى هذه الملاحظة أن الرواية ليست عادية، ولا تخص الكاتب وحده.
وقد يرد قائل بأنه من حق الكاتب أن يصوغ الأحداث ويحلل الوقائع وينظر للشخصيات من وجهة نظره، وليس لأحد أن يحجر عليه، وأرد على ذلك بأنه من حقه تماماً، ولكن بشرط أن لا تعتبر الرواية أو تصنف كأهم عمل روائي يتناول ويحلل الثورة المصرية، ويتنبأ بمستقبلها، ويفسر غوامض وألغاز أحداثها، لكن إذا اعتبرت مفسراً ومتوقعاً للثورة ولمستقبل الدولة والشعب، فكان الأقل أن يدلي كل طرف بما عنده من وجهة نظره، وأن لا يقصر كاتبنا الرؤية والتحليل والتنظير على شخصه المقدر والمكرم.
ونأتي إلى التركيبة النفسية للبطل الرئيسي للقصة، وهو الراوي الذي اتصفت حياته بالسلبية، وكان يتخذ دائماً موقف رد الفعل، وليس المبادر بالفعل أو الصانع للأحداث، بل ظل الشخص المهذب المطيع، والمتلقي للأوامر، والمنفذ لها، سواء في الشأن العام أو في حياته العاطفية وعلاقاته المتعددة في الصين ومصر، وذلك كان وضعه وتصرفه، الأمر عندما هربت زوجته مع والدها "اللواء والرئيس فيما بعد أحمد القطان".
ولم يشذ عن هذه السلبية سوى في موقفين، هما انضمامه للمتظاهرين في التحرير، والثاني في نهاية الرواية، عندما قرر أن يبلغ عن شحنة القنابل النووية "الصغيرة أو محدودة التأثير" التي كلفه حماه "الرئيس القطان" بشرائها كملجأ أخير لإنهاء الاحتلال الصهيوني لسيناء، بعدما فشلت كل محاولات وجهود إنهاء الاحتلال عبر المفاوضات، وبعدما شعر العسكر بأن وجودهم في السلطة مهدد بالاقتلاع عبر ثورة عارمة لعجزهم عن تحرير الأرض، وطرد الصهاينة الذين اضطروا لاحتلال أجزاء من سيناء كرد فعل لتهور التيار الإسلامي في مصر وقطاع غزة.. وهذه طوام كبرى كأنما كاتبنا يبحث عن مبررات للصهاينة لاحتلال الأراضي، وأنهم في موقف رد الفعل، وليسوا مجرمين ومعتدين، وقامت دولتهم على الاحتلال والاستيلاء على أراضي الغير، وعلى معاداة العرب والمسلمين... والطامة الكبرى الثانية هي إيجابيته النادرة بقراره تسليم القنابل النووية لأميركا، وبرر ذلك بأنه لإنهاء حكم العسكر، ومنعهم من صنع بطولات تجعل بقاءهم في الحكم أبدياً، ولتجنيب مصر ويلات هجمات نووية انتقامية من الصهاينة ومن الأميركيين.. وكأنه ليس هناك وسيلة أخرى للاستفادة من امتلاك سلاح ردع نووي يغير موازين القوى وينهي التفوق الصهيوني الأميركي إلا بتسليم هذا السلاح لأميركا، راعية الكيان الصهيوني والمدافعة عنه.
وكان في إمكان كاتبنا أن يجد طرقاً أخرى لتجنيب مصر الويلات التي يخشاها بطرق ثورية، مثل إرسال رسالة بأي وسيلة لرفاق الثورة بانتظار الشحنة النووية مع ممثلين لوسائل إعلام محلية وعالمية في ميناء الوصول، وقبل تركيب القنابل على صواريخ الإطلاق، وأن يعهد لرفاقه بتدشين حملة حشد جماهيري للتمسك بهذا السلاح الرادع، وعدم التفريط فيه، وعدم استخدامه بعبث يهدد بقاء الأمة، وخاصة أن الرئيس القطان لم تكن يده حديدية مثلما كان الحكم العسكري السابق، بل كان يسمح ببعض الحريات، ويترك مجالاً لحرية الرأي والتعبير، وكان بالإمكان تدبير مثل هذه الأمور، وليس اللجوء إلى أميركا كأنها الملاذ الوحيد لليبراليين ومدعي الديمقراطية، وإغفال دورها في صناعة الانقلابات العسكرية ورعاية الصهاينة، وسفك دماء العرب والمسلمين في مختلف بقاع الأرض، وخاصة أن الكاتب ذكر أن المفاوضات لا نفع لها ولا طائل من ورائها، فكان لا بد من امتلاك سلاح رادع، ولتقريب وجهة نظري للقارئ أطرح سؤالاً: هل بغضنا ورفضنا لحكم العسكر يدفعنا لتدمير الأسلحة والمعدات العسكرية التقليدية التي نمتلكها كشرط للتخلص من حكم الجنرالات أو بعد تخلصنا من حكم العسكريين؟ بالطبع لا.. فكذلك الوضع بالنسبة لسلاح الردع النووي.
ونستكمل في الحلقة المقبلة -بمشيئة الله- قراءتنا لرواية باب الخروج.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mostafa-ibraheem/-3-_25_b_13708858.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات