للعام الرابع على التوالي يظل موقف الجماعة في مصر وخارجها كما هو، الملايين مضارّون بين مُطارد ومسجون ومصاب، بالإضافة إلى عائلات تتضور من المعاناة بعد طرد عائلهم من وظيفته الحكومية أو حبسه أو حتى هربه، وما عاد بالقليل أن نسمع عن قصص بيع أثاث المنازل لتتقوت عائلات ربّها مطارد أو مسجون أو شهيد، فيما توارت بالحجاب أمنيات نصر الله القريب الذي سيتنزل على المستضعفين دون حول لهم ولا قوة، وفيما تشتد المعاناة بالمصريين الشرفاء المخلصين في أغلبهم، لم تعد بارقة أمل تلوح في الأفق بقرب انفراجة ترحم أناساً يعانون داخل البلاد وخارجها، ولا يدرون غداً لمأزقهم الذي يشتد يوماً بعد يوم وساعة بعد أخرى!
وما حال الإخوان ومناصريهم في مصر إلا مثال لمعاناة حركات إسلامية في الوطن العربي، وإن كان مثالاً شديد الضراوة، فيبقى أنه أقل مرارة مما لقيته "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الجزائر في التسعينات من القرن الماضي وما تلاها، لما أقبلت على تجربة الحكم وفازت بالصناديق، وتم الانقلاب عليها من جانب العسكر أيضاً، ولم يمنع هذا الإخوان في مصر من السير في نفس الطريق. وفي المنتصف تعاني حركات إسلامية على نحو أو آخر هنا وهناك.
ويبقى في النفس سؤال: ترى ما الذي نقص الإخوان في مصر لكيلا تتنزل عليه المعونة الإلهية؟ وبالتالي لماذا تعاني الحركات الإسلامية بعامة اليوم؟
والكلمات الماضية تحمل بين طياتها لدى صاحب هذه الكلمات إشكالية من جزئين، الأول: هل الطاعة والعبادة تساوي نصر الله لعباده الطائعين العابدين؟ بمعنى أصح: هل كانت فكرة الإخوان عن أن عبادتهم لله في ميدان رابعة العدوية بخاصة طوال شهر رمضان 1434هـ كافية لنصرتهم، هل كانت الفكرة صحيحة؟
بعيداً عن أن الواقع أيَّد عدم صحة التصور والمفهوم الإخواني، وأن تثبيت الله يتنزل على الآخذين بالأسباب لا المُصلين الصائمين الذين لا يعرفون كيفية السعي لحل الأزمة التي هم فيها، أو حتى مجرد تأمين أنفسهم، مع الاحترام التام الكامل لشهداء ميدان رابعة العدوية والمُضارين في جميع ميادين مصر، إلا أن غياب الأخذ بالأسباب يساوي البقاء "محلك سر"، ولو نصر الله صائمين قائمين عابدين دون عمارتهم الأرض، أو إحسانهم الأخذ بالفعل الحضاري الواجب لصار لزاماً عليه تعالى نصرة كل تارك لأسباب الحضارة مكتفٍ بالعبادة، ولتنافي هذه مع هدفه تعالى من خلق الإنسان بجعله خليفة له في الأرض، وبحسن عمارة الأرض التي تأتي بالعبادة الصحيحة التي خلق الله لها الجن والأنس بعد الصلاة والصيام وبقية الأركان.
فليس الانغماس في الطاعة، وحده، مع التقدير للطاعة، يساوي نصرته تعالى ما لم يواكبها فعل مناسب للحفاظ على النفس وزراعة الخير في الأرض، فإن واكبت العبادة الفعل الحضاري المُعمر للأرض فبها ونعمت، وإلا نصر الله المتحضر ولو كان كافراً أو خائناً، طالما استطاع الاستنصار بمن لديهم سبل النصرة وحبال القوة. وربما أراد الله من هذا إفاقة المسلم الغافل عن طبيعة المعادلة.
على أن أمر الطاعة القائم بين الإنسان وربه الخاص بالتدرج والرقي الحضاري يتم خرقه فيما يخص حقوق الآخرين، وهو الجزء الثاني من الإشكالية، فلا ينصر الله مصلياً قائماً لا يُحسن الأخذ بالأسباب الدنيوية، ولكنه تعالى يخذل كل متجرئ على حقوق الناس، مستسهل الاستئثار بها لنفسه، وأزعم أنه في مصر، على الأقل، كانت الآلاف تتداعى للعبادة في الميادين فور الانقلاب في 2013م، فيما كان ظلم النفس يعمل على أشده بينهم، وإلا فأين ما قاله مسؤول إخواني بارز في جلسة خاصة مؤخراً، وهو أحد المُغادرين لمصر فور الانقلاب من أن الإخوان في عهد "مبارك" لم يتوقعوا لا الثورة المصرية، ولا مناخ الحرية المؤقت التابع لها، ولا ترشحهم للرئاسة، ولا الانقلاب، ولا ما تبعه من موقف بالغ الصعوبة اليوم.
إن ظلم النفس الجمعي أدى إلى أن تتخذ بعض القيادات بمعزل عن الأساس قرارات سياسية بالغة الخطورة، زجَّت بالصف كله في محنة لا يعلم إلا الله مداها، ثم إن القيادة تتبلبل اليوم بعدما أضاعت بوادر للحل بعد الانقلاب مباشرة، بتصميمها على تكرار سيناريو يناير/كانون الأول 2011 في غير سياقه.
ولم ينتبه الإخوان إلى ظلم النفس المستشري بينهم في مصر في حقوق العباد، بداية من انتقاء عناصر لا تصلح لإنصاف الآخرين وتصعيدهم في الجماعة حتى ليكون بعضهم ضمن قيادات حريصة على عدم تصعيد منافس يحمل فكراً لئلا يحرجها، وإلا فلنسأل عن مفكر أو أديب أفرزته الجماعة على مدار عشرات السنوات باستثناء الروائي "نجيب الكيلاني" رحمه الله، ولنسأل عما أشيع من "تربيطات" للوصول إلى مكتب الإرشاد أعلى قمة الجماعة، وعن حرص الجماعة على إبعاد المخالفين لآرائها عن ميادين صنع القرار الحقيقية، ومن بينهم الدكتور "محمد البلتاجي"، فك الله أسره، وهو يدفع اليوم ثمن نفس القرارات التي لم يرض عنها.
وليس بآخر، فلنسأل عن البلبلة وقت الترشح للرئاسة في الأشهر الأولى من عام 2012م، وقرار الجماعة بعدم الترشح للرئاسة ثم قرار الترشح، في أبريل/نيسان، من نفس العام، وصدق الداعية الإخواني الشهير القائل في جلسة خاصة أيضاً، ولله در الجلسات الخاصة، قال لا فض فوه، إننا لم ندرِ لماذا ترشحنا للرئاسة، فما بالنا بالناس؟!
وفي المنتصف لنصارح أنفسنا بأن الجماعة التي قيل إنها لم تخرج مجرماً أو سارقاً أو مزوراً هي التي كانت تنتج بعضاً من إخوة وآباء يرفضون توريث بناتهم وفق شرع الله، وهي التي أثمرت عن تسكين في أماكن العمل الخاص بالجماعة مهنياً بعد تنظيمياً الكثير ممن يعانون من القصور في الأداء والتفكير، حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم، وأن المجاملة والمحاباة والواسطة أكلت كبد الجماعة من داخلها ولا تزال حتى اليوم، وإلا لما رأينا آلافاً من الكفاءات تتضور معاناة اليوم بعد قرابة 6 آلاف شهيد ومليون مطارد وآلاف المصابين، تتضور كفاءات فيما يُنعم بعض فاقدي الضمير ويتقوت بعضهم بحمل الحقائب للقادة، بل صار مجرد حمل الحقيبة ميزة لتولي أمر الجماعة كلها، وما حديث صانع الشاي والقهوة منا بغائب أو بعيد؟!
إن الإخوان كانوا ولا يزالون أحسن ما في مصر، وقس على ذلك الجماعات الإسلامية والحركات في الأمة، ولكنه تفاضل في مقارنة بالأسوأ ليس إلا، مع الاحترام لمخلصين مغلوبين على أمرهم ومبعدين أو يدفعون الثمن!
ويوم يقوم الإخوان وحركات إسلامية لله مثنى وفرادى، كما اشترط تعالى في قرآنه الكريم، مع الفارق، يوم يقومون لله ويتفكرون في حلول لمشكلاتهم، ويُغلبون مراد الله على مراد أنفس لم ترعه تعالى في المجموع كما ينبغي ولا تزال، ويوم يكف الجميع عن ظلم النفس الجمعي بأنواعه الذي أضاع الجمع وقضى على مئات الألوف من الأفراد، ويفهمون مراد الله في عمارة كونه، ولا يلبسونه بالعبادة الخاصة بأحدهم. فيما بينه وبين ربه، يوم تستفيد الجماعة والحركات من الدروس القاسية ولا تصر على المكابرة والعناد يأذن الله بنهاية هذه المحنة الفريدة وبتفريج كرب الأمة بداية من قلبها النابض في مصر.
وما حال الإخوان ومناصريهم في مصر إلا مثال لمعاناة حركات إسلامية في الوطن العربي، وإن كان مثالاً شديد الضراوة، فيبقى أنه أقل مرارة مما لقيته "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في الجزائر في التسعينات من القرن الماضي وما تلاها، لما أقبلت على تجربة الحكم وفازت بالصناديق، وتم الانقلاب عليها من جانب العسكر أيضاً، ولم يمنع هذا الإخوان في مصر من السير في نفس الطريق. وفي المنتصف تعاني حركات إسلامية على نحو أو آخر هنا وهناك.
ويبقى في النفس سؤال: ترى ما الذي نقص الإخوان في مصر لكيلا تتنزل عليه المعونة الإلهية؟ وبالتالي لماذا تعاني الحركات الإسلامية بعامة اليوم؟
والكلمات الماضية تحمل بين طياتها لدى صاحب هذه الكلمات إشكالية من جزئين، الأول: هل الطاعة والعبادة تساوي نصر الله لعباده الطائعين العابدين؟ بمعنى أصح: هل كانت فكرة الإخوان عن أن عبادتهم لله في ميدان رابعة العدوية بخاصة طوال شهر رمضان 1434هـ كافية لنصرتهم، هل كانت الفكرة صحيحة؟
بعيداً عن أن الواقع أيَّد عدم صحة التصور والمفهوم الإخواني، وأن تثبيت الله يتنزل على الآخذين بالأسباب لا المُصلين الصائمين الذين لا يعرفون كيفية السعي لحل الأزمة التي هم فيها، أو حتى مجرد تأمين أنفسهم، مع الاحترام التام الكامل لشهداء ميدان رابعة العدوية والمُضارين في جميع ميادين مصر، إلا أن غياب الأخذ بالأسباب يساوي البقاء "محلك سر"، ولو نصر الله صائمين قائمين عابدين دون عمارتهم الأرض، أو إحسانهم الأخذ بالفعل الحضاري الواجب لصار لزاماً عليه تعالى نصرة كل تارك لأسباب الحضارة مكتفٍ بالعبادة، ولتنافي هذه مع هدفه تعالى من خلق الإنسان بجعله خليفة له في الأرض، وبحسن عمارة الأرض التي تأتي بالعبادة الصحيحة التي خلق الله لها الجن والأنس بعد الصلاة والصيام وبقية الأركان.
فليس الانغماس في الطاعة، وحده، مع التقدير للطاعة، يساوي نصرته تعالى ما لم يواكبها فعل مناسب للحفاظ على النفس وزراعة الخير في الأرض، فإن واكبت العبادة الفعل الحضاري المُعمر للأرض فبها ونعمت، وإلا نصر الله المتحضر ولو كان كافراً أو خائناً، طالما استطاع الاستنصار بمن لديهم سبل النصرة وحبال القوة. وربما أراد الله من هذا إفاقة المسلم الغافل عن طبيعة المعادلة.
على أن أمر الطاعة القائم بين الإنسان وربه الخاص بالتدرج والرقي الحضاري يتم خرقه فيما يخص حقوق الآخرين، وهو الجزء الثاني من الإشكالية، فلا ينصر الله مصلياً قائماً لا يُحسن الأخذ بالأسباب الدنيوية، ولكنه تعالى يخذل كل متجرئ على حقوق الناس، مستسهل الاستئثار بها لنفسه، وأزعم أنه في مصر، على الأقل، كانت الآلاف تتداعى للعبادة في الميادين فور الانقلاب في 2013م، فيما كان ظلم النفس يعمل على أشده بينهم، وإلا فأين ما قاله مسؤول إخواني بارز في جلسة خاصة مؤخراً، وهو أحد المُغادرين لمصر فور الانقلاب من أن الإخوان في عهد "مبارك" لم يتوقعوا لا الثورة المصرية، ولا مناخ الحرية المؤقت التابع لها، ولا ترشحهم للرئاسة، ولا الانقلاب، ولا ما تبعه من موقف بالغ الصعوبة اليوم.
إن ظلم النفس الجمعي أدى إلى أن تتخذ بعض القيادات بمعزل عن الأساس قرارات سياسية بالغة الخطورة، زجَّت بالصف كله في محنة لا يعلم إلا الله مداها، ثم إن القيادة تتبلبل اليوم بعدما أضاعت بوادر للحل بعد الانقلاب مباشرة، بتصميمها على تكرار سيناريو يناير/كانون الأول 2011 في غير سياقه.
ولم ينتبه الإخوان إلى ظلم النفس المستشري بينهم في مصر في حقوق العباد، بداية من انتقاء عناصر لا تصلح لإنصاف الآخرين وتصعيدهم في الجماعة حتى ليكون بعضهم ضمن قيادات حريصة على عدم تصعيد منافس يحمل فكراً لئلا يحرجها، وإلا فلنسأل عن مفكر أو أديب أفرزته الجماعة على مدار عشرات السنوات باستثناء الروائي "نجيب الكيلاني" رحمه الله، ولنسأل عما أشيع من "تربيطات" للوصول إلى مكتب الإرشاد أعلى قمة الجماعة، وعن حرص الجماعة على إبعاد المخالفين لآرائها عن ميادين صنع القرار الحقيقية، ومن بينهم الدكتور "محمد البلتاجي"، فك الله أسره، وهو يدفع اليوم ثمن نفس القرارات التي لم يرض عنها.
وليس بآخر، فلنسأل عن البلبلة وقت الترشح للرئاسة في الأشهر الأولى من عام 2012م، وقرار الجماعة بعدم الترشح للرئاسة ثم قرار الترشح، في أبريل/نيسان، من نفس العام، وصدق الداعية الإخواني الشهير القائل في جلسة خاصة أيضاً، ولله در الجلسات الخاصة، قال لا فض فوه، إننا لم ندرِ لماذا ترشحنا للرئاسة، فما بالنا بالناس؟!
وفي المنتصف لنصارح أنفسنا بأن الجماعة التي قيل إنها لم تخرج مجرماً أو سارقاً أو مزوراً هي التي كانت تنتج بعضاً من إخوة وآباء يرفضون توريث بناتهم وفق شرع الله، وهي التي أثمرت عن تسكين في أماكن العمل الخاص بالجماعة مهنياً بعد تنظيمياً الكثير ممن يعانون من القصور في الأداء والتفكير، حتى وصلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم، وأن المجاملة والمحاباة والواسطة أكلت كبد الجماعة من داخلها ولا تزال حتى اليوم، وإلا لما رأينا آلافاً من الكفاءات تتضور معاناة اليوم بعد قرابة 6 آلاف شهيد ومليون مطارد وآلاف المصابين، تتضور كفاءات فيما يُنعم بعض فاقدي الضمير ويتقوت بعضهم بحمل الحقائب للقادة، بل صار مجرد حمل الحقيبة ميزة لتولي أمر الجماعة كلها، وما حديث صانع الشاي والقهوة منا بغائب أو بعيد؟!
إن الإخوان كانوا ولا يزالون أحسن ما في مصر، وقس على ذلك الجماعات الإسلامية والحركات في الأمة، ولكنه تفاضل في مقارنة بالأسوأ ليس إلا، مع الاحترام لمخلصين مغلوبين على أمرهم ومبعدين أو يدفعون الثمن!
ويوم يقوم الإخوان وحركات إسلامية لله مثنى وفرادى، كما اشترط تعالى في قرآنه الكريم، مع الفارق، يوم يقومون لله ويتفكرون في حلول لمشكلاتهم، ويُغلبون مراد الله على مراد أنفس لم ترعه تعالى في المجموع كما ينبغي ولا تزال، ويوم يكف الجميع عن ظلم النفس الجمعي بأنواعه الذي أضاع الجمع وقضى على مئات الألوف من الأفراد، ويفهمون مراد الله في عمارة كونه، ولا يلبسونه بالعبادة الخاصة بأحدهم. فيما بينه وبين ربه، يوم تستفيد الجماعة والحركات من الدروس القاسية ولا تصر على المكابرة والعناد يأذن الله بنهاية هذه المحنة الفريدة وبتفريج كرب الأمة بداية من قلبها النابض في مصر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohamed-thbet/-_12307_b_17355794.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات