الاثنين، 24 يوليو 2017

لما حضرنا القسمة.. رضينا

لما حضرنا القسمة.. رضينا

في سابق عمري كنت أفهم بعض الشخصيات وتستعصي أخرى، تحدثني قسمات الوجوه بما تبعثه من شجن أو ثقة أو محبة باختلاف المشاعر، لكني أتوقف دائماً عند الخطأ ولا أستطيع فهمه، ولا فهم الإصرار عليه، أحلل كثيراً من طباع البشر، وكيف نصل لخلق ما يعيش معنا ونعيش به.. أرى تطور اﻷمم والعقل الجمعي وانتكاسهم.. أزداد رفضاً للقعود والجبن والكذب والخوف، أتحامل في نفسي على من يزجّ نفسه في مهالك الدنيا في أغوار نفسه أو قراراته المصيرية، أزجر تلك الفتاة، وأخلص لها النصح، كيف تلقين بقلبك هكذا؟ وكيف تأمنين شر الناس بهذه السذاجة؟

كيف تخدعك فلانة وتركنين لصداقتها ثانية؟ كيف يترك هذا الرجل بثقل عقله حياته هباء؟ وكيف تركن هذه لدعة العيش وقد ينتظر منها الكثير؟

ثم إني تزوجت.. وأحببت.. وأنجبت فعلمت أن لله على القلوب سلطاناً، عذرت مَن أحبوا فضعفوا.. وإن كان كل امرئ منوطاً بفعله متحملاً لجريرته خبرت برد الروح ودفئها ونفرة القلب والعقل والجوارح لها، وأراني الله كيف يتكون جنيني في روحي وقلبي، فأراه بعد تسعة شهور كما شعرته، فلا أدري أيرسم قدره شعوري أو كان شعوري سبباً من أسباب قدره وطبعه، وما يحمل قلبه من هَم وبهجة، من حكمة متعبة أو روح ضاحكة أنجبت. ورأيت كيف يبعث الله اﻷم واﻷب فيتكون على يديهما مخلوق وتنمو بذوره خيرها أو شرها، حذره أو شجاعته، كرمه أو بخله.. بما يجودان عليه من أفعال وأقوال، والأهم ما وقر في صدريهما فذلك ما يصله حتماً، ويقر في صدره.

عذرت من قلَّ عمله أو قصرت همته، ورأيت سنين عمره قبلها كيف شكلته، وعرفت لم قد يرضى أحدهم وتقر عينه بدفء عائلته عن درجات شأن عظيم يستطيعها، قدرت كثيري الشكوى.. لم أعد أجزع.. لسنا متشابهين، ولا متساوين.. حتى مَن تربوا تحت سقف واحد لكل منا نفس وروح، وجسد، تفاعل مع ما حوله، بحلوه ومره، بألف طريقة مختلفة عن سواه.

صاحبتي التي قد أصفها بالضعف مسبقاً.. فهمت هشاشة قلبها اﻵن، وودت لو أهديتها صبراً، والأخرى التي وصفتها بالقوية جداً.. اعتذرت منها؛ لأنني لم أكن بالجوار حين ظننت صبرها يغنيها عن المواساة، كيف يبتلي الله شخصاً بأمر هو عين التخفيف ربما لو صار لغيره؟ كيف يقصر بأحدهم الصبر عن مصيبة ويعجب له الناس؟ ولو أعطوا روحه وحياته ما أحسنوا فعله، عرفت أنني مجرد بشر أمام صغاري، ولا أفهم الآن التشبيه الذي يستخدمه البعض عن رحمة اﻷم لو رسمت قدر ابنها، وأن الله أرحم.. فيصيبهم الدهشة إذ لا نتخيل شخصاً أحن وألطف من كائن اﻷم.

أنا أجهل الخير لي، ولا أعلم أين تطأ قدمي فآمن كيف أقرر لصغيري شيئاً.. كيف حتى لو شهدت مولده وحفظت تفاصيله، وكبرت طباعه على يدي أدركت لمَ القلب السليم منتهى اﻷمل، كيف تختلف القصص فيدخل الفردوس مَن أحسن في حياته، وهو في مأمن مع شهيد قارع وقاتل فقتل.. ولربما تذكر الملائكة امرأ في الدنيا لا يعلمه أحد.. وآخر تهتز به المنابر ولا يتجاوزها، لمَ الرضى مستراح؟ ولمَ كان الكبر كفيلاً بإبليس فأرداه النار.

رضيت كثيراً عن الناس وعن نفسي.. عن الله وصنيعه فينا، كيف يخلق الله اﻷنفس ويوزع لها التدبير.. بما يليق بعلمه.

رضيت وكفرت كثيراً بنفسي لو ضبطتها تحكم على أحد أو تحاكمه، وكفرت بمن يفعل، مَن نحن؟ في النهاية أنتألى على الله أم ننصب أنفسنا آلهة؟



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/manar-al-safouri/story_b_17570850.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات