هل يتحقق معنى هذه الآية في كل عالم؟
كثيراً ما ينشغل المعلِّمون والمؤلفون بحقوق العلماء على الناس، وواجب الناس نحوهم، وقليلاً ما يلتفتون إلى حقِّ العِلْم على هؤلاء العلماء.
تَعَلَّمْنا وتَعَوَّدنا نحن المسلمين إجلال العلماء إجلالاً عظيماً، ورفعهم فوق الأعناق والرؤوس، وهذا مما أمر به ديننا، وحضَّ عليه نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن للعلماء في الإسلام قدراً ومنزلة تلي قدر ومنزلة الأنبياء، وقد جعلهم رسول الله ورثة الأنبياء، لأنهم حملة العلم الذي جاء به الأنبياء، ومصابيح الهداية للناس. هذا حق نؤمن به ونعتقد، ونجتهد في العمل به.
والسؤال هنا: أَكُلُّ مَن حَمَلَ العلمَ جَدِيرٌ بأن يحمله الناسُ على الأعناق؟
أَكُلُّ مَنْ حَمَلَ العلمَ جَدِيرٌ بالطاعةِ جديرٌ بالاقتداء به والتأسي؟
والجواب: مِنْ غير شك لا، ليس كل مَنْ حَمَلَ العلمَ جديراً بالطاعة، وليس كل مَنْ حَمَلَ العلم جديراً بالاقتداء به.
إن طاعة العالم والاقتداء به تستلزم أمرين، لا ينفك أحدهما عن الآخر، ولا بد أن يكونا خَصْلَتَيْن أصيلتين في العالِم حتى يكون جديراً بالتأسي والاقتداء والطاعة.
أولهما: الأخلاق والأدب
إن الأخلاق والأدب هما الأساس الذي يقوم عليه العلم، فإن خلا العالم من الأخلاق كان بَلاءً ونِقْمَةً لا نعمة، وكان مثال سَوْءٍ، وداعيةً على أبواب جهنم يقذف الناس فيها.
وقال الله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ ورِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ).
قال ابن الجوزي: (كاد الأدب يكون ثلثي العلم).
وقال بعض السلف: (نحن إلى قليل من الأدَب أحوجُ منا إلى كثيرٍ من العلم).
ثانيهما: العمل
إن وجدتَ العالم يخالف عملُه قولَه فذاك أحد دعاة جهنم.
وإذا وجدتَ العالم يقعد عما يأمر به، ويترك ما يدعو إليه، فذلك منكوس القلب، قعيد الهمة، ساقط النفس.
وإذا وجدت العالم يَجْبُنُ عن قول الحق، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رَغَباً أو رَهَباً، فإنما هو أخو الطواغيت، خادم لهم، لأن قُعُوده أَقْعَدَ الناسَ وثَبَّطَهم، ولأن قُعُودَه كان مَدْعَاةً لِتَغَوُّل الباطل وأهله، وكان قُعُودُه سَبَباً في تَفَشِّي الظلم، وتَجَبُّر الطغاة، وفُجُور البغاة، وسُقُوط الْعَوَام، وضَيَاعِ الدين والدنيا كليهما معاً.
وقد ضَرَبَ الله مثلاً قَبِيحاً للعلماء الذين أوتوا العلم ولم يعملوا به، إذ جعلهم كالحمير التي تحمل على كُتب علمٍ ولا تدري بما تحمل، فقال الله عز وجل فيهم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَاً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
فإن العلم إنْ لم يظهر في قول وعمل العالِم، ويُتَرْجِمُه واقعاً حَيّاً في مُجْتَمَعِه وحياته فلا قيمة له، قال الحسن البصري: "كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشّعه وهديه ولسانه ويده".
وعلى هذين الشرطين، فإن قول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} لا ينزل على كل العلماء، ولا يتحقق في كل من يوصف بالعلم.
فإن تلك مكانة لا ينالها إلا من أدَّى للعلم حَقَّه، وحفظ للعلم قَدْرَه، وتحَلَّى بالعلم خُلُقُه وأَدَبُه، وبَذَلَ ضَرِيبة العلم تامَّة، فَصَدَعَ به، ولم يَكْتُمْه.
فإن لم يفعل العلماءُ ذلك، كان علمُهم حَسْرَةً عليهم، وسبباً في انحطاط قَدْرِهِم إلى أسفل سافلين، قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.
فكل مَنْ كَتَمَ الحقَّ مِنَ العلماء، ولم يصدع به، ولم يَدُلَّ الناس عليه، ولم يَدْعُهم إليه، يُخْشَى عليه أن يدخل تحت قوله تعالى: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.
فإن العلماء بِقَدْر ما يُؤَدُّونَ للعلم حَقَّه يَرْفَعُهم، وبَقَدْرِ ما يَصُونُون له قَدْرَه يَحْفَظُهم، وبِقَدْرِ ما يُعظِّمون العلم يَعْظُم شأنُهم، ويعلُو قَدْرُهم، وتَعِزُّ في الأرض أسماؤهم.
وَيْلٌ للناس إنْ قَعَدَ العلماءُ عن زَجْرِ الطغاة البُغاة!
وَيْلٌ للناس إنْ جَبُنَ العلماءُ عن إنكار المنكر!
وَيْلٌ للناس إنْ لَجَأ العلماءُ إلى التَّقِيَّة واختاروا الدَّنِيَّة خَوْفاً ورَهَباً أو طَمَعاً ورَغَباً!
وَيْلٌ للناس إنْ رَكِنَ العلماءُ إلى الصَّمْتِ، وسكتوا وسكنوا عن بَغْيِ البُغَاة، وفُجُور الطُّغاة، وفِسْقِ الْفَسَقَة!
اللهم ارزقنا العفو والعافية، وارزقنا الحق الذي ترتضيه، وارزقنا الثبات عليه، فإما نصراً به، أو شهادة فيه.
كثيراً ما ينشغل المعلِّمون والمؤلفون بحقوق العلماء على الناس، وواجب الناس نحوهم، وقليلاً ما يلتفتون إلى حقِّ العِلْم على هؤلاء العلماء.
تَعَلَّمْنا وتَعَوَّدنا نحن المسلمين إجلال العلماء إجلالاً عظيماً، ورفعهم فوق الأعناق والرؤوس، وهذا مما أمر به ديننا، وحضَّ عليه نبينا صلى الله عليه وسلم، فإن للعلماء في الإسلام قدراً ومنزلة تلي قدر ومنزلة الأنبياء، وقد جعلهم رسول الله ورثة الأنبياء، لأنهم حملة العلم الذي جاء به الأنبياء، ومصابيح الهداية للناس. هذا حق نؤمن به ونعتقد، ونجتهد في العمل به.
والسؤال هنا: أَكُلُّ مَن حَمَلَ العلمَ جَدِيرٌ بأن يحمله الناسُ على الأعناق؟
أَكُلُّ مَنْ حَمَلَ العلمَ جَدِيرٌ بالطاعةِ جديرٌ بالاقتداء به والتأسي؟
والجواب: مِنْ غير شك لا، ليس كل مَنْ حَمَلَ العلمَ جديراً بالطاعة، وليس كل مَنْ حَمَلَ العلم جديراً بالاقتداء به.
إن طاعة العالم والاقتداء به تستلزم أمرين، لا ينفك أحدهما عن الآخر، ولا بد أن يكونا خَصْلَتَيْن أصيلتين في العالِم حتى يكون جديراً بالتأسي والاقتداء والطاعة.
أولهما: الأخلاق والأدب
إن الأخلاق والأدب هما الأساس الذي يقوم عليه العلم، فإن خلا العالم من الأخلاق كان بَلاءً ونِقْمَةً لا نعمة، وكان مثال سَوْءٍ، وداعيةً على أبواب جهنم يقذف الناس فيها.
وقال الله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ ورِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ).
قال ابن الجوزي: (كاد الأدب يكون ثلثي العلم).
وقال بعض السلف: (نحن إلى قليل من الأدَب أحوجُ منا إلى كثيرٍ من العلم).
ثانيهما: العمل
إن وجدتَ العالم يخالف عملُه قولَه فذاك أحد دعاة جهنم.
وإذا وجدتَ العالم يقعد عما يأمر به، ويترك ما يدعو إليه، فذلك منكوس القلب، قعيد الهمة، ساقط النفس.
وإذا وجدت العالم يَجْبُنُ عن قول الحق، ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رَغَباً أو رَهَباً، فإنما هو أخو الطواغيت، خادم لهم، لأن قُعُوده أَقْعَدَ الناسَ وثَبَّطَهم، ولأن قُعُودَه كان مَدْعَاةً لِتَغَوُّل الباطل وأهله، وكان قُعُودُه سَبَباً في تَفَشِّي الظلم، وتَجَبُّر الطغاة، وفُجُور البغاة، وسُقُوط الْعَوَام، وضَيَاعِ الدين والدنيا كليهما معاً.
وقد ضَرَبَ الله مثلاً قَبِيحاً للعلماء الذين أوتوا العلم ولم يعملوا به، إذ جعلهم كالحمير التي تحمل على كُتب علمٍ ولا تدري بما تحمل، فقال الله عز وجل فيهم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَاً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
فإن العلم إنْ لم يظهر في قول وعمل العالِم، ويُتَرْجِمُه واقعاً حَيّاً في مُجْتَمَعِه وحياته فلا قيمة له، قال الحسن البصري: "كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشّعه وهديه ولسانه ويده".
وعلى هذين الشرطين، فإن قول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} لا ينزل على كل العلماء، ولا يتحقق في كل من يوصف بالعلم.
فإن تلك مكانة لا ينالها إلا من أدَّى للعلم حَقَّه، وحفظ للعلم قَدْرَه، وتحَلَّى بالعلم خُلُقُه وأَدَبُه، وبَذَلَ ضَرِيبة العلم تامَّة، فَصَدَعَ به، ولم يَكْتُمْه.
فإن لم يفعل العلماءُ ذلك، كان علمُهم حَسْرَةً عليهم، وسبباً في انحطاط قَدْرِهِم إلى أسفل سافلين، قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.
فكل مَنْ كَتَمَ الحقَّ مِنَ العلماء، ولم يصدع به، ولم يَدُلَّ الناس عليه، ولم يَدْعُهم إليه، يُخْشَى عليه أن يدخل تحت قوله تعالى: {أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.
فإن العلماء بِقَدْر ما يُؤَدُّونَ للعلم حَقَّه يَرْفَعُهم، وبَقَدْرِ ما يَصُونُون له قَدْرَه يَحْفَظُهم، وبِقَدْرِ ما يُعظِّمون العلم يَعْظُم شأنُهم، ويعلُو قَدْرُهم، وتَعِزُّ في الأرض أسماؤهم.
وَيْلٌ للناس إنْ قَعَدَ العلماءُ عن زَجْرِ الطغاة البُغاة!
وَيْلٌ للناس إنْ جَبُنَ العلماءُ عن إنكار المنكر!
وَيْلٌ للناس إنْ لَجَأ العلماءُ إلى التَّقِيَّة واختاروا الدَّنِيَّة خَوْفاً ورَهَباً أو طَمَعاً ورَغَباً!
وَيْلٌ للناس إنْ رَكِنَ العلماءُ إلى الصَّمْتِ، وسكتوا وسكنوا عن بَغْيِ البُغَاة، وفُجُور الطُّغاة، وفِسْقِ الْفَسَقَة!
اللهم ارزقنا العفو والعافية، وارزقنا الحق الذي ترتضيه، وارزقنا الثبات عليه، فإما نصراً به، أو شهادة فيه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohamed-ragaei-elgebaly/story_b_17515838.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات