الاثنين، 24 يوليو 2017

للقدس أيضا أَسَرى

للقدس أيضا أَسَرى

أنا لم آتِ هنا لإخبارك أن القدس عربية أو أن إسرائيل دولة محتلة، هذا الكلام لا أستطيع قوله لك لكي أُبرر عروبيتها، أو أحاول بقدر الإمكان أن أخبرك بعقيدتي، فهذا الكلام الذي ملّت النفس منه، بل جزعت منه، وإن لم يكن جزعاً عظيماً، حينما تتحدث عن القدس ينتابك شعور فطري غريب، وكأنك تتحدث عن روح غائبة، لكنها ما زالت تحتضنك، أو نفس ملحدة، لكنها تؤمن بالله، ما أقصده هو شعور مختل غريب، يدخل في أحشاء جسدك؛ ليخبرك أنك ما زلت عاجزاً رغم يقينك بها.

حينما كنت صغيرة السن أصابتني الدهشة، حينما علمت أنه لا يوجد كيان يطلق عليه إسرائيل، أو أنهم هم جماعة ممزقة، أتت إلى بلادنا العربية؛ ليخبروا العالم بعجزنا التام، أيضاً ارتبط معي شعور فطري بأنه من علامات قيام الساعة المؤكدة هو تحرر القدس العربية، لم أعِ تماماً هل هذا اختلال في ذاكرتي أم أنه عيب من منظماتنا التعليمية أم أنها حالة من الغزو الفكري والتاريخي على عقولنا؟

لكني ما زلت على يقين بأن القدس ستعود أو ربما سيأتي من جديد صلاح الدين؛ ليخبر كل من أنصفتهم الظروف واستثمرهم الوقت أن القدس ما زالت عربية، وأنهم مجرد احتلال مؤقت، سينتهي بانتهاء الفتنة التي انتشرت في أحشاء مملكتنا العربية.

الغريب الذي لم يعلمه المحتل الإسرائيلي أو تجاهله بكامل إرادته أن القدس تعرف أهلها جيداً، وكأنها علاقة فطرية، وغريزة عاطفية بين ابن أجبرته الظروف ليرحل عن أحضان أمه خوفاً من ظلم الوطن وقهره، لكن أمه ما زالت على يقين بعودته، فالقدس تحفظ أشكال أهلها جيداً، تشم رائحتهم، تحيي ما تبقى من أجسادهم، تخبرهم في كل وقت أنها ما زالت على عهدها الأول بهم، تعلمهم أن الاحتلال زائل، وتعطيهم دروساً في الإنسانية الحقيقية، وتؤكد على رسالتها لهم كل صباح بأن الشمس ما زالت تشرق من الشرق، وأن محمد بن عبد الله أسري به من هنا، وأنها هي أولى القبلتين، وأنها ما زالت مكرمة، ومحروسة بأهلها.

أنا لم أقصد تماماً حينما قلت أَسَرَى القدس أنهم كأَسَرَى الحرب، وتداعتهم الظروف؛ لكي يقبلوا بالذل والهوان، لا يا عزيزي على الإطلاق.

لكني هنا أقصد الأسر النفسي، هو كونك لا تستطيع أن تحتضن مكاناً تحبه بصدق، فأعظم أنواع العذاب -يا عزيزي- هو العجز، خاصة في كونك تشاهد ما تحب كل يوم، ولا تستطيع أن تصل إليه، وكأنك تركض كل يومٍ إلى ما لا نهاية حتى أصبحت منهكاً كعادتك.

الكل بلا استثناء مر بالقدس أحبها، وسكن بها بالقوى أو التراضي، فلا تقف تماماً على صهيوني أراد بكل قوته وسلاحه الذي يخبئ عجزه خلفه أن يعتدي على أعزل لا يمتلك سوى إيمانه بالله.

لربما قد هرم الجسد، وشاخت النفس بما كفى، لكن الأمر عجيب، وكأنها علاقة طردية بين الحب واليقين بها، أو ربما قد اعتادت الروح على وجودها، لكن العجيب في الأمر أن التاريخ قد عجز أمام عيونهم الوقحة، أو عجز أن يخبرك بشدة تألمه لفقدانك، وكأنه فقد كل قوى السيطرة على ما تبقى من القدس، حتى إنه أعمى عيونهم عن حقيقة كونها عربية، عجز عن أن يخبرهم بأن الأنبياء مروا من هنا أو أن كل شيء زائل، وأن الصبر من صفات الأنبياء.

وربما لم يَعِ الصهيوني جيداً أن الأماكن تحفظ أصحابها، ويسكنون في روحها كما تسكن في روحهم، علاقة الوصل بما هو مفقود، قانون أقوى بكثير من قوى الجاذبية.

لكني ما زلت على يقين تام رغم تتابع النكبات بها، ورغم كثرة الشهداء في ساحتها، ورغم تفريط القوى العربية في أركانها، ورغم فقد القدس روح أصحابها، وانتهاك عرض أبنائها، ما زالت روح صلاح الدين بها تخبرها كل يومٍ أنه على صلة بروحها، وأنه سيأتي يوم وتعود لأهلها.

وما زال في مخيلتي أن الطفلة التي نمت بداخلي أن الجندي العربي لم يفقد هيبته، وأنه يحمل السلاح على كتفيه لحماية أركان ما تبقى من دولتنا لا لقتل أبنائها وسفك دمائهم في ترابها، لحماية ما فقدناه من هيبتنا، لحماية ما تبقى من لمام أشتاتنا، لكن علينا أن نعي جيداً أن فلسطين لن تتحرر إلا بتحرر أنفسنا من عقائدنا، وتفكيرنا الذي طرأ على مجتمعاتنا العربية من الغرب، والاعتراف الكامل بفكرنا وطريقتنا، ولغتنا، والاحتفاظ بها، فنحن من نهمل عقائدنا وتاريخنا، فلا ذنب على عدو استغل ذلك وبنى عليه عقيدته.



ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/israa-said-fityan-/-_12637_b_17557172.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات