أصبح مراقبو حركة السفن في إسطنبول مصدراً رئيسياً للدبلوماسيين وخبراء الاستخبارات، لتنبيه العالم إلى حجم الحملة العسكرية الروسية في سوريا.
تيم ويويل وهو صحفي مُتخصِّص في الشؤون الدولية بهيئة الإذاعة البريطانية BBC رصد تجربته مع هواة مراقبة حركة السفن في ممرات مدينة إسطنبول الاستراتيجية.
يقول ويويل: "كان الوقت تقريباً هو منتصف الليل. حين رنَّ هاتفي بإشعار الرسائل، كنتُ قد ذهبتُ لتوي للنوم في نهاية يومٍ طويل من السفر إلى إسطنبول. وجدتُ الرسالة مكتوباً فيها: أخبارٌ سيئة بعض الشيء. ستدخل ألكسندر تكاشينكو مضيق البوسفور عند الساعة 4:20. أمرٌ شاق للغاية. وليس هناك أي ضمانٍ بأنَّنا سنرى أي شيءٍ على الإطلاق".
وألكسندر تكاشينكو هي سفينة بحرية روسية ضخمة عبرت من مضيق البوسفور في عدة مناسبات من قبل، حامِلةً شاحنات عسكرية ومعدات أخرى على متن سطحها المكشوف متَّجهة إلى سوريا.
لكن حمولة السفينة قد لا تكون مرئية هذه المرة. وعلى أي حال، فإنَّ الساعة 4:20 صباحاً تسبق الفجر بفترةٍ طويلة في هذا الوقت من السنة في تركيا. وستكون الأجواء مُظلِمة حينها. لكنَّ ذلك لن يمنع يوروك إيشيك، الذي بعث بالرسالة، من النهوض كي يحصل لنفسه على موقعٍ جيد مع مناظيره وعدسات التكبير في كاميرته على ضفاف مضيق البوسفور في قلب إسطنبول.
وسيكون مستعداً للتغريد بالأخبار حول مسار السفينة للكثير من أتباعه التوَّاقين، الذين يضمّون الآن دبلوماسيين ومُحلِّلي استخباراتٍ في مختلف أنحاء العالم.
وهو يدعوني للمجيء معه، رغم أنَّه يُضيف: "سأشعر بالذنب كثيراً إذا لم يكن هناك شيءٌ على متن السفينة".
وبالتأكيد نهضتُ أنا الآخر، فهذا ما جئتُ لأجله.
مرحباً في عالم مراقبة السفن السخيف اللاعقلاني، لكن المهم سياسياً على نحوٍ متزايد.
وتُعد هذه أخوية دولية يسودها مستوى عالٍ من التعاون -نعم، فهي تتألَّف بشكلٍ أساسي من الرجال رغم أنَّ هناك بعض السيدات- وإيشيك هو أحد أكثر أعضائها شغفاً وحيوية، حسب تقرير "BBC".
وهو رجلٌ هائل بكل معنى الكلمة؛ فهو كالدب، وسخي، ومرح، وفقاً لتعبير مراسل هيئة الإذاعة البريطانية.
ويُبقي نفسه نشطاً عن طريق تناول القهوة القوية -التي تُعَد ثالث أكثر شيءٍ يحبه في حياته، بعد زوجته وسفنه- لأنَّه لا ينام كثيراً.
فيقول: "في كثير من المرات، أستيقظ عند الساعة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة صباحاً لأتفقَّد الأمور". ويضيف ضاحكاً: "نعم، هذا أمرٌ مؤلِم. فأنا أُخرِّب أياماً كثيرة مثل هذا اليوم".
ومن السهل تفهُّم الكيفية التي بدأ بها إدمانه لهذا الأمر. فهو يعود جزئياً إلى عيشه في إسطنبول.
ومضيق البوسفور -الذي يُعَد بوابة الدخول إلى البحر الأسود بالنسبة للسفن القادمة من البحر المتوسط- ليس الممر المائي الوحيد المكتظّ بالنقل البحري الدولي في العالم، لكن لا يوجد ممر شحنٍ آخر نشطٌ بهذا القدر ويمر عبر قلب مدينةٍ ضخمة مثلما هو الحال مع البوسفور وإسطنبول.
ولذا، بإمكان سكان إسطنبول البالغ عددهم 15 مليوناً أن يشاهدوا السفن الحربية، والسفن السياحية، والحاويات، والناقلات الضخمة وهي تمر أمام أعينهم.
ومضيق البوسفور، الذي يبلغ اتساعه 700 متر فقط عند أضيق نقطة، هو ممرٌ نشطٌ للغاية، لدرجة أنَّ السلطات التركية تتَّبع نظام الطريق الواحد لتفادي الحوادث، فتُغيِّر بانتظامٍ اتجاه حركة السفن في المضيق تبعاً للطلب. وعلى السفن الراغبة في الإبحار في الاتجاه المعاكس أن تنتظر عند المدخل الشمالي والجنوبي.
ولدى إيشيك نقاطه المميزة لمراقبة السفن، وأغلبها تقع عند واحدةٍ من الانحناءات العديدة للمضيق. لكنَّه في كثيرٍ من الأحيان يقوم بالمراقبة من شرفته فحسب.
ويقول: "إنَّ مراقبة حركة السفن هي مرآة للعلاقات الدولية، والسياسة، ولما يجري الآن. فالحروب التجارية بين روسيا وتركيا، أو الحضور الأميركي في البحر الأسود لدعم حلفاء أميركا بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو محاولة روسيا إعادة نفسها للشرق الأوسط، كل هذا يحدث في وسط هذه المدينة!".
ويُسجِّل إيشيك -الذي يكسب عيشه من العمل كمستشارٍ في العلاقات الدولية- السفن المارَّة من كافة الأنواع.
وكانت إحدى تلك السفن التي جلس بانتظارها مؤخراً في أحد المقاهي على ضفاف المياه هي أكبر سفينة في العالم، وتُسمَّى "Pioneering Spirit" ويعادل طولها طول 6 من طائرات الجامبو (بوينغ 747)، وكانت تعبر البوسفور في طريقها لمد خط غاز "التيار التركي Turkish Stream" قبالة الساحل الروسي.
وكانت السفينة ضخمة لدرجة أنَّه توجَّب إغلاق المضيق في وجه السفن الأخرى أثناء عبورها للمضيق.
بيد أنَّ السفن الحربية هي أكثر ما يأسر إيشيك وصديقه في مراقبة حركة السفن، المُحرِّر بموقع "Bosphorus Naval News"، ديفريم يايلالي.
يراقب يايلالي حركة السفن منذ مدة أطول من إيشيك حتى، منذ كان ينتقل عبر البوسفور للذهاب إلى مدرسة في بداية مراهقته خلال الحرب الباردة.
وكان فضولياً بشأن السفن السوفييتية لدرجة أنَّه فوَّت في أحد الأيام اختباراً دراسياً من أجل تصوير حاملة الطائرات الأدميرال كوزنيتسوف، التي تُعَد الآن سفينة القيادة في البحرية الروسية، وذلك في أثناء أول مرورٍ لها عبر إسطنبول.
واليوم، أصبح إيشيك ويايلالي أكثر انشغالاً بكثير؛ فحركة المرور البحرية عبر البوسفور قد تزايدت منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، الواقعة في الجزء الشمالي من البحر الأسود عام 2014.
إذ ظلَّ الكرملين يُعزِّز دفاعاته العسكرية في القرم، ويُحدِّث أسطول البحر الأسود الروسي المتمركز في ميناء سيفاستوبول الموجود بشبه الجزيرة.
ويقول إيشيك: "لقد اشترت روسيا بالفعل ثلاث غواصات جديدة من فئة كيلو، والرابعة في طريقها. ويُظهِر هذا اهتماماً بتأكيد نفوذها على البحر الأسود".
لكنَّ حلف الناتو قال إنَّه سيُعزِّز حضوره البحري في المنطقة رداً على ذلك.
وفي أبريل/نيسان 2017، رصد إيشيك المُدمِّرة البريطانية HMS Daring أثناء مرورها عبر إسطنبول، وهو انتشارٌ عملياتي نادر للبحرية الملكية البريطانية في البحر الأسود.
ويقول: "الوضع الحالي مخيفٌ أكثر من الحرب الباردة بالنسبة لي. فهناك احتمالٌ بالتأكيد لمزيدٍ من المواجهات العسكرية، إن لم يكن مزيداً من الأعمال العسكرية حامية الوطيس".
لكن إلى الآن، الخطر الأكبر لوقوع مواجهة يتمثَّل في سوريا، ومنذ بداية الانخراط الروسي في الحرب قبل ما يقارب عامين، لعب إيشيك وزملاؤه من مراقبي حركة السفن في إسطنبول دوراً رئيسياً في تنبيه العالم إلى حجم الالتزام العسكري للكرملين.
ويجب على كافة السفن الروسية المُتَّجهة إلى سوريا من سيفاستوبول أو قاعدة روسيا الأخرى في البحر الأسود نوفوروسيسك أن تمر عبر البوسفور.
وسبق أن ذكرت صحيفة "خبر تورك"، أن المخابرات التركية كشفت خطة يعدها تنظيم داعش الإرهابي، تتضمن شن هجوم صاروخي على سفن حربية روسية عند عبورها مضيق البوسفور.
وأضافت "الصحيفة" أنه بعد تلقي هذه المعلومات اتخذت شرطة إسطنبول سلسلة من التدابير لمنع هجوم داعش المحتمل، وتضمن ذلك فرض مراقبة شديدة على 146 نقطة في مضيق البوسفور، يمكن أن ينفذ الاعتداء منها، حسب وكالةً "الأناضول".
ويقول إيشيك إنَّ روسيا تبدو في بعض الأحيان حريصة على التباهي بحملتها المثيرة للجدل.
وكانت أكثر صوره شهرةً، التي التقطها في ديسمبر/كانون الأول 2015- وأُعيد تغريدها حول العالم- هي صورة لجندي روسي على سطح سفينة إنزالٍ ممسكاً بصاروخٍ محمولٍ على الكتف من نوع إيغلا، بينما كانت السفينة تمر وسط إسطنبول.
وتمتلك السفن الحربية الروسية، تماماً كغيرها من السفن التابعة للدول الأخرى المطلة على البحر الأسود، الحق الكامل في المرور عبر البوسفور في وقت السلم. أمَّا الدول غير المُطلة على البحر الأسود، فلها حقوقٌ بحرية مُقيَّدة.
لكنَّ أنقرة اعتبرت تلك الصورة -التي التُقِطَت بعد فترةٍ قصيرة من إسقاط تركيا لمقاتلةٍ روسية بسبب انتهاكها للمجال الجوي التركي- استفزازية، حتى أنَّها أرسلت مذكرةً دبلوماسية لموسكو احتجاجاً عليها.
وقال إيشيك: "لم أر الصاروخ بعيني المجردة حتى، لم أره سوى بعدما حمَّلتُ الصورة. وفي نهاية المطاف، لم أستطع أن أُقرِّر ما إذا كان ذلك قد تم بناءً على طلب موسكو، أم أنَّها مجرد مبادرة من الجندي أو كابتن السفينة".
أمَّا بالنسبة لألكسندر تكاشينكو، السفينة التي ضحَّى كلانا بنومه من أجلها- والتي ظهرت كما هو متوقَّع من غشاء الصباح الباكر حول منعطفٍ في البوسفور- فكانت محملةً بصفوفٍ من شاحنات كاماز العسكرية زيتونية اللون.
ودخل إيشيك في سعارٍ تصويري.
ويقول: "أنا متحمِّسٌ للغاية لأنَّه حينما أبرمت الحكومة الروسية عقداً مع هذه السفينة قبل عامٍ ونصف، كان عقداً سرياً ولم يعلنوه، وهذا يُظهِر نهجهم تجاه الحرب.
إنَّ سفن الناتو أقوى من سفن البحرية الروسية، لكنَّ روسيا قد نجحت بما تملكه في شن حملةٍ على بعد 1000 ميل (1609 كم) من سيفاستوبول".
ويضيف: "كنتُ أنا أول من ينتبه إلى أنَّ روسيا تحمل مركباتٍ عسكرية على متن سفنٍ مدنية، وقد أظهر ذلك بصورةٍ أكبر أنَّها تُعزِّز التزامها العسكري".
وقال إيشيك مُوجِّهاً حديثه لكاتب التقرير: "إذن، هل تشعر الآن بإثارة مراقب حركة السفن يا تيم؟ أنا أحب الغموض، ويكون الأمر أشبه باللغز حين نرى سفناً تحول أشياءً من النقطة أ إلى النقطة ب، وبمساعدةٍ من مراقبي حركة السفن الآخرين، يمكنك حل هذا اللغز".
تيم ويويل وهو صحفي مُتخصِّص في الشؤون الدولية بهيئة الإذاعة البريطانية BBC رصد تجربته مع هواة مراقبة حركة السفن في ممرات مدينة إسطنبول الاستراتيجية.
يقول ويويل: "كان الوقت تقريباً هو منتصف الليل. حين رنَّ هاتفي بإشعار الرسائل، كنتُ قد ذهبتُ لتوي للنوم في نهاية يومٍ طويل من السفر إلى إسطنبول. وجدتُ الرسالة مكتوباً فيها: أخبارٌ سيئة بعض الشيء. ستدخل ألكسندر تكاشينكو مضيق البوسفور عند الساعة 4:20. أمرٌ شاق للغاية. وليس هناك أي ضمانٍ بأنَّنا سنرى أي شيءٍ على الإطلاق".
وألكسندر تكاشينكو هي سفينة بحرية روسية ضخمة عبرت من مضيق البوسفور في عدة مناسبات من قبل، حامِلةً شاحنات عسكرية ومعدات أخرى على متن سطحها المكشوف متَّجهة إلى سوريا.
لكن حمولة السفينة قد لا تكون مرئية هذه المرة. وعلى أي حال، فإنَّ الساعة 4:20 صباحاً تسبق الفجر بفترةٍ طويلة في هذا الوقت من السنة في تركيا. وستكون الأجواء مُظلِمة حينها. لكنَّ ذلك لن يمنع يوروك إيشيك، الذي بعث بالرسالة، من النهوض كي يحصل لنفسه على موقعٍ جيد مع مناظيره وعدسات التكبير في كاميرته على ضفاف مضيق البوسفور في قلب إسطنبول.
وسيكون مستعداً للتغريد بالأخبار حول مسار السفينة للكثير من أتباعه التوَّاقين، الذين يضمّون الآن دبلوماسيين ومُحلِّلي استخباراتٍ في مختلف أنحاء العالم.
وهو يدعوني للمجيء معه، رغم أنَّه يُضيف: "سأشعر بالذنب كثيراً إذا لم يكن هناك شيءٌ على متن السفينة".
وبالتأكيد نهضتُ أنا الآخر، فهذا ما جئتُ لأجله.
مرحباً في عالم مراقبة السفن السخيف اللاعقلاني، لكن المهم سياسياً على نحوٍ متزايد.
وتُعد هذه أخوية دولية يسودها مستوى عالٍ من التعاون -نعم، فهي تتألَّف بشكلٍ أساسي من الرجال رغم أنَّ هناك بعض السيدات- وإيشيك هو أحد أكثر أعضائها شغفاً وحيوية، حسب تقرير "BBC".
وهو رجلٌ هائل بكل معنى الكلمة؛ فهو كالدب، وسخي، ومرح، وفقاً لتعبير مراسل هيئة الإذاعة البريطانية.
ويُبقي نفسه نشطاً عن طريق تناول القهوة القوية -التي تُعَد ثالث أكثر شيءٍ يحبه في حياته، بعد زوجته وسفنه- لأنَّه لا ينام كثيراً.
فيقول: "في كثير من المرات، أستيقظ عند الساعة الثانية، أو الثالثة، أو الرابعة صباحاً لأتفقَّد الأمور". ويضيف ضاحكاً: "نعم، هذا أمرٌ مؤلِم. فأنا أُخرِّب أياماً كثيرة مثل هذا اليوم".
ومن السهل تفهُّم الكيفية التي بدأ بها إدمانه لهذا الأمر. فهو يعود جزئياً إلى عيشه في إسطنبول.
15 مليون مشاهد
ومضيق البوسفور -الذي يُعَد بوابة الدخول إلى البحر الأسود بالنسبة للسفن القادمة من البحر المتوسط- ليس الممر المائي الوحيد المكتظّ بالنقل البحري الدولي في العالم، لكن لا يوجد ممر شحنٍ آخر نشطٌ بهذا القدر ويمر عبر قلب مدينةٍ ضخمة مثلما هو الحال مع البوسفور وإسطنبول.
ولذا، بإمكان سكان إسطنبول البالغ عددهم 15 مليوناً أن يشاهدوا السفن الحربية، والسفن السياحية، والحاويات، والناقلات الضخمة وهي تمر أمام أعينهم.
ومضيق البوسفور، الذي يبلغ اتساعه 700 متر فقط عند أضيق نقطة، هو ممرٌ نشطٌ للغاية، لدرجة أنَّ السلطات التركية تتَّبع نظام الطريق الواحد لتفادي الحوادث، فتُغيِّر بانتظامٍ اتجاه حركة السفن في المضيق تبعاً للطلب. وعلى السفن الراغبة في الإبحار في الاتجاه المعاكس أن تنتظر عند المدخل الشمالي والجنوبي.
ولدى إيشيك نقاطه المميزة لمراقبة السفن، وأغلبها تقع عند واحدةٍ من الانحناءات العديدة للمضيق. لكنَّه في كثيرٍ من الأحيان يقوم بالمراقبة من شرفته فحسب.
ويقول: "إنَّ مراقبة حركة السفن هي مرآة للعلاقات الدولية، والسياسة، ولما يجري الآن. فالحروب التجارية بين روسيا وتركيا، أو الحضور الأميركي في البحر الأسود لدعم حلفاء أميركا بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أو محاولة روسيا إعادة نفسها للشرق الأوسط، كل هذا يحدث في وسط هذه المدينة!".
ويُسجِّل إيشيك -الذي يكسب عيشه من العمل كمستشارٍ في العلاقات الدولية- السفن المارَّة من كافة الأنواع.
وكانت إحدى تلك السفن التي جلس بانتظارها مؤخراً في أحد المقاهي على ضفاف المياه هي أكبر سفينة في العالم، وتُسمَّى "Pioneering Spirit" ويعادل طولها طول 6 من طائرات الجامبو (بوينغ 747)، وكانت تعبر البوسفور في طريقها لمد خط غاز "التيار التركي Turkish Stream" قبالة الساحل الروسي.
وكانت السفينة ضخمة لدرجة أنَّه توجَّب إغلاق المضيق في وجه السفن الأخرى أثناء عبورها للمضيق.
بيد أنَّ السفن الحربية هي أكثر ما يأسر إيشيك وصديقه في مراقبة حركة السفن، المُحرِّر بموقع "Bosphorus Naval News"، ديفريم يايلالي.
لماذا فوّت اختباره؟
يراقب يايلالي حركة السفن منذ مدة أطول من إيشيك حتى، منذ كان ينتقل عبر البوسفور للذهاب إلى مدرسة في بداية مراهقته خلال الحرب الباردة.
وكان فضولياً بشأن السفن السوفييتية لدرجة أنَّه فوَّت في أحد الأيام اختباراً دراسياً من أجل تصوير حاملة الطائرات الأدميرال كوزنيتسوف، التي تُعَد الآن سفينة القيادة في البحرية الروسية، وذلك في أثناء أول مرورٍ لها عبر إسطنبول.
واليوم، أصبح إيشيك ويايلالي أكثر انشغالاً بكثير؛ فحركة المرور البحرية عبر البوسفور قد تزايدت منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، الواقعة في الجزء الشمالي من البحر الأسود عام 2014.
إذ ظلَّ الكرملين يُعزِّز دفاعاته العسكرية في القرم، ويُحدِّث أسطول البحر الأسود الروسي المتمركز في ميناء سيفاستوبول الموجود بشبه الجزيرة.
ويقول إيشيك: "لقد اشترت روسيا بالفعل ثلاث غواصات جديدة من فئة كيلو، والرابعة في طريقها. ويُظهِر هذا اهتماماً بتأكيد نفوذها على البحر الأسود".
هل يعزز الناتو حضوره؟
لكنَّ حلف الناتو قال إنَّه سيُعزِّز حضوره البحري في المنطقة رداً على ذلك.
وفي أبريل/نيسان 2017، رصد إيشيك المُدمِّرة البريطانية HMS Daring أثناء مرورها عبر إسطنبول، وهو انتشارٌ عملياتي نادر للبحرية الملكية البريطانية في البحر الأسود.
ويقول: "الوضع الحالي مخيفٌ أكثر من الحرب الباردة بالنسبة لي. فهناك احتمالٌ بالتأكيد لمزيدٍ من المواجهات العسكرية، إن لم يكن مزيداً من الأعمال العسكرية حامية الوطيس".
لكن إلى الآن، الخطر الأكبر لوقوع مواجهة يتمثَّل في سوريا، ومنذ بداية الانخراط الروسي في الحرب قبل ما يقارب عامين، لعب إيشيك وزملاؤه من مراقبي حركة السفن في إسطنبول دوراً رئيسياً في تنبيه العالم إلى حجم الالتزام العسكري للكرملين.
ويجب على كافة السفن الروسية المُتَّجهة إلى سوريا من سيفاستوبول أو قاعدة روسيا الأخرى في البحر الأسود نوفوروسيسك أن تمر عبر البوسفور.
وسبق أن ذكرت صحيفة "خبر تورك"، أن المخابرات التركية كشفت خطة يعدها تنظيم داعش الإرهابي، تتضمن شن هجوم صاروخي على سفن حربية روسية عند عبورها مضيق البوسفور.
وأضافت "الصحيفة" أنه بعد تلقي هذه المعلومات اتخذت شرطة إسطنبول سلسلة من التدابير لمنع هجوم داعش المحتمل، وتضمن ذلك فرض مراقبة شديدة على 146 نقطة في مضيق البوسفور، يمكن أن ينفذ الاعتداء منها، حسب وكالةً "الأناضول".
استعراض روسي
ويقول إيشيك إنَّ روسيا تبدو في بعض الأحيان حريصة على التباهي بحملتها المثيرة للجدل.
وكانت أكثر صوره شهرةً، التي التقطها في ديسمبر/كانون الأول 2015- وأُعيد تغريدها حول العالم- هي صورة لجندي روسي على سطح سفينة إنزالٍ ممسكاً بصاروخٍ محمولٍ على الكتف من نوع إيغلا، بينما كانت السفينة تمر وسط إسطنبول.
وتمتلك السفن الحربية الروسية، تماماً كغيرها من السفن التابعة للدول الأخرى المطلة على البحر الأسود، الحق الكامل في المرور عبر البوسفور في وقت السلم. أمَّا الدول غير المُطلة على البحر الأسود، فلها حقوقٌ بحرية مُقيَّدة.
لكنَّ أنقرة اعتبرت تلك الصورة -التي التُقِطَت بعد فترةٍ قصيرة من إسقاط تركيا لمقاتلةٍ روسية بسبب انتهاكها للمجال الجوي التركي- استفزازية، حتى أنَّها أرسلت مذكرةً دبلوماسية لموسكو احتجاجاً عليها.
وقال إيشيك: "لم أر الصاروخ بعيني المجردة حتى، لم أره سوى بعدما حمَّلتُ الصورة. وفي نهاية المطاف، لم أستطع أن أُقرِّر ما إذا كان ذلك قد تم بناءً على طلب موسكو، أم أنَّها مجرد مبادرة من الجندي أو كابتن السفينة".
أمَّا بالنسبة لألكسندر تكاشينكو، السفينة التي ضحَّى كلانا بنومه من أجلها- والتي ظهرت كما هو متوقَّع من غشاء الصباح الباكر حول منعطفٍ في البوسفور- فكانت محملةً بصفوفٍ من شاحنات كاماز العسكرية زيتونية اللون.
ودخل إيشيك في سعارٍ تصويري.
ويقول: "أنا متحمِّسٌ للغاية لأنَّه حينما أبرمت الحكومة الروسية عقداً مع هذه السفينة قبل عامٍ ونصف، كان عقداً سرياً ولم يعلنوه، وهذا يُظهِر نهجهم تجاه الحرب.
إنَّ سفن الناتو أقوى من سفن البحرية الروسية، لكنَّ روسيا قد نجحت بما تملكه في شن حملةٍ على بعد 1000 ميل (1609 كم) من سيفاستوبول".
ويضيف: "كنتُ أنا أول من ينتبه إلى أنَّ روسيا تحمل مركباتٍ عسكرية على متن سفنٍ مدنية، وقد أظهر ذلك بصورةٍ أكبر أنَّها تُعزِّز التزامها العسكري".
وقال إيشيك مُوجِّهاً حديثه لكاتب التقرير: "إذن، هل تشعر الآن بإثارة مراقب حركة السفن يا تيم؟ أنا أحب الغموض، ويكون الأمر أشبه باللغز حين نرى سفناً تحول أشياءً من النقطة أ إلى النقطة ب، وبمساعدةٍ من مراقبي حركة السفن الآخرين، يمكنك حل هذا اللغز".
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/07/24/story_n_17571092.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات