احتفلنا قبل أيام بذكرى الاستقلال الوطني، طبعاً شملت الاحتفالات طقوساً تقليدية من فلكلور وأناشيد ومعارض وما شابه ذلك في أغلب ولايات الوطن، والملاحظ أن حماس المحتفلين والمنظمين يخفت من سنة إلى أخرى، لماذا؟
هناك أسباب عديدة، ولعل أهمها أننا لم نعد نملك من الإنجازات ما يشفع لنا عند شهدائنا بأننا حفظنا الأمانة، وبقينا على العهد، فهكذا مناسبات يعلو شأنها بإنجازات الأحياء وفاء للشهداء.
فرحة الاستقلال الأولى لن تتكرر
لا يمكن لأحد منّا مهما رفرفت روحه الوطنية أن يفرح بذكرى الاستقلال كما فرح به الأولون، فهم مَن عاشوا الاستعمار وهم من أجْلَوه، هم من عاشوا الظلم، وظنوا أنهم قد فارقوه.
أما الأجيال التي تعاقبت طوال هذه الخمس والخمسين سنة ففرحها بالاستقلال محمول على جناحين؛ جناح به ذكريات الماضي المجيد، والآخر يحمل إنجازات الحاضر ومشاريعه. فمهما كانت الذكريات والبطولات ملهمة ومدعاة للفخر والاعتزاز، فإن قصورنا أو تقصيرنا في حق البلاد لن يسمح لنا بأن نكرر فرحة الأولين الصادقين.
صحيح أن هناك إنجازات عديدة منذ الاستقلال، لكن وبعيداً عن تقييم جدواها، فإن المخيف في أعوام الاستقلال هذه ذلك التردد في رسم رؤية واضحة لمستقبلنا المنشود سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
الاستقلال.. تاريخ وجغرافيا
طبيعي جداً أن تتعدد روايات التاريخ حول البطولات والإخفاقات والصراعات، والمهم أن الجزائر مستقلة، لكن الذي لا يمكن فهمه وتبريره هو تعدد الآراء بين العصب الحاكمة حول "جغرافيا الجزائر"!
نعم، لم تتفق الطبقة الحاكمة بعد حول "جغرافيا الجزائر"، منهم من يرى أن البلاد أقرب ما تكون إلى أوروبا، ومنهم من يرى فيها امتداداً طبيعياً للبلاد العربية، بينما أعادت الأحداث الأخيرة في الجزائر حول موقف الساسة من قضية المهاجرين الأفارقة، الحديث حول علاقة الجزائر بإفريقيا.
غريب جداً أن نكون جزءاً مهماً من إفريقيا، ولسنا ندري والأغرب أن يصرح بعض السياسيين في بلادنا مبدين تذمرهم من وجود الأفارقة بالبلاد، وحجتهم في ذلك أن بعض الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، تريد منا أن نكون سداً مانعاً لهجرتهم، وطبعاً يقول السيد أحمد أويحيى: نحن نرفض ذلك!
ذكرني تصريح أويحيى بتلك القصة التي تروى عن الإمام عبد الحميد بن باديس، عندما سئل عن فرنسا، فقال: لو أمرتني فرنسا بأن أقول لا إله إلا الله ما قلتها.. فليت أن الذي "يرفض أن يستجيب لمطلب فرنسا" لم يكن السيد أحمد أويحيى.
والسيد أحمد أويحيى ليس مقصوداً كفرد طبعاً، وإنما لكونه يمثل نموذجاً لمن لم يغادروا الحكم منذ أكثر من ربع قرن، فحكموا وجربوا وأعادوا التجريب مراراً دون أن تثمر سياساتهم الاقتصادية في جعل البلاد في غنى عن ضغوط "فرنسا"، على حد قول السيد أحمد أويحيى.
أسطوانة الشعب العظيم.. لا تليق بنا
غداة الاستقلال، ضيعنا فرصة إقلاع اقتصادي حقيقي لمّا استجبنا لنظريات "دوبرنيس" (الفرنسي طبعاً)، ورحنا نعزف على وتر العظمة على أمل أن ترفع الصناعات المصَنّعة الجزائر إلى مصاف الدول الكبرى، لكن كان يكفينا التواضع والبحث في سهول متيجة عن كنوز الأرض الطاهرة.
بعدها ضيّعنا كثيراً من الفرص، اقتصادياً وسياسياً، وصارت عملية الحكم في الجزائر تشبه عملية تصريف الأعمال؛ إذ لا نكاد نجد من ساستنا من يتحدث عن رؤية واضحة لتسيير البلد.
ألا يجدر بنا أن نقف لحظة تأمل لنعرف إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا نريد؟ وقبل هذا من نحن؟ نعم من نحن؟
لم تعد أسطوانة الشعب العظيم تليق بنا، ولم يعد بمقدورنا أن نذكر شهداءنا دون أن نخجل من أنفسنا.. بمَ سنجيبهم لو أرادوا الاستئناس في وحشتهم بأخبار الجزائر التي استشهدوا من أجلها؟ الحمد لله أنهم "أحياء عند ربهم يرزقون".
هم صنعوا التاريخ.. فلنحافظ نحن على الجغرافيا
بعيداً عن التهويل وسياسة التخويف المنتهجة ضمن "سياسة تصريف الأعمال"، أعتقد أن واجبنا اليوم كمواطنين أن نعي جملة التحديات والمخاطر التي تحدق ببلادنا حتى نبلور رؤية واضحة، علّنا نحفظ الوديعة ونصون الأمانة.
أهم هذه التحديات أن العالم يتغير من حولنا، فالغرب يعيد رسم استراتيجياته الاقتصادية والسياسية، وسنكون لا محالة ضمن مخططاته إما سوقاً أو مورداً.. إن لم يسعَ حكّامنا لرسم رؤية جديدة تتجاوز أخطاء اعتمادنا على "دوبرنيس"، فسنعيد النكسة مرة أخرى كشروعنا في صناعة السيارات المزعومة، والتّغافل عن مشروع "ديزارتاك" للطّاقة الشمسية.
إن ما يشهده العالم العربي من مآسٍ وحروب وصراعات آخرها ما يحدث بين الإخوة الخليجيين يدفع إلى الحذر من موجة تفتيت ستطال أغلب دُوله، فالعملية بدأت في السودان، والأكيد أنّها لن تقف عنده.
إن الوفاء لشهدائنا الأبرار لا يكون بدق الطبول ودعم الفلكلور- رغم أنه مهم لإظهار الفرحة - وإنما يكون برسم "رؤية" تكون بمثابة ترجمة حديثة وقراءة واعية لبيان أول نوفمبر/تشرين الثاني.
ويبقى على الساسة في بلادي، ومن بيدهم القرار، أن يقدّروا موقع الجزائر ويحددوا عمقها الاستراتيجي، فلا يمكن البقاء في حالة التخبط هذه.. إنّ الشهداء العظام صنعوا لنا تاريخاً مجيداً، فلنحافظ نحن على الجغرافيا، ونجعل من خصائصها مكسباً يسمح لنا بإقلاع اقتصادي حقيقي يفتح لنا باب الأمجاد من جديد.
هناك أسباب عديدة، ولعل أهمها أننا لم نعد نملك من الإنجازات ما يشفع لنا عند شهدائنا بأننا حفظنا الأمانة، وبقينا على العهد، فهكذا مناسبات يعلو شأنها بإنجازات الأحياء وفاء للشهداء.
فرحة الاستقلال الأولى لن تتكرر
لا يمكن لأحد منّا مهما رفرفت روحه الوطنية أن يفرح بذكرى الاستقلال كما فرح به الأولون، فهم مَن عاشوا الاستعمار وهم من أجْلَوه، هم من عاشوا الظلم، وظنوا أنهم قد فارقوه.
أما الأجيال التي تعاقبت طوال هذه الخمس والخمسين سنة ففرحها بالاستقلال محمول على جناحين؛ جناح به ذكريات الماضي المجيد، والآخر يحمل إنجازات الحاضر ومشاريعه. فمهما كانت الذكريات والبطولات ملهمة ومدعاة للفخر والاعتزاز، فإن قصورنا أو تقصيرنا في حق البلاد لن يسمح لنا بأن نكرر فرحة الأولين الصادقين.
صحيح أن هناك إنجازات عديدة منذ الاستقلال، لكن وبعيداً عن تقييم جدواها، فإن المخيف في أعوام الاستقلال هذه ذلك التردد في رسم رؤية واضحة لمستقبلنا المنشود سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.
الاستقلال.. تاريخ وجغرافيا
طبيعي جداً أن تتعدد روايات التاريخ حول البطولات والإخفاقات والصراعات، والمهم أن الجزائر مستقلة، لكن الذي لا يمكن فهمه وتبريره هو تعدد الآراء بين العصب الحاكمة حول "جغرافيا الجزائر"!
نعم، لم تتفق الطبقة الحاكمة بعد حول "جغرافيا الجزائر"، منهم من يرى أن البلاد أقرب ما تكون إلى أوروبا، ومنهم من يرى فيها امتداداً طبيعياً للبلاد العربية، بينما أعادت الأحداث الأخيرة في الجزائر حول موقف الساسة من قضية المهاجرين الأفارقة، الحديث حول علاقة الجزائر بإفريقيا.
غريب جداً أن نكون جزءاً مهماً من إفريقيا، ولسنا ندري والأغرب أن يصرح بعض السياسيين في بلادنا مبدين تذمرهم من وجود الأفارقة بالبلاد، وحجتهم في ذلك أن بعض الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، تريد منا أن نكون سداً مانعاً لهجرتهم، وطبعاً يقول السيد أحمد أويحيى: نحن نرفض ذلك!
ذكرني تصريح أويحيى بتلك القصة التي تروى عن الإمام عبد الحميد بن باديس، عندما سئل عن فرنسا، فقال: لو أمرتني فرنسا بأن أقول لا إله إلا الله ما قلتها.. فليت أن الذي "يرفض أن يستجيب لمطلب فرنسا" لم يكن السيد أحمد أويحيى.
والسيد أحمد أويحيى ليس مقصوداً كفرد طبعاً، وإنما لكونه يمثل نموذجاً لمن لم يغادروا الحكم منذ أكثر من ربع قرن، فحكموا وجربوا وأعادوا التجريب مراراً دون أن تثمر سياساتهم الاقتصادية في جعل البلاد في غنى عن ضغوط "فرنسا"، على حد قول السيد أحمد أويحيى.
أسطوانة الشعب العظيم.. لا تليق بنا
غداة الاستقلال، ضيعنا فرصة إقلاع اقتصادي حقيقي لمّا استجبنا لنظريات "دوبرنيس" (الفرنسي طبعاً)، ورحنا نعزف على وتر العظمة على أمل أن ترفع الصناعات المصَنّعة الجزائر إلى مصاف الدول الكبرى، لكن كان يكفينا التواضع والبحث في سهول متيجة عن كنوز الأرض الطاهرة.
بعدها ضيّعنا كثيراً من الفرص، اقتصادياً وسياسياً، وصارت عملية الحكم في الجزائر تشبه عملية تصريف الأعمال؛ إذ لا نكاد نجد من ساستنا من يتحدث عن رؤية واضحة لتسيير البلد.
ألا يجدر بنا أن نقف لحظة تأمل لنعرف إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا نريد؟ وقبل هذا من نحن؟ نعم من نحن؟
لم تعد أسطوانة الشعب العظيم تليق بنا، ولم يعد بمقدورنا أن نذكر شهداءنا دون أن نخجل من أنفسنا.. بمَ سنجيبهم لو أرادوا الاستئناس في وحشتهم بأخبار الجزائر التي استشهدوا من أجلها؟ الحمد لله أنهم "أحياء عند ربهم يرزقون".
هم صنعوا التاريخ.. فلنحافظ نحن على الجغرافيا
بعيداً عن التهويل وسياسة التخويف المنتهجة ضمن "سياسة تصريف الأعمال"، أعتقد أن واجبنا اليوم كمواطنين أن نعي جملة التحديات والمخاطر التي تحدق ببلادنا حتى نبلور رؤية واضحة، علّنا نحفظ الوديعة ونصون الأمانة.
أهم هذه التحديات أن العالم يتغير من حولنا، فالغرب يعيد رسم استراتيجياته الاقتصادية والسياسية، وسنكون لا محالة ضمن مخططاته إما سوقاً أو مورداً.. إن لم يسعَ حكّامنا لرسم رؤية جديدة تتجاوز أخطاء اعتمادنا على "دوبرنيس"، فسنعيد النكسة مرة أخرى كشروعنا في صناعة السيارات المزعومة، والتّغافل عن مشروع "ديزارتاك" للطّاقة الشمسية.
إن ما يشهده العالم العربي من مآسٍ وحروب وصراعات آخرها ما يحدث بين الإخوة الخليجيين يدفع إلى الحذر من موجة تفتيت ستطال أغلب دُوله، فالعملية بدأت في السودان، والأكيد أنّها لن تقف عنده.
إن الوفاء لشهدائنا الأبرار لا يكون بدق الطبول ودعم الفلكلور- رغم أنه مهم لإظهار الفرحة - وإنما يكون برسم "رؤية" تكون بمثابة ترجمة حديثة وقراءة واعية لبيان أول نوفمبر/تشرين الثاني.
ويبقى على الساسة في بلادي، ومن بيدهم القرار، أن يقدّروا موقع الجزائر ويحددوا عمقها الاستراتيجي، فلا يمكن البقاء في حالة التخبط هذه.. إنّ الشهداء العظام صنعوا لنا تاريخاً مجيداً، فلنحافظ نحن على الجغرافيا، ونجعل من خصائصها مكسباً يسمح لنا بإقلاع اقتصادي حقيقي يفتح لنا باب الأمجاد من جديد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohammed-bashosh/story_b_17576332.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات