الأربعاء، 12 يوليو 2017

كفى.. لسنا كذلك

كفى.. لسنا كذلك

نحن لا نستطيع أن ننكر الدور الكبير الذي يلعبه الفن في تعريف المجتمعات بثقافة بعضهم البعض، فنحن من خلال مسلسلات وأفلام الكثير من البلدان قد تعرفنا على عاداتهم وتقاليدهم وهويتهم وشخصياتهم وطرق معيشتهم، بل إن منا الكثير يتقن لغة تلك البلاد من كثرة إعجابه بتلك البلاد، فكان الفن هو وسيلة جذب الجميع إلى بلادهم، والتفات العالم إليهم؛ فالفن هو الذي يتحكم في الانطباع الذي تأخذه الشعوب بعضها عن بعض.

ولكن يأتي سؤالي الآن: ماذا فعل الفن المصري لمعرفة العالم بذلك البلد الخالد بلد الحضارات العظيمة، البلد الذي يحوي عبق وأصالة التاريخ، البلد الشامخ مثل شموخ أهراماته؟

فلنأتِ للإجابة عن هذا السؤال؛ فالفن المصري الحديث يكافح ويجتهد في محو أي نظرة إعجاب لذلك البلد، إلى تلك الحضارة، يريد أن يمحو ما تركه أصالة ورقي الفن المصري القديم في الأذهان؛ فالفن الحديث استطاع وبجدارة أن يوصل أبشع صورة لمصر لباقي الوطن العربي وللعالم أجمع، فذلك الفن أصبح أسوأ سفير لمصر لباقي البلدان التي للأسف يصل لها تلك الأعمال التي لا يليق أن نطلق عليها فناً، فأصبحت كل البلاد تتنافس في إظهار بلادها في أبهى صورها من خلال فنها وإبداعها، ويتخذون ذلك فرصة في جذب السياح إليها، فهم بذلك يبرون ببلدانهم ويدفعونها نحو التقدم والرقي والتفاف العالم إليها لإعطائها نظرات الإعجاب والاحترام.

مَن منا الآن لا يريد أن يزور تركيا؟ مَن منا لم يعد مغرماً بتركيا وجمالها ورقي أهلها وحضارتها والأماكن التي تعرفنا إليها ومدى فخرهم بهويتهم وشخصياتهم المتفردة ولغتهم واعتزازهم بها وكيف تمكنوا في فترة قصيرة من إجبار العالم كله إلى الالتفات إليهم وانتقائهم أبهى وأرقى الأماكن؛ ليتعرف العالم كله إليهم؟ كم تدخل الغيرة إلى النفوس عندما نرى الأتراك كيف يبرون ببلدانهم، ونحن ننتقي أسوأ ما فينا لإظهاره للعالم أجمع، وننتقي أبشع الأماكن لكي نجعلها هي وجهة تصويرنا، ونظهر أسوأ الصفات التي لا يحملها إلا فئة قليلة ينبذها الشارع المصري ونجعلها عامة، ونجعل العالم ينظر للمصري بأن كله تلك الفئة، فعلينا ألا ننتظر أي احترام منه، وعندما تسأل أياً مما يدعون أنهم نجوم أو فنانون، فيقولون: نحن نريد أن نمثل الشعب المصري، أي شعب هذا الذي تمثلونه؟ فنحن لسنا تلك الفئة المنبوذة التي تمثلون إياها، فأنتم تمثلون أنفسكم ليس إلا.


ماذا فعل الفن في الشارع المصري؟

لقد أفسد الفن كل حلو فينا، أفسد العادات والتقاليد والمبادئ والقيم الدينية والمجتمعية التي تميزنا عن غيرنا، أفسدوا الشباب العمود الفقري لأي مجتمع يسعى للتقدم والرقي، وأصبح من شيمته الاحترام هو إنسان شاذ في مجتمع قد غلب الطالح فيه الصالح، أصبح الباطل والفاسد هو مَن يعلو صوته، وأصبح الاحترام والحق ليس له مكان للأسف في مجتمع قد غلبه الفساد.

لقد دمر الفن المصري الحديث هويتنا المجتمعية والدينية، فنحن من علمنا العالم كله كيف يطلق على الإسلامي بأنه إرهابي، نحن مَن قمنا بتشويه صورة الإسلام في العالم كله وليس أحداً غيرنا، فنحن من توقفنا عن إنتاج أي مسلسلات وأفلام هادفة، نحن من جعلنا رسالة الفن السامية رسالة من أجل الربح فقط، نحن من نريد أن نزيل من الذاكرة المجتمعية أي رموز اجتماعية أو وطنية أو دينية أو علمية، أصبح الفن هو أول المساهمين في الانفلات الأخلاقي والديني الذي نعايشه الآن، الشارع المصري ليس تلك الفئة المنبوذة منه، ولكنكم تريدون أن تنشروا تلك الفئة فيه في جميع أرجائه، لا أدري مع مَن أنتم؟ لماذا تريدون تحطيم ذلك البلد وأهله؟ وإذا كان الشارع المصري كما تقولون كله كذلك وأنتم تمثلونه فلماذا لا تحيون أنتم فيه كل جميل افتقدناه؟ لماذا لا تعيدون تلك الرموز التي افتقدناها؟ لماذا لا تستثيرون مشاعرنا لنصنع ولنكون الأفضل ولنعيد حضارة ومجداً؟ لماذا لا تحفرون في قلوبنا حب الوطن والعمل على تقويته؟ لماذا لا تكونون سفراء للإسلام بين الأوطان؟ لما لا تكونون أفضل سفراء لذلك الوطن الحزين؟ لما لا تأتون بنماذج تعبر عن مدى الانتماء الأسري الذي افتقده معظم الشعب المصري؟ لماذا لا تأتون بالابن البار لوالديه والبار بإخوته الابن الصالح والابنة الصالحة؟ لماذا لا تأتون بالأب والأم الناجحين في إنشاء أسرة سليمة تخدم الدين والمجتمع؟ لما لا تحيون تلك الصفات فينا؟ لماذا لا تكونون سفراء خير لمجتمعاتكم العربية؟


بالفعل مَن أنتم؟ وماذا تريدون منا؟

وفي مقالي السابق "الإنسانية في الأفلام الهندية" تطرقت فيه لذكر الأفلام الهندية التي نتمنى أن تقتدي بها السينما العربية، وتخرج بشيء يحمل من الإنسانية شيئاً، لعلمي الكامل بأن السينما لها دور كبير في التأثير على المجتمعات، وثقافة الشعوب، وبالتالي فالسينما الهندية تستخدم ذلك في التأثير الإيجابي على مجتمعهم في معالجة القضايا الشائكة، والأمور التي يتألم منها المجتمع.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/eman-mohamed-darwish/-_12422_b_17426888.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات