تعرّفتُ على هذا الكاتب الألماني وأنا طالب في جامعة تلمسان، لم أعرفه في حياته بحكم البيولوجيا التي غيّبته عن الحياة في سنة 1900م كما روت ذلك الكتب والمؤرخون على اختلافهم، ولكنني تعرفتُ على نظرته إلى الحياة في كافة ميادينها عبر مؤلفاته المختلفة، وبعض أساتذتي المعتوهين، الذين انبهروا بهالته بدل الانجذاب إلى أفكاره، وهذا ما زادني شغفاً من أجل التعرّف عليه أكثر فأكثر.
يعتبر هذا الكاتب الكبير من المجانين الذين أحترمهم للغاية، ورغم أنني لا أحترم أيّ مجنون كان، فإنني احترمتُ ولا أزال أحترم أفكار هذا الرجل المسمى بفريدريش نيتشة، والذي كان يسمي نفسه تارة بالمصلوب، وتارة أخرى بديون - زوس، وهما اسمان لكل واحد منهما دلالات من الصعب جداً الوصول إلى معانيها والكشف عن غرائب أسرارها كما يعتقد البعض، وبالمقابل فإن البحث الجاد سيوصّل حتماً إلى تعرية نواتها بخلاف بعض المولعين به إلى حد إيمانهم بأن كلامه سيظل غامضاً إلى الأبد.
سيبقى نيتشه إنساناً مفكّراً لا محالة، وأفكاره المصفوفة بشكل متناسق ومبهم ستحلّ لكن بنفس اصطفاف وتناسق من وضعها؛ لأنها وببساطة تبقى أفكاراً، تحملها قوالب لغوية، وتعبّر عن معان مختفية، وهذا من صنع البشر، وبالتالي فإنّ لها هفوات تقود إلى اضمحلالها دون أيّ شك: إنه القانون الإلهي يا غرائب العجب!
هناك مَن يضع نيتشه في خانة "المكر"، محاولين تبرير النفاق والخداع الذي يقومون به في حق الإنسانية، وهذا في اعتقادي قمة السذاجة؛ لأنني أعتقد جازماً بأن نيتشه لم يضع هذه الأفكار في متناول الإنسانية حتى تكون عبئاً أو طلاسم في خدمة أعداء البشر، وعلماً منّي بأنّ النوايا تبقى بعيدة عن متناولي كما متناول غيري، فبالإمكان الخلاص إلى حسن النية التي تجعل من نيتشه أهم رافد في التفكير "الإنساني"، وبالتالي لن يكون هذا الرافد بطبيعة الحال ضد الإنسانية.
يحكي نيتشه الكثير عن طبيعة البشرية وجشع البشر، عن مطالب الأفراد المكلفة، عن العالم والحياة، عن النساء والموسيقى، عن التراجيديا والأخلاق والأديان والوجود، وغيرها كثير من المواضيع، هذا ما يجعل أفكاره تبدو للوهلة الأولى بلا تقويم، لكن التعمق فيها سيظهر سبب انجذاب هتلر لها، إنه الشوق إلى الأشواق عبر التشويق الذي يتصبب عشقاً لكل ما هو جينيا لوجي رهيب.
سرّ نيتشه في التوق إلى الحبّ، يعبّر عنه بالاصطفاء والركون إلى يقين البقاء عبر التخندق "مع" موضوع ما، ثم ينقلب الحب كرهاً، فيبدّل نيتشه خندقه ويضع سلاحه في وجه حبيب الأمس؛ وهي عملية موجودة في الداخل الإنساني عبّر عنها الكثير من المفكرين بمفاهيم مختلفة، هيغل قال عنها إنها تناقض، ماركس قال عنها إنها ثورة، طاليس قال عنها إنها وجود - عدم، المسلمون قالوا عنها إنها فعل الله على الأرض، المسيحيون قالوا عنها إنها رغبة الرب وإرادته، اليهود قالوا عنها إنها منّة لبني إسرائيل، الرومان قالوا عنها إنها العظمة، البقية قالوا عنها إنها الحياة، ونيتشه قال عنها إنها التراجيديا.
مسائل دخل في نطاقها نيتشه بطرق مختلفة، من جهة كان مكرها لدخولها، ومن جهة أخرى أراد دخولها من أجل تحليلها وطمسها علناً، لكنه وفق ما هو فيه العالم اليوم، فإن نيتشه لم يفجّر سوى ما كانت البشرية تخشى تفجيره، فقد وضع كافة الضوابط على جنب، وراح يكسر الجدران المعنوية للشعوب والجماهير واحداً تلو الآخر حتى اقترب كثيراً من قاع الفكر.
لا يزال نيتشه إلى الآن يستهوي قريحة قراءاتي، ولا أزال حتى هذه الأسطر أحاول فهم ما أراد نيتشه قوله، ولكم تمنّيتُ الجلوس مع هذا الكاتب الكبير على طاولة مقهى نرتشف القهوة وأسأله عن أفكاره لعل جلسة كهذه تفكّ حيرتي منه.
يعتبر هذا الكاتب الكبير من المجانين الذين أحترمهم للغاية، ورغم أنني لا أحترم أيّ مجنون كان، فإنني احترمتُ ولا أزال أحترم أفكار هذا الرجل المسمى بفريدريش نيتشة، والذي كان يسمي نفسه تارة بالمصلوب، وتارة أخرى بديون - زوس، وهما اسمان لكل واحد منهما دلالات من الصعب جداً الوصول إلى معانيها والكشف عن غرائب أسرارها كما يعتقد البعض، وبالمقابل فإن البحث الجاد سيوصّل حتماً إلى تعرية نواتها بخلاف بعض المولعين به إلى حد إيمانهم بأن كلامه سيظل غامضاً إلى الأبد.
سيبقى نيتشه إنساناً مفكّراً لا محالة، وأفكاره المصفوفة بشكل متناسق ومبهم ستحلّ لكن بنفس اصطفاف وتناسق من وضعها؛ لأنها وببساطة تبقى أفكاراً، تحملها قوالب لغوية، وتعبّر عن معان مختفية، وهذا من صنع البشر، وبالتالي فإنّ لها هفوات تقود إلى اضمحلالها دون أيّ شك: إنه القانون الإلهي يا غرائب العجب!
هناك مَن يضع نيتشه في خانة "المكر"، محاولين تبرير النفاق والخداع الذي يقومون به في حق الإنسانية، وهذا في اعتقادي قمة السذاجة؛ لأنني أعتقد جازماً بأن نيتشه لم يضع هذه الأفكار في متناول الإنسانية حتى تكون عبئاً أو طلاسم في خدمة أعداء البشر، وعلماً منّي بأنّ النوايا تبقى بعيدة عن متناولي كما متناول غيري، فبالإمكان الخلاص إلى حسن النية التي تجعل من نيتشه أهم رافد في التفكير "الإنساني"، وبالتالي لن يكون هذا الرافد بطبيعة الحال ضد الإنسانية.
يحكي نيتشه الكثير عن طبيعة البشرية وجشع البشر، عن مطالب الأفراد المكلفة، عن العالم والحياة، عن النساء والموسيقى، عن التراجيديا والأخلاق والأديان والوجود، وغيرها كثير من المواضيع، هذا ما يجعل أفكاره تبدو للوهلة الأولى بلا تقويم، لكن التعمق فيها سيظهر سبب انجذاب هتلر لها، إنه الشوق إلى الأشواق عبر التشويق الذي يتصبب عشقاً لكل ما هو جينيا لوجي رهيب.
سرّ نيتشه في التوق إلى الحبّ، يعبّر عنه بالاصطفاء والركون إلى يقين البقاء عبر التخندق "مع" موضوع ما، ثم ينقلب الحب كرهاً، فيبدّل نيتشه خندقه ويضع سلاحه في وجه حبيب الأمس؛ وهي عملية موجودة في الداخل الإنساني عبّر عنها الكثير من المفكرين بمفاهيم مختلفة، هيغل قال عنها إنها تناقض، ماركس قال عنها إنها ثورة، طاليس قال عنها إنها وجود - عدم، المسلمون قالوا عنها إنها فعل الله على الأرض، المسيحيون قالوا عنها إنها رغبة الرب وإرادته، اليهود قالوا عنها إنها منّة لبني إسرائيل، الرومان قالوا عنها إنها العظمة، البقية قالوا عنها إنها الحياة، ونيتشه قال عنها إنها التراجيديا.
مسائل دخل في نطاقها نيتشه بطرق مختلفة، من جهة كان مكرها لدخولها، ومن جهة أخرى أراد دخولها من أجل تحليلها وطمسها علناً، لكنه وفق ما هو فيه العالم اليوم، فإن نيتشه لم يفجّر سوى ما كانت البشرية تخشى تفجيره، فقد وضع كافة الضوابط على جنب، وراح يكسر الجدران المعنوية للشعوب والجماهير واحداً تلو الآخر حتى اقترب كثيراً من قاع الفكر.
لا يزال نيتشه إلى الآن يستهوي قريحة قراءاتي، ولا أزال حتى هذه الأسطر أحاول فهم ما أراد نيتشه قوله، ولكم تمنّيتُ الجلوس مع هذا الكاتب الكبير على طاولة مقهى نرتشف القهوة وأسأله عن أفكاره لعل جلسة كهذه تفكّ حيرتي منه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mezouar-mohammed-said/-_13090_b_17829024.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات