مَن منا لم يمر به يوم شعر فيه أنه (جاب آخره) واستنفد طاقته، وصارت ممارسة نفس الأشياء اليومية المعتادة حملاً كبيراً عليه، ولم يعد يجد متسعاً لما هو أكثر، وبالطبع لا مكان للطموح، بالكاد يجد مكاناً لأنفاسه، ربما هو غير متضايق أو حزين وربما نعم، ولكنه يدرك تماماً أن محركاته النفسية قد توقفت فجأة، وكأن أحدهم قد قرر أن يقطع عنها التيار!
يتوقف ويسأل نفسه: ماذا بي ولأي طبيب أذهب، أم ربما أحتاج لشيخ أو مقرئ، لعله سحر، لعله جانّ؟
تتخبط خطاه كثيراً لا يعلم ما حلَّ به، بالأمس كان يمارس يومياته بشكل عادي عارٍ من أي شغف وحب ولكن يمشي بالقصور الذاتي، ذاك المصطلح الذي تعرفنا عليه في العلوم في الصفوف الإعدادية على ما أذكر، كان مصطلحاً لامعاً جداً، فقد وصف في كلمتين عمليات عادية يومية وليست تفاعلات أو معادلات، وأذكر ذلك المثال الذي أطربني كثيراً جداً على لسان معلمتي الفاضلة عندما كانت تقول: لما تكونوا في عربية (سيارة) ماشيين بسرعة ما وفجأة تقف إيه يحصل؟ كلنا في نَفَس واحد: نتخبط في الكرسي اللي أدام يا ميس، تكمل قائلة: طيب عمركم ما سألتم نفسكم ليه بيحصل كده؟ وليه ما بتقفوش فجأة؟ ومن هنا تعرفنا على القصور الذاتي، أن تبدأ فعلاً ما وتستمر عليه وقتما تستمر ثم عندما تقف يظل يكمل وحده لوهلة من الزمن، ربما أياماً أو أسابيع أو حتى شهوراً.
حسناً فذاك الذي بدأ وظيفة ما ولم تعد تجني عليه عائد نفسي (ولا أقول مادي)، فقد توقفت محركاته النفسية التي كان يمدها بوقود الشغف والقناعات والدوافع... توقفت عندما نفذ وقودها فقرر أن يكمل بقصوره الذاتي، وظن أن الأمر قد أفلح معه، وكان هذا ما يكفيه ليكمل فيها ثم.. و.. انتهت فترة القصور الذاتي فتوقف عنوةً ولم يجد ما يكمل به بيسر وسلاسة كما كان يفعل قبل!
ربما يكون محظوظاً قليلاً بوجود شخصيات دافعة في حياته حالفها الحظ ببنية نفسية قوية أو ظروف سوية أو وظيفة تلائم شغفهم، فيستعيد بعض نشاطه وتزمجر محركاته مرة أخرى.. ولكن.. حتى متى؟!
لكل إنسان خريطة ذهنية خاصة به تشمل طبائعه وذكاءاته التي يمكن أن يقودها إلى طريق جيد أو آخر سيئ، وكلما سار على الخريطة وصل أسرع وبشكل أفضل، وكلما قرر أن يقهر نداءات الخريطة تعثّر وتعثّر وزاد الأمر سوءاً أنه لا يفطن إلى سبب تعثره!
إذا قررت أن تبذل من وقتك وجسدك ونفسيتك جهداً بمقدار ما مناسب لتلك الخريطة، فإنك ببساطة تقرر أن توظف خلاياك العصبية النشطة وظيفة مناسبة تشغلها بشكل منتج يسير بها للأمام، أما إذا قررت أن تبذل نفس الجهد بشكل غير مناسب لخريطتك فلن تملك تلك الخلايا النشطة سوى الاعتراض والتمرد بكل ما أوتيت من قوة فتشوشك أو تعطلك أو تملأ حياتك بالندم أو على الأقل ستزعجك طاقاتها المهدرة، وفي الوقت الذي تيأس فيه منك ستدخل في سبات عميق وأول مَن سيفتقدها هو أنت، ستغدو الحياة رتيبة ومملة ورويداً رويداً ربما يتسلل ذاك السؤال الشهير السخيف إلى نفسك: لماذا أعيش؟ وما غايتي؟ وفي الوقت الذي تحمل فيه إجابات واضحة تملأ بها كتباً ومراجع، لن تستشعر فيه نفسك إلا كل أسى ومواجع.
ليس الأمر دوماً هكذا، فهناك بُعد عقلي وبُعد جسدي وبُعد روحي، ويمكنهم جميعاً أن يقدموا الدعم اللازم الذي يبقيك شخصاً منتجاً ناجحاً، ولكنك ستعرّض نفسك لمجازفة فقدان المعنى من حياتك أو من الفقرة الأطول والأهم في حياتك.. وظيفتك.
والحقيقة أني لا أستطيع استثناء وظيفة الأمومة من كل هذا، نعم ربما معظم النساء أمهات بالفطرة ولكن ليس جميعهن مررن بظروف تنشئة أو عشن في مجتمعات احترمت تلك الفطرة ولم تشوّهها، وكلنا يعرف أن تأثير البيئة والمجتمع والنشأة يمكن أن تغير كثيراً في فطرة الإنسان، إذاً فمَن قدر الله لها أن تبدأ حياتها كأم بفطرة أمومة منقوصة أو مشوهة وما أكثرهن في ذاك الزمان، وهن ضحية بلا جانٍ، فنحن في زمن كثر فيه الضحايا دون جناة نملك محاسبتهم أو حتى نستطيع حصرهم! فهذه الأم سريعاً ما تستنفد وقودها التي بدأت به من المعرفة والخبرات المحيطة وربما بعض القراءات ثم تجد نفسها وجهاً لوجه مع مهمة ممتدة على مساحة يومها بأكمله بمعدل سبعة أيام أسبوعياً، وتجد نفسها تائهة لم تعد تفهم ما الذي زج بها وسط كل هذا وكأنها في حلم تود أن تفيق منه، أو أن يتقسط على مرات نومها بفواصل معتبرة من اليقظة المصحوبة بمظاهر وممارسات حياتها التي ألفتها واعتادتها منذ أن أبصرت الدنيا، ولم تعد تعرف كيف ستجدد ذاك الوقود أو تحافظ على ما يتبقى منه نهاية كل ليلة، تلهث إلى ذاك التجمع من النساء فتجدهن يثرثرن بكل ما هو غامق ومنقوص من حياتهن، فتهرع إلى مجتمع آخر فتجده نسخة ملتوية من المجتمع الأول، ولن أحدثكم على صفحات التواصل الاجتماعي، فأنتم أدرى بها منّي.
فمن أين لها بالزاد؟ من أين لها بالأمل؟ كيف تواصل؟ فتجدها تحترق نفسياً حيناً فحين فلا يبقى من علاقتها بأبنائها سوى صرخات نارية أو طلقات شبشبية، وليس معنى أنها معذورة أن تنتج جيلاً سوياً، بل إن لم تتدارك الموقف فسيتخلف وراءها ذرية مكتوب على جبينها، نحن نتاج أُم أصابها الاحتراق النفسي!
وكانت تلك حلقة من سلسلة لا تتوقف إلا إذا قررت أنت أن تتوقف وأن تحترم خريطتك من ناحية ثم تأخذ بأسباب السلامة النفسية من ناحية أخرى.
فما تواجهه في حياتك أمر من اثنين: الأول أمر يمكنك اختياره، ففيه اتبع شغفك واحترم خريطتك الذهنية.
والثاني أمر لم تختَره بالمعنى المألوف للاختيار، ففيه اعلم أنه يجب أن تعد له العدة وتتسلح بالأسلحة اللازمة لمواجهته، ثم بعدها اختَر أن تحبه حتى تصل بنفسك إلى أنها لو عاد بها الزمن لاختارته.
ما أذكره ليس أموراً جزافية، ولكنها تخضع لخطوات فإن نظرت إلى آخر المشوار من مكانك لاستثقلت المسير، ولكن كل ما عليك بعد أن تجدد النية وتكتفي بالنظر لأول خطوة فتخطوها وتتبعها بخطوة وأخرى وحسب.
وأول خطوة أن تفهم أن لك أربعة أبعاد: جسدي، وعقلي، ونفسي، وروحي، وأنه يلزمك الموازنة بينها وتغذيتها وترييضها بانتظام، وهناك بُعد واحد منها تدركه حواسك وعليه يمكن قياس الأمور وتقريبها، فكما تفعل في البُعد الجسدي حتى تحافظ عليه فلأبعادك الأخرى حقّ ونصيب.
يتوقف ويسأل نفسه: ماذا بي ولأي طبيب أذهب، أم ربما أحتاج لشيخ أو مقرئ، لعله سحر، لعله جانّ؟
تتخبط خطاه كثيراً لا يعلم ما حلَّ به، بالأمس كان يمارس يومياته بشكل عادي عارٍ من أي شغف وحب ولكن يمشي بالقصور الذاتي، ذاك المصطلح الذي تعرفنا عليه في العلوم في الصفوف الإعدادية على ما أذكر، كان مصطلحاً لامعاً جداً، فقد وصف في كلمتين عمليات عادية يومية وليست تفاعلات أو معادلات، وأذكر ذلك المثال الذي أطربني كثيراً جداً على لسان معلمتي الفاضلة عندما كانت تقول: لما تكونوا في عربية (سيارة) ماشيين بسرعة ما وفجأة تقف إيه يحصل؟ كلنا في نَفَس واحد: نتخبط في الكرسي اللي أدام يا ميس، تكمل قائلة: طيب عمركم ما سألتم نفسكم ليه بيحصل كده؟ وليه ما بتقفوش فجأة؟ ومن هنا تعرفنا على القصور الذاتي، أن تبدأ فعلاً ما وتستمر عليه وقتما تستمر ثم عندما تقف يظل يكمل وحده لوهلة من الزمن، ربما أياماً أو أسابيع أو حتى شهوراً.
حسناً فذاك الذي بدأ وظيفة ما ولم تعد تجني عليه عائد نفسي (ولا أقول مادي)، فقد توقفت محركاته النفسية التي كان يمدها بوقود الشغف والقناعات والدوافع... توقفت عندما نفذ وقودها فقرر أن يكمل بقصوره الذاتي، وظن أن الأمر قد أفلح معه، وكان هذا ما يكفيه ليكمل فيها ثم.. و.. انتهت فترة القصور الذاتي فتوقف عنوةً ولم يجد ما يكمل به بيسر وسلاسة كما كان يفعل قبل!
ربما يكون محظوظاً قليلاً بوجود شخصيات دافعة في حياته حالفها الحظ ببنية نفسية قوية أو ظروف سوية أو وظيفة تلائم شغفهم، فيستعيد بعض نشاطه وتزمجر محركاته مرة أخرى.. ولكن.. حتى متى؟!
لكل إنسان خريطة ذهنية خاصة به تشمل طبائعه وذكاءاته التي يمكن أن يقودها إلى طريق جيد أو آخر سيئ، وكلما سار على الخريطة وصل أسرع وبشكل أفضل، وكلما قرر أن يقهر نداءات الخريطة تعثّر وتعثّر وزاد الأمر سوءاً أنه لا يفطن إلى سبب تعثره!
إذا قررت أن تبذل من وقتك وجسدك ونفسيتك جهداً بمقدار ما مناسب لتلك الخريطة، فإنك ببساطة تقرر أن توظف خلاياك العصبية النشطة وظيفة مناسبة تشغلها بشكل منتج يسير بها للأمام، أما إذا قررت أن تبذل نفس الجهد بشكل غير مناسب لخريطتك فلن تملك تلك الخلايا النشطة سوى الاعتراض والتمرد بكل ما أوتيت من قوة فتشوشك أو تعطلك أو تملأ حياتك بالندم أو على الأقل ستزعجك طاقاتها المهدرة، وفي الوقت الذي تيأس فيه منك ستدخل في سبات عميق وأول مَن سيفتقدها هو أنت، ستغدو الحياة رتيبة ومملة ورويداً رويداً ربما يتسلل ذاك السؤال الشهير السخيف إلى نفسك: لماذا أعيش؟ وما غايتي؟ وفي الوقت الذي تحمل فيه إجابات واضحة تملأ بها كتباً ومراجع، لن تستشعر فيه نفسك إلا كل أسى ومواجع.
ليس الأمر دوماً هكذا، فهناك بُعد عقلي وبُعد جسدي وبُعد روحي، ويمكنهم جميعاً أن يقدموا الدعم اللازم الذي يبقيك شخصاً منتجاً ناجحاً، ولكنك ستعرّض نفسك لمجازفة فقدان المعنى من حياتك أو من الفقرة الأطول والأهم في حياتك.. وظيفتك.
والحقيقة أني لا أستطيع استثناء وظيفة الأمومة من كل هذا، نعم ربما معظم النساء أمهات بالفطرة ولكن ليس جميعهن مررن بظروف تنشئة أو عشن في مجتمعات احترمت تلك الفطرة ولم تشوّهها، وكلنا يعرف أن تأثير البيئة والمجتمع والنشأة يمكن أن تغير كثيراً في فطرة الإنسان، إذاً فمَن قدر الله لها أن تبدأ حياتها كأم بفطرة أمومة منقوصة أو مشوهة وما أكثرهن في ذاك الزمان، وهن ضحية بلا جانٍ، فنحن في زمن كثر فيه الضحايا دون جناة نملك محاسبتهم أو حتى نستطيع حصرهم! فهذه الأم سريعاً ما تستنفد وقودها التي بدأت به من المعرفة والخبرات المحيطة وربما بعض القراءات ثم تجد نفسها وجهاً لوجه مع مهمة ممتدة على مساحة يومها بأكمله بمعدل سبعة أيام أسبوعياً، وتجد نفسها تائهة لم تعد تفهم ما الذي زج بها وسط كل هذا وكأنها في حلم تود أن تفيق منه، أو أن يتقسط على مرات نومها بفواصل معتبرة من اليقظة المصحوبة بمظاهر وممارسات حياتها التي ألفتها واعتادتها منذ أن أبصرت الدنيا، ولم تعد تعرف كيف ستجدد ذاك الوقود أو تحافظ على ما يتبقى منه نهاية كل ليلة، تلهث إلى ذاك التجمع من النساء فتجدهن يثرثرن بكل ما هو غامق ومنقوص من حياتهن، فتهرع إلى مجتمع آخر فتجده نسخة ملتوية من المجتمع الأول، ولن أحدثكم على صفحات التواصل الاجتماعي، فأنتم أدرى بها منّي.
فمن أين لها بالزاد؟ من أين لها بالأمل؟ كيف تواصل؟ فتجدها تحترق نفسياً حيناً فحين فلا يبقى من علاقتها بأبنائها سوى صرخات نارية أو طلقات شبشبية، وليس معنى أنها معذورة أن تنتج جيلاً سوياً، بل إن لم تتدارك الموقف فسيتخلف وراءها ذرية مكتوب على جبينها، نحن نتاج أُم أصابها الاحتراق النفسي!
وكانت تلك حلقة من سلسلة لا تتوقف إلا إذا قررت أنت أن تتوقف وأن تحترم خريطتك من ناحية ثم تأخذ بأسباب السلامة النفسية من ناحية أخرى.
فما تواجهه في حياتك أمر من اثنين: الأول أمر يمكنك اختياره، ففيه اتبع شغفك واحترم خريطتك الذهنية.
والثاني أمر لم تختَره بالمعنى المألوف للاختيار، ففيه اعلم أنه يجب أن تعد له العدة وتتسلح بالأسلحة اللازمة لمواجهته، ثم بعدها اختَر أن تحبه حتى تصل بنفسك إلى أنها لو عاد بها الزمن لاختارته.
ما أذكره ليس أموراً جزافية، ولكنها تخضع لخطوات فإن نظرت إلى آخر المشوار من مكانك لاستثقلت المسير، ولكن كل ما عليك بعد أن تجدد النية وتكتفي بالنظر لأول خطوة فتخطوها وتتبعها بخطوة وأخرى وحسب.
وأول خطوة أن تفهم أن لك أربعة أبعاد: جسدي، وعقلي، ونفسي، وروحي، وأنه يلزمك الموازنة بينها وتغذيتها وترييضها بانتظام، وهناك بُعد واحد منها تدركه حواسك وعليه يمكن قياس الأمور وتقريبها، فكما تفعل في البُعد الجسدي حتى تحافظ عليه فلأبعادك الأخرى حقّ ونصيب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/eman-samy-mohammed/-_13068_b_17798276.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات