نكاد نجزم أن أغلب المسافرين في العالم يشعرون بالحيرة والارتباك في كل مرة يحاولون فيها شراء تذاكر الطائرة، بل وقد يشعرون أيضاً بأنه يتم خداعهم من طرف شركات الطيران؛ وذلك لأنهم غير قادرين على فهم الآلية التي يتم بها تحديد أثمنة هذه التذاكر التي تتغير بسرعة شديدة، فتارة تكون رخيصة جداً، وتارة باهظة بشكل لا يُصدق.
ويكون الأمر أكثر إرباكاً وغرابة عندما يتعلق بنفس الوجهة بين شركتي طيران مختلفة، أو عندما يتعلق بنفس الرحلة، لكن الثمن يتغير بشكل خاطف بين تاريخي انطلاق أو حجز مختلفين، وإن كانت المدة الفاصلة بينهما قصيرة جداً، فكيف يتم تحديد هذه الأثمنة؟ ولماذا تتغير باستمرار؟
ولفهم الأسباب الكامنة وراء هذا السر أكثر سنعود بالزمن قليلاً إلى الوراء، وتحديداً إلى سنة 1914 حين أصبح أبراهام فيل أول راكب طائرة يدفع المال مقابل نقله في التاريخ (أي أننا نتحدث عن أول طيران تجاري في التاريخ).
واشترى فيل تذكرة الطائرة -كما أدخل اسمه التاريخ- في المزاد العلني مقابل 400 دولار، وهو ما يعادل 10000 دولار تقريباً في يومنا هذا.
وقد استمرت هذه الرحلة لمدة 23 دقيقة فقط انطلاقاً من مدينة بيتسبيرغ نحو مدينة تامبا الأميركيتين، وكما هو مُتوقع، فإن ركوب الطائرات حينها كان يعادل ركوب المركبات الفضائية حالياً، أي أن ثمنه باهظ جداً، وبالتالي فإنه متاح للأغنياء فقط، وقد استمر الحال على ما هو عليه لعشرات السنوات.
كانت المشكلة تكمن في كون عدد الأغنياء محدوداً جداً، وهو ما جعل شركات الطيران تفكر في طرق لبيع خدماتها لفئة أشمل وأكبر بكثير، مما يعني ضرورة بيع تذاكر أقل ثمناً من تلك التي يتم اقتناؤها من طرف الأغنياء، وهو ما توج ببداية العمل بنظام جديد خلال خمسينيات القرن الماضي.
بدأت شركات الطيران في الولايات المتحدة الأميركية بعرض نوعين مختلفين من التذاكر للبيع، النوع الأول موجه لرجال الأعمال وللأشخاص ميسوري الحال، وقد كانت تذاكر هذا النوع تتميز بثمنها المرتفع الذي ينعكس على جودة الخدمة التي تُقدم لحامليها، وعلى سهولة استخدامها؛ لأنها تذاكر يمكن تغيير تاريخ استعمالها، أما النوع الثاني فكان موجهاً بالأساس إلى السياح، وهي تذاكر ذات تواريخ مُحددة لا يمكن تغييرها، وذات ثمن منخفض مقارنة بالنوع الأول.
استمر الحال إلى غاية الثمانينيات، هذه الفترة التي عرفت انتشاراً هائلاً للنقل الجوي، وهو ما انعكس على طريقة عمل شركات الطيران التي أصبحت متعددة جداً -مما يعني أن المنافسة قد اشتدت وكبرت فيما بينها- حيث أصبحت هذه الشركات قادرة على تنويع الوجهات التي تصل رحلاتها إليها.
واختيار الأوقات التي تنطلق فيها هذه الرحلات، وعدد الراكبين الذي تقله كل رحلة، أما ما يهمنا هنا، فهو بداية العمل بنظام الدرجات الذي يسمح لهذه الشركات ببيع تذاكر ذات ثمن مختلف تماماً عن بعضها البعض من أجل التنقل في نفس الرحلة، إلى نفس الوجهة وفي نفس الوقت، فكيف يتم تحديد هذه الأثمنة؟
أسهل طريقة لشرح هذا الأمر هي توضيح أن شركة الطيران تحاول كسب أكبر ربح ممكن من الرحلة، ونقول الرحلة وليس التذكرة؛ لأنها تقوم بتحديد المبلغ الذي ترغب بتحقيقه من الرحلة كاملة، ومن هذا المنطلق يتم تحديد أثمنة المقاعد لاحقاً.
فمثلاً، لنفترض أن ما ترغب الشركة في تحقيقه من رحلة متوجهة من لندن إلى باريس هو خمسون ألف دولار، علماً أن الطائرة تحمل مائة مقعد، هذا لا يعني أن كل مقعد سيساوي 500 دولار، وذلك لأن الطائرة خاضعة لنظام الدرجات، ولأن الشركة لن تكتفي فقط بالمبلغ المزمع تحقيقه، فمثلاً، إذا افترضنا أن ثمن تذكرة درجة رجال الأعمال (10 مقاعد) قد تم تحديدها في ألفي دولار، والدرجة الأولى في ألف وخمسمائة دولار ( عشرين مقعداً).
فإن اقتناء هذه التذاكر بالفعل يعني أن الشركة قد حققت المبلغ المستهدف، مما يعني أن بقية المقاعد السبعين المتبقية تمثل ربحاً صافياً، وفي هذه الحالة، فإن الشركة تحاول تحقيق هدفين أساسيين، تحقيق أقصى ربح يمكن اكتسابه، وفي نفس الوقت، بيع جميع التذاكر وعدم ترك مقعد واحد فارغاً، فكيف يمكن تحقيق هذه المعادلة؟ وما هي العوامل المتدخلة في تحديد أثمنة هذه المقاعد؟
في الواقع، هناك عوامل كثيرة جداً تتدخل في تحديد أثمنة التذاكر، نذكر من بينها:
الخدمة المُقدمة على الطائرة
من المنطقي والمُتوقع أن الخدمة التي يرغب بها مقتنو الدرجات العليا تنعكس على ثمن تذكرتهم، بالإضافة إلى أن مستعملي هذه الدرجات لا يهتمون عادة بالثمن الذي سيدفعونه بالقدر الذي يهتمون به بالخدمات المقدمة، بينما يدفع بقية المسافرين ثمناً يكافئ الخدمة المتوسطة التي يحصلون عليها.
حاجة المسافر
جرب أن تقتني تذكرة طائرة في اللحظة الأخيرة أو في الساعات التي تسبق إقلاع هذه الطائرة، سوف تُفاجأ بأنك مضطر لدفع ثمن باهظ، نظراً لأن شركة الطيران تعلم أن الشخص الذي سيقتني التذكرة في آخر لحظة سيكون في أمس الحاجة إلى ركوب الطائرة ولن يهتم كثيراً بالثمن الذي سيتحمله.
وهو أمر يحدث بشكل أكبر في عالم رجال الأعمال الذين يضطرون إلى القفز إلى أول طائرة تظهر أمامهم في اللحظة الأخيرة نظراً لمتطلبات عملهم، دونما اهتمام بالمبلغ الذي ستكلفه التذكرة، وبالتالي فإنه كلما تم حجز التذكرة باكراً، كان ثمنها أرخص.
العرض والطلب
كما ذكرنا سابقاً، لا تريد أي شركة طيران أن تقلع طائراتها وعلى متنها مقعد واحد فارغ لأنه يمثل غياباً للدخل وعبئاً على هذه الشركة، لذا، فكلما قل الطلب على هذه المقاعد، قل معه الثمن المعروض مقابل الحصول عليها طمعاً في جذب المسافرين، وهو ما يتمثل في الفترات التي تقل فيها الأسفار مثلاً.
وعلى العكس، كلما كان الطلب كبيراً عليها، فإن ثمن هذه المقاعد يزداد ويتضخم، وقد يؤدي هذا العامل تحديداً في الحصول على عروض مغرية جداً نظراً لأن الشركة تحاول بيع المقاعد القليلة المتبقية بأي ثمن، خصوصاً في الأيام والفترات التي تعرف ركوداً شديداً في حركة السفر.
المنافسة
تلعب المنافسة دوراً كبيراً جداً في التأثير على أثمنة التذاكر، فمثلاً، نجد أن الوجهات التي ينتقل إليها عدد قليل ومحدود من الطائرات كالدول غير السياحية أو المدن غير الشهيرة، تكلف ثمناً باهظاً مقارنةً مع الوجهات التي يتجه إليها عدد هائل من الطائرات.
ثمن الوقود: تلعب أسعار البترول دوراً محورياً كذلك في التأثير على هذه الأسعار، فكلما ارتفع سعر الوقود المُستعمل من طرف الطائرة وجد المسافر نفسه أمام ضرورة دفع مبلغ أكبر لتغطية هذه الزيادة.
المسافة
من بين العوامل الأخرى التي يمكننا ذكرها نجد طول مسافة السفر، خط الرحلة (نجد أن الرحلات المباشرة أغلى ثمناً من الرحلات التي تتوقف بين المطارات)، وتوقيت الإنطلاق ( تكون التذاكر أرخص في الأوقات التي لا تعرف إقبالاً كبيراً من طرف المسافرين، كتوقيت الفجر أو منتصف الليل مثلاً).
ويكون الأمر أكثر إرباكاً وغرابة عندما يتعلق بنفس الوجهة بين شركتي طيران مختلفة، أو عندما يتعلق بنفس الرحلة، لكن الثمن يتغير بشكل خاطف بين تاريخي انطلاق أو حجز مختلفين، وإن كانت المدة الفاصلة بينهما قصيرة جداً، فكيف يتم تحديد هذه الأثمنة؟ ولماذا تتغير باستمرار؟
ولفهم الأسباب الكامنة وراء هذا السر أكثر سنعود بالزمن قليلاً إلى الوراء، وتحديداً إلى سنة 1914 حين أصبح أبراهام فيل أول راكب طائرة يدفع المال مقابل نقله في التاريخ (أي أننا نتحدث عن أول طيران تجاري في التاريخ).
واشترى فيل تذكرة الطائرة -كما أدخل اسمه التاريخ- في المزاد العلني مقابل 400 دولار، وهو ما يعادل 10000 دولار تقريباً في يومنا هذا.
وقد استمرت هذه الرحلة لمدة 23 دقيقة فقط انطلاقاً من مدينة بيتسبيرغ نحو مدينة تامبا الأميركيتين، وكما هو مُتوقع، فإن ركوب الطائرات حينها كان يعادل ركوب المركبات الفضائية حالياً، أي أن ثمنه باهظ جداً، وبالتالي فإنه متاح للأغنياء فقط، وقد استمر الحال على ما هو عليه لعشرات السنوات.
كانت المشكلة تكمن في كون عدد الأغنياء محدوداً جداً، وهو ما جعل شركات الطيران تفكر في طرق لبيع خدماتها لفئة أشمل وأكبر بكثير، مما يعني ضرورة بيع تذاكر أقل ثمناً من تلك التي يتم اقتناؤها من طرف الأغنياء، وهو ما توج ببداية العمل بنظام جديد خلال خمسينيات القرن الماضي.
بدأت شركات الطيران في الولايات المتحدة الأميركية بعرض نوعين مختلفين من التذاكر للبيع، النوع الأول موجه لرجال الأعمال وللأشخاص ميسوري الحال، وقد كانت تذاكر هذا النوع تتميز بثمنها المرتفع الذي ينعكس على جودة الخدمة التي تُقدم لحامليها، وعلى سهولة استخدامها؛ لأنها تذاكر يمكن تغيير تاريخ استعمالها، أما النوع الثاني فكان موجهاً بالأساس إلى السياح، وهي تذاكر ذات تواريخ مُحددة لا يمكن تغييرها، وذات ثمن منخفض مقارنة بالنوع الأول.
استمر الحال إلى غاية الثمانينيات، هذه الفترة التي عرفت انتشاراً هائلاً للنقل الجوي، وهو ما انعكس على طريقة عمل شركات الطيران التي أصبحت متعددة جداً -مما يعني أن المنافسة قد اشتدت وكبرت فيما بينها- حيث أصبحت هذه الشركات قادرة على تنويع الوجهات التي تصل رحلاتها إليها.
واختيار الأوقات التي تنطلق فيها هذه الرحلات، وعدد الراكبين الذي تقله كل رحلة، أما ما يهمنا هنا، فهو بداية العمل بنظام الدرجات الذي يسمح لهذه الشركات ببيع تذاكر ذات ثمن مختلف تماماً عن بعضها البعض من أجل التنقل في نفس الرحلة، إلى نفس الوجهة وفي نفس الوقت، فكيف يتم تحديد هذه الأثمنة؟
أسهل طريقة لشرح هذا الأمر هي توضيح أن شركة الطيران تحاول كسب أكبر ربح ممكن من الرحلة، ونقول الرحلة وليس التذكرة؛ لأنها تقوم بتحديد المبلغ الذي ترغب بتحقيقه من الرحلة كاملة، ومن هذا المنطلق يتم تحديد أثمنة المقاعد لاحقاً.
فمثلاً، لنفترض أن ما ترغب الشركة في تحقيقه من رحلة متوجهة من لندن إلى باريس هو خمسون ألف دولار، علماً أن الطائرة تحمل مائة مقعد، هذا لا يعني أن كل مقعد سيساوي 500 دولار، وذلك لأن الطائرة خاضعة لنظام الدرجات، ولأن الشركة لن تكتفي فقط بالمبلغ المزمع تحقيقه، فمثلاً، إذا افترضنا أن ثمن تذكرة درجة رجال الأعمال (10 مقاعد) قد تم تحديدها في ألفي دولار، والدرجة الأولى في ألف وخمسمائة دولار ( عشرين مقعداً).
فإن اقتناء هذه التذاكر بالفعل يعني أن الشركة قد حققت المبلغ المستهدف، مما يعني أن بقية المقاعد السبعين المتبقية تمثل ربحاً صافياً، وفي هذه الحالة، فإن الشركة تحاول تحقيق هدفين أساسيين، تحقيق أقصى ربح يمكن اكتسابه، وفي نفس الوقت، بيع جميع التذاكر وعدم ترك مقعد واحد فارغاً، فكيف يمكن تحقيق هذه المعادلة؟ وما هي العوامل المتدخلة في تحديد أثمنة هذه المقاعد؟
في الواقع، هناك عوامل كثيرة جداً تتدخل في تحديد أثمنة التذاكر، نذكر من بينها:
الخدمة المُقدمة على الطائرة
من المنطقي والمُتوقع أن الخدمة التي يرغب بها مقتنو الدرجات العليا تنعكس على ثمن تذكرتهم، بالإضافة إلى أن مستعملي هذه الدرجات لا يهتمون عادة بالثمن الذي سيدفعونه بالقدر الذي يهتمون به بالخدمات المقدمة، بينما يدفع بقية المسافرين ثمناً يكافئ الخدمة المتوسطة التي يحصلون عليها.
حاجة المسافر
جرب أن تقتني تذكرة طائرة في اللحظة الأخيرة أو في الساعات التي تسبق إقلاع هذه الطائرة، سوف تُفاجأ بأنك مضطر لدفع ثمن باهظ، نظراً لأن شركة الطيران تعلم أن الشخص الذي سيقتني التذكرة في آخر لحظة سيكون في أمس الحاجة إلى ركوب الطائرة ولن يهتم كثيراً بالثمن الذي سيتحمله.
وهو أمر يحدث بشكل أكبر في عالم رجال الأعمال الذين يضطرون إلى القفز إلى أول طائرة تظهر أمامهم في اللحظة الأخيرة نظراً لمتطلبات عملهم، دونما اهتمام بالمبلغ الذي ستكلفه التذكرة، وبالتالي فإنه كلما تم حجز التذكرة باكراً، كان ثمنها أرخص.
العرض والطلب
كما ذكرنا سابقاً، لا تريد أي شركة طيران أن تقلع طائراتها وعلى متنها مقعد واحد فارغ لأنه يمثل غياباً للدخل وعبئاً على هذه الشركة، لذا، فكلما قل الطلب على هذه المقاعد، قل معه الثمن المعروض مقابل الحصول عليها طمعاً في جذب المسافرين، وهو ما يتمثل في الفترات التي تقل فيها الأسفار مثلاً.
وعلى العكس، كلما كان الطلب كبيراً عليها، فإن ثمن هذه المقاعد يزداد ويتضخم، وقد يؤدي هذا العامل تحديداً في الحصول على عروض مغرية جداً نظراً لأن الشركة تحاول بيع المقاعد القليلة المتبقية بأي ثمن، خصوصاً في الأيام والفترات التي تعرف ركوداً شديداً في حركة السفر.
المنافسة
تلعب المنافسة دوراً كبيراً جداً في التأثير على أثمنة التذاكر، فمثلاً، نجد أن الوجهات التي ينتقل إليها عدد قليل ومحدود من الطائرات كالدول غير السياحية أو المدن غير الشهيرة، تكلف ثمناً باهظاً مقارنةً مع الوجهات التي يتجه إليها عدد هائل من الطائرات.
ثمن الوقود: تلعب أسعار البترول دوراً محورياً كذلك في التأثير على هذه الأسعار، فكلما ارتفع سعر الوقود المُستعمل من طرف الطائرة وجد المسافر نفسه أمام ضرورة دفع مبلغ أكبر لتغطية هذه الزيادة.
المسافة
من بين العوامل الأخرى التي يمكننا ذكرها نجد طول مسافة السفر، خط الرحلة (نجد أن الرحلات المباشرة أغلى ثمناً من الرحلات التي تتوقف بين المطارات)، وتوقيت الإنطلاق ( تكون التذاكر أرخص في الأوقات التي لا تعرف إقبالاً كبيراً من طرف المسافرين، كتوقيت الفجر أو منتصف الليل مثلاً).
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/08/26/story_n_17837902.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات