كان طول الطابور في البنك يمتد حتى بنايتين، وكان عبدول بن ناجي مرةً أخرى يدعو أن تُفتَح الأبواب. فهو في حاجةٍ ماسَّة إلى دولاراته الـ60.
وفي ظل مرور ليبيا بأزمة في العملة، كان ذلك هو الحد الأسبوعي للسحب. ومع ذلك، لم يكن لدى البنك أي نقود الشهر الماضي. ولم يمنع هذا بن ناجي ومئات آخرين من التوجُّه إلى البنك كل ليلة ليحصلوا على مكانٍ جيد لهم في ذلك الطابور، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية رصد يوميات حياة الليبيين الصعبة في العاصمة طرابلس.
كان بن ناجي، موظف الخطوط الجوية غير الحليق، الثالث في الطابور من جهة الباب. وفي الساعة العاشرة صباحاً، كان البنك ما زال لم يفتح أبوابه بعد. فقال مُتنهِّداً: "32 يوماً ولا أموال".
وتُعَد تلك الطوابير البنكية الطويلة على نحوٍ لا يُطاق هي أحدث المشكلات التي تواجه الليبيين العالقين في دائرةٍ من الحرب والاضطراب الاقتصادي.
مزيج مؤلم
فبعد 6 سنوات من الثورة التي أطاحت بالديكتاتور الليبي معمر القذافي، أصبح المزاج في هذه العاصمة المُتقلِّبة مزيجاً من اليأس والكآبة. إذ فشلت الجهود الدبلوماسية والعسكرية التي بذلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في تحقيق الاستقرار في البلاد، ويبقى انفراج الأزمة أمراً غير واضح. ويشعر معظم الليبيين أنَّ الأسوأ لم يأتِ بعد.
وعلى نحوٍ متزايد، أصبحت القرارات التي كانت في الماضي عادية بسيطة قرارات يمكنها أن تُغيِّر حياة الأفراد.
هل هو آمن أن نزور الآباء الذين يقطنون حياً بالجهة المقابلة للمدينة؟ أيّ السيارات يُستبعَد أن ينتبه إليها الخاطِفون؟ هل ستكفي الـ60 دولاراً التي نسحبها من البنك إلى أن تكون الـ60 دولاراً الأخرى متاحة في البنك لسحبها؟
وقال بن ناجي، 57 عاماً، وهو يتَّكئ على ماكينة صرف آلي لم تعمل منذ سنوات: "مستقبلنا يزداد قتامةً أكثر فأكثر كل يوم".
وفي عهد القذافي، كانت الدولة المُنتجة للنفط واحدةً من أغنى دول العالم. وحتى مع معاناة الاقتصاد في سنواته الأخيرة، تمتَّع الليبيون برعايةٍ صحية، وتعليم، ومزايا أخرى مجانية في ظل النسخة الغريبة التي كان يتبنَّاها الرجل القوي من الاشتراكية.
وقد مزَّق انعدام الأمن الذي أعقب وفاة القذافي البلد الشمال إفريقي. إذ تتبارى حكوماتٌ متنافسة ومجموعة من المجموعات المسلحة على النفوذ والسيطرة على الأرض. والاقتصاد على وشك الانهيار. والعصابات الإجرامية تفترس الضعفاء.
ففي طرابلس، تحوَّلَ البرلمان والمباني الأخرى إلى جثثٍ خرسانية، حطَّمتها نيران المدفعية الثقيلة، والقذائف الصاروخية، وقذائف الدبابات. وتندلع المصادمات غالباً بصورةٍ مفاجئة، محاصرةً السكان في منازلهم ومُنشِئةً مناطق حظر تجول.
وكشفت رحلة في أنحاء المدينة كيف يتأقلم الليبيون مع تقلُّبات الحرب الأهلية.
تنافس من أجل السيطرة
في حي صلاح الدين جنوبي طرابلس، يعج أحد الطرق الرئيسية بالحياة في النهار، لكنَّه يتحوَّل إلى شارعٍ مهجور في الليل.
وأصبح الشارع، المُحاط بما كان ذات يومٍ حي طبقة وسطى نموذجياً، نقطةً رئيسية في التنافس من أجل السيطرة على العاصمة.
ففي أحد جانبي الحي، يُقيم مُسلَّحون متحالفون مع حكومةٍ مُعلنة ذاتياً، ذات ميول إسلامية نقاطَ تفتيش. بينما يُشرِف مقاتلون موالون لحكومة الوفاق الوطني التي ثبَّتتها الأمم المتحدة على الجانب الآخر.
وبحلول التاسعة مساءً، حبس الكثير من السكان أنفسهم داخل بيوتهم. فبحسب السكان، عادةً ما يبدأ إطلاق النار في ذلك الوقت. ويكون أولئك الذي يجرؤون على المجازفة بالخروج حريصين على عدم إحضار أي شيءٍ ذي قيمة معهم.
فقال إبراهيم الورفلي، 31 عاماً، وهو مالك أحد المتاجر: "أترك هاتفي الآي فون وأحمل معي هاتف نوكيا رخيصاً. فلدى هؤلاء الرجال أسلحة وبإمكانهم فعل أي شيءٍ يريدونه".
هذا ما يحركهم فقط
وعند مدخل المدينة الغربي، يقف مقاتلون تابعون لكتيبة فرسان جنزور، وهي كتيبة متحالفة مع حكومة الوفاق، ويُفتِّشون السيارات بحثاً عن الأسلحة التي تُنقَل إلى منافسيهم.
وقال محمد البزاع، 29 عاماً، وهو أغلظ قائدي الميليشيا (حسب تعبير واشنطن بوست)، الذي كان يرتدي زياً مُموَّهاً رثَّاً، ويقف إلى جانب شاحنة تحمل رشاشاً آلياً ثقيلاً: "واضح أنَّهم يرغبون في السيطرة على العاصمة".
ويتمثَّل أحد أكبر منافسي الكتيبة في مجموعةٍ يقودها اللواء خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته على معظم شرقي ليبيا. ويتحالف حفتر، الذي عاش في المنفى بشمالي ولاية فرجينيا الأميركية لعقدين من الزمن، مع حكومةٍ ثالثة في شرقي البلاد.
وقال البزاع، الذي قاتل في الثورة: "إنَّه قذافي آخر".
لكنَّ التهديد الرئيس للكتيبة، كما يقول البزاع، هم المقاتلون الذين ينتمون إلى قبيلةٍ منافسة ويسيطرون على جيبٍ يوجد على بُعد أقل من ميلين (3.22 كم) إلى الأسفل من الطريق السريع الرئيسي الرابط بين طرابلس ومدينة الزاوية. وقد تقاتلا بشراسةٍ العام الماضي، 2016. أمَّا الآن، فيتحالف كلاهما مع حكومة الوفاق.
غير أنَّ غياب الثقة والتوتُّرات لا تزال عميقة.
فقال البزاع عن منافسيه: "يُحرِّكهم المال فقط".
وليس بعيداً عن نقطة التفتيش، اختُطِف سليمان أبو هلالة. وقد سحبه ثلاثة رجال مُسلَّحين ومُلثَّمين من سيارته وأخذوه إلى مزرعةٍ خارج العاصمة. وحُرِم سليمان، الذي احتُجِز هناك فترة 19 يوماً، من علاج مرض السكري إلى أن وافقت أسرته على دفع فدية قيمتها 11 ألف دولار.
وتذكَّر سليمان، وهو رجل أعمال في الثمانينيات من عمره، قائلاً: "كنتُ خائفاً للغاية. فقد اختُطِف ابن أخي قبلها بثلاثة أشهر. وقُتِل بعدما دفعنا الفدية".
وأصبحت عمليات القتل أمراً شائعاً في العاصمة، لدرجة أنَّ السكان يتبادلون باستمرار معلوماتٍ تفصيلية بشأن المناطق والطرق التي تحدث بها تلك العمليات.
وأصبح الاختطاف -الذي كان يحدث في الماضي مدفوعاً بتنافساتٍ سياسية أو قبائلية- عملاً إجرامياً تغذِّيه الأحوال الاقتصادية المتدهورة.
وقال محمد الغرابلي، وهو رجل أعمال آخر: "كل ما يريدونه هو المال. فهناك نقص في الأموال بالبلاد. وليست هناك وظائف".
وقد اختُطِف الغرابلي العام الماضي 2016 واحتُجِز مدة 63 يوماً في غرفةٍ أصغر من خزانات الملابس، لها بابٌ حديدي وقضبان من الحديد على النوافذ. وكما قال الغرابلي، فقد كُبِّلت يداه بكابل من السلك، وقُيِّدت رجلاه بالسلاسل. وأطعمه مُختطِفوه قطعاً من الخبز "كما لو كان كلباً". ودفعت أسرته نحو 31 ألف دولار لتحريره.
"من أنتم؟!"
لم يَقُد أسامة لبيب سيارته من نوع لامبورغيني الحمراء الداكنة منذ أشهر.
إذ ينتظر المهندس المعماري من أجل قطع الغيار، التي تستغرق أسابيع حتى تصل، وذلك لأنَّ سفناً أقل مستعدة لترسو في طرابلس. لكن حتى إذا أصلح السيارة، فإنَّه يعتزم إبقاءها تحت غطائها خلف الجدران العالية لمُجمَّعه السكني بالقرب من حي صلاح الدين.
وقال: "إذا قُدتُها، سألفتُ الكثير للغاية من الانتباه. وإذا دخلتُ حي صلاح الدين بهذه السيارة، لن أخرج أبداً".
وقال علي قابوس، وهو تاجر سيارات فاخرة، إنَّ الكثير من الليبيين يبقون سياراتهم بعيدة عن الأنظار. وأضاف أنَّ آخرين قد أرسلوا سياراتهم إلى تونس المجاورة كي "يبقوها آمنةً".
وأسوأ سياراته مبيعاً هذه الأيام هي تويوتا لاندكروزر. فقال قابوس: "إنَّها أخطر سيارة يمكن أن تقودها. فالمُسلَّحون يُحبُّونها بحق".
وقال إنَّ بعض الزبائن يشترون سيارات فاخرة ويرسلونها إلى خارج ليبيا لأنَّهم لا يأمنون ترك أموالهم في البنوك.
وقال: "إنَّها طريقة لحماية أموالك".
لكن قليلين فقط من سكان طرابلس هم من يمتلكون مثل تلك الخيارات.
وبينما يقف في طابور البنك الملتوي، شكا "علامة المعتمد" من تدهور صحته، والأموال التي يجب أن ينفقها على الأطباء. لكنَّ، حسبما قال، ما يجعله أكثر إحباطاً هو ما لاحظه من انقسامات اجتماعية وثقافية آخذة في التعمُّق.
فقال موظف الخطوط الجوية صاحب الـ67 عاماً، وهو زميل لعبدول بن ناجي: "في السابق، لم نكن نسأل أبداً من أين هذا الشخص. فقد رأينا أنفسناً دوماً جزءاً من بلدٍ واحد. أمَّا الآن، فحينما يُوقفك أحدهم، يسألك: من أين أنت؟".
وأضاف: "وفي بعض الأحيان قد يقتلك إذا ما كنت من شرقي البلاد على سبيل المثال. أو ربما يقتلك إذا كنت من غربيها".
وفي تلك اللحظة، قاطع بن ناجي الحديث، وعبَّر عن شعورٍ يتقاسمه الكثيرون في العاصمة.
فقال: "ربما لم تكن الثورة هي الشيء الصحيح. في الماضي، كان الناس سعداء. في الماضي، كنتُ ملكاً، وكانت لدي وظيفة، كنتُ أشعر أنَّي رجل. أمَّا الآن، فلا يمكنني حتى سحب أموالي". وعند الساعة 11 صباحاً، كان البنك لا يزال مغلقاً.
وقد اعتزم العودة مرةً أخرى ليلاً.
وفي ظل مرور ليبيا بأزمة في العملة، كان ذلك هو الحد الأسبوعي للسحب. ومع ذلك، لم يكن لدى البنك أي نقود الشهر الماضي. ولم يمنع هذا بن ناجي ومئات آخرين من التوجُّه إلى البنك كل ليلة ليحصلوا على مكانٍ جيد لهم في ذلك الطابور، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية رصد يوميات حياة الليبيين الصعبة في العاصمة طرابلس.
كان بن ناجي، موظف الخطوط الجوية غير الحليق، الثالث في الطابور من جهة الباب. وفي الساعة العاشرة صباحاً، كان البنك ما زال لم يفتح أبوابه بعد. فقال مُتنهِّداً: "32 يوماً ولا أموال".
وتُعَد تلك الطوابير البنكية الطويلة على نحوٍ لا يُطاق هي أحدث المشكلات التي تواجه الليبيين العالقين في دائرةٍ من الحرب والاضطراب الاقتصادي.
مزيج مؤلم
فبعد 6 سنوات من الثورة التي أطاحت بالديكتاتور الليبي معمر القذافي، أصبح المزاج في هذه العاصمة المُتقلِّبة مزيجاً من اليأس والكآبة. إذ فشلت الجهود الدبلوماسية والعسكرية التي بذلتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في تحقيق الاستقرار في البلاد، ويبقى انفراج الأزمة أمراً غير واضح. ويشعر معظم الليبيين أنَّ الأسوأ لم يأتِ بعد.
وعلى نحوٍ متزايد، أصبحت القرارات التي كانت في الماضي عادية بسيطة قرارات يمكنها أن تُغيِّر حياة الأفراد.
هل هو آمن أن نزور الآباء الذين يقطنون حياً بالجهة المقابلة للمدينة؟ أيّ السيارات يُستبعَد أن ينتبه إليها الخاطِفون؟ هل ستكفي الـ60 دولاراً التي نسحبها من البنك إلى أن تكون الـ60 دولاراً الأخرى متاحة في البنك لسحبها؟
وقال بن ناجي، 57 عاماً، وهو يتَّكئ على ماكينة صرف آلي لم تعمل منذ سنوات: "مستقبلنا يزداد قتامةً أكثر فأكثر كل يوم".
وفي عهد القذافي، كانت الدولة المُنتجة للنفط واحدةً من أغنى دول العالم. وحتى مع معاناة الاقتصاد في سنواته الأخيرة، تمتَّع الليبيون برعايةٍ صحية، وتعليم، ومزايا أخرى مجانية في ظل النسخة الغريبة التي كان يتبنَّاها الرجل القوي من الاشتراكية.
وقد مزَّق انعدام الأمن الذي أعقب وفاة القذافي البلد الشمال إفريقي. إذ تتبارى حكوماتٌ متنافسة ومجموعة من المجموعات المسلحة على النفوذ والسيطرة على الأرض. والاقتصاد على وشك الانهيار. والعصابات الإجرامية تفترس الضعفاء.
ففي طرابلس، تحوَّلَ البرلمان والمباني الأخرى إلى جثثٍ خرسانية، حطَّمتها نيران المدفعية الثقيلة، والقذائف الصاروخية، وقذائف الدبابات. وتندلع المصادمات غالباً بصورةٍ مفاجئة، محاصرةً السكان في منازلهم ومُنشِئةً مناطق حظر تجول.
وكشفت رحلة في أنحاء المدينة كيف يتأقلم الليبيون مع تقلُّبات الحرب الأهلية.
تنافس من أجل السيطرة
في حي صلاح الدين جنوبي طرابلس، يعج أحد الطرق الرئيسية بالحياة في النهار، لكنَّه يتحوَّل إلى شارعٍ مهجور في الليل.
وأصبح الشارع، المُحاط بما كان ذات يومٍ حي طبقة وسطى نموذجياً، نقطةً رئيسية في التنافس من أجل السيطرة على العاصمة.
ففي أحد جانبي الحي، يُقيم مُسلَّحون متحالفون مع حكومةٍ مُعلنة ذاتياً، ذات ميول إسلامية نقاطَ تفتيش. بينما يُشرِف مقاتلون موالون لحكومة الوفاق الوطني التي ثبَّتتها الأمم المتحدة على الجانب الآخر.
وبحلول التاسعة مساءً، حبس الكثير من السكان أنفسهم داخل بيوتهم. فبحسب السكان، عادةً ما يبدأ إطلاق النار في ذلك الوقت. ويكون أولئك الذي يجرؤون على المجازفة بالخروج حريصين على عدم إحضار أي شيءٍ ذي قيمة معهم.
فقال إبراهيم الورفلي، 31 عاماً، وهو مالك أحد المتاجر: "أترك هاتفي الآي فون وأحمل معي هاتف نوكيا رخيصاً. فلدى هؤلاء الرجال أسلحة وبإمكانهم فعل أي شيءٍ يريدونه".
هذا ما يحركهم فقط
وعند مدخل المدينة الغربي، يقف مقاتلون تابعون لكتيبة فرسان جنزور، وهي كتيبة متحالفة مع حكومة الوفاق، ويُفتِّشون السيارات بحثاً عن الأسلحة التي تُنقَل إلى منافسيهم.
وقال محمد البزاع، 29 عاماً، وهو أغلظ قائدي الميليشيا (حسب تعبير واشنطن بوست)، الذي كان يرتدي زياً مُموَّهاً رثَّاً، ويقف إلى جانب شاحنة تحمل رشاشاً آلياً ثقيلاً: "واضح أنَّهم يرغبون في السيطرة على العاصمة".
ويتمثَّل أحد أكبر منافسي الكتيبة في مجموعةٍ يقودها اللواء خليفة حفتر، الذي تسيطر قواته على معظم شرقي ليبيا. ويتحالف حفتر، الذي عاش في المنفى بشمالي ولاية فرجينيا الأميركية لعقدين من الزمن، مع حكومةٍ ثالثة في شرقي البلاد.
وقال البزاع، الذي قاتل في الثورة: "إنَّه قذافي آخر".
لكنَّ التهديد الرئيس للكتيبة، كما يقول البزاع، هم المقاتلون الذين ينتمون إلى قبيلةٍ منافسة ويسيطرون على جيبٍ يوجد على بُعد أقل من ميلين (3.22 كم) إلى الأسفل من الطريق السريع الرئيسي الرابط بين طرابلس ومدينة الزاوية. وقد تقاتلا بشراسةٍ العام الماضي، 2016. أمَّا الآن، فيتحالف كلاهما مع حكومة الوفاق.
غير أنَّ غياب الثقة والتوتُّرات لا تزال عميقة.
فقال البزاع عن منافسيه: "يُحرِّكهم المال فقط".
وليس بعيداً عن نقطة التفتيش، اختُطِف سليمان أبو هلالة. وقد سحبه ثلاثة رجال مُسلَّحين ومُلثَّمين من سيارته وأخذوه إلى مزرعةٍ خارج العاصمة. وحُرِم سليمان، الذي احتُجِز هناك فترة 19 يوماً، من علاج مرض السكري إلى أن وافقت أسرته على دفع فدية قيمتها 11 ألف دولار.
وتذكَّر سليمان، وهو رجل أعمال في الثمانينيات من عمره، قائلاً: "كنتُ خائفاً للغاية. فقد اختُطِف ابن أخي قبلها بثلاثة أشهر. وقُتِل بعدما دفعنا الفدية".
وأصبحت عمليات القتل أمراً شائعاً في العاصمة، لدرجة أنَّ السكان يتبادلون باستمرار معلوماتٍ تفصيلية بشأن المناطق والطرق التي تحدث بها تلك العمليات.
وأصبح الاختطاف -الذي كان يحدث في الماضي مدفوعاً بتنافساتٍ سياسية أو قبائلية- عملاً إجرامياً تغذِّيه الأحوال الاقتصادية المتدهورة.
وقال محمد الغرابلي، وهو رجل أعمال آخر: "كل ما يريدونه هو المال. فهناك نقص في الأموال بالبلاد. وليست هناك وظائف".
وقد اختُطِف الغرابلي العام الماضي 2016 واحتُجِز مدة 63 يوماً في غرفةٍ أصغر من خزانات الملابس، لها بابٌ حديدي وقضبان من الحديد على النوافذ. وكما قال الغرابلي، فقد كُبِّلت يداه بكابل من السلك، وقُيِّدت رجلاه بالسلاسل. وأطعمه مُختطِفوه قطعاً من الخبز "كما لو كان كلباً". ودفعت أسرته نحو 31 ألف دولار لتحريره.
"من أنتم؟!"
لم يَقُد أسامة لبيب سيارته من نوع لامبورغيني الحمراء الداكنة منذ أشهر.
إذ ينتظر المهندس المعماري من أجل قطع الغيار، التي تستغرق أسابيع حتى تصل، وذلك لأنَّ سفناً أقل مستعدة لترسو في طرابلس. لكن حتى إذا أصلح السيارة، فإنَّه يعتزم إبقاءها تحت غطائها خلف الجدران العالية لمُجمَّعه السكني بالقرب من حي صلاح الدين.
وقال: "إذا قُدتُها، سألفتُ الكثير للغاية من الانتباه. وإذا دخلتُ حي صلاح الدين بهذه السيارة، لن أخرج أبداً".
وقال علي قابوس، وهو تاجر سيارات فاخرة، إنَّ الكثير من الليبيين يبقون سياراتهم بعيدة عن الأنظار. وأضاف أنَّ آخرين قد أرسلوا سياراتهم إلى تونس المجاورة كي "يبقوها آمنةً".
وأسوأ سياراته مبيعاً هذه الأيام هي تويوتا لاندكروزر. فقال قابوس: "إنَّها أخطر سيارة يمكن أن تقودها. فالمُسلَّحون يُحبُّونها بحق".
وقال إنَّ بعض الزبائن يشترون سيارات فاخرة ويرسلونها إلى خارج ليبيا لأنَّهم لا يأمنون ترك أموالهم في البنوك.
وقال: "إنَّها طريقة لحماية أموالك".
لكن قليلين فقط من سكان طرابلس هم من يمتلكون مثل تلك الخيارات.
وبينما يقف في طابور البنك الملتوي، شكا "علامة المعتمد" من تدهور صحته، والأموال التي يجب أن ينفقها على الأطباء. لكنَّ، حسبما قال، ما يجعله أكثر إحباطاً هو ما لاحظه من انقسامات اجتماعية وثقافية آخذة في التعمُّق.
فقال موظف الخطوط الجوية صاحب الـ67 عاماً، وهو زميل لعبدول بن ناجي: "في السابق، لم نكن نسأل أبداً من أين هذا الشخص. فقد رأينا أنفسناً دوماً جزءاً من بلدٍ واحد. أمَّا الآن، فحينما يُوقفك أحدهم، يسألك: من أين أنت؟".
وأضاف: "وفي بعض الأحيان قد يقتلك إذا ما كنت من شرقي البلاد على سبيل المثال. أو ربما يقتلك إذا كنت من غربيها".
وفي تلك اللحظة، قاطع بن ناجي الحديث، وعبَّر عن شعورٍ يتقاسمه الكثيرون في العاصمة.
فقال: "ربما لم تكن الثورة هي الشيء الصحيح. في الماضي، كان الناس سعداء. في الماضي، كنتُ ملكاً، وكانت لدي وظيفة، كنتُ أشعر أنَّي رجل. أمَّا الآن، فلا يمكنني حتى سحب أموالي". وعند الساعة 11 صباحاً، كان البنك لا يزال مغلقاً.
وقد اعتزم العودة مرةً أخرى ليلاً.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/08/02/story_n_17655616.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات