من أبواب المعرفة العامة الهامة عمل جردة تاريخية لأي حراك سياسي مضى عليه ما يربو عن العقدين من الزمن؛ لذا كان من الممتع متابعة حلقات المراجعة التسع التي تناولت سيرة الدكتور (السعودي) المعارض سعد الفقيه على قناة الحوار، والتي أجراها معه شخصياً الدكتور عزام التميمي، مدير ومالك القناة.
من السخرية أن يكون (على الأغلب) من أهم متابعي هذا الحوار جهاز المباحث السعودي الذي تحول مؤخراً إلى ما يسمى قطاع أمن الدولة، وهو جهاز يتابع الأنشطة السياسية المحظور ممارستها كلياً في المملكة؛ لمحاصرتها ومحاسبة القائمين عليها.
وهذه المراجعات أيضاً مفيدة لجيل ربما لم يعِش تلك الفترة وما تمخض عنها من حراك مهم ساهم في هروب عدد من الناشطين إلى الخارج، طلباً للجوء السياسي وليست جل أسبابه خوفاً من بطش النظام السعودي؛ إنما إكمالاً لنشاط يؤمن من بدأوه بأهمية متابعته من خارج السجون.
كان مفاجئاً - بالنسبة لي على الأقل - الشخصية التي ظهر عليها الفقيه؛ حيث إن أغلب نشاطه السابق كان منحصراً في قناته التلفزيونية التي لا تتميز بأي تقنية حديثة؛ لذا لم تكن جاذبة كفاية للمتابعة أيضاً، حسابه على اليوتيوب كان ينقل ما تبثه القناة، وهو محتوى لا يمكن أن يتابعه إلا شخص شديد الاهتمام بأطروحات الفقيه السياسية، كما أن قنوات خروجه السابقة كانت تنحصر في برنامج البالتوك أو حوارت تلفزيونية ليست بالكثيرة؛ حيث إن ظهوره محظور على معظم القنوات العربية.
بدت الحلقات الأولى هادئة نسبياً؛ حتى بدأ يتحدث الفقيه عن مرحلة التسعينات إبان حرب الخليج الأولى وغزو العراق للكويت، فبدأت الأحداث أكثر إثارة وشرحاً لتعقيدات تلك المرحلة، كما أنها أظهرت جانباً مختلفاً لشخصية الطبيب الجراح الفقيه.
فما حاجة رجل كان من نخبة المجتمع علمياً وأسرياً أن يترك كل ذلك ويهاجر إن لم يكن مؤمناً تماماً بضرورة التغيير.
تناول الفقيه تلك الفترة بكثير من الصراحة، وذكر أسماء وشخصيات وتفاصيل مهمة، إلا أنه بدا شديد الحذر عندما تحدث عن رفيق دربه السابق الدكتور محمد المسعري، وكان حريصاً على عدم الخوض في أسباب الخلاف الذي أدى إلى انفصالهما عملياً، وتراجع شعبيتهما، وانخفاض نسبة تقدم العمل سياسياً، بحسب ما قاله في الحوار.
لم يكن الفقيه صريحاً جداً في ذكر التفاصيل فقط، بل وأيضاً شديد الدقة؛ فلم يرفع من شأن عمله ونشاطه كثيراً، ولكنه أيضاً لم يقلل من أهمية نشاطه في مراحل كثيرة.
ما أربكني حقيقة أن الفقيه بدأ في فقدان منهجيته تماماً حين بدأ الحديث عن المرحلة التي تلت الربيع العربي، وبزوغ نجم جمعية حسم للحقوق المدنية والسياسية (الجزء التاسع)، والتي تعرض أعضاؤها للقمع الشديد، ومعظمهم الآن يقضي فترات سجن طويلة بعد محاكمات تفتقر لأدنى معايير العدالة.
وكمتابع للشأن السعودي الداخلي من الطبيعي أن يكون على معرفة تامة بواحد من أهم الحراكات السياسية في تاريخ المملكة؛ حيث سأله د. التميمي عن معنى مختصر كلمة حسم، فتردد كثيراً قبل أن يجيب، ولا يمكن أن نصدق أن شخصاً مثل الفقيه بذكائه الحاد يغيب عن ذهنه من تكون حسم، حتى المذيع يلام في هذه الحالة؛ لأنه إما أنه لم يحضر جيداً لحلقته أو أنه لم يكن يعلم بأن عدداً من أعضاء حسم ظهروا على شاشة قناته إبان الربيع العربي مرات عديدة.
وفيما قاله الفقيه عن حسم "كانت وجهة نظرهم تثقيفية فهم لم يدعوا إلى التظاهر بل قاموا بالتنظير لشرعية المظاهرات".
والحقيقة التي تجاهلها الفقيه أن أحد أهم الأعضاء المؤسسين وهو أستاذ اللغة العربية د. عبد الله الحامد كان قد خرج في تظاهرة سبقت الربيع العربي مع عدد من زوجات المعتقلين في قضايا أمنية - لم ينظر القضاء فيها لسنوات، أي أنها كانت تقع تحت بند الاعتقال التعسفي- وقضى بسببها وقتاً غير قليل في السجن، ولم يكتفِ بذلك بل قام بفضح الأوضاع العامة في السجن آنذاك في رسالة مسربة طويلة؛ (ليس المقال لتعداد مناشط الحامد السياسية، بل لتحليل موقف الفقيه من جمعية حسم"، ولا أظن الدكتور الفقيه غافلاً أيضاً عن المذكرة التي أصدرها الدكتور الحامد عن شرعية التظاهر، وذلك في بدايات الربيع العربي، أو عن خروج عضو حسم البارز محمد البجادي في مظاهرة أمام مبنى وزارة الداخلية في الرياض، ورده الشهير على أحد العسكر حين سأله هل لك معتقل؟ "بأن كل المعتقلين أهلي".
ربما قد يستنبط المشاهد من حديث الفقيه، حين قال بـ"أن حسم نأوا بأنفسهم عنا" مصدر الانزعاج أو التجاهل لنشاط الجمعية من قِبله، والتي أمر القاضي حماد العمر (وغيره من القضاة) بسجن أعضائها في عدة محاكمات مختلفة وبأحكام متقاربة ومنع من السفر.
والاختلاف بين الفقيه وجمعية حسم ليس سراً، ومعلوم لدى جميع المهتمين بالشأن العام أن حسم تطالب بإصلاحات في هيكل الملكية المطلقة، وتطالب بتحويلها لملكية دستورية، أما د. الفقيه فهو ضد هذه الأطروحات تماماً ويراها عبثاً وهدراً للطاقة؛ فهو يطالب وينادي بإسقاط النظام السعودي كليةً، وللطرفين طبعاً الحق في إبداء الرأي، وهذا هو فحوى وجوهر الديمقراطية.
تحدث الفقيه أيضاً عن نشاط حسم بالمجمل، وقال نصاً: "إنه لم يكن فيها مواجهة مع السلطة، بل هي تثقيف عام، مرات تأتي مستفزة، مثل حينما تحدث القاضي السابق سليمان الرشودي عن شرعية المظاهرات واعتقل" -تم اعتقاله وهو في طريقه إلى منزله في بريدة وهو كان قد خرج من سجن سابق محكوماً بمدد طويلة مع من يطلق عليهم معتقلي جدة وهذه المرة يقضي حكماً قاسياً مضاعفاً، وهذا الكلام الذي ذكره الفقيه غير صحيح على الإطلاق؛ لأن أي نشاط علني ينتقد الأسرة الحاكمة هو بمثابة إعلان مواجهة مع السلطات في السعودية، والفقيه يعلم ذلك تماماً.
ثم استرسل الفقيه في الحديث عن الخطأ -حسب تعبيره- الذي وقع فيه أعضاء حسم، وهو أنهم طالبوا بمحاكمتهم علنياً - كما ينص على ذلك نظام الإجراءات الجزائية المحلي- وأن القضاء منحهم هذا الحق، والاعتراف بالقضاء معناه اعترافهم بأنه المرجع، وهم يعلمون أن القضاء يلقن، وقد كان يسمح لهم بنشر ما يحدث داخل المحاكمات وكانوا يفعلون.
حسم لم تعترف يوماً بالقضاء السعودي، بل هي متهمة بالتشكيك في شرعيته واستقلاله، ومتهمة أيضاً بنشر مجريات جلسات المحاكمة، وحين طالبت بأن تكون المحاكمات علنية، بل وأصر أعضاؤها على ذلك، رغم التضييق عليهم ومعرفتهم التامة أنهم سيدخلون السجون فإن الحكمة التي كانوا يرجونها من هذا التنازل هي كشف القضاء أمام العالم، وذلك ليس عبر ما تكتبه الصحافة المحلية التي كانت تقوم بتزوير الحقائق لصالح الحكومة، فضلاً عن بعض الصحفيين الذين بذلوا جهداً كبيراً في التغطية بحياد، ومعظمهم تم التضييق عليهم بشدة، ولكن محاولاتهم كانت ناجعة ووصلت لجمهور عريض كان يتابع مجريات المحاكمة بشغف واهتمام شديدين.
دليل آخر على أن حسم لم تعترف بهذه المحاكمات التي تفتقر لأدنى معايير العدالة، هي البيانات التي كانت تصدرها الجمعية بعد كل جلسة لأحد أعضائها، فضلاً عن الجلسات السرية لبعض أعضائها كالعضو صالح العشوان الذي تم اعتقاله فجراً وتعذيبه وإخفاؤه قسراً.
أحد بيانات الجمعية الذي عنون بـ"القضاء السعودي عاجز عن حماية حقوق المتهم وتحول لأداة لتشريع القمع قضية د. عبد الكريم الخضر نموذجاً"، والذي كتبه وكيل الخضر وهو عضو جمعية حسم أيضاً الشاب عبد العزيز الشبيلي وغيره من عشرات البيانات التي تندد بعدم استقلال القضاء، ولا يفوت معارضاً عتيداً مثل الفقيه عدد الحضور للمحاكمة من النساء والرجال الذين رأوا وسمعوا ونقلوا ما يحدث داخل قاعات المحكمة!
وفي رأي الفقيه في مراجعاته: "إن زخم حسم لم يكن قوياً؛ لأنه لم يكن بينهم شيخ متبوع إلا واحد ولم يكن محسوباً على المشيخة العامة".
وختم حديثه عن حسم بقوله: "كان طرحهم مدنياً بصبغة إسلامية، فلم يأخذ قلوب الناس كما ينبغي، ولكنهم مناضلون ضحوا ودخلوا السجون من أجل إيمانهم بهذا الفكرة".
لن يغيب عن شخص مثل المعارض الفقيه أن طرح حسم المدني مستمد بأكمله من الكتاب والسنة، وأن التأصيلات الشرعية لولي الأمر وغيرها من الأمور الشرعية السياسية العامة اعتمدها ثلاثة من أعضاء حسم في مؤلفاتهم، هم: الأستاذ الدكتور عبد الكريم الخضر، والأستاذ الدكتور عبد الله الحامد، والقاضي السابق سليمان الرشودي، وهم ثلاثة أشخاص من خلفية دينية عميقة، والحامد والرشودي كانا ممن ساهموا في حراك التسعينات بمعية الفقيه وجماعة عريضة الإصلاح الشهيرة.
ولم تكن حسم يوماً محسوبة على تيار ليبرالي داخلي، بل هي معتمدة في جميع أطروحاتها كلية على هوية إسلامية شرعية.
ولكن منبع حديث الفقيه عن كون حسم ليست إسلامية بالمعنى الإسلاموي التقليدي هي أنها تؤمن بحرية الجميع، ودعمت ثورات الربيع العربي بلا تفريق، فبينما كان يتحاشى الناشطون في العالم العربي أن يتحدثوا عن ثورة البحرين، وأيضا الحراك في شرق المملكة العربية السعودية، كانت حسم واضحة في رسالتها الحرية للجميع، مهما كانت اتجاهاتهم السياسية أو الدينية.
حسم طرحت مشروعاً متكاملاً لإنقاذ المملكة من مصير الانهيار الشامل في حال استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه بلا حكومة محاسبة، ولا برلمان منتخب، وهدر للمال العام، وعدم استقلال القضاء، وحرية الإعلام، فلن يكون هناك دولة بمعناها الحقيقي.
كان أولى بالدكتور الفقيه أن يطبق ما كتبه في مقال له في 2012 عن الربيع المنتظر في الجزيرة العربية في مدونات الغارديان البريطانية "كومنت از فري"؛ حيث حذر من أن انعدام الثقة "بين الناشطين يجعل من المستحيل الإجماع على احتجاج سياسي موحد".
وكان من المنتظر والمأمول أن يكون الفقيه أكثر إنصافاً في الحديث حتى مع مَن يختلف معهم من جماعات سياسية، مثل حسم، خاصة أن معظمهم يقبع في السجون الآن، وأيضاً بعضهم يقضي محكوميات خارج السجن في عزلة عن الشأن العام، وتضييق ومنع من السفر والكتابة.
من السخرية أن يكون (على الأغلب) من أهم متابعي هذا الحوار جهاز المباحث السعودي الذي تحول مؤخراً إلى ما يسمى قطاع أمن الدولة، وهو جهاز يتابع الأنشطة السياسية المحظور ممارستها كلياً في المملكة؛ لمحاصرتها ومحاسبة القائمين عليها.
وهذه المراجعات أيضاً مفيدة لجيل ربما لم يعِش تلك الفترة وما تمخض عنها من حراك مهم ساهم في هروب عدد من الناشطين إلى الخارج، طلباً للجوء السياسي وليست جل أسبابه خوفاً من بطش النظام السعودي؛ إنما إكمالاً لنشاط يؤمن من بدأوه بأهمية متابعته من خارج السجون.
كان مفاجئاً - بالنسبة لي على الأقل - الشخصية التي ظهر عليها الفقيه؛ حيث إن أغلب نشاطه السابق كان منحصراً في قناته التلفزيونية التي لا تتميز بأي تقنية حديثة؛ لذا لم تكن جاذبة كفاية للمتابعة أيضاً، حسابه على اليوتيوب كان ينقل ما تبثه القناة، وهو محتوى لا يمكن أن يتابعه إلا شخص شديد الاهتمام بأطروحات الفقيه السياسية، كما أن قنوات خروجه السابقة كانت تنحصر في برنامج البالتوك أو حوارت تلفزيونية ليست بالكثيرة؛ حيث إن ظهوره محظور على معظم القنوات العربية.
بدت الحلقات الأولى هادئة نسبياً؛ حتى بدأ يتحدث الفقيه عن مرحلة التسعينات إبان حرب الخليج الأولى وغزو العراق للكويت، فبدأت الأحداث أكثر إثارة وشرحاً لتعقيدات تلك المرحلة، كما أنها أظهرت جانباً مختلفاً لشخصية الطبيب الجراح الفقيه.
فما حاجة رجل كان من نخبة المجتمع علمياً وأسرياً أن يترك كل ذلك ويهاجر إن لم يكن مؤمناً تماماً بضرورة التغيير.
تناول الفقيه تلك الفترة بكثير من الصراحة، وذكر أسماء وشخصيات وتفاصيل مهمة، إلا أنه بدا شديد الحذر عندما تحدث عن رفيق دربه السابق الدكتور محمد المسعري، وكان حريصاً على عدم الخوض في أسباب الخلاف الذي أدى إلى انفصالهما عملياً، وتراجع شعبيتهما، وانخفاض نسبة تقدم العمل سياسياً، بحسب ما قاله في الحوار.
لم يكن الفقيه صريحاً جداً في ذكر التفاصيل فقط، بل وأيضاً شديد الدقة؛ فلم يرفع من شأن عمله ونشاطه كثيراً، ولكنه أيضاً لم يقلل من أهمية نشاطه في مراحل كثيرة.
ما أربكني حقيقة أن الفقيه بدأ في فقدان منهجيته تماماً حين بدأ الحديث عن المرحلة التي تلت الربيع العربي، وبزوغ نجم جمعية حسم للحقوق المدنية والسياسية (الجزء التاسع)، والتي تعرض أعضاؤها للقمع الشديد، ومعظمهم الآن يقضي فترات سجن طويلة بعد محاكمات تفتقر لأدنى معايير العدالة.
وكمتابع للشأن السعودي الداخلي من الطبيعي أن يكون على معرفة تامة بواحد من أهم الحراكات السياسية في تاريخ المملكة؛ حيث سأله د. التميمي عن معنى مختصر كلمة حسم، فتردد كثيراً قبل أن يجيب، ولا يمكن أن نصدق أن شخصاً مثل الفقيه بذكائه الحاد يغيب عن ذهنه من تكون حسم، حتى المذيع يلام في هذه الحالة؛ لأنه إما أنه لم يحضر جيداً لحلقته أو أنه لم يكن يعلم بأن عدداً من أعضاء حسم ظهروا على شاشة قناته إبان الربيع العربي مرات عديدة.
وفيما قاله الفقيه عن حسم "كانت وجهة نظرهم تثقيفية فهم لم يدعوا إلى التظاهر بل قاموا بالتنظير لشرعية المظاهرات".
والحقيقة التي تجاهلها الفقيه أن أحد أهم الأعضاء المؤسسين وهو أستاذ اللغة العربية د. عبد الله الحامد كان قد خرج في تظاهرة سبقت الربيع العربي مع عدد من زوجات المعتقلين في قضايا أمنية - لم ينظر القضاء فيها لسنوات، أي أنها كانت تقع تحت بند الاعتقال التعسفي- وقضى بسببها وقتاً غير قليل في السجن، ولم يكتفِ بذلك بل قام بفضح الأوضاع العامة في السجن آنذاك في رسالة مسربة طويلة؛ (ليس المقال لتعداد مناشط الحامد السياسية، بل لتحليل موقف الفقيه من جمعية حسم"، ولا أظن الدكتور الفقيه غافلاً أيضاً عن المذكرة التي أصدرها الدكتور الحامد عن شرعية التظاهر، وذلك في بدايات الربيع العربي، أو عن خروج عضو حسم البارز محمد البجادي في مظاهرة أمام مبنى وزارة الداخلية في الرياض، ورده الشهير على أحد العسكر حين سأله هل لك معتقل؟ "بأن كل المعتقلين أهلي".
ربما قد يستنبط المشاهد من حديث الفقيه، حين قال بـ"أن حسم نأوا بأنفسهم عنا" مصدر الانزعاج أو التجاهل لنشاط الجمعية من قِبله، والتي أمر القاضي حماد العمر (وغيره من القضاة) بسجن أعضائها في عدة محاكمات مختلفة وبأحكام متقاربة ومنع من السفر.
والاختلاف بين الفقيه وجمعية حسم ليس سراً، ومعلوم لدى جميع المهتمين بالشأن العام أن حسم تطالب بإصلاحات في هيكل الملكية المطلقة، وتطالب بتحويلها لملكية دستورية، أما د. الفقيه فهو ضد هذه الأطروحات تماماً ويراها عبثاً وهدراً للطاقة؛ فهو يطالب وينادي بإسقاط النظام السعودي كليةً، وللطرفين طبعاً الحق في إبداء الرأي، وهذا هو فحوى وجوهر الديمقراطية.
تحدث الفقيه أيضاً عن نشاط حسم بالمجمل، وقال نصاً: "إنه لم يكن فيها مواجهة مع السلطة، بل هي تثقيف عام، مرات تأتي مستفزة، مثل حينما تحدث القاضي السابق سليمان الرشودي عن شرعية المظاهرات واعتقل" -تم اعتقاله وهو في طريقه إلى منزله في بريدة وهو كان قد خرج من سجن سابق محكوماً بمدد طويلة مع من يطلق عليهم معتقلي جدة وهذه المرة يقضي حكماً قاسياً مضاعفاً، وهذا الكلام الذي ذكره الفقيه غير صحيح على الإطلاق؛ لأن أي نشاط علني ينتقد الأسرة الحاكمة هو بمثابة إعلان مواجهة مع السلطات في السعودية، والفقيه يعلم ذلك تماماً.
ثم استرسل الفقيه في الحديث عن الخطأ -حسب تعبيره- الذي وقع فيه أعضاء حسم، وهو أنهم طالبوا بمحاكمتهم علنياً - كما ينص على ذلك نظام الإجراءات الجزائية المحلي- وأن القضاء منحهم هذا الحق، والاعتراف بالقضاء معناه اعترافهم بأنه المرجع، وهم يعلمون أن القضاء يلقن، وقد كان يسمح لهم بنشر ما يحدث داخل المحاكمات وكانوا يفعلون.
حسم لم تعترف يوماً بالقضاء السعودي، بل هي متهمة بالتشكيك في شرعيته واستقلاله، ومتهمة أيضاً بنشر مجريات جلسات المحاكمة، وحين طالبت بأن تكون المحاكمات علنية، بل وأصر أعضاؤها على ذلك، رغم التضييق عليهم ومعرفتهم التامة أنهم سيدخلون السجون فإن الحكمة التي كانوا يرجونها من هذا التنازل هي كشف القضاء أمام العالم، وذلك ليس عبر ما تكتبه الصحافة المحلية التي كانت تقوم بتزوير الحقائق لصالح الحكومة، فضلاً عن بعض الصحفيين الذين بذلوا جهداً كبيراً في التغطية بحياد، ومعظمهم تم التضييق عليهم بشدة، ولكن محاولاتهم كانت ناجعة ووصلت لجمهور عريض كان يتابع مجريات المحاكمة بشغف واهتمام شديدين.
دليل آخر على أن حسم لم تعترف بهذه المحاكمات التي تفتقر لأدنى معايير العدالة، هي البيانات التي كانت تصدرها الجمعية بعد كل جلسة لأحد أعضائها، فضلاً عن الجلسات السرية لبعض أعضائها كالعضو صالح العشوان الذي تم اعتقاله فجراً وتعذيبه وإخفاؤه قسراً.
أحد بيانات الجمعية الذي عنون بـ"القضاء السعودي عاجز عن حماية حقوق المتهم وتحول لأداة لتشريع القمع قضية د. عبد الكريم الخضر نموذجاً"، والذي كتبه وكيل الخضر وهو عضو جمعية حسم أيضاً الشاب عبد العزيز الشبيلي وغيره من عشرات البيانات التي تندد بعدم استقلال القضاء، ولا يفوت معارضاً عتيداً مثل الفقيه عدد الحضور للمحاكمة من النساء والرجال الذين رأوا وسمعوا ونقلوا ما يحدث داخل قاعات المحكمة!
وفي رأي الفقيه في مراجعاته: "إن زخم حسم لم يكن قوياً؛ لأنه لم يكن بينهم شيخ متبوع إلا واحد ولم يكن محسوباً على المشيخة العامة".
وختم حديثه عن حسم بقوله: "كان طرحهم مدنياً بصبغة إسلامية، فلم يأخذ قلوب الناس كما ينبغي، ولكنهم مناضلون ضحوا ودخلوا السجون من أجل إيمانهم بهذا الفكرة".
لن يغيب عن شخص مثل المعارض الفقيه أن طرح حسم المدني مستمد بأكمله من الكتاب والسنة، وأن التأصيلات الشرعية لولي الأمر وغيرها من الأمور الشرعية السياسية العامة اعتمدها ثلاثة من أعضاء حسم في مؤلفاتهم، هم: الأستاذ الدكتور عبد الكريم الخضر، والأستاذ الدكتور عبد الله الحامد، والقاضي السابق سليمان الرشودي، وهم ثلاثة أشخاص من خلفية دينية عميقة، والحامد والرشودي كانا ممن ساهموا في حراك التسعينات بمعية الفقيه وجماعة عريضة الإصلاح الشهيرة.
ولم تكن حسم يوماً محسوبة على تيار ليبرالي داخلي، بل هي معتمدة في جميع أطروحاتها كلية على هوية إسلامية شرعية.
ولكن منبع حديث الفقيه عن كون حسم ليست إسلامية بالمعنى الإسلاموي التقليدي هي أنها تؤمن بحرية الجميع، ودعمت ثورات الربيع العربي بلا تفريق، فبينما كان يتحاشى الناشطون في العالم العربي أن يتحدثوا عن ثورة البحرين، وأيضا الحراك في شرق المملكة العربية السعودية، كانت حسم واضحة في رسالتها الحرية للجميع، مهما كانت اتجاهاتهم السياسية أو الدينية.
حسم طرحت مشروعاً متكاملاً لإنقاذ المملكة من مصير الانهيار الشامل في حال استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه بلا حكومة محاسبة، ولا برلمان منتخب، وهدر للمال العام، وعدم استقلال القضاء، وحرية الإعلام، فلن يكون هناك دولة بمعناها الحقيقي.
كان أولى بالدكتور الفقيه أن يطبق ما كتبه في مقال له في 2012 عن الربيع المنتظر في الجزيرة العربية في مدونات الغارديان البريطانية "كومنت از فري"؛ حيث حذر من أن انعدام الثقة "بين الناشطين يجعل من المستحيل الإجماع على احتجاج سياسي موحد".
وكان من المنتظر والمأمول أن يكون الفقيه أكثر إنصافاً في الحديث حتى مع مَن يختلف معهم من جماعات سياسية، مثل حسم، خاصة أن معظمهم يقبع في السجون الآن، وأيضاً بعضهم يقضي محكوميات خارج السجن في عزلة عن الشأن العام، وتضييق ومنع من السفر والكتابة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/amal-al-araby/-_13020_b_17787698.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات