الخميس، 31 أغسطس 2017

لماذا يجلد المصريون ذاتهم؟!

لماذا يجلد المصريون ذاتهم؟!

في حلقة لبرنامج خواطر لأحمد الشقيري، كان يجري تجربة مصورة عن مدى الأمانة في المجتمع العربي، فقرر أن يضع صندوقاً في أتوبيس للنقل العام بالقاهرة، وبدلاً من أن يمر كمسري - الشخص الذي يُحصّل التذاكر - يدفع له الناس، سيدفعون هم بإرادتهم في الصندوق.

ولمن لا يعرف الأتوبيس في القاهرة هو علبة متحركة دائماً، مزدحم يصعد وينزل الناس فيه باستمرار، حتى إن الكمسري يسأل مرات عدة عمن دفع لكثرة الوجوه المتغيرة التي يلاقيها، إذاً لا يوجد رقيب عليك ولن يلحظ أحد من دفع ومن لم يدفع، لهو أمر مغرٍ لأي وغد يحترم نفسه.

لكن النتيجة جاءت مفاجئة للتوقعات التي قالها الراكبون أنفسهم عن التجربة، ففي واقع الأمر أن نسبة 97% من الناس دفعوا في الصندوق دون أن يسألوا ولا أن يراقبهم أحد، 97% من الناس اختاروا أن يكونوا أمناء أمام أنفسهم قبل غيرهم.

أكثر ما لفت نظري في هذه التجربة ليست النتيجة، بل سيدة جاوبت حين سُئلت عن توقعها للنتيجة: لا محدش هيدفع.
يشير لها أحمد الشقيري للصندوق ويقول: الصندوق مليان الناس دفعت.
تصر السيدة على أن ذلك غير صحيح بلهجة ضاحكة، تصر على أنها تعيش مع أوغاد لا يتصفون إلا بالحمق وقلة الأمانة، تصر على أن تجلد ذاتها حتى لو أمسكت الوقائع من يدها السوط، والحقيقة أن هذه السيدة لم تكن وحدها، توسع السوشيال ميديا أكد لي أنها ليست وحدها أبداً.

2017-08-28-1503892685-1797596-19577341_2142915752703864_990200907972628625_o.jpg

كانت هذه الصورة منشورة على صفحة ساخرة أجنبية مشهورة، بالطريقة التي لا تعرف هل هذا جهل أم سخرية، شيء يثير السخرية بالفعل، لكن ردة الفعل كانت عنيفة اندفاعية
فتعليقات المصريين لم تكن نافية لتلك الصورة أو مجارية للسخرية التي تبعثها، بل لاعنة شاتمة في كل ما هو مصري، للدرجة التي رأيت تعليقاً لأجنبية تقول فيما معناه: "مهما كان الأمر لا يستحق أن تتحدث بمثل هذه الكراهية لبلدك".

هنا أود أن أشير للمعنى الذي أطرحه لجلد الذات
هناك فرق بين الإشارة إلى سلبيات موجودة تتناولها من وجهة نظرك حتى بالسخرية، وبين رفض كل ما هو مصري واعتباره عاراً يجب التبرؤ منه على الملء، حكومياً كان أم شعبياً، إنه مصري يفعل شيئاً، لا بد أنه فعل غبي، فلنهاجمه
من مدة ليست بالبعيدة، رأيت خبراً يتحدث عن مصري صنع مجموعة من السراويل ضد البلل، انهال الجميع عليه ركلاً بالسخرية، لكن في الحقيقة الأمر ليس خيالاً ولا مستحيلاً، هناك تقنية النانو تكنولوجي التي تمنع جميع الأوساخ مثل الطين والماء وغيرها عن الملابس استخدمتها إحدى شركات الملابس، واستعرضتها في فيديو مبهر، إذاً فالأمر ليس ضرباً من الخيال، وإذا استطاع مصري فعل ذلك بتقنيات بسيطة لهو أمر جيد يستحق التشجيع لا السخرية.

للأسف وسط ما كانت السخرية تفضح عبد العاطي وجهازه الكاذب، سُحق العشرات تحت قدم السخرية وسحقت أفكارهم وأحلامهم معها.
عقدة الخواجة
إن المصطلح المسمى عقدة الخواجة له نصيب كبير في جلد الذات هذا، وهو أكبر ما يدل على أن ما يحدث هجوم لمجرد الهجوم، تبرأ أمام عالم لا يهتم بك.
اشترت قناة on sport حقوق إذاعة مباراة الكلاسيكو الأسباني بين ريال مدريد وبرشلونة، فقامت ببعض التقارير الإعلامية للموضوع، فكان من ضمنها وضع صندوقين عليهما شعار الفريقين أمام أقفاص مجموعة من الحيوانات في الحديقة، وعلى الحيوان أن يختار صندوقاً للدلالة على التنبؤ بالفائز، فقرة ترفيهية جرت عدة مرات أشهرها في كأس العالم 2010 وكان نجم هذا التنبؤ هو الأخطبوط باولو، وتناولت صحف وقنوات عالمية الموضوع، لكن التعليقات كالعادة كانت على نغمة "أن فضحتونا أمام العالم"، "إنه لحمق".
بالتأكيد معهم حق، فالقرد جون أو مايكل، أكثر تحضراً من القرد ميمون أو بسطاويسي، هذا بديهي.

الخلاصة

إن التفكير قبل التعليق سيغير الكثير من الأمور، وأهمها نظرتنا إلى أنفسنا، ليس نفاقاً ولا اختباءً من الواقع، فقط يكفي ألا نجلد ذاتنا دون تريث أو تفكير.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/hassan-elshawaf/story_b_17848992.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات