من سيئ إلى أسوأ، تسير الأوضاع في مصر راكبةً صاروخاً، وفي زمن انقلاب عسكري بئيس، بات الحضيض أملاً يتمناه المصريون، بعد أن هوَت بلادهم لما هو أبعد منه بكثير، أحوال كارثية يعيشها المواطن، منذ أن قرر "الجنرال التعيس" أن يحنو عليه، وطبقاً للصحيفة الأمريكية "وول ستريت جورنال"، فقد حققت مصر رقماً قياسياً غير مسبوق، في مؤشر البؤس العالمي، بعد أن وصل إلى 45. 6 نقطة في العام 2017، وهو المؤشر الذي يقيس معدلات البطالة والتضخم وتأثيرها على المواطنين.
يتحسر الشعب على أحواله في زمن الرائد لعصر الفساد، كان "مبارك" هاوياً مبتدئاً بالمقارنة بابن حارة اليهود، يسخر المصريون من أوضاعهم قائلين: ألن يترك "السيسي" شيئاً لـ"يأجوج ومأجوج" كي يخربوه؟!
اعتاد الحكام الفسدة والعملاء المأجورون وحتى حقب الاستعمار المختلفة التي تولت حكم مصر، على سرقة أموالها ونهب ثرواتها وتضييع الإنتاج، لكن لم يجرؤ أحد منهم على بيع الأرض أو التفريط في الأصول، أو التنازل عن رأس المال، جميعهم شوهوا الماضي حينما قرروا إفساد الحاضر، ويبقى السيسي الوحيد، من خرب المستقبل وحكم بالشقاء والتعاسة على القادم من أجيال.
فوبيا إسقاط الدولة
- صدمتني كما صدمت غيري، عبارات السيسي الفجة وتوجيهاته السمجة، وجرأته العجيبة حين طالب مواخير إعلامه على الهواء مباشرة، بخلق "حالة فزع من إسقاط الدولة" لدى المصريين.
لم يصدمني فقط تبجحه بطلبه تفزيع الناس، ولم يصدمني بالطبع كلامه عن إسقاط الدولة والتي يقصد بها حكمه في الأساس، فسياسة التهديد والترهيب استمرأها السيسي منذ أن سطا على الحكم بالدبابة والسلاح، فلم تخل خطبة من خطبه، ولا كلمة في محفل أو لقاء، من تهديد صريح لكل من يحاول مجرد محاولة منازعته في حكم البلاد.
يتعامل "السيسي" مع مصر على كونها رهينة، واضعاً سكيناً على رقبتها، ويهددها بالذبح بين الفينة والفينة.
ولكوني لا أرتاد مطلقاً "مواخير الإعلام"، لا أتابع بالمرة ما يقدمه لزبائنه، لكني أتوقع ما ستطفح به فضائياتهم هذه الأيام!
وهنا يجدر بالمشاهد المصري أن يسأل هذا الإعلام المأفون، عن إسقاط أي دولة تتحدثون؟!
مصر باعتراف مسجل بالصوت والصورة من كبيركم الذي أمركم بالتفزيع، هي شبه دولة، وفي رواية أخرى: أشلاء دولة.
فما الذي سيخشى من إسقاطه المصريون؟
لا توجد لدينا سوى دولتين: واحدة للضباط، وأخرى للفساد، يتعاونان ويتكاملان، كي تعيشوا عليها أنتم معشر المذيعات والمذيعين، دولة يسود فيها ضباط الجيش ويخدم بها ضباط الشرطة ويتواطأ على استمرارها القضاة.
أما نحن عموم المصريين، فهذه هي حياة المواطن الذي يخوفه الإعلام ليل نهار من الثورة على حاكمه الجنرال، كي لا تلقى بلاده مصير سوريا أو العراق.
تخرج من بيتك مبكراً، تسير في طرقات غير ممهدة، تعبر فوق أطنان من القمامة، ولكي تحصل على خبز يسد جوعك، أو لبن يحيا به رضيعك، يجب أن تتجرع قبلها ألواناً من العذاب.
تتلخص حياتك القصيرة المريرة، في مجموعة لا نهائية من الطوابير.
- تلهث وراء حافلة تقلك، أو قطار تتشبث به، وحين يحالفك الحظ، لتجد فوق أرضه شبراً تضع عليه قدمك، وسنتيمترات تمد فيها أنفك، لتبدأ رحلة المشقة والهوان في الوصول إلى عملك!
عليك أن تشكر الله بعدها، أنك لم تصل إلى قبرك، في واحدة من حوادث الطرق، التي تتبوأ فيها مصر المركز الأول عالمياً وبلا منازع، بمعدل قتيل وأربعة مصابين في كل ساعة.
- أكمل يومك، تحمل ضغط مديرك الفاسد، والمسؤولين المرتشين، وارض بالفتات الذي يلقون به إليك، فبالتأكيد أنت أسعد حظاً من أكثر من ثلاثة ونصف مليون عاطل عن العمل أو ما يعادل ربع شباب مصر؛ طبقاً لإحصائية (الجهاز المركزي للمحاسبات في 2015).
- راتبك من عملك الخاص لا يكفيك؟! تدفع ضرائب وجبايات تكاد تشمل أنفاسك التي تحييك، وتنفق بعدها أموالاً نظير "دروس خصوصية" للأبناء؛ حيث لا تعليم يتلقونه بالمدارس، وأخرى للطبيب الخاص داخل "العيادات"، حيث لا تأمين ولا علاج بالمستشفيات!
- تشتري من جيبك مولداً للكهرباء، كي لا تعاني من قطعها يومياً بالساعات، ثم تلتهم فاتورتها ميزانيتك آخر الشهر.
- تشتري رافعة للمياه، التي بالكاد تصل لمواسير شقتك "بعض الوقت"، ثم تخشى على صحتك وصحة أولادك؛ من ماء يقذفه الصنبور إليك ممتزجاً بطين الأرض، فتشتري مياهاً معبأة لتلتهم المزيد من الأموال، ولا تنس الحكومة في النهاية أن تُحَصِل منك ثمن الماء مع الطين، بفاتورة تتضاعف هي والكهرباء كل عام، وراتب يبقى على حاله إن لم يصب بالضمور.
احمد لله، أنك لست ضمن 2 مليون مواطن يبيتون ليلهم بين القبور، و40 مليون آخرين يعيشون في العشوائيات، والتي تفتقر أغلبها لبنية تحتية أو صرف صحي أو خدمات (طبقاً لتصريح "ليلى إسكندر" في 2015 وزيرة التطوير الحضري والعشوائيات).
- تريد أن تحافظ على ما تبقى لك من كرامة واحترام للذات، فتضطر لبيع حُلي زوجتك وتلجأ للقروض والأقساط؛ كي تدفع بها "مقدمة" لشراء أرخص سيارة في الأسواق، لتهرب بها إلى شريحة الـ 8% فقط من المصريين الذين أفلتوا من عناء وعذاب المواصلات.
فتُسرق السيارة من أمام بيتك وفي وضح النهار، لتدفع فدية ضخمة كي تستعيدها من السارقين، فللأسف، ضباط الشرطة في بلادك ليست مهمتهم القبض على المجرمين، بل فقط قتلك في الشوارع إذا خرجت ثائراً تطالب بحقك، أو ضربك وسحلك في الأقسام إذا دخلت إليهم شاكياً من ظلمك، أو إذلالك في الأكمنة وإهانتك، لو أمين شرطة لم يعجبه شكلك.
- عدت إلى بيتك سالماً؟ نجوت من القتل والسحل والتعذيب؟ أغلق عليك بابك، وضع في فمك لسانك، وارض بمعيشتك.
واحمد الله أننا لسنا في سوريا أو العراق... فتلك دول بها حروب طاحنة، بين شعوب أرادت الحرية وطغاة مجرمين.
أما سيادتك، عزيزي المواطن المصري.. أنت لا تملك دولة من الأساس!
يتحسر الشعب على أحواله في زمن الرائد لعصر الفساد، كان "مبارك" هاوياً مبتدئاً بالمقارنة بابن حارة اليهود، يسخر المصريون من أوضاعهم قائلين: ألن يترك "السيسي" شيئاً لـ"يأجوج ومأجوج" كي يخربوه؟!
اعتاد الحكام الفسدة والعملاء المأجورون وحتى حقب الاستعمار المختلفة التي تولت حكم مصر، على سرقة أموالها ونهب ثرواتها وتضييع الإنتاج، لكن لم يجرؤ أحد منهم على بيع الأرض أو التفريط في الأصول، أو التنازل عن رأس المال، جميعهم شوهوا الماضي حينما قرروا إفساد الحاضر، ويبقى السيسي الوحيد، من خرب المستقبل وحكم بالشقاء والتعاسة على القادم من أجيال.
فوبيا إسقاط الدولة
- صدمتني كما صدمت غيري، عبارات السيسي الفجة وتوجيهاته السمجة، وجرأته العجيبة حين طالب مواخير إعلامه على الهواء مباشرة، بخلق "حالة فزع من إسقاط الدولة" لدى المصريين.
لم يصدمني فقط تبجحه بطلبه تفزيع الناس، ولم يصدمني بالطبع كلامه عن إسقاط الدولة والتي يقصد بها حكمه في الأساس، فسياسة التهديد والترهيب استمرأها السيسي منذ أن سطا على الحكم بالدبابة والسلاح، فلم تخل خطبة من خطبه، ولا كلمة في محفل أو لقاء، من تهديد صريح لكل من يحاول مجرد محاولة منازعته في حكم البلاد.
يتعامل "السيسي" مع مصر على كونها رهينة، واضعاً سكيناً على رقبتها، ويهددها بالذبح بين الفينة والفينة.
ولكوني لا أرتاد مطلقاً "مواخير الإعلام"، لا أتابع بالمرة ما يقدمه لزبائنه، لكني أتوقع ما ستطفح به فضائياتهم هذه الأيام!
وهنا يجدر بالمشاهد المصري أن يسأل هذا الإعلام المأفون، عن إسقاط أي دولة تتحدثون؟!
مصر باعتراف مسجل بالصوت والصورة من كبيركم الذي أمركم بالتفزيع، هي شبه دولة، وفي رواية أخرى: أشلاء دولة.
فما الذي سيخشى من إسقاطه المصريون؟
لا توجد لدينا سوى دولتين: واحدة للضباط، وأخرى للفساد، يتعاونان ويتكاملان، كي تعيشوا عليها أنتم معشر المذيعات والمذيعين، دولة يسود فيها ضباط الجيش ويخدم بها ضباط الشرطة ويتواطأ على استمرارها القضاة.
أما نحن عموم المصريين، فهذه هي حياة المواطن الذي يخوفه الإعلام ليل نهار من الثورة على حاكمه الجنرال، كي لا تلقى بلاده مصير سوريا أو العراق.
تخرج من بيتك مبكراً، تسير في طرقات غير ممهدة، تعبر فوق أطنان من القمامة، ولكي تحصل على خبز يسد جوعك، أو لبن يحيا به رضيعك، يجب أن تتجرع قبلها ألواناً من العذاب.
تتلخص حياتك القصيرة المريرة، في مجموعة لا نهائية من الطوابير.
- تلهث وراء حافلة تقلك، أو قطار تتشبث به، وحين يحالفك الحظ، لتجد فوق أرضه شبراً تضع عليه قدمك، وسنتيمترات تمد فيها أنفك، لتبدأ رحلة المشقة والهوان في الوصول إلى عملك!
عليك أن تشكر الله بعدها، أنك لم تصل إلى قبرك، في واحدة من حوادث الطرق، التي تتبوأ فيها مصر المركز الأول عالمياً وبلا منازع، بمعدل قتيل وأربعة مصابين في كل ساعة.
- أكمل يومك، تحمل ضغط مديرك الفاسد، والمسؤولين المرتشين، وارض بالفتات الذي يلقون به إليك، فبالتأكيد أنت أسعد حظاً من أكثر من ثلاثة ونصف مليون عاطل عن العمل أو ما يعادل ربع شباب مصر؛ طبقاً لإحصائية (الجهاز المركزي للمحاسبات في 2015).
- راتبك من عملك الخاص لا يكفيك؟! تدفع ضرائب وجبايات تكاد تشمل أنفاسك التي تحييك، وتنفق بعدها أموالاً نظير "دروس خصوصية" للأبناء؛ حيث لا تعليم يتلقونه بالمدارس، وأخرى للطبيب الخاص داخل "العيادات"، حيث لا تأمين ولا علاج بالمستشفيات!
- تشتري من جيبك مولداً للكهرباء، كي لا تعاني من قطعها يومياً بالساعات، ثم تلتهم فاتورتها ميزانيتك آخر الشهر.
- تشتري رافعة للمياه، التي بالكاد تصل لمواسير شقتك "بعض الوقت"، ثم تخشى على صحتك وصحة أولادك؛ من ماء يقذفه الصنبور إليك ممتزجاً بطين الأرض، فتشتري مياهاً معبأة لتلتهم المزيد من الأموال، ولا تنس الحكومة في النهاية أن تُحَصِل منك ثمن الماء مع الطين، بفاتورة تتضاعف هي والكهرباء كل عام، وراتب يبقى على حاله إن لم يصب بالضمور.
احمد لله، أنك لست ضمن 2 مليون مواطن يبيتون ليلهم بين القبور، و40 مليون آخرين يعيشون في العشوائيات، والتي تفتقر أغلبها لبنية تحتية أو صرف صحي أو خدمات (طبقاً لتصريح "ليلى إسكندر" في 2015 وزيرة التطوير الحضري والعشوائيات).
- تريد أن تحافظ على ما تبقى لك من كرامة واحترام للذات، فتضطر لبيع حُلي زوجتك وتلجأ للقروض والأقساط؛ كي تدفع بها "مقدمة" لشراء أرخص سيارة في الأسواق، لتهرب بها إلى شريحة الـ 8% فقط من المصريين الذين أفلتوا من عناء وعذاب المواصلات.
فتُسرق السيارة من أمام بيتك وفي وضح النهار، لتدفع فدية ضخمة كي تستعيدها من السارقين، فللأسف، ضباط الشرطة في بلادك ليست مهمتهم القبض على المجرمين، بل فقط قتلك في الشوارع إذا خرجت ثائراً تطالب بحقك، أو ضربك وسحلك في الأقسام إذا دخلت إليهم شاكياً من ظلمك، أو إذلالك في الأكمنة وإهانتك، لو أمين شرطة لم يعجبه شكلك.
- عدت إلى بيتك سالماً؟ نجوت من القتل والسحل والتعذيب؟ أغلق عليك بابك، وضع في فمك لسانك، وارض بمعيشتك.
واحمد الله أننا لسنا في سوريا أو العراق... فتلك دول بها حروب طاحنة، بين شعوب أرادت الحرية وطغاة مجرمين.
أما سيادتك، عزيزي المواطن المصري.. أنت لا تملك دولة من الأساس!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/shireen-aarafah/post_15752_b_17844290.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات