"ترامب لم يدافع عن مستبده المفضل"، هكذا وصف كاتب أميركي قرار واشنطن تجميد ووقف مساعدات لمصر بقيمة 291 مليون دولار على خلفية مخاوفها بشأن حقوق الإنسان في مصر.
الكاتب السياسي الأميركي والباحث بمعهد كاتو للدراسات، دوغ باندو اعتبر في مقال نشر بمجلة ذا ناشيونال انترست الأميركية أن هذه الخطوة مؤشر مهم يكشف محدودية تأثير الرئيس الأميركي دونالد ترامب على صناعة القرار في إدارته.
وقال الكاتب الذي كان مساعداً للرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان "إن هذا الحدث بمثابة مفاجأةٍ غير متوقَّعة. إذ كان الرئيس دونالد ترامب قد اختار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليكون المستبد المفضل لديه"، حسب تعبيره.
وأشار إلى أن حكومة السيسي انتقدت "سوء تقدير" واشنطن و"افتقارها للفهم"، لكنَّها من ناحيةٍ أخرى ردَّت بحذر؛ إذ كان وفدٌ يترأسه جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، في زيارةٍ للقاهرة.
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد أعربت عن أسفها لقرار الولايات المتحدة، معتبرة أنه يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين.
ثناء مفرط
الكاتب الأميركي لفت إلى أن القرار صدر رغم العلاقة التي تشكلت بين السيسي وترامب منذ انتخاب الأخير.
ففي اجتماعهما في أبريل/نيسان 2017، أطلق الرئيس الأميركي العنان لثنائه المفرِط المعتاد، قائلاً إنَّ رجل مصر القوي، الذي "أخفت" قواته الأمنية العديد من المنتقدين وسجنت كل من قاوم حكمه، قد "قام بعملٍ رائع في وضعٍ صعبٍ للغاية".
وواصل الرئيس ترامب التعبير عن هذا الدعم بإصرار قائلاً: "إنَّنا نقف خلف الرئيس السيسي كليةً". ولم تُذكَر حقوق الإنسان خلال اللقاء.
ووفقاً للقرار الأخير، فقد ألغت الإدارة الأميركية نحو 96 مليون دولار من المساعدات الممنوحة لمصر، في حين علَّقت 195 مليون دولار أخرى، لكن الحكومة المصرية قد تحصل عليها إذا ما قام نظام السيسي بتحسيناتٍ غير مُحدَّدة في سياساته.
وأشار باندو إلى أنه بينما يُمثِّل الإجراء الذي اتُّخِذ بشأن المساعدات تعبيراً مُرحَّباً به عن القلق الأميركي، لكنَّه لن يكون ذا تأثيرٍ كبير على نظام السيسي المتزايد في استبداده، حسب تعبيره.
إذ مازالت القاهرة ستحصل على نحو 1.3 مليار دولار من المساعدات الأميركية هذا العام. وساهمت كلٌ من السعودية والإمارات بسخاءٍ أيضاً في دعم خزائن حكومة السيسي. وبالفعل، لم تتمكَّن السعودية بمساعداتها من شراء دعم القاهرة ضد قطر فحسب، بل واشترت أيضاً جزيرتين منها، لتُثير بذلك ذعر الشعب المصري، على حد وصفه.
كيف يكشف القرار وضع ترامب السيئ داخل إدارته!
ومع ذلك، يرى الكاتب أن توبيخ الولايات المتحدة لحكومة السيسي يُقدِّم دروساً مهمة بشأن إدارة ترامب. أولاً: ترغب وزارة الخارجية الأميركية، وهو ما يعني في هذه الحالة بلا شك الوزير ريكس تيلرسون، فعل الصواب.
وفي ظل رفض الرئيس ترامب للمسائل المتعلِّقة بحقوق الإنسان وتأييده المُحرِج للسيسي، فضلاً عن ميل بعض مسؤولي البيت الأبيض للنظر إلى كل علاقةٍ خارجية عبر منظور الإسلام المُتطرِّف والإرهاب، افترض المراقبون على نطاقٍ واسع أنَّ السيسي سيحصل على تفويضٍ فيما يتعلَّق بانتهاكاته المتعددة.
لكن هذا لم يحدث. فالحكومة المصرية لم تقمع خصومها السياسيين فحسب، بل قمعت كل من يرفض إطاعة النظام.
ففي بداية أغسطس/آب 2017، صدر بحق 50 شرطياً أحكاماً بالسجن لتنظيمهم إضراباً. والشرطة في مصر تُمثِّل الدعامة الأساسية لآلة القمع الخاصة بالنظام.
ومؤخراً، كان المُستهدَفون هم المراقبون الناقدون، لاسيما المنظمات غير الحكومية التي تحاول رصد تجاوزات السيسي.
ففي عهد ديكتاتورية مبارك، كان مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب ينشر الانتهاكات علناً، ويساعد الضحايا، ويتصدى للجناة.
ويقول مساعد الرئيس ريجان "حينما زرتُه في عام 2014، أوضح موظفو المركز أنَّ استخدام التعذيب كان أكثر انتشاراً من أي وقتٍ مضى. وقد أغلقت حكومة السيسي المركز في فبراير/شباط 2017، لغضبها بشأن التدقيق في ممارساتها.
وينطبق القانون الذي يستهدف المنظمات غير الحكومية المحلية أيضاً على المنظمات الغربية. وقد عبَّرت الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية عن احتجاجها على هذا القانون، الذي تمت الموافقة عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، واعتقدت هذه الدول أنَّها حصلت على ضماناتٍ من نظام السيسي بأنَّ القانون لن يُطبَّق.
لكن بعد ترحيب الرئيس ترامب المُتغزِّل بالديكتاتور المصري، وضعت القاهرة القانون حيز التطبيق. وبدت واشنطن غير راغبةٍ في فعل المزيد من أجل معارضته.
ويعلق الكاتب قائلاً "في حين أنَّه لا يمكن لأي سياسة خارجية فعَّالة أن تتجاهل المصالح الوطنية فقط لتعزيز حقوق الإنسان، يجب في الوقت ذاته أن تكون أفعال الحكومة مُقيَّدة بالاعتبارات الأخلاقية.
وحين يكون بمقدور واشنطن تعزيز الحريات الإنسانية في الخارج بتكلفةٍ أو مخاطرةٍ بسيطة، فعليها أن تفعل ذلك. وعلى أقل تقدير، يجب على الولايات المتحدة ألا تقوم بأمورٍ سيئة، وأن ترفض تأمين النظم القمعية حينما لا يكون هناك مُبرِّرٌ مقنع لذلك.
ولا توجد أي مبرراتٍ مقنعة في مصر اليوم لاستمرار هذه السياسة.
فالقاهرة لا تحتاج للحصول على رشوة كي تتجنب الحرب مع إسرائيل. ويُمثِّل الإرهاب مشكلةً متنامية، لكنَّ الجيش المصري يُفضِّل استخدام المعونة العسكرية الأميركية لشراء دُمى باهظة الثمن تُضفي عليه الهيبة بدلاً من تلبية احتياجات البلاد الأمنية الأكثر إلحاحاً (في إشارة للمعدات العسكرية الثقيلة).
والأسوأ من ذلك أنَّ البلد في حربٍ مع نفسه. ومع ذلك، فإنَّ دعم واشنطن السنوي السخي، والذي يتمثَّل في مزيجٍ من المساعدات العسكرية والاقتصادية، يؤمِّن نظاماً أجبر معارضيه على العمل تحت الأرض، وترك العنف سبيلاً وحيداً متاحاً من أجل المعارضة.
وفي نهاية المطاف، يمكن أن يجد الرئيس السيسي نفسه يواجه المصير ذاته الذي واجهه الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي تخلَّت عنه نخبة مؤيديه في وجه جمهورٍ غاضب.
ومن الأفضل للولايات المتحدة ألا يجري ربطها بنظامٍ وحشي يقتل دون التقيُّد بالقانون، ويسجن بلا قيد، ويراقب بلا هوادة، ويصبح أكثر ثراءً بلا خجل، حسب تعبيره.
تسلية
ثانيا: الدرس الآخر هو أنَّ الرئيس ترامب ليس مهماً كثيراً حين يتعلَّق الأمر بسياسة الولايات المتحدة الخارجية. وسواءٌ كان ذلك عن طريق القصد أو المصادفة، فلا يبدو أن أي شيء يؤمن به الرئيس ذو أهميةٍ تقريباً، حسب الكاتب.
وهذا ليس بالأمر الجديد. فترامب قد انتقد سابقاً حلف الناتو والتحالف الأميركي مع كوريا الجنوبية، بينما عمل كبار مساعديه على طمأنة الدول نفسها التي انتقدها.
وانضم ترامب للسعودية والإمارات في شجب قطر، لكن وزير خارجيته ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس وضعا الولايات المتحدة في صف قطر. وحدث الأمر نفسه في حالة كوريا الشمالية، إذ دقَّ ترامب طبول الحرب ضدها، ووقف وجهاً لوجه مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بينما أصرت إدارته على أنَّ الحرب غير وشيكة.
والآن تُثير وزارة الخارجية الأميركية قضية حقوق الإنسان التي تجاهلها ترامب بوضوح في أثناء اجتماعه مع الزعيم المصري. وبالتأكيد لا يوافق ترامب على هذا: إذ يبدو أنَّه ليس هناك تأييدٌ منه لقرار وقف المساعدات، ولم يكتب حتى تغريدةً عن الأمر. لكن، والأهم من ذلك، أنَّه لم يتخذ أية إجراءاتٍ مضادة، ولم يحاول استخدام سلطته لإلغاء القرار.
ربما كان السيسي يتصرف طوال الفترة الماضية افتراضاً منه أنَّ الرئيس الأميركي راضٍ عنه، مثل حكام السعودية والإمارات، وكان ترامب كذلك بالفعل. لكن، ولسوء حظ السيسي، فإنَّ رضا ترامب ليس له قيمةٌ عملية؛ فالرئيس الأميركي لا يصنع السياسة. ولا يعلم شيئاً على الأرجح عن سياسات إدارته أو واضعيها. ويبدو أنَّه لا يأبه بذلك كثيراً.
لهذه العوامل تداعياتٌ مهمة في المستقبل. فمواطنو أميركا وبقية دول العالم يجب عليهم التقليل من شأن تصريحات ترامب العفوية، إن لم يكن عليهم تجاهلها من الأساس. فهي تعكس أفكاره، وليس أفعاله. وهو لا يملك الانضباط أو الانتباه الكافي لتحويل التصريحات إلى أفعال. وانفعالاته تلك يجب أن يُنظَر إليها باعتبارها ضرباً من التسلية، وليس جزءاً من السياسة.
هل ترامب قادر على تحويل الأمور؟
والأهم من ذلك، من وجهة نظر الكاتب، أن ترامب ليس شخصاً قادراً على تحويل مسار الأمور، على الأقل في ما يتعلق بالسياسة الخارجية.
فدور أميركا في أفغانستان سيستمر لما بعد رئاسته، وسيصمد حلف الناتو، ولن تكون هناك حرب مع كوريا الشمالية، وسيستمر الانفتاح على كوبا، وستستمر واشنطن في تدعيم حقوق الإنسان عن قناعة بأهمية ذلك، بقدر الإمكان بالطبع. وعندما يرحل ترامب عن البيت الأبيض، سيكون من الصعب عليك أن تجد بصماته على أيٍ من تلك السياسات أو غيرها.
ولهذا، فإنَّ أي حكومةٍ تتصرف بناءً على ما يقوله ترامب ستجد نفسها في النهاية على الأرجح في موقفٍ صعب، بلا أي دعمٍ على الإطلاق.
املأ الشوارع بصور ترامب وهذه هي النتيجة
يقول الكاتب "يمكنك دعوة ترامب لزيارتك، وملء الشوارع بصوره، واستضافة خطاباته، وسيوافق على أي شيء تقوله تقريباً. ولكن بمجرد عودته إلى أميركا، سيصبح الأمر في يد الكبار "الراشدين" في إدارته. وسيتركونه ليعيث الفساد في السياسات المحلية.
وفي حالة مصر، أدى هذا النهج إلى سياسةٍ أكثر توازناً. فدعم ترامب بحماس للجنرال المصري الذي يتولى الرئاسة كان أمراً محرجاً.
ولكن تقرير وزارة الخارجية الأميركية لحقوق الإنسان حول حكومة السيسي كان يتألف من 59 صفحة، ويشرح أنَّ "أهم مشكلات حقوق الإنسان كانت الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن، والقصور في الإجراءات القانونية الواجبة، وقمع الحريات المدنية. وتضمن الاستخدام المفرط للقوة عمليات تعذيب وقتل خارج إطار القانون".
خفض المعونة الأميركية لمصر لن يوقف هذه الانتهاكات أو غيرها. ولكن فعل ذلك على الأقل يوضح أنَّ الضمير الأميركي ما زال يتنفس. يجب على واشنطن وقف الدعم لحكومةٍ خلقت عدداً كبيراً من مشكلاتها الخاصة، بينما تفرض على شعبها الحياة في عبوديةٍ وحشية.
الكاتب السياسي الأميركي والباحث بمعهد كاتو للدراسات، دوغ باندو اعتبر في مقال نشر بمجلة ذا ناشيونال انترست الأميركية أن هذه الخطوة مؤشر مهم يكشف محدودية تأثير الرئيس الأميركي دونالد ترامب على صناعة القرار في إدارته.
وقال الكاتب الذي كان مساعداً للرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان "إن هذا الحدث بمثابة مفاجأةٍ غير متوقَّعة. إذ كان الرئيس دونالد ترامب قد اختار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليكون المستبد المفضل لديه"، حسب تعبيره.
وأشار إلى أن حكومة السيسي انتقدت "سوء تقدير" واشنطن و"افتقارها للفهم"، لكنَّها من ناحيةٍ أخرى ردَّت بحذر؛ إذ كان وفدٌ يترأسه جاريد كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه، في زيارةٍ للقاهرة.
وكانت وزارة الخارجية المصرية قد أعربت عن أسفها لقرار الولايات المتحدة، معتبرة أنه يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين.
ثناء مفرط
الكاتب الأميركي لفت إلى أن القرار صدر رغم العلاقة التي تشكلت بين السيسي وترامب منذ انتخاب الأخير.
ففي اجتماعهما في أبريل/نيسان 2017، أطلق الرئيس الأميركي العنان لثنائه المفرِط المعتاد، قائلاً إنَّ رجل مصر القوي، الذي "أخفت" قواته الأمنية العديد من المنتقدين وسجنت كل من قاوم حكمه، قد "قام بعملٍ رائع في وضعٍ صعبٍ للغاية".
وواصل الرئيس ترامب التعبير عن هذا الدعم بإصرار قائلاً: "إنَّنا نقف خلف الرئيس السيسي كليةً". ولم تُذكَر حقوق الإنسان خلال اللقاء.
ووفقاً للقرار الأخير، فقد ألغت الإدارة الأميركية نحو 96 مليون دولار من المساعدات الممنوحة لمصر، في حين علَّقت 195 مليون دولار أخرى، لكن الحكومة المصرية قد تحصل عليها إذا ما قام نظام السيسي بتحسيناتٍ غير مُحدَّدة في سياساته.
وأشار باندو إلى أنه بينما يُمثِّل الإجراء الذي اتُّخِذ بشأن المساعدات تعبيراً مُرحَّباً به عن القلق الأميركي، لكنَّه لن يكون ذا تأثيرٍ كبير على نظام السيسي المتزايد في استبداده، حسب تعبيره.
إذ مازالت القاهرة ستحصل على نحو 1.3 مليار دولار من المساعدات الأميركية هذا العام. وساهمت كلٌ من السعودية والإمارات بسخاءٍ أيضاً في دعم خزائن حكومة السيسي. وبالفعل، لم تتمكَّن السعودية بمساعداتها من شراء دعم القاهرة ضد قطر فحسب، بل واشترت أيضاً جزيرتين منها، لتُثير بذلك ذعر الشعب المصري، على حد وصفه.
كيف يكشف القرار وضع ترامب السيئ داخل إدارته!
ومع ذلك، يرى الكاتب أن توبيخ الولايات المتحدة لحكومة السيسي يُقدِّم دروساً مهمة بشأن إدارة ترامب. أولاً: ترغب وزارة الخارجية الأميركية، وهو ما يعني في هذه الحالة بلا شك الوزير ريكس تيلرسون، فعل الصواب.
وفي ظل رفض الرئيس ترامب للمسائل المتعلِّقة بحقوق الإنسان وتأييده المُحرِج للسيسي، فضلاً عن ميل بعض مسؤولي البيت الأبيض للنظر إلى كل علاقةٍ خارجية عبر منظور الإسلام المُتطرِّف والإرهاب، افترض المراقبون على نطاقٍ واسع أنَّ السيسي سيحصل على تفويضٍ فيما يتعلَّق بانتهاكاته المتعددة.
لكن هذا لم يحدث. فالحكومة المصرية لم تقمع خصومها السياسيين فحسب، بل قمعت كل من يرفض إطاعة النظام.
ففي بداية أغسطس/آب 2017، صدر بحق 50 شرطياً أحكاماً بالسجن لتنظيمهم إضراباً. والشرطة في مصر تُمثِّل الدعامة الأساسية لآلة القمع الخاصة بالنظام.
ومؤخراً، كان المُستهدَفون هم المراقبون الناقدون، لاسيما المنظمات غير الحكومية التي تحاول رصد تجاوزات السيسي.
ففي عهد ديكتاتورية مبارك، كان مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب ينشر الانتهاكات علناً، ويساعد الضحايا، ويتصدى للجناة.
ويقول مساعد الرئيس ريجان "حينما زرتُه في عام 2014، أوضح موظفو المركز أنَّ استخدام التعذيب كان أكثر انتشاراً من أي وقتٍ مضى. وقد أغلقت حكومة السيسي المركز في فبراير/شباط 2017، لغضبها بشأن التدقيق في ممارساتها.
وينطبق القانون الذي يستهدف المنظمات غير الحكومية المحلية أيضاً على المنظمات الغربية. وقد عبَّرت الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية عن احتجاجها على هذا القانون، الذي تمت الموافقة عليه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، واعتقدت هذه الدول أنَّها حصلت على ضماناتٍ من نظام السيسي بأنَّ القانون لن يُطبَّق.
لكن بعد ترحيب الرئيس ترامب المُتغزِّل بالديكتاتور المصري، وضعت القاهرة القانون حيز التطبيق. وبدت واشنطن غير راغبةٍ في فعل المزيد من أجل معارضته.
ويعلق الكاتب قائلاً "في حين أنَّه لا يمكن لأي سياسة خارجية فعَّالة أن تتجاهل المصالح الوطنية فقط لتعزيز حقوق الإنسان، يجب في الوقت ذاته أن تكون أفعال الحكومة مُقيَّدة بالاعتبارات الأخلاقية.
وحين يكون بمقدور واشنطن تعزيز الحريات الإنسانية في الخارج بتكلفةٍ أو مخاطرةٍ بسيطة، فعليها أن تفعل ذلك. وعلى أقل تقدير، يجب على الولايات المتحدة ألا تقوم بأمورٍ سيئة، وأن ترفض تأمين النظم القمعية حينما لا يكون هناك مُبرِّرٌ مقنع لذلك.
ولا توجد أي مبرراتٍ مقنعة في مصر اليوم لاستمرار هذه السياسة.
فالقاهرة لا تحتاج للحصول على رشوة كي تتجنب الحرب مع إسرائيل. ويُمثِّل الإرهاب مشكلةً متنامية، لكنَّ الجيش المصري يُفضِّل استخدام المعونة العسكرية الأميركية لشراء دُمى باهظة الثمن تُضفي عليه الهيبة بدلاً من تلبية احتياجات البلاد الأمنية الأكثر إلحاحاً (في إشارة للمعدات العسكرية الثقيلة).
والأسوأ من ذلك أنَّ البلد في حربٍ مع نفسه. ومع ذلك، فإنَّ دعم واشنطن السنوي السخي، والذي يتمثَّل في مزيجٍ من المساعدات العسكرية والاقتصادية، يؤمِّن نظاماً أجبر معارضيه على العمل تحت الأرض، وترك العنف سبيلاً وحيداً متاحاً من أجل المعارضة.
وفي نهاية المطاف، يمكن أن يجد الرئيس السيسي نفسه يواجه المصير ذاته الذي واجهه الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي تخلَّت عنه نخبة مؤيديه في وجه جمهورٍ غاضب.
ومن الأفضل للولايات المتحدة ألا يجري ربطها بنظامٍ وحشي يقتل دون التقيُّد بالقانون، ويسجن بلا قيد، ويراقب بلا هوادة، ويصبح أكثر ثراءً بلا خجل، حسب تعبيره.
تسلية
ثانيا: الدرس الآخر هو أنَّ الرئيس ترامب ليس مهماً كثيراً حين يتعلَّق الأمر بسياسة الولايات المتحدة الخارجية. وسواءٌ كان ذلك عن طريق القصد أو المصادفة، فلا يبدو أن أي شيء يؤمن به الرئيس ذو أهميةٍ تقريباً، حسب الكاتب.
وهذا ليس بالأمر الجديد. فترامب قد انتقد سابقاً حلف الناتو والتحالف الأميركي مع كوريا الجنوبية، بينما عمل كبار مساعديه على طمأنة الدول نفسها التي انتقدها.
وانضم ترامب للسعودية والإمارات في شجب قطر، لكن وزير خارجيته ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس وضعا الولايات المتحدة في صف قطر. وحدث الأمر نفسه في حالة كوريا الشمالية، إذ دقَّ ترامب طبول الحرب ضدها، ووقف وجهاً لوجه مع الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بينما أصرت إدارته على أنَّ الحرب غير وشيكة.
والآن تُثير وزارة الخارجية الأميركية قضية حقوق الإنسان التي تجاهلها ترامب بوضوح في أثناء اجتماعه مع الزعيم المصري. وبالتأكيد لا يوافق ترامب على هذا: إذ يبدو أنَّه ليس هناك تأييدٌ منه لقرار وقف المساعدات، ولم يكتب حتى تغريدةً عن الأمر. لكن، والأهم من ذلك، أنَّه لم يتخذ أية إجراءاتٍ مضادة، ولم يحاول استخدام سلطته لإلغاء القرار.
ربما كان السيسي يتصرف طوال الفترة الماضية افتراضاً منه أنَّ الرئيس الأميركي راضٍ عنه، مثل حكام السعودية والإمارات، وكان ترامب كذلك بالفعل. لكن، ولسوء حظ السيسي، فإنَّ رضا ترامب ليس له قيمةٌ عملية؛ فالرئيس الأميركي لا يصنع السياسة. ولا يعلم شيئاً على الأرجح عن سياسات إدارته أو واضعيها. ويبدو أنَّه لا يأبه بذلك كثيراً.
لهذه العوامل تداعياتٌ مهمة في المستقبل. فمواطنو أميركا وبقية دول العالم يجب عليهم التقليل من شأن تصريحات ترامب العفوية، إن لم يكن عليهم تجاهلها من الأساس. فهي تعكس أفكاره، وليس أفعاله. وهو لا يملك الانضباط أو الانتباه الكافي لتحويل التصريحات إلى أفعال. وانفعالاته تلك يجب أن يُنظَر إليها باعتبارها ضرباً من التسلية، وليس جزءاً من السياسة.
هل ترامب قادر على تحويل الأمور؟
والأهم من ذلك، من وجهة نظر الكاتب، أن ترامب ليس شخصاً قادراً على تحويل مسار الأمور، على الأقل في ما يتعلق بالسياسة الخارجية.
فدور أميركا في أفغانستان سيستمر لما بعد رئاسته، وسيصمد حلف الناتو، ولن تكون هناك حرب مع كوريا الشمالية، وسيستمر الانفتاح على كوبا، وستستمر واشنطن في تدعيم حقوق الإنسان عن قناعة بأهمية ذلك، بقدر الإمكان بالطبع. وعندما يرحل ترامب عن البيت الأبيض، سيكون من الصعب عليك أن تجد بصماته على أيٍ من تلك السياسات أو غيرها.
ولهذا، فإنَّ أي حكومةٍ تتصرف بناءً على ما يقوله ترامب ستجد نفسها في النهاية على الأرجح في موقفٍ صعب، بلا أي دعمٍ على الإطلاق.
املأ الشوارع بصور ترامب وهذه هي النتيجة
يقول الكاتب "يمكنك دعوة ترامب لزيارتك، وملء الشوارع بصوره، واستضافة خطاباته، وسيوافق على أي شيء تقوله تقريباً. ولكن بمجرد عودته إلى أميركا، سيصبح الأمر في يد الكبار "الراشدين" في إدارته. وسيتركونه ليعيث الفساد في السياسات المحلية.
وفي حالة مصر، أدى هذا النهج إلى سياسةٍ أكثر توازناً. فدعم ترامب بحماس للجنرال المصري الذي يتولى الرئاسة كان أمراً محرجاً.
ولكن تقرير وزارة الخارجية الأميركية لحقوق الإنسان حول حكومة السيسي كان يتألف من 59 صفحة، ويشرح أنَّ "أهم مشكلات حقوق الإنسان كانت الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن، والقصور في الإجراءات القانونية الواجبة، وقمع الحريات المدنية. وتضمن الاستخدام المفرط للقوة عمليات تعذيب وقتل خارج إطار القانون".
خفض المعونة الأميركية لمصر لن يوقف هذه الانتهاكات أو غيرها. ولكن فعل ذلك على الأقل يوضح أنَّ الضمير الأميركي ما زال يتنفس. يجب على واشنطن وقف الدعم لحكومةٍ خلقت عدداً كبيراً من مشكلاتها الخاصة، بينما تفرض على شعبها الحياة في عبوديةٍ وحشية.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/08/28/story_n_17851120.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات