الأربعاء، 30 أغسطس 2017

أيهما أهم شكسبير أو زوجٌ من الأحذية؟

أيهما أهم شكسبير أو زوجٌ من الأحذية؟

"1"

السؤال الذي ضمنته عنوان المقال هو أحد أسئلة ثيودور دوستويفسكي وقد طرحه في أحد حواراته، والجواب كان زوجاً من الأحذية أهم من شكسبير، هذا الجواب لا يفقهه سوى الفقراء الحفاة العراة المنتعلين لخشونة الأرض وصلابتها، وهو جواب ممتعض عند المترفين الفوقيين الذين يعيشون في قصور عاجية متناسين عالم البؤس والشقاء الذي يكابد فيه مقهورو هذا العصر وغيره من العصور الغابرة.

الأدب بشقيه النثري والشعري عند بزوغه كان وسيلة ترفيه وتسلية لبث الفرح والسعادة على قلوب الملوك والأمراء، الشعراء والأدباء كانوا يجتمعون في ضيافة أحد الأباطرة والنافذين بالحكم كي يلقوا عليه ما أفرزته قريحتهم من مدح ووصف أغلبه كان كذباً في كذب، ومن أجل مصلحة ذاتية، وهذا لم يقتصر على الشعراء والنثريين العرب فقط، بل تعداه إلى آخرين من قوميات أجنبية، خذ مثالاً أفلاطون في كتابه المدينة الفاضلة، ونيكولا ميكيافيلي في كتابه الأمير وشكسبير في روايته تاجر البندقية، تجد عند هؤلاء الثلاثة تشويهاً وبصورة أدبية نثرية للواقع، وتزويراً له لصالح أباطرة وملوك وقتهم، الأدب آنذاك لم يجلب للفقراء سوى عذابات أكثر، بؤس أشد وعوز وذل أمر.

عليه كان جواب نصير الفقراء دستويفسكي بأن زوج الأحذية أهم من شكسبير، وطبعاً شكسبير رمز لكل كاتب وشاعر ينافق الملوك والطغاة على حساب المقموعين، في أي عصر وفي أي زمان كان.

"2"

بعد انتشار الفكر الثوري وتناميه تغيرت وظيفة الأدب وأصبح إحدى وسائل مقاومة الطغاة والظالمين، وبعد أن كان وسيلة تسلية لهم أصبح مصدر رعب يدك أواصل قلوبهم، نأتي برواية الأم لمكسيم غوركي مثالاً في التاريخ القريب، هذه الرواية كانت إحدى المهيئات والدوافع النفسية لقيام الثورة البلشفية، مثال آخر قصائد ومدرسة اللافتات الشعرية التي أسسها الشاعر العراقي الكبير أحمد مطر؛ حيث شنفت قصائده آذان الثوريين الحدثاء، ولا تجد ثورياً وفقيراً ومسكيناً إلا لسانه يلهج بلافتة شعرية من لافتات أحمد مطر، وهو يعتبر شاعر الثورات الحديثة في العالم الإسلامي والعربي بامتياز.

لو كان دستويفسكي لا يزال حياً وقرأ رواية الأم ولافتات أحمد مطر لما قال عنهما ما قاله بحق شكسبير، أدبهما ومن ماثلهما جعل الفقراء شاعرين حاسين بالظلم الذي يقع عليهم، أدبهما حرض المضطهدين ودفعهم كي يأخذوا حقوقهم وثمن زوج من الأحذية من الطغاة بعكس أدب شكسبير المختص بدائرة الظالمين.

صديقي القارئ.. لا أعني بكلامي الاستهانة والتقليل من شكسبير وأدبه، كلا بل هو من أعظم الأدباء الذين لا يتكررون، ولا يوجد وجه مقارنة بينه وبين غيره، لكن أدبه كان موجهاً للطغاة على حساب الفقراء.

"3"

الطامة الكبرى أنه ومنذ عصور غابرة جاء أناس مدّعين كتابة الشعر والنثر يسطرون الكلمات إلى جانب بعضها البعض، ويطالبون الناس بقراءتها، وهم بذلك يبغون سماع كلمات المدح والثناء والإطراء، وإن خالفهم أحد، وقال لهم إنه ما يكتبونه غير مفهوم وغير مؤثر وهو يشبه أحاديث شخص سكران أو ممسوس من قِبَل الجان، ألصقوا به تهمة الغباء والجهل وقصور عقله وفهمه وعدم امتلاكه محتوى ثقافياً يؤهله فهم ما كتبه الأديب الفطحل، والأدهى والأمرّ أنهم يقولون عن تقيّاحاتهم وخرابيطهم الكلامية إنها عميقة لا يفهمها شخص عادي، وكأني بهم يعتبرون الكتابة تصعيباً للأمور وتعقيدها وليّ طياتها، بحيث إن المرء بات يعتقد غموض الكلمات وعدم سهولة فك طلاسمها أصبح قياساً للكتابة الجيدة من عدمها.

الأدب الحقيقي تعبير عن الحياة أو بعضها بعبارة جميلة يسعى الأديب من خلاله لتفسير الحياة واستخراج معانيها بلغة سهلة واضحة يفهمها غير المتعلم قبل المتعلم، تؤثر في الفقير قبل الغني، تؤنس فؤاد المظلوم وتقض مضجع الظالم، وهو من ناحية التأثير ينقسم إلى قسمين؛ إما أن يدفع المرء إلى البقاء في زاوية مظلمة من زوايا الدنيا غير مأسوف عليه، وهذا النوع دوماً ما يدعو له أدباء وكتاب الطغاة والفاسدين، وما أكثرهم في عصرنا هذا والعصور التي سبقته، وإما أن يصبح وقوداً للشخص يدفعه إلى أن يصعد قمم الدنيا، ويحفر اسمه عليها، لا تقدر السنون ولا الأيام أن تمسحه مهما طال الزمن، وهذا ما يدعو له شعراء الشعب والفقراء والمساكين، وما أقلهم على مر العصور، مع الأسف الشديد.

"4"

ما لاحظته منذ فترة ليست بقليلة انتشار عدد كبير ممن يسمون أنفسهم شعراء وأدباء، وهم يمدحون بعضهم البعض، ويتزلفون بكلمات الإطراء والمديح الفارغة لما يسمونه نتاجهم ودواوينهم، وهذا ما يتلمسه المرء جلياً في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إنك ترى صفحات كثيرة كزبد البحر كلهم شعراء وأدباء، ينشر أحدهم جملة أو جملتين وبعدها بدقائق تنهال عليه الإعجابات والتعليقات التي لا تجد فيها نقداً لما كتبه، الجميع يشكرونه ويبجلونه لما كتبته أنامله وهو بدوره يذهب لاحقاً لصفحاتهم، كي يرد المدح والثناء لهم، وكل في فلك الإطراء الكاذب يسبحون، وهذا ما يفسر لنا عدم بروز شاعر وكاتب حقيقي في هذا العصر من مواقع التواصل الاجتماعي إلا من رحم ربك.

نصيحتي للقارئ أن يتعلم السباحة ويتقنها كي لا يغرق؛ لأن الجميع يقولون له إن ما كتبوه فيه سحر يجب أن يتعمق فيه كي يفهم ويعي ويستنبط الدرر الكلامية والفكرية منه.

الكتابة الحقيقية هي التي تثير فيك مشاعر لم تكُ تعرفها قبل قراءتها، تستفزك وتجعل لسانك ينطق وعقلك يفكر ويدك تكتب، هي التي تجعلك تقترب من الموت حتى ملامسته فقط كي تعبر عن نفسك وعن رفضك للتعاسة التي تعيشها أنت أو يعيشها غيرك، هي التي تجعل الإنسان العادي البسيط أن يدرك ويتعلم أن له كرامة وشخصية لا تقل عن كرامة وشخصية الذي يحكمونه ويسيرون أموره، هي التي تبصره بحقوقه وواجباته وتجعله يتذوق ما يريح روحه ونفسه، وقبلهما ما يشبع بطنه ويحفظ كرامته، وإلا فإن زوجاً من الأحذية دوماً يكون أحسن من شكسبير.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mahdi-majeed-abdalla/-_13032_b_17820288.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات