الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

العرب يعانون استعصاء فكرياً مزمناً "2"

العرب يعانون استعصاء فكرياً مزمناً "2"

إن أسئلة التحرر من الاستعمار، وموضوع التبعية والتخلّف، والنهضة والتقدم التاريخي، والتجديد في الفكر وقضية الإبداع والسلفية، سؤال الحداثة وقيمها مثل الحرية والتحديث والديمقراطية والتمدن وما بعد الحداثة.. الخ، أسئلة العروبة والإسلام والقومية، العنف والحوار والتسامح، سؤال الأنا والآخر، أسئلة المستقبل وغيرها الكثير من الأسئلة الأساسية الوجودية، إن الكثير من هذه الأسئلة قد طرحها النهضويون العرب، ونلاحظ أنها ما زالت نفسها أسئلة المعاصرين من المفكرين العرب.

فهل هي أسئلة يقدمها الوعي العربي من خلال رؤيته للعالم وللماضي بصورة علمية وكما يجب، أم أن هذه الأسئلة هي ناتجة عن وعي إرادوي للعالم؟

في الواقع إن القول بأن هذا الواقع راكد وراسخ بثبات ولم يتغير منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى الآن، هو قول غير علمي، وبالتالي هو يتناقض مع سيرورة حركة التاريخ الفعلية التي تعني أنه لا ركود ولا ثبات في حركة الكون المتغيرة المتجددة باستمرار، لكن للأسف لم يكن في حركة التاريخ ولا في تجدده وتغيّره إجابة واقعية علمية عن أسئلة المفكرين العرب في العصر الحديث، وبالتالي فإن أياً من أهداف عصر النهضة العربية لم يتحقق.

حسناً، ألا يبدو الآن منطقياً إذن التحرر من أسئلة الماضي، ومن كل تلك الأسئلة التي طرحها النهضويون العرب قديماً وحديثاً، ونقدم بدلاً عنها أسئلتنا المعاصرة، أسئلة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأهدافنا الواقعية، فطالما أن الأسئلة القديمة لم تتم الإجابة عنها وأهدافها لم تتحقق وقد مضى عليها دهر، خاصة في ظل هذه المتغيرات الكبيرة والجوهرية المهمة التي تشهدها المنطقة العربية، من تحولات في هذه المجتمعات تحولت في بعضها إلى صراع مسلح وحروب أهلية.

من المهم أن نعلم أنه لا يمكن تحقيق أهداف وإنجاز تطلعات تاريخية إن لم تكن أصلاً تحمل بين طياتها إمكانية حقيقية واقعية للتحقق، ومن البلاهة وقصر النظر الظن أنه بالإمكان ليّ عنق التاريخ لإجباره على أن يكون كما نرغب ونتمنى من دون أن يكون التاريخ في تلك اللحظة التاريخية في حالة حمل حقيقي وليس حملاً كاذباً.

في ضوء ما تقدم نصل إلى استخلاص في غاية الأهمية، وهو أن أية إمكانية حقيقية وواقعية للتغيير في حركة التاريخ، سوف تظل ساكنة إذا لم تجد الإرادة والرافعة والأدوات واللحظة التاريخية المناسبة لنقلها من حالة السكون إلى إمكانية واقعية.

إن هذا الوعي والإدراك لمنهج تحليل العلاقات بين أسئلة الفكر العربي وبين الواقع الذي نعيشه، يجعلنا ندرك الأسباب الموضوعية العلمية وراء إخفاق الأفكار التي لم تتحقق، وما هي الأفكار التي تحمل قابلية التحقق.

وبذلك نكون أمام احتمالين؛ إما أن أفكارنا وأهدافنا السابقة كانت مجرد إمكانية تاريخية واقعية لكنها لم تجد الإرادة والعزيمة لتحقيقها، أو أننا كنا نمتلك الإرادة الواعية ولدينا أهداف لكن من غير إمكانيات لتحقيقها.

يدعو بعض المفكرين العرب إلى الحداثة وضرورة دخول العرب إلى عصر العولمة على سبيل المقاربة، يكون هذا البعض قد طرق الأبواب الخاطئة، إن الأبواب التي تحتاج طرقاً هي الأبواب التي تدخلنا إلى قاعة من أجل امتحان أسئلتنا التاريخية وفق منظور العصر الحديث، لمعرفة هل هي أسئلة صحيحة أم زائفة.

على سبيل المثال سؤال الهوية القومية ومن نحن، وهي مسألة مطروحة بقوة من أجل نهضة عربية جديدة، وقد دخل العرب الألفية الثالثة وهم في حالة من التفكك الذي يهدد حاضر العرب ومستقبلهم، في وقت يدعو فيه الكثيرون فيه إلى الانخراط في النظام العالمي الجديد، من موقع المشاركة وليس التبعية، وهو ما لا يستطيعه العرب قبل إنجاز وحدتهم القومية، حتى لا يتم استيلابهم من قبل القوى العالمية المهيمنة على النظام العالمي الجديد، وهذا يقودنا إلى سؤال الوحدة العربية وبناء دولة عربية واحدة وقوية، انطلاقاً من وحدة اللغة والثقافة والتاريخ وإرادة العيش المشترك ومواجهة التحديات الكبرى، التي تحتم وحدة العرب في مواجهة التكتلات السياسية والاقتصادية العالمية.

فهل هذا السؤال الهدف حقيقي أم زائف؟ نحن نعتقد أنه سؤال حقيقي؛ لأنه إمكانية واقعية، فقط تحتاج إلى إرادة سياسية لتحقيقها.

لنعرج على أسئلة الحرية والديمقراطية والمواطنة والمجتمع المدني، وهي الأسئلة القديمة الجديدة، فما الذي يجعلها أسئلة راهنة؟ بالطبع إنه غياب الحريات العامة وعدم وجود مواطنة حقيقية وغياب أو ضعف منظمات المجتمع المدني.

أما لماذا غابت الحرية والديمقراطية، فإن لذلك أسباباً متعددة أهمها سيادة سلطة العائلة والقبيلة حتى في مؤسسات الدولة، وسيطرة الحزب الواحد وغياب تداول السلطة، وكذلك غياب ثقافة الديمقراطية عن خطاب الفكر القومي العربي بحجة أولوية الكفاح من أجل الاستقلال والوحدة، إذن غياب الحرية والديمقراطية هو غياب مزدوج سياسي في أنظمة الحكم وأيديولوجي لغيابه فكرياً كما هو واضح عن شعارات القومية العربية، التي دعمت في بعض المراحل أنظمة حكم استبدادية باسم الاشتراكية.

إن أحد أهم الأسئلة هو سؤال الدين والسياسة والعلاقة بينهما، ويكتسب هذا السؤال صفة استثنائية في ظل الظروف الراهنة التي تعصف بالأمة العربية، وكذلك عودة الفكر الديني بكافة أشكاله إلى الساحة السياسية، في ضوء تصاعد لافت للقوى والأحزاب والجماعات الإسلامية خلال السنوات الأخيرة. والموقف من العلاقة بين الدين والسياسة كان العامل الفيصل في تصنيف التيارات الفكرية، إما بتغليب أحد الطرفين على الآخر، أو بإعادة النظر في السؤال، وهي بالمناسبة علاقة إشكالية تنتمي لأكثر من حقل معرفي ديني وسياسي واجتماعي وحقوقي، ومن الصعوبة بمكان مقاربتها وفق رؤية واحدة، وكما يقول ابن رشد، فإن الحكمة أخت الشريعة، ولا يمكن لحق أن يضاد حقاً آخر، لكن إشكالية هذه العلاقة بين الديني والسياسي في الفكر العربي لم تستطِع أن تتجاوز البنية الفكرية للعقل العربي الإسلامي، وبالتالي حالت دون نجاح المشروع النهضوي العربي.

أيضاً من الأسئلة التي ما زالت مطروحة بقوة في الفكر العربي سؤال نحن والآخر، وكذلك حوار الحضارات، كمفهوم برز بقوة في العقد الأخير من القرن الماضي، نتيجة انتهاء الصراع الأيديولوجي العالمي مع سقوط المعسكر الشرقي، والعامل الثاني هو صعود دور الأديان في الحياة السياسية العامة، وكذلك تطور وسائل الاتصال ما عرف بالثورة المعلوماتية.

ولكن بأي منظور نتحاور مع الآخر، أبمنظور ليبرالي؟ أم ماركسي؟ أم إسلامي؟ أم يتوجب توحيد الرؤية؟

ما لا شك فيه أن تعدّد المرجعيات داخل الدائرة العربية والإسلامية يؤثر في مناقشة الكثير من القضايا موضوع الحوار، لا سيما المرتبط منها بالهوية، الأمر الذي يجعل الباحثين غير المسلمين يلقون صعوبات في تتبّع هذه الاختلافات، لا سيما إذا كانت جوهرية وفي المنابر الدولية، فالشعور السائد لدى معظم الغربيين هو تعدد الإسلامات.

وعلى الرغم من اتفاق الخطاب العربي والإسلامي حول رفض الهيمنة الغربية على العالم، ورفض تعالي الغرب ومركزيته، وكذا رفض تشويه الإسلام ونعت الأنا -العرب والمسلمين- بشتى النعوت، خاصة بالتطرف والإرهاب، فإن هذا الخطاب لا يزال مضطرباً في فهم الآخر (الغرب) وفي صياغة الأسلوب الأنجع في التعامل معه، وبالتالي التواصل معه.

في هذه اللحظات التاريخية من الواقع العربي الراهن، نجد أنفسنا أمام مشهد سياسي فكري مضطرب إلى حد كبير، ويحتاج إلى قدرات تحليلية مركبة ومعقدة لفك طلاسمه؛ لأن تحليل هذا الواقع قد خضع لاعتبارات متباينة حد التناقض في أسبابه ودوافعه، وذلك يعود إلى غياب مزمن للعقل التحليلي، واستلاب المواطن العربي، وتخلّف مراكز إنتاج المعرفة في العالم العربي، إن وُجدت، وسياسات الاستبداد والتجهيل التي مورست بحق الإنسان عبر عقود طويلة، كل هذا ساهم في إنتاج هذه العشوائيات في الفكر العربي، وجعلت هذا المشهد الحالي مبهماً ويستعصي على تحليل المواطن العربي.

هذه الحالة لا يمكننا خلعها والتخلص منها؛ إلا إذا أعدنا قراءة الواقع والتاريخ بمنظار آخر غير الذي استخدمناه على مدى العقود الماضية وأحسنّا ترتيب أوراقنا وأعدنا اجتراح استراتيجيتنا بشكل يتوافق مع الشيء الذي يعيد لنا الثقة في المكان الذي يجب أن نحتله بين دول المعمورة.

الأسئلة التي تشكلت على مدار العقود الماضية هي نفسها التي تتردد اليوم، وهي نفسها الأسئلة التي تتعرض للواقع العربي، لماذا تردى الحال العربي ووصل إلى هذا المستوى من التدني والاختلاف والتجزئة؟ لماذا لم تقُم جبهة عربية واحدة إزاء ذلك الكم الهائل من التحديات التي أصبحت تهدد الهوية العربية بل الوجود العربي من أساسه، ولا نبالغ إن قلنا إن الإنسان العربي يتعرض اليوم أكثر من أي وقت مضى للتجريف والتشريد بهدف إنهاء وجوده كإنسان.

أخيراً.. إن معرفة الأهداف الكبرى والإيمان بها من غير معرفة منهجية وأدوات تحقيق هذه الأهداف، هي استمرار لدوران الأمة في الحلقة المفرغة، ومعالجة عجز الفكر العربي عن تقديم أجوبة على أسئلة الواقع الراهن المتغير لا تكون بالعودة إلى تمجيد الماضي واستخدام أدواته الفكرية؛ لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى سقوط الفكر، وهو سقوط سوف يتسبب في إعادة إنتاج الشقاء الفكري مرة أخرى.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/hassan-asi-/post_16005_b_18109564.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات