الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

كافيين

كافيين

سألتهُ ذات يوم: "برأيك ماذا نحتاج لتحقيق حلم؟"، أجاب: "قرار".

أختلق أحياناً أحاديث غريبة، أطرح عليه أسئلة تافهة تبدو كبيرة ربما أعرف إجابتها فقط لأتأمّله بينما يتكلم، يبتسم، يلوح بيديه، يغوص في تفاصيل الحديث، ينتقل منه إلى حديث آخر بكل سلاسة وسهولة.

كم أعشق تفاصيله الصغيرة، أنتبه إليها ربما أكثر من انتباهي لآرائه التي تُدهشني هي الأخرى في أتفه الأمور وأكبرها على حد سواء.

قاطعه "الجرسون" ليسأله عن طلبه، أجاب: "فنجان شاي من فضلك"، أما أنا، وفي محاولة لإخفاء تلك الفتاة الصغيرة القاطنة داخل روحي التي تتمنى لو تتبعه في كل شيء لتتغلغل أكثر داخل ثنايا نفسه، تعمدت أن أطلب شيئاً آخر: "قهوة، أريد قهوة".

تمر ساعات، لا أدري إن كانت قصيرة أم طويلة، نطيل الأحاديث تارةً، ننظر تارةً إلى الشارع من خلال الزجاج على الجانب الأيمن، ونصمت تارةً أخرى.

لا أدري كم من "الكافيين" استهلكنا أنا وهو دون أن نشعر، ولا أدري كم من الوقت يجب أن نقضي لنفتح خزائن أرواحنا لبعضنا البعض.

أشعر أحياناً أن الوقت يُزيد الأمر تعقيداً، الوقت لا يكشف، الوقت يُضيف شيئاً من الغموض، كلما قضينا وقتاً أطول زاد فضولي وشغفي به!

في لحظة من لحظات صمتنا غير المبرر، وفي لحظة من لحظات اللاوعي التي تتولد من عمق صمت طويل، أردت أن أقطع شكي باليقين أو بـ"الخيبة!

حدقت فيه بقرب أكثر ثم انطلقت تلك الكلمات رُغماً عني: "ماذا تريد منّي؟".

كان يبدو أنه يحدق بشيء ما بالخارج بينما أحدق فيه أنا.. ويبدو أنني قطعت حبلاً طويلاً من الأفكار.

"عذراً، هل تتحدثين إليَّ؟" قال.
ارتبكت، ازدادت ضربات قلبي فجأة، ماذا قُلت للتو؟! أعاد النظر إلى الخارج ثانية وكأنه يراقب شيئاً، كانت تلك فرصة عظيمة للهرب.
- سألته: هل هناك شيء بالخارج؟
* اعتذر، لا بد أن أرحل.. قال.
- إلى أين؟
* لا بد أن ألحق بشيء!
- " ما هذا الشيء؟
* "دعينا نتكلم عن هذا لاحقاً"، قالها ومضى.. ولم يعُد ثانية.

هل ألحق به؟ هل أخبره بما في قلبي وأنتهي؟ ربما سأندم لاحقاً إن لم أخبره الآن، حتى وإن تجاهلني يكفي أني بُحتُ بما في قلبي.
هل أظل مكاني، دون حركة، أنسى فقط، وأشرب مزيداً من "الكافيين"، ذلك الصديق الوفي الذي لا يخذلك أبداً.
بدا لي الاختيار الثاني أنسب وأقرب إلى الواقع..

أخذتُ رشفة أخيرة من فنجان قهوتي، نظرت إلى الجانب الآخر حيث كان يجلس، لا أثر لفناجين أخرى عدا فنجاني.. ابتسمت وانتهى.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/hajar-elghareeb/post_15884_b_17972700.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات