من صحن المسجد النبوي في المدينة خلال موسم الحج، الذي انتهى في 4 سبتمبر/أيلول، ظهرت الأصوات الخافتة لبعض الشيعة أثناء صلواتهم، بينما حاول الحراس السعوديون إبعادهم برفق عن حرارة الجو.
وفي مقبرة البقيع القريبة، حيث تقع قبور العديد من أحفاد النبي (صلى الله عليه وسلم)، عبس متشددو السنة في وجوه الشيعة، إلا أنهم -وعلى عكس الأعوام السابقة- لم يهاجموهم بالعِصيّ.
من ضمن الحجاج الذين طافوا هذا العام حول الكعبة الذين بلغ عددهم حوالي 2.3 مليون حاج، اختار الأمير خالد الفيصل -أمير منطقة مكة المكرمة- 86 ألف حاج إيراني ليحظوا باستقبال خاص، وفق ما ذكر تقرير لمجلة الإيكونوميست البريطانية.
ربما تحمل الأيام القادمة تغييراً في العلاقات العدائية التي ربطت السعودية بإيران، غريمتها الدائمة. لعقود طويلة، كانت المملكة هي الممثل الرئيسي لعداء الإسلام السني للشيعة. أصدرت وسائل الإعلام مقالات مطولة مناهضة للشيعة. إلا أن موسم الحج هذا العام جاء استثنائياً بشموله للجميع، ومروره دون حوادث ضخمة برغم زيادة عدد الحجاج بنسبة 20%. وهو ما دفع إيران لشكر السعوديين.
بعد وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى عرش المملكة عام 2015، وضع الملك ونجله الأصغر ووزير الدفاع، محمد، نصب أعينهما السعي لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة بالقوة. خاضا حرباً ضد الحوثيين حلفاء إيران الذين استولوا على صنعاء في اليمن. ورفضا طلبات التعويض لمئات الحجاج الإيرانيين الذين قُتلوا في حادث التدافع بمكة عام 2015.
وفي العام التالي، أعدما نمر النمر، أحد رجال الدين الشيعة السعوديين. كما قطعا العلاقات الدبلوماسية مع إيران وتزعّما تحالفاً عسكرياً بين الدول السنية. وصرّح المسؤولون السعوديون بأنه لا مزيد من السياسة التوافقية القديمة.
بعد عامين، ربما يعيد الأمير محمد، الذي أصبح ولياً للعهد منذ يونيو/حزيران، التفكير في ذلك. فبدلاً من مواجهة أتباع إيران المختلفين، سعى لكسب ودّهم وود زعمائهم الشيعة. جدد الأمير علاقات المملكة بالعراق، بعد قطعها قبل 25 عاماً، وستُفتح الحدود هذا الشهر أمام الأفراد والبضائع للمرة الأولى منذ عام 1990. وأرسل رئيس أركانه إلى بغداد لتوقيع اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، واستقبل الوفود التجارية العراقية في الرياض.
وفي يونيو/حزيران، استضاف حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي الشيعي، كما جلس باسماً في جدة، العاصمة التجارية للمملكة، مع مقتدى الصدر، أحد أكثر رجال الدين الشيعة تشدداً في العراق. وغرد أحد الوزراء السعوديين قائلاً "التشدد السني والتشدد الشيعي لا يبنيان أوطاناً أو مجتمعات".
وتخطط المملكة لفتح قنصلية في النجف، العاصمة الروحية للإسلام الشيعي في جنوب العراق، وللقيام برحلات مباشرة لآلاف الشيعة السعوديين لزيارة ضريح الإمام عليّ. وقال عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي: "على الطائفية أن تتراجع"، وتابع: "إن المنطقة تهدأ". مشيراً إلى تراجع الحرب في سوريا، وزيادة الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية.
تغير الموقف السعودي تجاه سوريا كذلك بالفعل. اعتاد رجال الدين السعوديون على تحريض المجاهدين السنة ضد العشيرة العلوية التي يفترض أنها تحكم سوريا مع حلفائها الإيرانيين.
وهي النبرة التي تراجعت الآن، خشية اتهامهم بالتحريض على الإرهاب. كما قيل إن الأمير محمد قد توقف عن دعم الثوار السنة في سوريا، وحث زعماءهم بالمنفى في الرياض على التوصل إلى حل وسط مع نظام الرئيس بشار الأسد.
ولا يزال السعوديون يقصفون شمال اليمن. لكن هناك أيضاً، يبدون أكثر تصالحاً واهتماماً لإبرام اتفاق ما. واعتذروا -على غير المعتاد- عن الغارة الجوية التي شُنت على صنعاء في 25 أغسطس/آب، وأسفرت عن مقتل 14 مدنياً. واقترح متحدث رسمي سعودي إعادة فتح مطار صنعاء وحديدة أكبر ميناء في اليمن، تحت إشراف الأمم المتحدة.
ويقول بعض المسؤولين السعوديين إنهم يرغبون في كسب ودّ حلفاء إيران من العرب مرة أخرى، من أجل صد النفوذ الإيراني. يقول أحدهم: "كلما زاد تفاعلكم مع العراقيين، قل وجود الإيرانيين". وأضاف أن "العراق ينتمي إلى العالم العربي".
ويتوقع بعض المراقبين وجود تقارب بين السعودية وإيران، متحدثين عن صفقة كبرى، يمكن للسعوديين عبرها الاعتراف بتفوق إيران في شمال الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا، مقابل إطلاق يد السعودية ومنحها حرية التصرف في دول الخليج العربي وشبه الجزيرة.
إلا أن الجبير رفض هذا الكلام ووصفه بـ"المضحك". وأضاف أحد المسؤولين السعوديين: "عندما تسمع كلاماً معسولاً من حكومة (الرئيس حسن) روحاني ترى الأعمال العدوانية التي يقوم بها الحرس الثوري"، محتجاً بزعم وجود مؤامرات إرهابية مستوحاة من إيران في الكويت والبحرين، معرباً عن أسفه من التدخل الإيراني في اليمن.
أي تقدم سيكون صعباً. فالمملكة حذرة من أن يُنظر إليها على أنها تسترضي إيران. ولن يكون قبول زعماء العراق -ذي الأغلبية الشيعية- للسعوديين أمراً سهلاً أيضاً. تعرض الصدر لانتقاد شديد في العراق عقب مقابلته الأمير محمد بينما كانت القوات السعودية تقوم بهدم العوامية، وهي بلدة شيعية في شرق المملكة العربية السعودية أغضبها إعدام النمر.
ومن جانبهم كان بعض السعوديين مذعورين عندما هنأ الأمير عبادي بهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الموصل، وضرب أقدم جزء من واحدة من أعظم وأجمل مدن الإسلام السني.
وفي مقبرة البقيع القريبة، حيث تقع قبور العديد من أحفاد النبي (صلى الله عليه وسلم)، عبس متشددو السنة في وجوه الشيعة، إلا أنهم -وعلى عكس الأعوام السابقة- لم يهاجموهم بالعِصيّ.
من ضمن الحجاج الذين طافوا هذا العام حول الكعبة الذين بلغ عددهم حوالي 2.3 مليون حاج، اختار الأمير خالد الفيصل -أمير منطقة مكة المكرمة- 86 ألف حاج إيراني ليحظوا باستقبال خاص، وفق ما ذكر تقرير لمجلة الإيكونوميست البريطانية.
ربما تحمل الأيام القادمة تغييراً في العلاقات العدائية التي ربطت السعودية بإيران، غريمتها الدائمة. لعقود طويلة، كانت المملكة هي الممثل الرئيسي لعداء الإسلام السني للشيعة. أصدرت وسائل الإعلام مقالات مطولة مناهضة للشيعة. إلا أن موسم الحج هذا العام جاء استثنائياً بشموله للجميع، ومروره دون حوادث ضخمة برغم زيادة عدد الحجاج بنسبة 20%. وهو ما دفع إيران لشكر السعوديين.
حرب شرسة
بعد وصول الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى عرش المملكة عام 2015، وضع الملك ونجله الأصغر ووزير الدفاع، محمد، نصب أعينهما السعي لمواجهة نفوذ إيران في المنطقة بالقوة. خاضا حرباً ضد الحوثيين حلفاء إيران الذين استولوا على صنعاء في اليمن. ورفضا طلبات التعويض لمئات الحجاج الإيرانيين الذين قُتلوا في حادث التدافع بمكة عام 2015.
وفي العام التالي، أعدما نمر النمر، أحد رجال الدين الشيعة السعوديين. كما قطعا العلاقات الدبلوماسية مع إيران وتزعّما تحالفاً عسكرياً بين الدول السنية. وصرّح المسؤولون السعوديون بأنه لا مزيد من السياسة التوافقية القديمة.
بعد عامين، ربما يعيد الأمير محمد، الذي أصبح ولياً للعهد منذ يونيو/حزيران، التفكير في ذلك. فبدلاً من مواجهة أتباع إيران المختلفين، سعى لكسب ودّهم وود زعمائهم الشيعة. جدد الأمير علاقات المملكة بالعراق، بعد قطعها قبل 25 عاماً، وستُفتح الحدود هذا الشهر أمام الأفراد والبضائع للمرة الأولى منذ عام 1990. وأرسل رئيس أركانه إلى بغداد لتوقيع اتفاقية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، واستقبل الوفود التجارية العراقية في الرياض.
وفي يونيو/حزيران، استضاف حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي الشيعي، كما جلس باسماً في جدة، العاصمة التجارية للمملكة، مع مقتدى الصدر، أحد أكثر رجال الدين الشيعة تشدداً في العراق. وغرد أحد الوزراء السعوديين قائلاً "التشدد السني والتشدد الشيعي لا يبنيان أوطاناً أو مجتمعات".
وتخطط المملكة لفتح قنصلية في النجف، العاصمة الروحية للإسلام الشيعي في جنوب العراق، وللقيام برحلات مباشرة لآلاف الشيعة السعوديين لزيارة ضريح الإمام عليّ. وقال عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي: "على الطائفية أن تتراجع"، وتابع: "إن المنطقة تهدأ". مشيراً إلى تراجع الحرب في سوريا، وزيادة الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية.
تغير الموقف السعودي تجاه سوريا كذلك بالفعل. اعتاد رجال الدين السعوديون على تحريض المجاهدين السنة ضد العشيرة العلوية التي يفترض أنها تحكم سوريا مع حلفائها الإيرانيين.
وهي النبرة التي تراجعت الآن، خشية اتهامهم بالتحريض على الإرهاب. كما قيل إن الأمير محمد قد توقف عن دعم الثوار السنة في سوريا، وحث زعماءهم بالمنفى في الرياض على التوصل إلى حل وسط مع نظام الرئيس بشار الأسد.
ولا يزال السعوديون يقصفون شمال اليمن. لكن هناك أيضاً، يبدون أكثر تصالحاً واهتماماً لإبرام اتفاق ما. واعتذروا -على غير المعتاد- عن الغارة الجوية التي شُنت على صنعاء في 25 أغسطس/آب، وأسفرت عن مقتل 14 مدنياً. واقترح متحدث رسمي سعودي إعادة فتح مطار صنعاء وحديدة أكبر ميناء في اليمن، تحت إشراف الأمم المتحدة.
ويقول بعض المسؤولين السعوديين إنهم يرغبون في كسب ودّ حلفاء إيران من العرب مرة أخرى، من أجل صد النفوذ الإيراني. يقول أحدهم: "كلما زاد تفاعلكم مع العراقيين، قل وجود الإيرانيين". وأضاف أن "العراق ينتمي إلى العالم العربي".
ويتوقع بعض المراقبين وجود تقارب بين السعودية وإيران، متحدثين عن صفقة كبرى، يمكن للسعوديين عبرها الاعتراف بتفوق إيران في شمال الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا، مقابل إطلاق يد السعودية ومنحها حرية التصرف في دول الخليج العربي وشبه الجزيرة.
إلا أن الجبير رفض هذا الكلام ووصفه بـ"المضحك". وأضاف أحد المسؤولين السعوديين: "عندما تسمع كلاماً معسولاً من حكومة (الرئيس حسن) روحاني ترى الأعمال العدوانية التي يقوم بها الحرس الثوري"، محتجاً بزعم وجود مؤامرات إرهابية مستوحاة من إيران في الكويت والبحرين، معرباً عن أسفه من التدخل الإيراني في اليمن.
أي تقدم سيكون صعباً. فالمملكة حذرة من أن يُنظر إليها على أنها تسترضي إيران. ولن يكون قبول زعماء العراق -ذي الأغلبية الشيعية- للسعوديين أمراً سهلاً أيضاً. تعرض الصدر لانتقاد شديد في العراق عقب مقابلته الأمير محمد بينما كانت القوات السعودية تقوم بهدم العوامية، وهي بلدة شيعية في شرق المملكة العربية السعودية أغضبها إعدام النمر.
ومن جانبهم كان بعض السعوديين مذعورين عندما هنأ الأمير عبادي بهزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الموصل، وضرب أقدم جزء من واحدة من أعظم وأجمل مدن الإسلام السني.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/09/08/story_n_17937310.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات