أضاحي بالهاتف الذكي.. التكنولوجيا الجديدة تدفع المسلمين إلى تغيير عاداتهم في الاحتفاء بشعائرهم الإسلامية
اليوم الجمعة، يشتري المسلمون حول العالم حيواناً للأضحية، ويشرِفون على ذبحه وفقاً للشريعة الإسلامية، ثم يقسّمون اللحم بين عائلتهم، وأقاربهم، والفقراء. شعيرة الذبح تلك هي إحدى ركائز عيد الأضحى، أكبر العيدين السنويين في الإسلام، الذي يؤذن بنهاية موسم الحج السنوي إلى مكّة.
وفي العادات الإسلامية، فإنَّ الأضحية تحتفي برضى إبراهيم بالتضحية بابنه باسم الله، لكنّ الله تعالى في اللحظة الأخيرة منح إبراهيم كبشاً ليضحّي به بدلاً، وفق تقرير لمجلة أتلانتك الأميركية.
في بعض الدول، مثل باكستان، واليمن، وأفغانستان، سيتّجه المحتفلون بالعيد لأسواقٍ خارجية مكتظّة لشراء حيوانٍ من اختيارهم -وغالباً ما يكون ذاك خروفاً، لكنّ الناس يضحّون أيضاً بالماعز، والأبقار، وحتى الجِمال- مباشرةً من المزارع الذي ربّاه، ثم يذبحه في وقته ومكانه.
لكن في غير ذلك من الأماكن، ليس التسلسل بهذه البساطة. إذ تستورد عدة دول في الشرق الأوسط ماشية العيد من مناطق كالصومال، والهند، ورومانيا، وحتى أستراليا. وفي ذلك فإنَّ 12500 رأس من الماشية السورية سيجرى نقلها جواً من لبنان إلى قطر، نظراً للمواجهة السياسية القائمة بين قطر وعدة دولٍ خليجية بقيادة السعودية، التي أغلقت بدورها الطرق الوحيدة المؤدية لقطر.
أضاحي بالتليفون
وفي دبي، إذا ما استهواك أن تذبح ثوراً أسترالياً فاخراً، لا حاجة لتقضية عصر يومٍ بأكمله لإيجاد واحدٍ للتضحية به: فإنَّ تطبيقاً للهاتف تقدّمه شركة كويتية يُسمّى "المواشي" يسمح لك بشراء قدر ما تريد عبر الإنترنت، وأن تستلمه من المسلخ "الذكي" الذي تختاره، مذبوحاً وفقاً للشريعة الإسلامية ومقطَّعاً حسب الطلب.
VIDEO
وعدا أيام العيد المحمومة، فإنَّ "المواشي" قد تُوصل لك اللحم حتى باب بيتك. وفي إعلانٍ مدته ثلاثون ثانية للخدمة التي يقدّمها التطبيق، يهرول طفلٌ ممتلئ نزولاً على درج منزلٍ فخمٍ موشّى بزخارفٍ ذهبيّة، ويتوسّل لأمه أن تطهو له بعض اللحم. وكونها مشغولة على الهاتف، ترسله أمه إلى المطبخ ليسأل الطاهية الجنوب-آسيوية، التي تُصرَح بدورها أنَّ لا لحم في البيت على الإطلاق. ثم ينادي الفتى أباه، الذي يُرسله إلى راجو، السائق الهندي، فيرفض راجو طلبه.
وفي ملعبٍ لكرة القدم، يحضره الإلهام عندما يرى شاحنة توصيل طلبات تابعة لشركة المواشي. وبعد لحظات، يناول رجل توصيل الطلبات الأم صندوقاً من اللحم. تتساءل الأم بصوتٍ عالٍ "مَن طلب هذا؟"، فيقفز صاحبنا وهو يبتسم ابتسامة ماكرة. العملية بأكملها هي أبعد ما يكون عن تضحية إبراهيم في الصحراء.
ليس تطبيق الهاتف المخصص لحجز أضحية العيد غريباً وسط محيطٍ من البرامج والتطبيقات التي ظهرت لتساعد المسلم حامل الهاتف الذكي في مباشرة واجباته الدينية. إذ تكثُر التطبيقات التي تحسب أوقات الصلاة وترسل إشعاراتٍ عندما توشك الصلاة على البدء، كما لو كانت شكلاً معاصراً من أذان الصلاة.
ويتضمّن العديد بين تلك التطبيقات بوصلةً تشير إلى مكّة، ليعرف المسلمين في أيّ اتجاهٍ تكون القبلة. (وحتى شركة جوجل أطلقت تطبيقاً لمعرفة اتجاه القبلة هذا الصيف). وتطبيق آخر يُدعى ذبيحة Zabihah هو أقرب لإصدارٍ يختصّ بالطعام الحلال من تطبيق Yelp لتقييم المطاعم، مع أنَّ نسخة الحاسوب من تطبيق ذبيحة كانت موجودة قبل Yelp بستة أعوام. وتجد بجانب ذلك المئات من تطبيقات القرآن التي تساعد المستخدمين على حفظ الكتاب المقدّس مرفقةً بترجمات، وتسجيلاتٍ صوتية، وألعاب.
وتسمح الشبكات الاجتماعية، والمنتديات، وتطبيقات المحادثات للمسلمين بالتواصل مع أحدهم الآخر، ومشاركة معلوماتٍ عن الإسلام مع غير المسلمين ممن يشعرون بالفضول نحو الدين الإسلامي. كما أنَّ الإنترنت في حد ذاته وجهة شائعة للمؤمنين الباحثين عن الإرشاد من جانب علماء الدين الإسلامي حول تفاصيل الحياة المتديّنة في العالم المعاصر.
هل يمكن قراءة القرآن عبر هاتفٍ ذكي أو حاسوب محمول؟ نعم، وفقاً لفتوى من الإمارات، لكن الأفضل قراءته وحفظه في نسخته الورقية. هل يمكن استخدام تلاوةٍ مسجّلة لآية من القرآن كنغمةٍ لرنين الهاتف؟ لا، وفقاً لمجلسٍ من الشيوخ في الهند عام 2009، لأنَّ نغمة الهاتف يمكن مقاطعتها قبل انتهاء الآية، وذلك إثم. كما أنَّه من غير اللائق أن يسمَع شخصٌ التلاوة في مرحاض.
فتاوى الإعلام الجديد
وقد لاقت فتاوى "الإعلام الجديد" تلك، والتي تتعرّض لمواضيع كبرى وصغرى على حدٍ سواء، بعض الصدّ من جانب شيوخ الدين القدامى، إذ يرى بعضهم أنَّها تهدد سلطتهم. ويمثّل انتشار التكنولوجيا الجديدة أيضاً لغزاً أخلاقياً بالنسبة للمسلمين ممّن يجادلون كيف يجب أو لا يجب أنَّ يُسمَح لها بالتأثير على دينهم وطريقة معيشتهم.
وفي محاضرة من عام 2005 بعنوان "الإسلام، والمسلمين، والتكنولوجيا المعاصرة"، يستكشف حسين نصر، وهو عالم دينٍ إيرانيّ محتفى به، علاقة المسلمين بالتكنولوجيا الغربية. وقال نصر، مشيراً لتأثير التكنولوجيا الضار على الصحة والسلامة النفسية: "لا يمكن أن نكون ساذجين كفاية للاعتقاد بأنَّ أثرها محايد".
لا يدعو نصر هنا لمقاطعة التلفاز والإنترنت والهواتف النقّالة كلياً، لكنّه يؤيد بدلاً من ذلك النظر بعينٍ فاحصة للتكنولوجيا الغربية لإدراك قيمها ودوافعها. ويؤكّد نصر أهمية التقاليد: لا يجب السماح للإنتاج الضخم المُمَيكن أنّ يحل محلّ السلع اليدوية التقليدية مثل صناعة السجّاد الفارسي والساري الهندي، ويجب تدريس المعمار والتخطيط العمراني الإسلامي جنباً إلى جنب مع نظائره الغربية في العالم المُسلم.
وتقف أمانة رقيب، أستاذة الفلسفة والدين بمعهد إدارة الأعمال في كراتشي، باكستان، في صفّ تطوير هيكلٍ أخلاقيّ إسلامي لتقييم التكنولوجيا. وتقترح عدة طرقٍ لتطبيق القيم الإسلامية على التكنولوجيا المعاصرة في بحثٍ نُشر عام 2016 وقُدِّم في مؤتمرٍ بعنوان "المنظور الإسلامي للعلوم والتكنولوجيا".
وتكتب أمانة أنَّ التكنولوجيا التي تروّج للجشع والأنانية لا تتسّق مع القيم الإسلامية، ولا التكنولوجيا التي تهدف لـ"تحسين" البشر (كالعلاج الجيني)، لأنها تتعارض وطبيعتنا كمخلوقاتٍ من صنع الله.
وفي المقابل، فإنَّ تطبيقات طلب الأضحيات الدينية، تبدو مثالاً نموذجياً على التكنولوجويا المشبّعة بالقيم الإسلامية. فقد تبدو خدمة توصيل طلبات القائمة في دبيّ تلك أمراً جديداً، إلّا أنَّ المسلمين عمدوا لتدبير أضحيات عيد الأضحى عن بعد منذ وقتٍ طويل قبل هذا. وتوجد عدة خدمات تسمح للمسلمين بتقديم أضحياتهم لعائلاتٍ معوزة خارج البلاد، وكانت بعض تلك الخدمات تُطلَب عن طريق ملء استمارة عبر الإنترنت منذ أن كانت الإنترنت وليداً.
وقال غاري بونت، وهو أستاذٌ بالدراسات الإسلامية في جامعة ويلز ترينيتي سانت ديفيد البريطانية: "تلك أفكارٌ مثيرة للاهتمام لأنها تقتطع بعضاً من تقاليد تلك العملية، الآن هي ليست أكثر من منتجٌ على هاتفّك الذكي". لكنه قال إنَّ ذلك تطوّر طبيعي بالنسبة للعائلات الكبيرة والمنشغلة.
وفيما تغيّر التكنولوجيا من شكل كل جانبٍ في حيواتنا اليومية، قال هلال خشان، وهو أستاذ علومٍ سياسية بالجامعة الأميركية في بيروت، إنّ الممارسات الجوهرية لعيد الأضحى لم تتغيّر على نحوٍ جذري على مرّ الأعوام. إذ يشهد أوّل أيام العيد الذهاب للمسجد عند طلوع الشمس. ثم يزور المسلمون عائلاتهم، ويتبادلون الهدايا، ويطهون أكلاتٍ وحلويّات تقليدية، كما يذبحون أضحيةً ويفرّقون لحمها، إذا ما كانوا قادرين على تحمّل كلفة أمرٍ كهذا.
ومن جهة أخرى، فإنَّ أكثر تعدٍ ملموس اقترفته الحداثة قد يكون في زيادة وتيرة إشعارات الهاتف في وقتِ الأعياد. وقال خشان: "قديماً كان الناس يرسلون البطاقات البريدية والرسائل لبعضهم البعض. لكنّ الجميع أصبح يتبادل المعايدات عبر تطبيق واتساب".
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/09/01/story_n_17888872.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات