بينما تنفَّس اللاجئون الصعداء بعد انتخاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لولاية رابعة مؤخراً، إلا أن هذا لم يمنع قلقهم من تغير أوضاعهم القانونية والاجتماعية، بعد دخول حزب البديل اليميني للبرلمان، فهل تتغير سياسيات حكومة ميركل تجاههم؟
يعد قرار استضافة ألمانيا لأكثر من مليون مهاجر ولاجئ سياسي بمثابة أجرأ الخطوات التي اتخذتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، حسب تقرير للنسخة الأميركية لـ"هاف بوست".
فقد أدى القرار إلى إعادة صياغة وتشكيل توزيع السكان بالبلاد، التي تعاني من الشيخوخة السكانية، وجعل من ألمانيا أكثر البلدان الأوروبية تقديماً للمساعدات الإنسانية، وخاصة في الوقت الذي تصاعدت خلاله الموجات المناهضة للهجرة في أنحاء القارة الأوروبية.
ومع ذلك، فقد تطلب القرار من الحكومة أن تُجري استثمارات تؤتي ثمارها بعد سنوات، بحسب ما أورده الخبراء، وأن تنظم برنامجاً جديداً لليمين المتطرف في غضون ذلك. ويتعين على ميركل أن تُنجز عمليات التكامل خلال السنوات القادمة.
لماذا سعى الكثيرون للحصول على اللجوء في ألمانيا؟
حدثت موجة هجرة جماعية إلى أنحاء أوروبا خلال عامي 2015 و2016، ولكن ألمانيا كانت تحتل الصدارة بين الدول المستضيفة للمهاجرين.
وبدأ المهاجرون من منطقة الشرق الأوسط في عبور البحر المتوسط، مقابل سداد آلاف الدولارات إلى المهربين الذين ساعدوهم على الانتقال من تركيا إلى اليونان في قوارب مطاطية صغيرة. وكان الآلاف يصلون يومياً إلى الشواطئ الجنوبية لأوروبا، ويحاولون شقَّ طريقهم نحو الغرب، حتى بدأت البلدان الغربية في إغلاق حدودها أمامهم.
وتوجَّه أكثر من مليون مهاجر إلى ألمانيا، وهي دولة لديها أفضل القوانين المتعلقة بالهجرة في أوروبا.
النسخة الأميركية لـ"هاف بوست" نقلت خلال لقاء أجرته مع دكتور توماس باور، رئيس مجلس خبراء المؤسسات الألمانية المعنية بالهجرة، قوله إن المكتب الفيدرالي الألماني للهجرة لم يكن مستعداً في ذلك الحين لاستقبال تلك الأعداد. "استغرق الأمر بعض الوقت في البداية، ولكن المكتب استعان بالكثير من الموظفين وعجّل بالإجراءات حتى أصبحت عملية اللجوء تستغرق 48 ساعة فقط".
On the march along the highway most of these migrants have one destination in mind: Germany pic.twitter.com/rO6YmfqwFy
— Richard Engel (@RichardEngel) September 4, 2015
ومع ذلك، لا يزال نحو نصف هؤلاء الذين تقدموا بطلبات لجوء إلى ألمانيا ينتظرون القرار، بحسب دراسة أصدرتها مؤسسة Pew Research في الأسبوع الماضي.
وذكر باور أن "هناك تنازلات دائمة في ذلك الأمر، ولا تزال بعض الحالات المستعصية تنتظر لبعض الوقت. وينبغي أن نستغرق تلك الفترة حتى تصبح العملية آمنة بالفعل ونتخذ قراراً صائباً".
هل يكره الألمان اللاجئين؟
اتخذت ميركل قرار فتح بلادها لاستقبال المهاجرين خلال عامي 2015 و2016، رغم الثمن السياسي الذي سدَّدته جرَّاء ذلك القرار. ووضعت نظاماً خاصاً للترحيب باللاجئين، يتضمن تقديم مساعدات مالية، وإنشاء المزيد من مراكز الاستقبال، وتوفير فرص لتعليم اللغة والتدريب على الوظائف.
وذكرت خلال حملتها الانتخابية الأخيرة، أن بلادها قد توافقت بصورة جيدة مع النتائج، رغم أنها أصرَّت على ضرورة عدم استقبال مثل تلك الأعداد الهائلة مرة أخرى.
وظلَّ الرأي العام الألماني منقسماً حول قضية اللاجئين خلال السنوات القليلة الماضية. ويشعر 37% من الألمان أن الدولة تستطيع التعامل مع قضية الهجرة، بينما يتشكك 22% في ذلك، بحسب اقتراع مايو/أيار 2017، الذي أجرته إحدى الكنائس في ألمانيا.
أهم المخاوف من اللاجئين
وأشار باور إلى أن المخاوف الرئيسية تتمثل في الجانب الأمني، حيث يتولى اللاجئون المسؤولية عن الاعتداءات التي وقعت في كل من كولونيا وبرلين خلال العامين الماضيين. ورغم أن نطاق المشكلة أقل كثيراً مما هو عليه في بلدان أوروبية أخرى، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، فإن هؤلاء المؤيدين لمعسكر مناهضة الهجرة يتوجهون نحو اليمين.
وربما يتضح هذا التحول في الصعود السريع لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي لا يرى أيَّ وجود للاجئين في ألمانيا، والذي اقترح بعض أعضائه إطلاق النار عليهم من المواقع الحدودية قبل دخولهم إلى البلاد.
ووصل حزب البديل من أجل ألمانيا بصورة سريعة إلى البرلمان الألماني خلال انتخابات الأحد الماضي للمرة الأولى في تاريخه. ومن غير المحتمل أن يحظى أي من مقترحات الحزب في مجال السياسة بأغلبية في البرلمان، ومن المتوقع أن تشكل ميركل حكومة ائتلاف يتم استبعادهم منها. ومع ذلك، تظل الحقيقة قائمة بأن لديهم منصة عامة موثقة ينشرون أفكارهم من خلالها.
ولا يعتقد باور أننا نتوقع إجراء أي إصلاحات كبرى في السياسة من قبل ميركل خلال السنوات القادمة، إلا أن قضية اللاجئين سوف تظل في مقدمة جدول أعمال صانعي السياسة.
وقال باور إن بعض الأحزاب، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا تطالب بوضع حد لأعداد اللاجئين الذين يتم السماح لهم بدخول البلاد سنوياً. وقد أعرب حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تتزعمه ميركل عن معارضته لهذا الاقتراح، وفضَّل التركيز على معالجة الأسباب الرئيسية للهجرة.
الطريق لإدماجهم: لا تصبحوا مثل الأتراك
بعد طرح الخلافات السياسية جانباً، فإن هؤلاء الذين حصلوا على حق اللجوء بألمانيا لن ينتقلوا إلى بلد آخر خلال الفترة القادمة. ومن الضروري في الوقت الحالي أن يتم إيجاد سبل لدمج اللاجئين في نسيج المجتمع الألماني، دون أن يشعروا بضرورة التخلي عن تراثهم وثقافتهم، بحسب ما ذكره باور.
وقال باور: "أعتقد أنه من الواضح لدى معظم المراقبين أن الدمج يستغرق بعض الوقت. وتشير خبراتنا في الماضي إلى أن الدمج في سوق العمل يستغرق نحو خمس سنوات. فلا بد في البداية أن يتعلموا اللغة الألمانية، ثم يتم تدريبهم على المهارات المطلوبة في سوق العمل الألماني. ويتعين عليهم بعد ذلك البحث عن الوظائف المناسبة".
وبالفعل حذَّر زعماء الأقلية الألمانية من أصل تركي، الكبيرة العدد، السلطات الألمانية من "تكرار أخطاء الماضي"، حسب تقرير لجريدة الشرق الأوسط السعودية.
ولا يزال العديد من كبار السن من الأتراك لا يجيدون اللغة الألمانية، وهو ما يمثل مشكلة لهم وللمجتمع الذي يعيشون فيه، بحسب ما يرى إيكوت دوزغونر، رئيس الرابطة الألمانية التركية في مدينة شتوتغارت الجنوبية الغربية.
ولسنوات عديدة، لم تنظم السلطات الألمانية دورات لتعليم اللغة الألمانية، ولم تمنح حقوق الإقامة الدائمة أو غير ذلك من المساعدات لهذه المجموعة من الناس، إذ توقعت السلطات أنهم سيغادرون البلاد بعد فترة قصيرة من مجيئهم إليها. ولم يبدأ النقاش حول الاندماج إلا بعد ذلك بفترة طويلة، بحسب غوليستان غوربي باحث العلوم الاجتماعية في جامعة برلين الحرة.
نسبة التوظيف
وتوضح إحصاءات العمل الرسمية، أن نحو 17% فقط من اللاجئين في البلاد لديهم وظائف يمارسونها حتى وقتنا هذا، وفقاً لما ورد في تقرير النسخة الأميركية لهاف بوست.
ونقلت صحيفة فايننشال تايمز عن أيدن أوزوجوز، مفوض الهجرة بالبلاد، قوله: "في الماضي، كنا نقوم بتوظيف المهاجرين في وظائف لا يحتاجون خلالها إلى ممارسة اللغة، وبعد مرور أربعين عاماً أصبح الناس يسألونهم: كيف لا تزالون تجهلون الحديث باللغة الألمانية؟ ونحن لا نريد تكرار ذلك الخطأ".
وقال باور إن القضية التالية التي ينبغي معالجتها هي قضية لم شمل الأسرة. ولا يوجد حالياً في ألمانيا سياسة تتعلق بلم الشمل، رغم أن الميثاق الدولي للاجئين يوصي بأن تتبنى الحكومات مثل هذه السياسة.
وقال: "من منظور الدمج والتكامل، تتمثل أفضل السياسات في السماح بلم شمل الأسرة، لأن خبراتنا توضح أن عمليات الدمج تتأثر بشدة إذا ما كنت تشعر بالقلق على أفراد أسرتك".
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/09/28/story_n_18125952.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات