الجمعة، 29 سبتمبر 2017

تدوينة داوني الثانية (هداك المرض)

تدوينة داوني الثانية (هداك المرض)

تنتشر هذه العبارة بشدة في الأوساط المحيطة بنا، وخاصة الشعبية منها، وتكون عند ذكر مرض السرطان، أو عند ذكر أحدهم مصاباً به، كأن المرض ينتقل بمجرد الحديث عنه، ومرد الأمر للجهل المحيط به، والغموض الذي يلفّه ويتعامل المجتمع مع المصاب على أنه ميت مع وقف التنفيذ، متناسياً أن لكل داء دواء، وأن العلم في تطور، وهو كغيره من الأمراض التي تصيب الإنسان وبالعلاج يشفى منها، وأعتقد أن التسمية الواضحة والمحددة له إحدى أهم الطرق العلاجية التي تشكل دعماً نفسياً واجتماعياً للمريض دون جعله مرضاً محرجاً ومخجلاً.

لكن مع الأسف غالبية من يصاب بمرض السرطان يتعامل أنه كل يوم يسير إلى قبره مع أن الخطوة الأولى قوة الثقة بالله والأمل، فمن كان لديهم أمل وهدف الشفاء تخلصوا من المرض.

وببساطة يمكن القول: إن السرطان هو مصطلح طبي يشمل مجموعة واسعة من الأمراض التي تتميز بنمو غير طبيعي للخلايا التي تنقسم بدون رقابة، ولديها القدرة على اختراق الأنسجة وتدمير أنسجة سليمة في الجسم.

وهو قادر على الانتشار في جميع أنحاء الجسم، والبداية من الـDNA الذي يمكن تشبيهه بأنه العقل المدبّر لأعمال الخلية التي منها يتشكل الجسم كافة، وهو شريطان من المركبات المرتبطة مع بعضها تحمل شيفرات وراثية سخرها الله لإدارة أعمال الخلية، وفق منهجية منضبطة، إلا أن انحراف ما يسبب تغيراً في هذه الأوامر المنظمة لعمل الخلية، ثم يأتي عامل مساعد يدفع بالخلايا إلى الانقسام المجنون مسبباً ورماً، أو يصيب خلايا الدم وهنا لا يشكل ورماً إنما يعطل كريات الدم.

إذاً نحن أمام عدة مراحل أولها تغيّر جيني في العقل المدبر لعمل الخلية، قد يدفن هذا التغير الجيني، وقد يأتي عامل محفز يزيد الطين بلة ويجعله يعبر عن نفسه بانقسامات مجنونة وذكية تصيب الأنسجة وتشكل الورم، وما يزيد الطين بلة قد يكون وراثياً أو من البيئة المحيطة كالإشعاعات والكحوليات والتدخين والنرجيلة، أو هجمات جرثومية أو فيروسية، فنحن نهمل أنفسنا لسنوات طويلة، والأمور السيئة تتراكم لتعود إلينا كالبحر الهادر يحمل في طريقه أحياناً آثاراً صحية سلبية غير قابلة للعكس أو التراجع، ترينا الوجه الغاضب أو الآخر للخلية الوديعة أو السليمة التي تريد الانتقام لأننا أهملناها.

وهنا إذا وصلنا إلى الخلية السرطانية المجنونة فيمكننا أن نصفها بأنها:

1- خلية ذات تفكير استراتيجي: فهي تطور استراتيجيات دفاعية وهجومية تتجاوز من خلالها دفاعات الجسم المخصصة للتخلص منها، وكذلك تعمل على الهجوم عبر التوالد المجنون الذي تبدأ به.

2- تمتلك فكراً تكتيكياً يتمثل بأنها تمدّ جنودها (الخلايا السرطانية) بإكسير الحياة، بحيث إن خلاياها لا تموت، ولا تدخل في مرحلة الشيخوخة بل تبقى شابة مستعدة للانتقام المجنون.

3- ذكية: تمارس الكثير من الخطط الدفاعية لمحاربة كل ما يأتي في طريقها من خلايا مناعية مختلفة بعد أن تحقق استقرارها وتغذيتها الخاصة وتؤمن مؤونتها من الدم والأكسجين الكافي لجنونها تستعد لتنتقل لمستعمرات أخرى، فتقوم بعض الخلايا السرطانية الانتحارية بمغادرة المنطقة، وعبر الدم تنتقل لمنطقة جديدة؛ لتقوم باستعمارها.


يسمى السرطان بالمنطقة التي يصيبها كسرطان القولون أو الثدي وما إلى ذلك، ويجتهد الطب المخبري الآن كثيراً لتشخيصه باكراً عبر ما يسمى الواسمات السرطانية؛ إذ تجري أبحاث ويتم تطويرها للتنبؤ به قبل وقوعه، وقد حققت الواسمات السرطانية إنجازاً كبيراً في هذا المجال ولكن ما زالت ضعيفة في الدول العربية من حيث توفر الأدوات والخبرة الضرورية للعمل بها من الأفراد وأيضاً قراءة نتائجها من قبل الأطباء، ولسوء الحظ فإن الدول العربية التي يزداد فيها نسب السرطان نتيجة البيئة الاجتماعية كالفقر والمرض، أو التي تعرضت لقصف بأسلحة كيميائية أو نووية، فإن القطاع الصحي ككل يعاني من الكثير من المشاكل قبل الوصول إلى اعتماد الواسمات كطرق تشخيصية مبكرة أو تأمين دعم لتوفيرها، وربما الآن في بعض الدول العربية لم تعد بعض الحكومات قادرة على تأمين دعم مجاني لأدوية السرطان، وأصبح المواطن مضطراً لأن يؤمنها بنفسه، أيضاً من نفس باب الجهل بالموضوع أشارت أبحاث كثيرة صدرت حول تأثير مرض السّرطان على الحياة الشخصيّة والاجتماعيّة للمريض، ومنها تأثير المرض على العلاقات الزوجيّة، كالدراسة التي عملت عليها "مجلّة السّرطان الدّوليّة في عام 2009، والتي أفادت بأن نسبة طلاق أزواج عن زوجاتهن المصابات بمرض خطير، تفوق سبع مرات لو كانت الحالة معاكسة، أي لو كان الرّجل مشخّصاً بإصابته بمرض خطير.

هذه الإحصائيات لا تبتعد كثيراً عن واقع المجتمعات العربيّة، ومعاناة النساء المصابات بمرض السّرطان واللواتي ينفصل عنهن أزواجهن ففي الجزائر ووفقاً لأحد التقارير عام 2014 الذي حمل عنوان (نساء ضحايا طلاق بسبب السرطان) تتعرض ثلث النساء الجزائريات المصابات بمرض السّرطان للطلاق.

وفي عام 2016، نُشر تقرير في صحيفة "العربي الجديد بعنوان: أصبن بالسرطان.. فطُلِّقن"، يقول بأن 38% من النساء المصابات بالسّرطان في قطاع غزّة طلّقهن أزواجهن بعد اكتشاف إصابتهن، وفقاً لعميد كلية الحقوق والعلوم السّياسيّة في جامعة الإسراء في غزّة.


أي القارئ.. أختي القارئة:
في الختام لا أقول إلا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفية تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم زيادة في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول مَن يدخل الجنة أهل المعروف".

وأرجو أن تكون هذه التدوينة معروفاً لمن قرأها، وانتظروني في تدوينة داوني التالية إن شاء الله.


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ayman-khosruf/-_13387_b_18032482.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات