الخميس، 28 سبتمبر 2017

القومية بين مصر وتركيا.. وهمٌ يراد به التحكم بالشعوب؟

القومية بين مصر وتركيا.. وهمٌ يراد به التحكم بالشعوب؟

تركيا ومصر.. حيث القارات المختلفة، لكنهما - على نحو ما - دولتان تتمتعان بأرضية مشتركة حينما يتعلق الأمر بارتفاع المشاعر القومية لدى شعبيهما!


ولفهم سبب شعور الأتراك والمصريين بالفخر بتركيتهم أو مصريتهم بشكل كبير، من المهم أولاً الإجابة عن السؤال التالي: هل الدولة موجودة بالفعل لأجل أن نصبح قوميين؟


هناك إجابتان على هذا السؤال؛ الجواب الأول يعرّف الدولة على أنها الوهم الذي جلبته السلطة الحديثة لتثبيت خيال أن الدولة مطلقة وموجودة فوق كل المؤسسات، والتي عرفها فيليب أبرامز بـ "خرافة الآيديولوجيا" وأتبعها بأن الدولة مجرد وهم تم إنشاؤه ليغطي في سياق شرعي العمليات التي تقوم بها السلطات وعدم المساواة بين الناس ليقدسوا فكرة الدولة، وأنها إشارة خضراء لممارسات القوة الغير مبررة وتمرير استخدام العنف الذي تمارسه الدولة.


أما الإجابة الثانية؛ فمن ناحية أخرى، لا يمكن إنكار وجود الدولة تماماً لأنه يوضح كيف ظهرت دولة داخل الدولة في الحياة اليومية للناس من خلال العديد من المؤسسات مثل المستشفيات والمدارس.


وبالعودة إلى تركيا ومصر، فقد كانت الرغبة في الاستقلال عن الاحتلال وبناء دولة حديثة في كلتا الدولتين سبباً من أسباب تعزيز الشعور بالقومية في نفوس الشعبين. فمنذ البداية المبكرة، عَرفت تركيا الحديثة نفسها بخلفيتها التاريخية وثقافتها وتصوراتها عن العالم الغربي التي تدعي اندماجاً كاملاً مع الماضي العثماني والإسلامي.




نشوء الجمهورية المصرية والتركية






وبحلول العام 1925، تم تأسيس جمهورية تركية مستقلة بمؤسساتها الغربية الجديدة معتمدةً آيديولوجية علمانية حديثة. وتم تشكيل نظام اجتماعي جديد تماماً ونخبة عسكرية علمانية تحت حكم مصطفى كمال آتاتورك. وتشكل أحداث هذه السنوات الأولى نقطة تحول خطيرة في تطوير آيديولوجية الدولة التركية والهوية التركية التي لا تزال تسيطر على معظم جوانب الدولة والمجتمع حتى اليوم.


أما في مصر العصر الحديث، فلا بد من الإشارة إلى النهضة الصناعية في القرن الـ 19 والتي انطلقت على محمد علي باشا، والذى شهد عصره ازدهاراً صناعياً مرتبطاً بازدهار الحس القومي. وبعد الحرب العالمية الأولى، سمحت بريطانيا بقيام بعض المصانع في مصر لخدمة المجهود الحربي نتيجةً لانشغال المصانع البريطانية بإنتاج السلاح اللازم للمعارك.


وكان لنجاح المصانع المقامة في مصر دافعاً لطلعت حرب حينها في طرح وتنفيذ فكرة إنشاء صناعة وطنية مصرية حتى تتحرر البلد من سيطرة الدول الأوربية، ويتم منع المساس بمقدرات مصر والإضرار بمصلحتها القومية التي يكمن في أصلها التحرر من الاحتلال وخلق روح قومية جديدة.




بين عرابي وآتاتورك








ntq




كانت الخطابات القوية للقادة تأثر بشكل كبير في تعزيز شعور القومية، ففي 15 أكتوبر/تشرين الأول 1927 وقف آتاتورك أمام نواب وممثلي الحزب الجمهوري في أنقرة وبدأ تسليم خطابه الشهير "Nutuk". استغرق الأمر 36 ساعة (على مدى 6 أيام) ليتم قراءتها من قبل آتاتورك.


الخطاب أكد على الانتقال من دولة إمبراطورية إلى دولة قومية حديثة، بعد وقت قصير من إلقائه الخطاب، نشر الخطاب ككتاب وأصبح جزءً من المناهج المدرسية حتى الآن، ويقوم الأتراك بالاقتباس من الخطاب كثيراً وعرضه بفخر وبدقة مكتوبة ومؤطرة في الأماكن الخاصة والعامة في جميع أنحاء تركيا، ليس بالكتابة فقط بل أيضاً بلغة الإشارة.


وبالعودة إلى مصر، فقد كان خطاب أحمد عرابي للخديوي أثناء ما يعرف بـ "الثورة العرابية" - وهي الثورة التي قادها أحمد عرابي بين عامي 1879-1882 ضد الخديوي والتأثير الأوروبي -، فقد وقف أحمد عرابي يسلم الخديوي توفيق مطالب الشعب في مظاهرة ميدان عابدين من أعلى حصانه ملقياً خطابه الشهير الذي تمت إضافته فيما بعد لكل كتب التاريخ بالمدارس في جميع المراحل.


إن انغلاق المجتمعين في مصر وتركيا كان سبباً من أسباب تعمق القومية بشكل كبير، إذ يلاحظ أن المجتمع التركي يواجه مشكلة في معرفة اللغة الأجنبية، هذه المشكلة تعود إلى تاريخ تأسيس الجمهورية التركية أيضاً.


تأسست الجمهورية التركية على قواعد وأسس قومية "صارمة"؛ ففي فترة ميلادها الحديث كان يمنع التحدث داخل البلاد بأي لغة أجنبية أخرى، وكان يحرص مؤسسو اللغة التركية على ترجمة جميع العلوم الأجنبية إلى اللغة التركية، ولم تكن توجد إلا قلة قليلة تعرف لغات أجنبية.


كما كانت السياسة العامة للبلاد مغلقة بهدف حماية الدولة وقوميتها، فكانت العلاقات السياسية تبنى مع الدول الأخرى بشكل حذر وكانت العلاقات الاقتصادية شبه معدومة، وكانت تقتصر ورادات الصناعات الثقيلة فقط مثل السيارات والأسلحة وغيرها، وكان النظام الاقتصادي المغلق الذي كان يعتمد على الصناعات التركية فقط.


إن السياسة القومية التي سلكها السياسيون الأتراك القدامى أدت إلى الانغلاق الاجتماعي والاقتصادي الذي تعاني منه تركيا حتى الآن.




orabi






القومية المصرية






أما في مصر حالياً، فتجد الانغلاق التام أيضاً على الشأن المحلي من جميع مؤسسات الدولة؛ فالرياضة المحلية تظل هي المكتسحة لعناوين الأخبار، وتظل المقاهي تمتلئ بالناس عند مباريات الأهلي والزمالك حتى على حساب مباريات أندية عالمية هامة.


ثم تجد الصحافة أيضاً موحدة بلون القومية، فتنشر دائماً مشاريع الدولة والمجهودات التي تقوم بها الحكومة من أجل استعادة مكانتها التي هي في الأصل مكانة مرموقة بين الدول اعتبارا بأن مصر "أم دنيا" - رغم ما تعانيه مصر الآن من أزمات اقتصادية وسياسية -.


وبل وتجد كيف تقوم الدولة بتوجيه ضرباتها الأمنية الناجحة والاستباقية ضد العناصر الإرهابية والمتطرفة والمتورطة في تنفيذ أعمال عدائية بالبلاد حيث أن مصر تُحارب من الكثير من الدول وأن دورها في الشرق الأوسط والعالم مهم جداً دون أي أدلة منطقية أو معطيات حقيقية تثبت هذه الادعاءات.




الاحتفاءات الوطنية بين الدولتين








aziz sancar
عزيز سانجار





إن مصر و تركيا دائما ما يحتفلون بالإنجازات الوطنية دون عن غيرها من الإنجازات على نطاق واسع، ويتم أحياناً إقحام الدولة في كافة الإنجازات حتى ولو يكن لها دورٌ فيه. فعلي سبيل المثال، جوائز نوبل أو ما يماثلها من جوائز علمية أو أدبية التي حصل عليها مصريين وأتراك دائماً ما تحولت إلى إنجاز قومي لدولة بلاً من أن تكون إنجازاً شخصياً للأفراد، وذلك رغم انعدام دور الدولة في تحقيق هذه الإنجازات.


فعندما فاز عزيز سانجار - وهو تركي الأصل عاش بأميركا - بجائزة نوبل 2015 بالكيمياء، قال وهو يتحدث إلى وسائل الاعلام إنه كان قادراً على الفوز بالجائزة بفضل مصطفى كمال آتاتورك مؤسس الجمهورية التركية.


وقال أيضاً إنه كان على وشك تقديم الجائزة في انيتكابير - ضريح آتاتورك في أنقرة - يوم 19 مايو/أيار، وهو ذكرى آتاتورك بدء حرب الاستقلال في العام 1919.


ليس ذلك فحسب، بل عندما سئل عما إذا كانت عائلته من أصل عربي - وهو في الأصل من مدينة ماردين الواقعة على الحدود مع سوريا والتي يعيش فيها الأكراد والأتراك والعرب جنباً إلى جنب -، قال "أنا تركي وهذا كل شيء".


أما في مصر، فعندما فاز أحمد زويل - وهو عالم مصري عاش في أميركا 20 عاماً حيث درس وانضم لفريقه العلمي هناك - بجائزة الملك فيصل في العام 1989 في الكيمياء، قال في خطابه أثناء تسلم الجائزة أن مصر هي التي انجبته وأنه مدين لها بما حقق وبما سوف يحقق!




دور الفن في إعلاء القومية






لقد سخّرت الدولتان جميع مؤسساتها وأدواتها من خلال وسائل الإعلام والمناهج الدراسية على مدى عقود لتعزيز شعور القومية لدي الشعب فلماذا؟ ربما تكمن الإجابة عن رغبة دولتين ضخمتين بتاريخهما القومي باستخدام مفهوم القومية لتغييب الشعوب عن مطالبتها بحقوقها المشروعة تحت بند "نضحي من أجل الدولة"، أو ربما كان الغرض من تعزيز هذا الشعور في الأفراد ليستجيبوا دون تفكير لجميع قرارات السلطة.


لقد كانت مصر دون غيرها من الدول التي استخدمت الموسيقي والغناء في دعم سياسات أمرائها وملوكها و رؤسائها بدءاً من العصر الفرعوني الذي امتد في الفترة ما بين (1300 ق.م إلى 343 ق.م) كما دونته كتابات الفراعنة، ومن حينها لم يتوقف عامل استخدام الأغنية ذات الحس الوطني حتى يومنا هذا.


وتعد الأغنية الوطنية مكوناً أصيلاً وموروثاً ثقافياً حاضراً مع كل الأحداث التي مرت بها مصر، الحزينة منها قبل السعيدة، نجدها في الاحتفال بالأعياد وافتتاح المشاريع القومية لتشجيع القيادة والتأكيد على وقوف الشعب بجوارها. ففي ثورة 1952، كتب كبار شعراء مصر في مقدّمتهم صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي وحسين السيد وغيرهم كثر للثورة، وصاحبهم أصوات كبار المطربين مثل محمّد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ.


كما عبّرت الأغنية عن تأييد جارف للثورة وقائدها جمال عبد لناصر والتي ساهمت في رفع الخطّ القومي إلى الأغاني الجديدة التي يقال إنها وطنية، لكنها من الصعب تصنيفها ضمن الأغاني الوطنية لكونها تعبّر عن موقف محدّد وموجّه تأييدا لمؤسّسة الجيش، مثل: تسلم الأيادي وبشرة خير.


وعلى صعيد مشابه في تركيا، أظهرت شركة الطيران التركية مضيفات طيرانها في مظهر جديد حيث التنانير تحت الركبة والقبعات الفيزية على الطراز العثماني، باعتبار أن الخطوط الجوية التركية شيء من الكنز وطني من قبل العديد من الأتراك، وإعطاء شعور الوحدة القومية من خلال الأزياء


وما لبث إلا أن انتقد بعض الأتراك الزي الجديد على الشبكات الاجتماعية ووصفوها بأزياء "القرن العظيم"، إلى أن جاء بيان مكتوب من رئيس شركة الخطوط الجوية التركية بعدم إنكار أن الشركة تمثل الدولة والحكومة.


بل في الواقع، أكد بصرامة على هذه الفكرة. وقال حمدي توكو، رئيس مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية التركية "إن رؤية الخطوط الجوية التركية تتفق مع رؤية حكومتنا. ليس هناك فرق بينهما وبيننا. الحكومة هي التي عينتنا".




التحرر من القومية.. ولو قليلاً










المصدر : http://www.huffpostarabi.com/-fajr-abdelnasser/-_13511_b_18128260.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات