الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

سر كراهية مؤيدي ترامب لمشاهير السود.. هكذا يفسدون عليهم أوهامهم

سر كراهية مؤيدي ترامب لمشاهير السود.. هكذا يفسدون عليهم أوهامهم

بعد أن وصفهم ترامب بأبناء العاهرة شهدت الولايات المتحدة موجة هجوم من قبل مؤيدي الرئيس ضد اللاعبين السود الأثرياء الذين يعبرون عن آراء معارضة.

جاء ذلك عقب خطاب ترامب الذي ألقاه مؤخراً في ولاية آلاباما وحث فيه مديري ومالكي فرق كرة القدم الأميركية في دوري الـ NFL على الحرص على تأديب انضباط سلوك لاعبيهم وطردهم إذا أعربوا عن احتجاجهم خلال أداء النشيد الوطني.

يقول "Touré" الناقد الاجتماعي والثقافي في مقال نشر في موقع "ديلي بيست الأميركي": "لقد لاحظت شيئاً على كل من يقف في صف ترامب ضد الرياضيين الذين تواتيهم الجرأة للتعبير عن رأيهم المعارض بصراحة وقوة.

في العديد من الحالات يتمحور استياء ترامب ومؤيديه من اللاعب الرياضي حول مال هذا اللعب وثروته؛ فترى انتقاداتهم دوماً ما تصف "اللاعبين" بأنهم "أصحاب المليارات" وكأن في الأمر عاراً يندى له الجبين".

كذلك يستعمل هؤلاء ألفاظاً كـ "فاحشي الرواتب المبالغ بها" بل وحتى "مدللين"؛ بكلمة أخرى إنهم يرون أن لا حق لأثرياء اللاعبين بالاعتراض أو الاحتجاج لمجرد أنهم أغنياء.

وكان اللاعب السابق كولن كابيرنيك من سان فرانسيسكو، البالغ من العمر 49 عاماً، قد أثار استقطاباً وطنياً في أميركا عام 2016 عندما رفض الوقوف أثناء عملية تسليم راية “ستار سبانغلد بانر“، احتجاجاً على العنف الذي تمارسه قوات الشرطة ضد الأميركيين من أصول إفريقية، وقد تبع مثاله مجموعة من اللاعبين بعد ذلك.




يحتاجون معالجاً نفسياً






ولفت كاتب المقال إلى نيوت غينغريتش (الرئيس السابق لمجلس النواب) كأخ قد ظهر في برنامج Fox & Friends الصباحي على قناة فوكس نيوز الأميركية اليمينية مردداً بكثرة جملاً وألفاظاً من هذا القبيل، إذ كرر مراراً وتكراراً نعتَه الرياضيين بالمليارديرات حتى وصل الأمر حداً مضحكاً فكاهياً. إذاً من الواضح تماماً أن هذه من أهم نقاط موقفه.

مما قاله غينغريتش "نشاهد شباناً صغاراً مليونيرات يحتجون على أن الدولة لم تعاملهم معاملة حسنة"، وفي موضع آخر قال "إنهم شباب متعجرف من أصحاب الملايين ينبغي عليهم ألا يتحفونا بآرائهم السياسية.. إن كنت من أصحاب الملايين وتشعر أنك مضطهد مقموع، فعليك أن تجد لك معالجاً نفسياً، لا دعاية علنية لك."

يعلق كاتب المقال قائلاً "يبدو أن غينغريتش يفهم الأمور بالمقلوب، فالصواب هو أن المليونير الأسود الذي بحاجة لمعالج نفسي هو ذاك الذي يشعر أن سود البشرة غير مضطهدين لمجرد أنه هو شخصياً مليونير".




أليس ترامب غنياً!






لكن سؤالي الحقيقي، حسب الكاتب هو كالتالي: لماذا يُعدَ المرتب العالي الذي يتقاضاه لاعبٌ ما نقطةً جوهرية في هذا الموقف الناقد، ولماذا يعد الثراء مأخذاً على اللاعب يستوجب استبعاد رأيه السياسي؟.

إن هذا بحقٍ لشعور غريب عجيب يجتاح البلاد، فالمفترض أنه في أميركا يشكل امتلاكك للكثير والكثير جداً من المال دليلا في حد ذاته على أهميتك.

ويضيف الكاتب قائلاً "في بلدنا هذه يعلموننا أن نستمع للأغنياء لمجرد أن لديهم مالاً وفيراً؛ إن السبب الوحيد في أن أي أحد استمع لترامب في العقود التي سبقت توليه الرئاسة هو ببساطة أنه ثري. إذاً أتساءل هنا لماذا يكون تملكك للمال السبب في وجوب استماعي لك فيما ليس للرياضيين الأثرياء نفس هذا الحق الذي لك"؟.




هؤلاء هم العالة






يقول Touré "أعتقد أن جزءاً من الإجابة يكمن في إحدى الأفكار الرئيسية التي تسيطر على فكر حزب اليمين المعاصر، ألا وهي فكرة الكادحين – فمن الكادحون حقاً ومن هم العالة؟.
في هذا المعجم اليميني نجد أن كلمة "كادح" مرادفة لـ"أبيض" فيما "الكسالى" و"من يتلقون المعونات" هي بالطبع ألفاظ رديفة لذوي البشرة الملونة.

إن فِكرَ التيار المحافظ المعارض للضرائب وبرامج استحقاق المعونات وإعالة الدولة لمواطنيها يرى إن كل من يتلقى المعونة هو ناقصٌ قليل المروءة لا يشبه الكادحين البيض في شيء، ما يسمح لنا بالتعالي عليه واحتقاره ومتابعة الضغط لإصلاح النظام أو إبطال العمل به من أصله.

يقول Touré "إن ترامب يحاول أن يُخرِس اللاعبين السود بالنيابة عن البيض المستائين؛ وهو بذلك يثير النعرات العِرقية ويتحيز إلى طرف معين".
يقول الكاتب "إن زعمه أن لا دخل للعرق بكلامه ليُثيرُ فينا تساؤلاً: هل يُدرك ترامب أنه كاذب أم أنه لا يعي ما يفعل؟ هل يتعمد الخداع أم يتصرف دون أهلية على الإطلاق؟ إني حقاً محتار".





هل اللاعبون كسالى؟






يخاطب Touré الجمهور الأبيض الذي يحاول اليمنيون إثارة غضبه ضد اللاعبين السود قائلاً "هل ترى أن هؤلاء اللاعبين كسالى بينما تعتقد أنك أنت الكادح".

يشعر بعض الناس كما لو أن تلك الملايين تُقدم للاعبين على طبق من ذهب وأن على هؤلاء الاعتراف بالجميل وأن يلزموا حدودهم ولا يُفسدوا علينا متعة مشاهدة المباراة الترفيهية بإقحامهم جرعة من الواقع فيها.

يقول Touré : ركزوا معي على نقطة الاعتراف بالجميل هذه، فهي مهمة؛ وكما يقول الصحفي جيلاني كوب في مجلة The New Yorker "نكران المعروف هو الوجه الجديد للغرور" وكأنه يتساءل: لماذا لا يشكر هؤلاء نعمة أنهم يعيشون في أميركا، حيث مجرد لعب لعبة يُكسبهم المال والثراء؟ إن لم يكن حبهم لأميركا غير مشروط إذاً فليغادروها بسلام.
ويعلق كاتب مقال الديلي بيست قائلاً "لم أفهم يوماً مبدأ "أحبَها أو غادِرها" هذا لأن أميركا مبنية على روح الاحتجاج والخلاف، ولذلك فإن المطالبة بمغادرتنا أميركا لمجرد أن لدينا رأياً ناقداً لشبابنا لأمرٌ يتنافى قلباً وقالباً مع روح أميركا. لكن هذه نقطة فرعية وليست موضوعي الأساسي".

ويضيف "إن مقاطع الفيديو التي تصور كدح الرياضيين من أجل الوصول إلى مستوى محترف والبقاء في هذا المستوى لكثيرة وموجودة بوفرة على التلفزيون والإنترنت، وإليكم هنا مقطعاً لتدريبات جوش نورمان وآخر لجيجي وات كذلك.




لماذا أصبحت حياتهم في خطر؟






ويكشف الكاتب أن الرياضيين ليسوا فقط مجدين كثيراً ويكدحون طيلة العام، ولكنهم يعرضون حياتهم للخطر بغية المشاركة في المباريات.

وفقد وجدت دراسة منشورة مؤخراً في دورية Journal of the American Medical Association (مجلة الرابطة الطبية الأميركية) أن 99% من لاعبي الـNFL السابقين و91% من لاعبي دوري الجامعات السابقين مصابون بمرض CTE أي التهاب الدماغ المزمن الناتج عن صدمات، الذي يصيب من يمارسون رياضات عنيفة تعرضهم لإصابات الرأس؛ ولأنهم يغامرون بالإصابة شبه المؤكدة بمرض الـCTE هذا، فلا عجب أن أجورهم تتناسب مع هذه المهنة التي قد تقضي على حياتهم. متى أدركنا ذلك، سيتلاشى لدينا الاعتقاد بأن أجورهم مبالغ فيها.

إن هؤلاء مواطنون يقبضون مبالغ طائلة لقاء عملهم، لكنهم كذلك يكسبون قيمة في سوقٍ شديد التنافس على مهارات نادرة تستوجب سنين وسنين من التركيز كرهبان المعابد لتطوير وتحسين قدراتهم.




هل جميعهم بهذا الثراء؟






حسب الكاتب فإنه من الطيش والحمق الاعتقاد بأنهم جميعاً من أصحاب الملايين، فمتوسط أجر لاعب الـNFL هو 2 مليون دولار في السنة، لكن هذا الرقم مضلل نظراً لوجود عدد قليل من اللاعبين المشاهير يتقاضون أجوراً مليونية مكونة من خانتين.

ولعل الرقم الأقل إثارة للجدل والأصدق أيضاً في تمثيل ما يجنيه لاعبو الـNFL هو الوسيط الحسابي لمرتباتهم، لا المتوسط، فالوسيط يبلغ حوالي 860 ألف دولار في السنة، اطرح منها ضرائب الحكومة ومدفوعات وكيل أعمالك، تجد أنك لست مليونيراً البتة.

وحسب دراسة شهيرة نشرتها Sports Illustrated فإن النقود التي يجنيها لاعبو الـNFL هي من القلة لدرجة أن 80 % من اللاعبين إما يفلسون وإما يمرون بأزمة مالية حادة في غضون عامين من تقاعدهم.
ليس واقعياً أبداً الاعتقاد بأن اللعب في دوري الـNFL مهنةٌ مريحة سهلة يجني معظم أصحابها الملايين، فقد وجد مدونٌ اقتصادي أن عدد الرياضيين المحترفين من أصحاب الملايين قليل جداً في الحقيقة.

وصحيح أن 860 ألف دولار في السنة مبلغٌ طائل، ولكن يظل هؤلاء مواطنين أميركيين وإن كانوا رياضيين محترفين.
إن تمتعهم بمنصةِ تعبيرٍ عن الرأي وبقدرٍ من الوعي بمخاطر المشاكل التي تواجه مجتمعهم ليجعل من سكوتهم عاراً غير أخلاقي عليهم.




لماذا يجنون كل هذه الثروات؟






ويخاطب كاتب المقال مؤيدي اليمين والحزب الجمهوري الأميركي من المنتقدين للاعبين السود الأثرياء قائلاً "أما إن كانت غيرتك الاقتصادية منهم ما زالت تغلي في عروقك، فلعل من الخير لك أن تعلم أن أحد أسباب جني هؤلاء لكل هذا المال هو أن وراءهم اتحادات ونقابات قوية تحامي عنهم وتدعمهم".

فاتحادات الرياضيين المحترفين هي من بين البقية الباقية من أقوى الاتحادات في أميركا، حيث كان للعامل الأميركي العادي فيما مضى اتحادات قوية شتى تناضل من أجله، لكن هذه الاتحادات تفككت وأزيلت أنظمتها عبر السنين بفضل الحزب الجمهوري بغية خدمة مصلحة الشركات الكبرى، الأمر الذي ترك العمال المغلوبين لقمة سائغة في مهب الضوائق المالية والمعاناة الاقتصادية، فزاد غضبهم واستعر حتى أدى بهم في النهاية إلى طرق باب ترامب واللجوء إليه.

لكن مهلاً، فأنتم كادحون مجدون ولا حاجة بكم لاتحاد نقابي عمالي، أليس صحيحاً؟.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/2017/09/26/story_n_18109762.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات