السبت، 30 سبتمبر 2017

الرئيس الأميركي لا ينبغي أن يكون رجل أعمال

الرئيس الأميركي لا ينبغي أن يكون رجل أعمال

الحكومة تختلف عن المؤسسات التي تحركها دوافع ربحية، ولا ينبغي أن تكون مؤسسة يحكمها رئيس تنفيذي.


على مدى أكثر من 200 سنة، تميز الأميركيون بالحس السليم والتوفيق في انتخاب رئيسهم من غير رجال الأعمال، وقد تم اختيار رؤساء الولايات المتحدة عموماً من بين رجال القانون وجنرالات الجيش ورجال السياسة.

هناك سببٌ يجعلنا نثني على هذا النمط في الاختيار ونعتبره فكرة جيدة؛ هؤلاء الأشخاص الذين اختارهم الشعب الأميركي، كانت لديهم التجربة، والخبرة التي مكنتهم من الحكم، بالمقابل، لا يملك رجال الأعمال هذه الخبرة والحنكة، وهذا أعتبره السبب الرئيسي الذي جعل البلاد تمر بحالةٍ صعبةٍ في جزء كبير من هذا القرن الجديد.

دخلنا الألفية الجديدة بانتخابات متنازع عليها أفرزت أول رئيسٍ في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية خريج قطاع إدارة الأعمال، وقد تباهى جورج دبليو بوش، خريج كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد، بخبرته في مجال الأعمال التجارية، لكن اتضح جلياً بعد مباشرة مهامه، أن تسييره البلاد بعقلية رئيس تنفيذي لشركة أعمال، كان خطأ فادحاً.

حتى قبل الانتهاء من الإرث التاريخي للرئيس الـ43، جورج بوش، يبدو من شبه المؤكد، أنه سيكون ضمن أسوأ خمسة رؤساء عرفتهم الولايات المتحدة، وربما سيزيح حتى جيمس بوكانان من موقعه، بالإجماع، كأسوأ رئيسٍ على الإطلاق، ويجب ألا ننسى أن بوش هو من بدأ الحرب العراقية الشائنة، ليلقي بالأمة إلى حافة الإفلاس.

قد يقول البعض إن بوش كان لديه أيضاً خبرة سياسية اكتسبها كحاكم لولاية تكساس، غير أن هذه الخبرة لا يُعتد بها؛ لأنها بالأساس وظيفة لفترة محددة زمنياً. وكانت أبرز نقطة ارتكازه، أنه رجل أعمال يفترض أنه يمكنه تطبيق الدروس التي تعلمها في عالم الأعمال، إلى الحكومة ويجعلها أكثر فاعلية.

لكن المشكلة هي أن الحكومة ليست قطاع أعمال، ولا تتحرك بدافع الربح، وليست شركة يديرها رئيس تنفيذي؛ بل إنها مصممةٌ وقائمةٌ لخدمة المصلحة العامة في مجالات، مثل: الصحة، والرعاية، والتعليم، والبنية التحتية.

وقد أدرك باراك أوباما، المحامي والمشرّع، طبيعة الحكومة ومن ثم كان قادراً على إنجاز المهام، وعكس كل الاحتمالات، نجح في تخليص البلاد من الكارثة المالية التي ورثها من سلفه بوش، وتمكن أيضاً من إقناع مجلسي النواب والشيوخ باعتماد تشريع شامل للرعاية الصحية.

المحزن في الأمر أن الناخبين الأميركيين (أو على الأقل عددٌ واسعٌ من الناخبين الأميركيين) لم يتعظوا من دروس سنوات بوش؛ أي عدم انتخاب رجل أعمال لأعلى منصب في البلد. والمثير للدهشة، أن تسقط أميركا مرة أخرى بين أيدي رئيس تنفيذي قدَّم وعوداً بحل مشاكل البلاد من خلال تسييره للحكومة كما لو كانت مؤسسةً تجاريةً.

العملية السياسية معقدة على كل المستويات، وتجعل كل شخص من ذوي الخبرة، يعرف كيف يحسن التعامل عند اجتيازه المتاهات التشريعية والتنظيمية للحكومة..

والآن، تبدو النتائج الكارثية ماثلة أمام الأعين، بعد انتخاب رجل أعمال آخر إلى المكتب البيضاوي. ويعتقد دونالد ترامب أنه يمكنه ضرب قيود الحكومة كافة بعرض الحائط وأن يفعل ما يشاء دون رقيب أو حسيب، وهو لا يستطيع بالطبع، وبدلاً من ذلك، فشل فشلاً مدوّياً في العمل مع الكونغرس والمحاكم.

العملية السياسية معقدة على كل المستويات، وتجعل كل شخص من ذوي الخبرة، يعرف كيف يحسن التعامل عند اجتيازه المتاهات التشريعية والتنظيمية للحكومة، أما شخص مثل ترامب فليس لديه تلك المواصفات.

أظن أن مدى إلمامه بآليات تسيير الحكومة محدود، وربما لا يتجاوز نظرة مراهق في مرحلة المدرسة الثانوية حول "كيف يصير مشروعٌ قانوناً؟"، ولا يعرف كيفية "ممارسة السياسة"، ومعتاد، مثل غالبية أباطرة المال والأعمال، إصدار الأوامر والحكم بطريقة أقرب إلى التسلط.

دونالد ترامب بمثابة درس حي ناطق، من دروس التربية المدنية، يجسد نموذج الشخص الذي لا يفقه أسلوب الحكم كرئيس، لقد استعدى كل فرعٍ من فروع الحكومة ولم يتمكن من إصدار أي تشريع ذي مغزى رغم حصوله على أغلبية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ولا يحسن سوى إصدار طفرة من الأوامر التنفيذية، لكنه لم يظهر أي كفاءة تنفيذية فعلية.

الوقت مبكر فعلاً لإصدار حكمٍ قطعيٍّ، لكن مع ذلك، يبدو أن عهد ترامب سيجعل شخصاً واحداً سعيداً على الأقل، فلِحسن حظ جورج بوش، بحلول عام 2020 (أو ربما حتى قبل ذلك)، لن يعود المرشح الرئيسي لاحتلال مقعد أسوأ رئيس على الإطلاق.

- هذا الموضوع مترجم عن النسخة الكندية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/david-martin/post_16038_b_18139848.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات