السبت، 7 أكتوبر 2017

لا أريد الانتظار أكثر

لا أريد الانتظار أكثر

قالها باعتراف مميت.. "مش عايز أفضل مستني"!
كنت دائمة الخوف من التلصص على حياة السابقين.. الاقتراب من عوالمهم أوجاعهم وحكاياهم.. ما زلت أخاف تشابه زاوية من زوايا أحزانهم معي.. تلاقي أفكارهم الحائرة مع أفكاري اللاهثة.. البحث المتواصل، والأسئلة التي لا تنتهي.

يبدو أننا نصطدم رغماً عنا بما نتحاشى ملاقاته! أسأل نفسي كثيراً: وماذا بعد الانتظار يا عزيزتي؟! ماذا سنجد في ضفتنا الأخرى المجهولة؟ وكيف سيكون طريقنا؟ ومتى يمكننا الذهاب مطمئنين؟

ولماذا تحاصرنا شطحاتنا وتفترس سكينتنا؟ فقط هي ونحن، هي وأنا، هي وأنت، هي وهو، وهو!

حديثه وطريقته ونظرته، جميعها كانت تصرخ بالنطق بالمساعدة على عكس قناعتي "بأن الأشخاص حينما ينوون الرحيل ينسحبون دون إنذار".

يمكن للحياة أن تزهدنا لكنها تبقى وإن تحدثنا بغير ذلك باقية فينا، تبقى أعيننا ترسل نظرات تعلق بالأمل، وألسنتا تعصف بكلمات تبحث عن مأوى، نلقي بألواح الاستسلام والوقوف؛ لتتلقفنا يد أحدهم ولو صدفة.

مكمن ضعف الإنسانية في احتياجها للآخر حين الوقوع والتيه، هل علينا أن نتوسل ليلتفت الآخر لوهن ينهشنا؟ أم علينا أن نذيع الآلام في طرقات العابرين لعلهم يكترثون أكثر من دائرة الواقع اللصيقة؟! وبماذا نصرخ ونحن لا نحتوي تعريفاً لذرة من معاركنا الدماغية؟!

الأرواح يعذبها الترك والتخلي، يضنيها جفاء الوحدة والاستهزاء، ونحن نُزيدها عناءً فوق ضياعها.

إن العتمة حين تتلبس أحدهم تتخلل حركة إصبعه، رعشة شفتيه، دوران مقلتيه، تنهيدة خوفه، نبضة قلبه، حركة أمعائه، خطوة قدميه، ألوان ملابسه، اهتزازة قلمه، حائط غرفة نومه، صوت محبيه، سلام محيطيه، لون سمائه، صوت مطره، حركة رياحه، ومسافات طرقه.

إن العتمة حين تقرر تنتصر، ونحن نقف على حافة السباق مصفقين بوجوه صماء تنتظر الانتهاء، حتى ننتقل مسرعين إلى الحلبة القادمة، وكأننا نتوق لمعرفة من سيسقط أولاً، ومَن سيصمد أكثر.

نتحدث إلى أنفسنا "لنقذف بالآخر على هامش معاركنا؛ لنجود بهم من أجل تقديم قرابين الولاء، لنشاهد ولا نلتحم؛ لنأخذ بوجيعتنا إلى جهة نجهلها وتجهلنا لئلا ننهدم".

"عسى ألا ننهدم".. وماذا بعد؟ ننتظر؟ سننتظر، رغماً عنا سننتظر، نظل نتوهم الخلاص وحدنا، نختلق الأكاذيب أن لا سبيل إلى الغد سوى بغض الطرف عنهم، "عنا"، نتحاشى مرآة وهننا فيهم، نقطع أحبال الولوج إلى عالم يربكنا فنفلتهم، نختلق العبارات المصطنعة والتعبيرات القاسية؛ لنجلد ما فينا أولاً، لنستمع إلى ما نخرس أعيننا عن مصادفته، نجلس على عرش قوتنا متباهين بثبات من رماد، نتفاخر بحكمة أبطال الروايات التي نكرهها، نسرد الأساطير الراكدة وننفعل، نرمي بشرارة البؤس الأخيرة؛ لتبتعد عنا، لتظل ساكنة فينا.

فكم من شريف يحيا بداخلنا؟! وكم من شريف أراد النجاة وخُذل؟! وكم من شريف لا يزال يبحث عن كلمات تسع وعقول تتفهم؟! وكم كنا هو وكم لا نزال كهو؟! وكم من حولي يُخرس صوتاً كصوت شريف الباحث؟! وكم من شريف آخر لا يريد الانتظار أكثر؟!

فسلام الله على روح شريف الراحلة ورحمته وبركاته.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/azza-mohamed-habib/post_16069_b_18173840.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات