رغم إعلان قوات الكرامة سيطرتها على مدينة بنغازي منذ أكثر من شهرين، لا تزال المدينة تعيش حالة من الانفلات الأمني تتمثل في عمليات الاغتيال والجثث المجهولة الهُوية إضافة إلى تفجير السيارات المفخخة.
"التحرير غير المنقوص" الذي أُعلن عنه كان من المفترض أن يُدخل بنغازي بعدَه إلى مرحلة الإعمار، إلا أنه لا يكاد يمر يوم في المدينة دون سماع دوي إطلاق النار هنا وهناك، "تحرير" لم ينجح في إيقاف عمليات التفجيرات والاغتيالات بالرغم من تأكيد القيادة العسكرية للكرامة أن المدينة تخلصت ممن وصفتهم بـ"الإرهابيين".
ومن العجيب في مدينة "محررة" ومؤمّنة أن يتم فيها استهداف مقرات أمنية، مثل العملية الأخيرة التي استهدفت مقر الجوازات الملاصق لجهاز مكافحة الجريمة بسيارة مفخخة في وضح النهار، علماً أن المقر يقع داخل منتزه شهير في بنغازي "منتزه بودزيرة" وهو محاط بأسوار كبيرة ويحتوي على بوابات أمنية، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: كيف يمكن للمواطن أن يشعر بأمان إذا كانت الأجهزة الأمنية ذاتها -التي من المفترض أن تحمي المواطن- تتعرض لمثل هذه الخروقات، وهذا ما يدفعنا لطرح تساؤلات أخرى حول مَن يقوم بمثل هذه العمليات بعد تطهير بنغازي من "الإرهابيين"، بحسب وصفهم!
هذه الحادثة ليست الأولى، فقد تعرضت عدة مرات مراكز للشرطة للاعتداء وعمليات قتل وخطف طالت بعض عناصرها من قِبل جهات أمنية أخرى، وهذا ما يُخشى منه أن تُفتح جبهات جديدة بين الجهات العسكرية المختلفة في المدينة.
حتى اللحظة لم يتم التوصل لنتائج التحقيقات التي فتحت في عمليات اغتيال شهدتها المدينة كمقتل السياسي "محمد بوقعيقيص" واغتيال شيخ قبيلة العواقير "إبريك اللواطي"، بالإضافة إلى محاولتين فاشلتين لاغتيال شيخ قبيلة المغاربة "صالح لاطيوش".
لكن الأمر الأكثر وحشيةً من كل ما سبق ذِكرُه هو ظاهرة الجثث الملقاة على قارعة الطرق والتي يعثر عليها مكبّلة تحمل آثار التعذيب دون معرفة الجهة التي تقف وراءها.
وللأسف لا يستطيع أي من النشطاء المدنيين ولا المنظمات الحقوقية في بنغازي أن تتحدث عن هذه الظاهرة، بل إن العامة يتحاشون الحديث عن هذه الجرائم وأصبح ما يعرف بـ "شارع الزيت" -الذي عادة ما توجد هذه الجثث فيه- مصدرَ رعبٍ وشعاراً للتعذيب والتصفية الجسدية!
بنغازي التي شهدت نوعاً من الهدوء بعد التقدم الذي أحرزته قوات الكرامة في مناطق عدة كقنفودة والليثي وأجزاء من وسط المدينة، وسَعِد الناس بالرجوع إلى تلك المناطق لإعادة الحياة إليها من جديد رَغم الألغام المنتشرة والسرقات التي تعرضت لها ممتلكات المواطنين والتي لم تفلح قوات الكرامة في حماية أرزاقهم، ورغم كل تلك الظروف لم يتوقف أهالي بنغازي عن محاولتهم للاستمرار في الحياة بكل أمل، فباشروا تنظيف المناطق وإزالة مخلّفات الحرب وافتتاح المحال التجارية من جديد وبمجهودات فردية دون أي مساعدات من الحكومة الموجودة في شرق البلاد.
كل هذه الجهود الفردية للمواطنين اصطدمت بالواقع الأمني المتهالك في المدينة، وتواجهت مع عمليات تصفية الحسابات بين التوجهات الفكرية والأيديولوجية المختلفة، بل تواجهت حتى مع الصراعات الجهوية والقبلية القديمة والحديثة.
في اعتقادي فإن هذه الأسباب كانت وراء تأخّر تعافي المدينة بشكل أسرع وأفضل، وهو ما يجعلنا نراجع حسابات التحالفات التي تشكلت منذ بداية عملية الكرامة، فهي تحالفات هشّة لها ما يفرقها أكثر مما يجمعها، يشتركون في هدف واحد ويختلفون في مائة هدف آخر، ولا يسعني هنا المجال للخوض في تفصيل الخلافات الفكرية والأساسية بين العسكر والتيار الديني المتحالف معه، ولا التضادات بينهم وبين الفيدراليين بتوجهاتهم المناطقية، فالحديث يطول هنا وقد يحتاج إلى مقال مستقل بذاته.
ولعل الخلافات الأخيرة التي ظهرت على السطح في المنطقة بعد تعيين النقيب "فرج قعيم" وكيلاً لوزارة الداخلية من قِبل حكومة الوفاق الوطني تؤكد ما قد أسلفته، ورغم أن البعض يعتقد أن مثل هذه الإجراءات مفتعلة لشق صف عملية الكرامة، فإن هذا الاعتقاد في تقديري غير صحيح، فالشقاق موجود أصلاً وهو أمر واضح لكل مراقب لمكونات المنطقة القبلية وعن مسببات التحالفات التي حصلت منذ نهاية عام 2013، كل ما في الأمر أن هذا الحدث كشف المستور لا أكثر ولا أقل.
إن هذه الخلافات التي من المتوقع أن تزداد خلال الفترة القادمة ليست بكل تأكيد في صالح مدينة بنغازي ولا في صالح المواطنين، وأعتقد أنها ستزداد بسبب تعنت الأطراف المتواجهة وعنادها، والتخوف الأكبر هو أن تتحول هذه الصدامات والخلافات إلى مواجهات عسكرية داخل المدينة التي لم تتعافَ بعد من حرب استمرت أكثر من ثلاث سنوات دمرت خلالها معالمها الأساسية، وتعرض عدد كبير من سكانها للنزوح والتهجير عن بيوتهم ومناطقهم، وفقدت بنغازي في هذه الحرب الكثير من شبابها.
"التحرير غير المنقوص" الذي أُعلن عنه كان من المفترض أن يُدخل بنغازي بعدَه إلى مرحلة الإعمار، إلا أنه لا يكاد يمر يوم في المدينة دون سماع دوي إطلاق النار هنا وهناك، "تحرير" لم ينجح في إيقاف عمليات التفجيرات والاغتيالات بالرغم من تأكيد القيادة العسكرية للكرامة أن المدينة تخلصت ممن وصفتهم بـ"الإرهابيين".
ومن العجيب في مدينة "محررة" ومؤمّنة أن يتم فيها استهداف مقرات أمنية، مثل العملية الأخيرة التي استهدفت مقر الجوازات الملاصق لجهاز مكافحة الجريمة بسيارة مفخخة في وضح النهار، علماً أن المقر يقع داخل منتزه شهير في بنغازي "منتزه بودزيرة" وهو محاط بأسوار كبيرة ويحتوي على بوابات أمنية، الأمر الذي يجعلنا نتساءل: كيف يمكن للمواطن أن يشعر بأمان إذا كانت الأجهزة الأمنية ذاتها -التي من المفترض أن تحمي المواطن- تتعرض لمثل هذه الخروقات، وهذا ما يدفعنا لطرح تساؤلات أخرى حول مَن يقوم بمثل هذه العمليات بعد تطهير بنغازي من "الإرهابيين"، بحسب وصفهم!
هذه الحادثة ليست الأولى، فقد تعرضت عدة مرات مراكز للشرطة للاعتداء وعمليات قتل وخطف طالت بعض عناصرها من قِبل جهات أمنية أخرى، وهذا ما يُخشى منه أن تُفتح جبهات جديدة بين الجهات العسكرية المختلفة في المدينة.
حتى اللحظة لم يتم التوصل لنتائج التحقيقات التي فتحت في عمليات اغتيال شهدتها المدينة كمقتل السياسي "محمد بوقعيقيص" واغتيال شيخ قبيلة العواقير "إبريك اللواطي"، بالإضافة إلى محاولتين فاشلتين لاغتيال شيخ قبيلة المغاربة "صالح لاطيوش".
لكن الأمر الأكثر وحشيةً من كل ما سبق ذِكرُه هو ظاهرة الجثث الملقاة على قارعة الطرق والتي يعثر عليها مكبّلة تحمل آثار التعذيب دون معرفة الجهة التي تقف وراءها.
وللأسف لا يستطيع أي من النشطاء المدنيين ولا المنظمات الحقوقية في بنغازي أن تتحدث عن هذه الظاهرة، بل إن العامة يتحاشون الحديث عن هذه الجرائم وأصبح ما يعرف بـ "شارع الزيت" -الذي عادة ما توجد هذه الجثث فيه- مصدرَ رعبٍ وشعاراً للتعذيب والتصفية الجسدية!
بنغازي التي شهدت نوعاً من الهدوء بعد التقدم الذي أحرزته قوات الكرامة في مناطق عدة كقنفودة والليثي وأجزاء من وسط المدينة، وسَعِد الناس بالرجوع إلى تلك المناطق لإعادة الحياة إليها من جديد رَغم الألغام المنتشرة والسرقات التي تعرضت لها ممتلكات المواطنين والتي لم تفلح قوات الكرامة في حماية أرزاقهم، ورغم كل تلك الظروف لم يتوقف أهالي بنغازي عن محاولتهم للاستمرار في الحياة بكل أمل، فباشروا تنظيف المناطق وإزالة مخلّفات الحرب وافتتاح المحال التجارية من جديد وبمجهودات فردية دون أي مساعدات من الحكومة الموجودة في شرق البلاد.
كل هذه الجهود الفردية للمواطنين اصطدمت بالواقع الأمني المتهالك في المدينة، وتواجهت مع عمليات تصفية الحسابات بين التوجهات الفكرية والأيديولوجية المختلفة، بل تواجهت حتى مع الصراعات الجهوية والقبلية القديمة والحديثة.
في اعتقادي فإن هذه الأسباب كانت وراء تأخّر تعافي المدينة بشكل أسرع وأفضل، وهو ما يجعلنا نراجع حسابات التحالفات التي تشكلت منذ بداية عملية الكرامة، فهي تحالفات هشّة لها ما يفرقها أكثر مما يجمعها، يشتركون في هدف واحد ويختلفون في مائة هدف آخر، ولا يسعني هنا المجال للخوض في تفصيل الخلافات الفكرية والأساسية بين العسكر والتيار الديني المتحالف معه، ولا التضادات بينهم وبين الفيدراليين بتوجهاتهم المناطقية، فالحديث يطول هنا وقد يحتاج إلى مقال مستقل بذاته.
ولعل الخلافات الأخيرة التي ظهرت على السطح في المنطقة بعد تعيين النقيب "فرج قعيم" وكيلاً لوزارة الداخلية من قِبل حكومة الوفاق الوطني تؤكد ما قد أسلفته، ورغم أن البعض يعتقد أن مثل هذه الإجراءات مفتعلة لشق صف عملية الكرامة، فإن هذا الاعتقاد في تقديري غير صحيح، فالشقاق موجود أصلاً وهو أمر واضح لكل مراقب لمكونات المنطقة القبلية وعن مسببات التحالفات التي حصلت منذ نهاية عام 2013، كل ما في الأمر أن هذا الحدث كشف المستور لا أكثر ولا أقل.
إن هذه الخلافات التي من المتوقع أن تزداد خلال الفترة القادمة ليست بكل تأكيد في صالح مدينة بنغازي ولا في صالح المواطنين، وأعتقد أنها ستزداد بسبب تعنت الأطراف المتواجهة وعنادها، والتخوف الأكبر هو أن تتحول هذه الصدامات والخلافات إلى مواجهات عسكرية داخل المدينة التي لم تتعافَ بعد من حرب استمرت أكثر من ثلاث سنوات دمرت خلالها معالمها الأساسية، وتعرض عدد كبير من سكانها للنزوح والتهجير عن بيوتهم ومناطقهم، وفقدت بنغازي في هذه الحرب الكثير من شبابها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/emad-a-alemdoly/story_b_18106190.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات