لكل إنسان طريقته الخاصة في الوصول لهدفه، فسيْر أي إنسان في طريق غير طريقك لا يعني أنه ضلَّ الطريق وحتماً سيفشل؛ بل هو فقط ينظر إلى الأشياء بعينه هو لا بعينك أنت، وأيضاً كل الأدوات التي نستخدمها في حياتنا هي محايدة تماماً طالما لم تُستخدم بعد، فالكوب الزجاجي وهو جديد يمكنك أن تشرب به الماء لتروي عطشك أو تتناول به الدواء لتداوي مرضك، أو تشرب به الخمر لتُغيّب عقلك.
كذلك هي المجتمعات وكذلك هي التركيبة بداخلها، فقط كل ما يميز بينها هي القيم والضوابط الإنسانية والعقلية المترسخة في أذهان أفرادها قبل قوانينها ودساتيرها ومعتقداتها، فالمجتمع الذي تحكمه قوانين وضوابط العقل والقيم الإنسانية لا يحتاج للقوانين الوضعية في غالبية الأحيان، ويحتاجها فقط عند التعامل مع العناصر السلبية داخل المجتمع، وهذا لأنه يحكم نفسه بنفسه بدءاً من أول موظف وحتى رئيس الدولة نفسه.
هذا عكس المجتمعات التي تغيب عنها القيم والضوابط الإنسانية، فحتى وإن طُبق فيها القانون الوضعي على الأفراد كافة بداخله فلا بد أن يكون بها مظلومون؛ لأن الأفراد المنوط بهم تطبيق القانون وأصحاب المناصب العليا هم نتاج هذا المجتمع غير المنضبط قِيماً، وغالباً سيسيء أصحاب المناصب استخدامها، فهم لم يرضعوا من القيم الإنسانية ما يؤهلهم للتعامل بها مع غيرهم أو حتى مع أنفسهم.
فمتى سيرتقي مجتمعنا للنسخة الأولى من المجتمعات، تحكمه الضوابط والقيم الإنسانية قبل القوانين الوضعية، يحكم نفسه قبل أن يتحكم فيه شخص ما، ربما يكون افتقد أدنى أدوات الإنسانية، يحكم فيه الناس فيما بينهم بالعدل قبل أن يحتكموا لظالم؟ ومتى سيتراحم الناس فيما بينهم ويتضامن بعضهم مع بعض من دون النظر إلى الأفكار أو التوجهات، ويرفضون الظلم كصورة مطلقة وليس لأنفسهم فقط، ويبعثون روح التعاون بينهم وينمونها كسلاح قوي لقتل الاستقطاب؟
فإذا وصل مجتمعنا لهذه الدرجة من الانضباط القِيَمي فلن تجدوا فيه مظلوماً واحداً في أيٍّ من المجالات، وستجد المجنيَّ عليه يطالب أولاً بحق الجاني في محاكمة عادلة، وستجد من يطالب بالحرية يطالب بها للجميع ويحترم أولاً حريات الآخرين ويؤمن بأن حريته تقف عند حرية غيره وليست حرية مُفصَّلة خصيصاً لترضىي أفكاره وتوجهاته، فينتشر الأمن والأمان من تلقاء نفسه، ويجد التوافق مأوىً له في مجتمعنا، وبالتناسب الطردي تنخمد الصراعات في منابعها.
من يظن أن ضمانات الحياة الآمنة تأتي بالسوط هو حتماً خاطئ، فالسوط هو عنف مُقنن لا أكثر ولا يأتي سوى بمزيد من التدمير المجتمعي، والتهالك القيمي، فلم يعرف التاريخ حضارات بُنيت بالقوة، وإنما عرف التاريخ حضارات بُنيت بقيمها، وما قدمته للبشرية من علم وتقدم وانتفاع أبدي، وأيضاً لم تنهَر حضارة بأي من أنواع العنف، فقد عرف التاريخ العديد من الحضارات تعرضت للعنف والحروب ولم تنهَر قط؛ بل انهارت فقط حينما انهارت قِيمها ومبادئها.
انهارت منظومة القيم في مجتمعنا؛ فانتشر الظلم وفاحت رائحة الدماء، واستبيحت الأعراض وتفشت الضغينة، وانتصر القبح على الجمال في تنافسهما، والوطن يتألم لهم جميعاً، وكأن الترزي المتخصص في تفصيل المجتمعات الإنسانية أسقطنا من حساباته ويرفض الاعتراف بحقنا في مجتمع إنساني وتركنا نتعرض للاغتيال المعنوي من أبناء جلدتنا حينما نفكر فقط في المطالبة بأي شكل من أشكال الإنسانية، فانقلبت الأفكار لدى الكثيرين وأصبحوا يؤمّنون الخائن ويخوّنون الأمين، ويصدّقون الكاذب ويكذّبون الصادق!
هذه هي رسالتي لترزي المجتمعات: نطالبك فقط بمجتمع تجده القِيم الإنسانية حيث أمرتْه وتفتقده حيث نهتْه.
كذلك هي المجتمعات وكذلك هي التركيبة بداخلها، فقط كل ما يميز بينها هي القيم والضوابط الإنسانية والعقلية المترسخة في أذهان أفرادها قبل قوانينها ودساتيرها ومعتقداتها، فالمجتمع الذي تحكمه قوانين وضوابط العقل والقيم الإنسانية لا يحتاج للقوانين الوضعية في غالبية الأحيان، ويحتاجها فقط عند التعامل مع العناصر السلبية داخل المجتمع، وهذا لأنه يحكم نفسه بنفسه بدءاً من أول موظف وحتى رئيس الدولة نفسه.
هذا عكس المجتمعات التي تغيب عنها القيم والضوابط الإنسانية، فحتى وإن طُبق فيها القانون الوضعي على الأفراد كافة بداخله فلا بد أن يكون بها مظلومون؛ لأن الأفراد المنوط بهم تطبيق القانون وأصحاب المناصب العليا هم نتاج هذا المجتمع غير المنضبط قِيماً، وغالباً سيسيء أصحاب المناصب استخدامها، فهم لم يرضعوا من القيم الإنسانية ما يؤهلهم للتعامل بها مع غيرهم أو حتى مع أنفسهم.
فمتى سيرتقي مجتمعنا للنسخة الأولى من المجتمعات، تحكمه الضوابط والقيم الإنسانية قبل القوانين الوضعية، يحكم نفسه قبل أن يتحكم فيه شخص ما، ربما يكون افتقد أدنى أدوات الإنسانية، يحكم فيه الناس فيما بينهم بالعدل قبل أن يحتكموا لظالم؟ ومتى سيتراحم الناس فيما بينهم ويتضامن بعضهم مع بعض من دون النظر إلى الأفكار أو التوجهات، ويرفضون الظلم كصورة مطلقة وليس لأنفسهم فقط، ويبعثون روح التعاون بينهم وينمونها كسلاح قوي لقتل الاستقطاب؟
فإذا وصل مجتمعنا لهذه الدرجة من الانضباط القِيَمي فلن تجدوا فيه مظلوماً واحداً في أيٍّ من المجالات، وستجد المجنيَّ عليه يطالب أولاً بحق الجاني في محاكمة عادلة، وستجد من يطالب بالحرية يطالب بها للجميع ويحترم أولاً حريات الآخرين ويؤمن بأن حريته تقف عند حرية غيره وليست حرية مُفصَّلة خصيصاً لترضىي أفكاره وتوجهاته، فينتشر الأمن والأمان من تلقاء نفسه، ويجد التوافق مأوىً له في مجتمعنا، وبالتناسب الطردي تنخمد الصراعات في منابعها.
من يظن أن ضمانات الحياة الآمنة تأتي بالسوط هو حتماً خاطئ، فالسوط هو عنف مُقنن لا أكثر ولا يأتي سوى بمزيد من التدمير المجتمعي، والتهالك القيمي، فلم يعرف التاريخ حضارات بُنيت بالقوة، وإنما عرف التاريخ حضارات بُنيت بقيمها، وما قدمته للبشرية من علم وتقدم وانتفاع أبدي، وأيضاً لم تنهَر حضارة بأي من أنواع العنف، فقد عرف التاريخ العديد من الحضارات تعرضت للعنف والحروب ولم تنهَر قط؛ بل انهارت فقط حينما انهارت قِيمها ومبادئها.
انهارت منظومة القيم في مجتمعنا؛ فانتشر الظلم وفاحت رائحة الدماء، واستبيحت الأعراض وتفشت الضغينة، وانتصر القبح على الجمال في تنافسهما، والوطن يتألم لهم جميعاً، وكأن الترزي المتخصص في تفصيل المجتمعات الإنسانية أسقطنا من حساباته ويرفض الاعتراف بحقنا في مجتمع إنساني وتركنا نتعرض للاغتيال المعنوي من أبناء جلدتنا حينما نفكر فقط في المطالبة بأي شكل من أشكال الإنسانية، فانقلبت الأفكار لدى الكثيرين وأصبحوا يؤمّنون الخائن ويخوّنون الأمين، ويصدّقون الكاذب ويكذّبون الصادق!
هذه هي رسالتي لترزي المجتمعات: نطالبك فقط بمجتمع تجده القِيم الإنسانية حيث أمرتْه وتفتقده حيث نهتْه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mahmoud-aboelfetouh/story_b_18349768.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات