السبت، 7 أكتوبر 2017

نعم للحرب وإراقة الدماء

نعم للحرب وإراقة الدماء

منذ إعلان الساسة الأكراد تحديد 25 سبتمبر/أيلول 2017 موعداً للاستفتاء، حتى تحولت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق إلى ثكنات عسكرية مرعبة، وانطلقت بعد ذلك دعوات إلى القتال وسفك الدماء مجدداً، بعدما أنهكتنا الحرب على داعش طوال 3 سنوات، راح فيها كل شيء.

ورغم أن الحوار السياسي يكاد يتخذ مجراه في حل أزمة كهذه، فإن دخول أطراف سياسية معروفة مواقفها في صناعة الأزمات، قد حال دون ذلك كثيراً، وساهمت في تأجيج الموقف، بل دعت إلى إعلان الحرب مع الأكراد ولو بشكل غير رسمي، وطردهم من العراق وقتلهم والتنكيل بجثثهم والسيطرة على مناطقهم وتشريد عوائلهم في مشارق الأرض ومغاربها.

وفي الحقيقة أيضاً هذه الدعوات لا تختلف أصلاً عن الفعل الذي قام به داعش منذ سيطرته على الموصل وعلى عدد من المناطق في 2014، حينما استباح وقتل الناس وعذّبهم وفق تفسير ديني متطرف لا يمثل غير الموت، لكن جماعتنا لا يفرقون بين السياسة والشعب.

كل ما امتلأت به مواقع التواصل من تحريض وكراهية مقيتة، خلال الأيام والأشهر الماضية، تشعرك أنك لا تعيش في بلد يمكن القول إنه يسعى نحو الديمقراطية، بل في ثكنة عسكرية، عليك أن ترتدي خوذتك وتمر مسرعاً لئلا تصيبك قذيفة عابرة.

ثمة مواقع وإعلانات مموَّلة وصفحات وهمية، على فيسبوك، تغذي وتدفع الناس نحو الحرب، بل تبث إشاعات وأخباراً كاذبة عما يحصل في كركوك على سبيل المثال، بل يجعل أن أي خيار سياسي غير وارد، ليس هنالك سوى الحرب وانتظار الجثث؛ كي ينشروها على مواقع التواصل مثلما نشروا جثث الدواعش، وبمشاهد بشعة، لن تغذي سوى الكراهية والرغبة في القتل متى سنحت الفرصة.

ليس بالغريب أن يكون المزاج الشعبي العراقي بشكل عام يرغب بالحرب، في أي لحظة؛ كي يشعروا بنشوة النصر أو الهزيمة، وهؤلاء يشكلون مادة خام لتحريك الرأي العام نحو المشكلة، ولا يهمهم بعد ذلك أعداد النازحين الذين سيهربون من الموت المحتمل.

ما ذنب الأهالي في كركوك، وهم يعيشون اليوم على صفيح ساخن من الترقب والخوف من انطلاق أول شرارة لفتح أبواب جحيم الحرب الأهلية؟ وهي محاولة للتشويش على لغة الحوار، والترحيب بالتصعيد الاستفزازي التي تجعل الناس في مأزق حقيقي.

وكما يبدو فإن نسبة كبيرة من الناس ترغب في الحرب، رغم ما أصابها، وهو أسوأ خيار يمكن لأحدهم أن يختاره، وسط رغبة وشهية إقليمية واضحة في استمرار البلاد نحو الهاوية، واستغلال الفوضى والأزمات، كي يمرروا منتجاتهم ومواردهم إلى العراق، وهو بذلك يشكل سوقاً رائجة لبضائعهم، مما يعني أننا سنستمر سدنة للموت، إلى جانب كوننا ضحايا الفساد.

إلى الآن لا نملك فرصة جادة للنهوض، فأزمة الأكراد مع المركز، تسربت إلى جميع فئات الشعب العراقي وفق مزاج حاد، راغب بالقتل والموت للمعارضين له، وسط انتشار الفساد واستغلال رؤساء الأحزاب لهذه الفوضى.

واحد من أبسط الحلول يكمن في عدم خلط الرأي العام مما يحصل، فمن غير المعقول أن يخضع القرار السياسي إلى مزاج مدونين وناشطين على فيسبوك، لا أحد يعرف ما هي غاياتهم، ويتأثر بهم ويؤثر على المشهد العام في العراق، الأمر ليس تكميماً للأفواه، لكن هنالك فرقاً واضحاً بين مَن يحرّض ويقتل وبين من يسعى إلى النقد بشكل حقيقي، بهدف التصحيح.

أما ما يسعى إليه بارزاني، فهو لا يختلف عن تفكير أي مافيا أو مشيخة قبلية تسعى للنفوذ والمال، ولا يمتّ لعمل الدولة بشيء، وليس ساعياً إلى استقرارها بقدر استنزاف وصناعة أزمة كبيرة لا تنتهي إلا بفرض شروط خاصة، أقلها البقاء في المنصب لأطول فترة ممكنة.

أخيراً، نحن كمواطنين، أو على الأقل نسبة لا بأس بها، لسنا ضد أي جماعة بشرية تريد الاستقلال أو ترغب بالاستقلال حينما تشعر أنها بحاجة إلى ذلك، لكن آلية وتنفيذ والسير نحو الاستقلال بذلك الشكل الاستفزازي، ومحاولة فرض أمر واقع واستخدام سياسة صدامية، أمر مرفوض تماماً، الكثير من التجارب العالمية، استخدمت الحوار كطريق واحد نحو الاستقلال وليس تدمير ما تسعى إليه.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/alaa-abdulameer-kolie/story_b_18209268.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات