أعاد الرئيس الفلسطيني في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الدعوة بشكل واضح وصريح لإنهاء الاحتلال والاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وهو ما يستدعي التفكير لإعادة تقديم طلب جديد لمجلس الأمن من أجل نيل العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة.
فالطلب الذي يتوقع أن يلقى معارضة الولايات المتحدة الأميركية التي هددت دوماً باستخدام حق النقض (الفيتو)، الأمر الذي إن تم سيثير التساؤلات حول قانونية موقفها الرافض له.
ففي الواقع لقد تنازلت الولايات المتحدة منذ نشأة منظمة الأمم المتحدة عن حقها في استخدام هذه القوة (حق النقض الفيتو) في مثل تلك الحالات (طلبات عضوية الأمم المتحدة)، وهي بذلك تعتمد على أسباب لا تسمح لها برفض الطلب الفلسطيني في حال تقديمه.
إن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تخضع لإجراءات أساسية من خطوتين: توصية معتمدة من مجلس الأمن وتصويت الجمعية العامة. فداخل مجلس الأمن، لا بد من الحصول على أصوات تسعة أعضاء لصالح اعتماد طلب العضوية من أصل خمس عشرة دولة يحق لها التصويت في المجلس، على أن لا تعترض إحدى الدول الدائمة العضوية وهي: (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، والولايات المتحدة) على الطلب.
وبغض النظر عن النقاشات التي قد تجري في مجلس الأمن، فإن تقرير لجنة العضوية المنبثقة عنه هو مَن سيحدد شكل التوصية التي ستقدم للتصويت عليها في اجتماع لمجلس الأمن، الذي بدوره سيعطي قراره بالرفض أو القبول المشفوع بالدلائل والأسباب وفق أسس ميثاق الأمم المتحدة، ومن ثَم رفع تلك التوصية للجمعية العامة لاتخاذ القرار النهائي في طلب العضوية الكاملة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قد أعطت موقفاً معلناً منذ نشأة الأمم المتحدة على أنها لن تستخدم حقها في منع قبول أي دولة يحظى طلب عضويتها بدعم الأغلبية المطلوبة في مجلس الأمن؛ حيث تم توثيق موقفها في تقرير اللجنة الخاصة بقبول الأعضاء الجدد [تقرير رقم 25 Annex 5,7 - p.9 §49ـ A/2400 يونيو/حزيران 1953] خلال الدورة الثامنة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1953، والذي تضمن نصاً صريحاً: "إن حكومة الولايات المتحدة الأميركية تتفق مع غالبية الأعضاء على أنه لا ينبغي بموجبه على أي عضو دائم في مجلس الأمن أن يمارس حقه في النقض لمنع ترشيح دولة بعد حصولها على سبعة أصوات على الأقل في مجلس الأمن" [المجلس كان يتألف من 11 عضواً قبل عام 1966]. هذا الموقف الذي اتخذته دولة دائم العضوية في مجلس الأمن واستخدامها اللغوي لتعبير النفي، لا يمكن قراءته بشكل آخر سوى أنه تنازل واضح عن حقها في استخدام الفيتو في مثل تلك الحالات. (1)
لعل الموقف السابق للولايات المتحدة هو ما دفع الدبلوماسية الأميركية في عام 2011 بتكثيف ضغوطاتها على الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن؛ لكي لا يحصل الطلب الفلسطيني على الأغلبية المطلوبة، حيث تم رفض طلب العضوية لدولة فلسطين آنذاك بسبب دعم سبع دول فقط، مما دعا القيادة الفلسطينية في العام التالي 2012 إلى التوجه للجمعية العامة صاحبة الاختصاص في تقديم طلب الحصول على صفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة ونجحت حينها في مسعاها بعد موافقة أغلبية الدول الأعضاء.
أما اليوم وفي حالة تجديد الطلب الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة وضمان موافقة تسعة أصوات في مجلس الأمن، فإن الولايات المتحدة ستكون عاجزة عن استخدام حق النقض (الفيتو) التي تخلت عنه مسبقاً.
في كل الأحوال، من المرجح أن التصويت السلبي للولايات المتحدة الأميركية لن يكون ذا تأثير، خصوصاً أن التصويت المتعارض مع الأغلبية في مجلس الأمن خاضع لإشكالية قانونية قد تضع الفيتو الأميركي في موقع المساءلة والإلغاء من قِبل الجمعية العامة لاحقاً.
فطبقاً للمعايير التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، فإن مجلس الأمن هو صاحب قرار التقييم فيما إذا كان الكيان الذي يسعى للعضوية هو دولة ترغب بالسلام وقادرة على الوفاء بالتزامات ميثاق الأمم المتحدة.
ففي 28 مايو/أيار 1948 أشارت محكمة العدل الدولية في فتوى لها إلى أن قرار أي عضو في مجلس الأمن يجب أن لا يكون مبنياً على أسس غير التي حددها الميثاق، وفي هذا الإطار فقط تستطيع الدول وضع تقييمها بحرية وليس غيره سواه. (2)
لكن الولايات المتحدة سبق أن أوضحت الأسباب وراء موقفها الرافض للطلب الفلسطيني، وفقاً لخطاب الرئيس السابق أوباما الذي أوضح فيه أن من شأن تلك الخطوة أن تخرج الفلسطينيين من طاولة المفاوضات مع إسرائيل، وطالب بالعمل على تأجيل طلبهم في الحصول على العضوية الكاملة، ومن المتوقع أن يتخذ الرئيس الحالي دونالد ترامب الموقف ذاته. ومهما كانت أهمية تلك الحجة السياسية التي تتذرع بها دوماً الإدارة الأميركية إلا أنها لا تتعلق بتاتاً بالشروط التي وُضِعَت في ميثاق الأمم المتحدة حول طريقة استخدام حق النقض (الفيتو). وهنا يجب التذكير بما قاله سفير الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن عام 1947: "لا أعتقد أن واضعي الميثاق قد أرادوا إعطاء الحق لدولة في استخدام الفيتو لأسباب ليس لها علاقة بالميثاق، خصوصاً عندما يتعلق الأمر في طلب عضوية ترى فيه معظم الدول الأخرى أنه جدير بالقبول، في هذه الحالة هناك مما لا شك فيه ما يخالف قواعد استخدام حق النقض الفيتو". (3)
وتأسيساً على ما سبق، فإن تصويت الولايات المتحدة لن يكون عقبة أمام الطلب الفلسطيني في حال الحصول على موافقة 9 أصوات لتوصية مجلس الأمن. وفي هذه الحالة، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة سيكون لها الحق الأخير والمطلق في الحكم على طلب العضوية الكاملة، الذي يتوقع أن يتم منح الموافقة عليه في ظل اعتراف أكثر من 126 دولة عضو في الأمم المتحدة بشكل منفرد بدولة فلسطين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والمصادر
1. تقرير رقم A/2400 في 25 يونيو/حزيران 1953
2. فتوى محكمة العدل الدولية في 28 مايو/أيار 1948
3. Security Council official records 1947 n° 81, 190th and 191st meetings, 21 August 1947, p. 2133
فالطلب الذي يتوقع أن يلقى معارضة الولايات المتحدة الأميركية التي هددت دوماً باستخدام حق النقض (الفيتو)، الأمر الذي إن تم سيثير التساؤلات حول قانونية موقفها الرافض له.
ففي الواقع لقد تنازلت الولايات المتحدة منذ نشأة منظمة الأمم المتحدة عن حقها في استخدام هذه القوة (حق النقض الفيتو) في مثل تلك الحالات (طلبات عضوية الأمم المتحدة)، وهي بذلك تعتمد على أسباب لا تسمح لها برفض الطلب الفلسطيني في حال تقديمه.
إن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تخضع لإجراءات أساسية من خطوتين: توصية معتمدة من مجلس الأمن وتصويت الجمعية العامة. فداخل مجلس الأمن، لا بد من الحصول على أصوات تسعة أعضاء لصالح اعتماد طلب العضوية من أصل خمس عشرة دولة يحق لها التصويت في المجلس، على أن لا تعترض إحدى الدول الدائمة العضوية وهي: (روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا، والولايات المتحدة) على الطلب.
وبغض النظر عن النقاشات التي قد تجري في مجلس الأمن، فإن تقرير لجنة العضوية المنبثقة عنه هو مَن سيحدد شكل التوصية التي ستقدم للتصويت عليها في اجتماع لمجلس الأمن، الذي بدوره سيعطي قراره بالرفض أو القبول المشفوع بالدلائل والأسباب وفق أسس ميثاق الأمم المتحدة، ومن ثَم رفع تلك التوصية للجمعية العامة لاتخاذ القرار النهائي في طلب العضوية الكاملة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قد أعطت موقفاً معلناً منذ نشأة الأمم المتحدة على أنها لن تستخدم حقها في منع قبول أي دولة يحظى طلب عضويتها بدعم الأغلبية المطلوبة في مجلس الأمن؛ حيث تم توثيق موقفها في تقرير اللجنة الخاصة بقبول الأعضاء الجدد [تقرير رقم 25 Annex 5,7 - p.9 §49ـ A/2400 يونيو/حزيران 1953] خلال الدورة الثامنة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1953، والذي تضمن نصاً صريحاً: "إن حكومة الولايات المتحدة الأميركية تتفق مع غالبية الأعضاء على أنه لا ينبغي بموجبه على أي عضو دائم في مجلس الأمن أن يمارس حقه في النقض لمنع ترشيح دولة بعد حصولها على سبعة أصوات على الأقل في مجلس الأمن" [المجلس كان يتألف من 11 عضواً قبل عام 1966]. هذا الموقف الذي اتخذته دولة دائم العضوية في مجلس الأمن واستخدامها اللغوي لتعبير النفي، لا يمكن قراءته بشكل آخر سوى أنه تنازل واضح عن حقها في استخدام الفيتو في مثل تلك الحالات. (1)
لعل الموقف السابق للولايات المتحدة هو ما دفع الدبلوماسية الأميركية في عام 2011 بتكثيف ضغوطاتها على الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن؛ لكي لا يحصل الطلب الفلسطيني على الأغلبية المطلوبة، حيث تم رفض طلب العضوية لدولة فلسطين آنذاك بسبب دعم سبع دول فقط، مما دعا القيادة الفلسطينية في العام التالي 2012 إلى التوجه للجمعية العامة صاحبة الاختصاص في تقديم طلب الحصول على صفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة ونجحت حينها في مسعاها بعد موافقة أغلبية الدول الأعضاء.
أما اليوم وفي حالة تجديد الطلب الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة وضمان موافقة تسعة أصوات في مجلس الأمن، فإن الولايات المتحدة ستكون عاجزة عن استخدام حق النقض (الفيتو) التي تخلت عنه مسبقاً.
في كل الأحوال، من المرجح أن التصويت السلبي للولايات المتحدة الأميركية لن يكون ذا تأثير، خصوصاً أن التصويت المتعارض مع الأغلبية في مجلس الأمن خاضع لإشكالية قانونية قد تضع الفيتو الأميركي في موقع المساءلة والإلغاء من قِبل الجمعية العامة لاحقاً.
فطبقاً للمعايير التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، فإن مجلس الأمن هو صاحب قرار التقييم فيما إذا كان الكيان الذي يسعى للعضوية هو دولة ترغب بالسلام وقادرة على الوفاء بالتزامات ميثاق الأمم المتحدة.
ففي 28 مايو/أيار 1948 أشارت محكمة العدل الدولية في فتوى لها إلى أن قرار أي عضو في مجلس الأمن يجب أن لا يكون مبنياً على أسس غير التي حددها الميثاق، وفي هذا الإطار فقط تستطيع الدول وضع تقييمها بحرية وليس غيره سواه. (2)
لكن الولايات المتحدة سبق أن أوضحت الأسباب وراء موقفها الرافض للطلب الفلسطيني، وفقاً لخطاب الرئيس السابق أوباما الذي أوضح فيه أن من شأن تلك الخطوة أن تخرج الفلسطينيين من طاولة المفاوضات مع إسرائيل، وطالب بالعمل على تأجيل طلبهم في الحصول على العضوية الكاملة، ومن المتوقع أن يتخذ الرئيس الحالي دونالد ترامب الموقف ذاته. ومهما كانت أهمية تلك الحجة السياسية التي تتذرع بها دوماً الإدارة الأميركية إلا أنها لا تتعلق بتاتاً بالشروط التي وُضِعَت في ميثاق الأمم المتحدة حول طريقة استخدام حق النقض (الفيتو). وهنا يجب التذكير بما قاله سفير الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن عام 1947: "لا أعتقد أن واضعي الميثاق قد أرادوا إعطاء الحق لدولة في استخدام الفيتو لأسباب ليس لها علاقة بالميثاق، خصوصاً عندما يتعلق الأمر في طلب عضوية ترى فيه معظم الدول الأخرى أنه جدير بالقبول، في هذه الحالة هناك مما لا شك فيه ما يخالف قواعد استخدام حق النقض الفيتو". (3)
وتأسيساً على ما سبق، فإن تصويت الولايات المتحدة لن يكون عقبة أمام الطلب الفلسطيني في حال الحصول على موافقة 9 أصوات لتوصية مجلس الأمن. وفي هذه الحالة، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة سيكون لها الحق الأخير والمطلق في الحكم على طلب العضوية الكاملة، الذي يتوقع أن يتم منح الموافقة عليه في ظل اعتراف أكثر من 126 دولة عضو في الأمم المتحدة بشكل منفرد بدولة فلسطين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والمصادر
1. تقرير رقم A/2400 في 25 يونيو/حزيران 1953
2. فتوى محكمة العدل الدولية في 28 مايو/أيار 1948
3. Security Council official records 1947 n° 81, 190th and 191st meetings, 21 August 1947, p. 2133
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/basel-abusaid/-_13482_b_18105628.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات