تطورات العقود الماضية أظهرت أن الديكتاتورية في العالم العربي هي التي تسببت في كل هذه المآسي، وأن الحكام المصريين ورثوا السلطة الاستعمارية بمعرفتها؛ حتى تطمئن إلى أن هذه المنطقة لا تستطيع أن تستقل وتصبح طرفاً فاعلاً في العلاقات الدولية. ونظرة على جميع الدول العربية، وخاصة تلك التي واجهت المشاكل والتفتيت والفتن، سنجد أنها جميعاً دول أخذت بالنظام الجمهوري والتي قامت فيها الثورات، وخاصة تلك التي كانت أكثر قرباً من الغرب والولايات المتحدة.
فمصر -على سبيل المثال- ارتبط تطورها بزرع إسرائيل في المنطقة على حدودها، وأصبح نظامها الحاكم يتأثر تأثراً مباشراً بإسرائيل؛ مرة في إطار الصراع الذي انتهى دون حرب بهزيمة مصر على أرضها عام 1967، ومرة أخرى بالاستسلام لإسرائيل فيما عُرف بمعاهدة السلام، ولا يزال مصير مصر معلَّقاً بإسرائيل، على أساس أن من مصلحة إسرائيل أن تعاني مصر بحيث لا تستطيع أن تقف على قدميها ومن باب أولى لا تستطيع أن تلعب دوراً في المنطقة العربية؛ ولذلك فزعت إسرائيل من ثورة 25 يناير/كانون الثاني وسارعت إلى إطفائها بثورة مضادة أسلمت مصر إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور والانكسار.
ولذلك، فإن الديمقراطية في مصر تعني حرفياً نهاية إسرائيل، وقد دفعت مصر ثمناً غالياً في الدماء والمكانة والمعاناة والموارد والأموال؛ لأن الاستبداد الذي حلَّ بمصر في الحكم العسكري منذ عام 1952 هو نفسه الذي شجعته إسرائيل ما دام على اتفاق معها. أما عبد الناصر، فإنه بدأ على اتفاق مع الولايات المتحدة، ثم يئست إسرائيل من استئناسه فاستدرجته إلى مقتله بعد مغامراته ودعمه الانقلابات العسكرية في الدول المجاورة.
أما في سوريا، وبصرف النظر عن ظروفها الداخلية، فقد عرفت بواكير الانقلابات العسكرية بعد هزيمة العرب في فلسطين عام 1948، واستمرت الانقلابات العسكرية المقترنة بالاستبداد رغم كل الشعارات البراقة بما يناسب المخطط الإسرائيلي، الذي لا يسعده أن تتحول سوريا إلى نظام ديمقراطي، وبالقطع إن إسرائيل لا يسعدها عدم القدرة على احتواء النظام في سوريا فعمدت إلى تحطيمه وإلى تدمير سوريا بالكامل؛ أملاً في إخراجها من معادلة القوة، على الأقل في الصراع مع إسرائيل.
واما الديكتاتورية في العراق، فهي المسؤولة بشكل مباشر عن كل ما حلَّ بالعراق من دمار وتقسيم وتمزيق، ولعل المسألة الكردية هي إحدى الثمار المُرة للديكتاتورية في العراق بصرف النظر عن المشاعر القومية، أو غيرها من التقسيمات العاطفية التي يجب تجاوزها عند التحليل. فصدام حسين وأنصاره كانوا يعتقدون أنهم ينهضون بالعراق لكي يكون طرفاً مقابلاً لإيران وأطماعها، وكذلك سيادة العروبة في العراق، دون اهتمام بالأقليات، وهو ما سهَّل لأعداء العراق استغلاله ثم إنفاذ المؤامرة فيه.
وأما لبنان، فقد كان خارج المعادلة على أساس الطابع الطائفي، الذي منع ظهور الدولة اللبنانية، بينما ما يسمى الدولة الوطنية في الدول العربية الأخرى كانت في الواقع حكاماً مستبدين يمثلون هذه الدولة الوهمية ويخدرون الشعوب بالشعارات، كالوطنية والاستقلال وغيرهما.
وأما اليمن الذي كان تحت حكم الإمام، فقد قطَّعه انقلاب عبد الله السلال، ومع كل احترامنا لمشاعر بعض اليمنيين نحو ما يسمى الثورة اليمنية، فإن الثابت أن اليمن كان ضحية مصر والسعودية، وأن ثورة اليمن عام 2011 كان هدفها إنشاء دولة يمنية حديثة مدنية، ولكن الخليج أحبط هذه الثورة كما أحبط كل ثورات العرب.
وأما ليبيا، فقد انتقلت من الملكية إلى الحكم العسكري، الذي رهن تطوُّرها 4 عقود ولم تنشأ فيها دولة، ولما زال نظام القذافي تكشَّف المشهد الليبي عن قوى متصارعة على الثروة والحكم، وهكذا دفعت ليبيا ثمن الديكتاتورية والشعارات الفارغة.
وحرص الغرب على التوافق مع المستبد العربي ما دام هذا المستبد يحمي الفساد الذي يسند حكمه، ويسكت الغرب عنه مقابل مصالحه بهذه الدول، وكلها مصالح غير مشروعة؛ لأن التوافق في المصالح بين المستبد العربي والغربي وإسرائيل كان دائماً ضد مصالح الشعوب العربية، وسادت الديكتاتورية وتجذرت وتم توارثها في بعض الدول مثل مصر، التي استمر التوارث فيها في السلالة العسكرية، وأصبح النظام متحالفاً مع أصحاب المصالح بالداخل وأصحاب المصالح في الخارج.
ولا شك في أن التكلفة الباهظة في الحكم الديكتاتوري بالعالم العربي قد جعلت المنطقة العربية في أسوأ حال وجعلت مواردها نهباً للسفهاء من المنطقة وخارجها، والسند الرئيس للديكتاتورية العربية هو إسرائيل. وليس معنى ذلك أننا يجب أن ننتظر زوال إسرائيل حتى تزول الديكتاتورية العربية، ولكننا يجب أن نزرع الثقافة الديمقراطية عند الشعوب وأن نحصنها بالحقائق والوعي حتى تكشف المستبدين الذين أصبحوا يجاهرون بالقمع من أجل البقاء، وتلك هي المرحلة الأخيرة في حياة الديكتاتورية العربية، التي أصبحت شعاراتها الفارغة مكرورة بعد كل هذه المعاناة والهزائم.
وإذا كانت إسرائيل هي التي تحمي الديكتاتورية العربية فتستفيد منها، فإن إسرائيل لها الفضل في انكشاف كل المستبدين العرب، من خلال تجربتها الديمقراطية التي تعتبر أهم أوراقها عند الغرب، وأن من حسناتها أنها تكشف ما خفي من أخبار المستبد العربي من ناحية لإحراجه وتأليب الشعوب عليه، ومن ناحية أخرى بأن العالم العربي كله يفتقد حرية الإعلام والشفافية.
وأخيراً، إذا أرادت إسرائيل أن تعيش بالمنطقة في مرحلة ما بعد الديكتاتورية العربية، فعليها أن تتخلى عن هذه الديكتاتورية، وأن تشجع الشعوب العربية على الاستقلال والديمقراطية رغم أن هذه معادلة ليست مأمونة؛ لأن السرطان الصهيوني لا يمكن أن يتعايش مع الجسد العربي السليم.
فالسعي إلى فرض الديمقراطية العربية هو أعلى درجات تحصين الجسد العربي؛ حتى يتسلل السرطان الذي ربض فيه إلى خارجه، وتلك معركة كبرى تبدأ بوعي الشعوب وكشفها للحكام الفاسدين؛ لأن مصيرهم ارتبط بمصير إسرائيل؛ ولذلك تخلوا عن الشعارات المكشوفة وانخرطوا -بلا خجل- في مساندة المشروع الصهيوني.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن تكلفة إدخال الديمقراطية هي استثمار مضمون لتفادي مضار استمرار الديكتاتورية والعمالة والفساد.
فمصر -على سبيل المثال- ارتبط تطورها بزرع إسرائيل في المنطقة على حدودها، وأصبح نظامها الحاكم يتأثر تأثراً مباشراً بإسرائيل؛ مرة في إطار الصراع الذي انتهى دون حرب بهزيمة مصر على أرضها عام 1967، ومرة أخرى بالاستسلام لإسرائيل فيما عُرف بمعاهدة السلام، ولا يزال مصير مصر معلَّقاً بإسرائيل، على أساس أن من مصلحة إسرائيل أن تعاني مصر بحيث لا تستطيع أن تقف على قدميها ومن باب أولى لا تستطيع أن تلعب دوراً في المنطقة العربية؛ ولذلك فزعت إسرائيل من ثورة 25 يناير/كانون الثاني وسارعت إلى إطفائها بثورة مضادة أسلمت مصر إلى مستويات غير مسبوقة من التدهور والانكسار.
ولذلك، فإن الديمقراطية في مصر تعني حرفياً نهاية إسرائيل، وقد دفعت مصر ثمناً غالياً في الدماء والمكانة والمعاناة والموارد والأموال؛ لأن الاستبداد الذي حلَّ بمصر في الحكم العسكري منذ عام 1952 هو نفسه الذي شجعته إسرائيل ما دام على اتفاق معها. أما عبد الناصر، فإنه بدأ على اتفاق مع الولايات المتحدة، ثم يئست إسرائيل من استئناسه فاستدرجته إلى مقتله بعد مغامراته ودعمه الانقلابات العسكرية في الدول المجاورة.
أما في سوريا، وبصرف النظر عن ظروفها الداخلية، فقد عرفت بواكير الانقلابات العسكرية بعد هزيمة العرب في فلسطين عام 1948، واستمرت الانقلابات العسكرية المقترنة بالاستبداد رغم كل الشعارات البراقة بما يناسب المخطط الإسرائيلي، الذي لا يسعده أن تتحول سوريا إلى نظام ديمقراطي، وبالقطع إن إسرائيل لا يسعدها عدم القدرة على احتواء النظام في سوريا فعمدت إلى تحطيمه وإلى تدمير سوريا بالكامل؛ أملاً في إخراجها من معادلة القوة، على الأقل في الصراع مع إسرائيل.
واما الديكتاتورية في العراق، فهي المسؤولة بشكل مباشر عن كل ما حلَّ بالعراق من دمار وتقسيم وتمزيق، ولعل المسألة الكردية هي إحدى الثمار المُرة للديكتاتورية في العراق بصرف النظر عن المشاعر القومية، أو غيرها من التقسيمات العاطفية التي يجب تجاوزها عند التحليل. فصدام حسين وأنصاره كانوا يعتقدون أنهم ينهضون بالعراق لكي يكون طرفاً مقابلاً لإيران وأطماعها، وكذلك سيادة العروبة في العراق، دون اهتمام بالأقليات، وهو ما سهَّل لأعداء العراق استغلاله ثم إنفاذ المؤامرة فيه.
وأما لبنان، فقد كان خارج المعادلة على أساس الطابع الطائفي، الذي منع ظهور الدولة اللبنانية، بينما ما يسمى الدولة الوطنية في الدول العربية الأخرى كانت في الواقع حكاماً مستبدين يمثلون هذه الدولة الوهمية ويخدرون الشعوب بالشعارات، كالوطنية والاستقلال وغيرهما.
وأما اليمن الذي كان تحت حكم الإمام، فقد قطَّعه انقلاب عبد الله السلال، ومع كل احترامنا لمشاعر بعض اليمنيين نحو ما يسمى الثورة اليمنية، فإن الثابت أن اليمن كان ضحية مصر والسعودية، وأن ثورة اليمن عام 2011 كان هدفها إنشاء دولة يمنية حديثة مدنية، ولكن الخليج أحبط هذه الثورة كما أحبط كل ثورات العرب.
وأما ليبيا، فقد انتقلت من الملكية إلى الحكم العسكري، الذي رهن تطوُّرها 4 عقود ولم تنشأ فيها دولة، ولما زال نظام القذافي تكشَّف المشهد الليبي عن قوى متصارعة على الثروة والحكم، وهكذا دفعت ليبيا ثمن الديكتاتورية والشعارات الفارغة.
وحرص الغرب على التوافق مع المستبد العربي ما دام هذا المستبد يحمي الفساد الذي يسند حكمه، ويسكت الغرب عنه مقابل مصالحه بهذه الدول، وكلها مصالح غير مشروعة؛ لأن التوافق في المصالح بين المستبد العربي والغربي وإسرائيل كان دائماً ضد مصالح الشعوب العربية، وسادت الديكتاتورية وتجذرت وتم توارثها في بعض الدول مثل مصر، التي استمر التوارث فيها في السلالة العسكرية، وأصبح النظام متحالفاً مع أصحاب المصالح بالداخل وأصحاب المصالح في الخارج.
ولا شك في أن التكلفة الباهظة في الحكم الديكتاتوري بالعالم العربي قد جعلت المنطقة العربية في أسوأ حال وجعلت مواردها نهباً للسفهاء من المنطقة وخارجها، والسند الرئيس للديكتاتورية العربية هو إسرائيل. وليس معنى ذلك أننا يجب أن ننتظر زوال إسرائيل حتى تزول الديكتاتورية العربية، ولكننا يجب أن نزرع الثقافة الديمقراطية عند الشعوب وأن نحصنها بالحقائق والوعي حتى تكشف المستبدين الذين أصبحوا يجاهرون بالقمع من أجل البقاء، وتلك هي المرحلة الأخيرة في حياة الديكتاتورية العربية، التي أصبحت شعاراتها الفارغة مكرورة بعد كل هذه المعاناة والهزائم.
وإذا كانت إسرائيل هي التي تحمي الديكتاتورية العربية فتستفيد منها، فإن إسرائيل لها الفضل في انكشاف كل المستبدين العرب، من خلال تجربتها الديمقراطية التي تعتبر أهم أوراقها عند الغرب، وأن من حسناتها أنها تكشف ما خفي من أخبار المستبد العربي من ناحية لإحراجه وتأليب الشعوب عليه، ومن ناحية أخرى بأن العالم العربي كله يفتقد حرية الإعلام والشفافية.
وأخيراً، إذا أرادت إسرائيل أن تعيش بالمنطقة في مرحلة ما بعد الديكتاتورية العربية، فعليها أن تتخلى عن هذه الديكتاتورية، وأن تشجع الشعوب العربية على الاستقلال والديمقراطية رغم أن هذه معادلة ليست مأمونة؛ لأن السرطان الصهيوني لا يمكن أن يتعايش مع الجسد العربي السليم.
فالسعي إلى فرض الديمقراطية العربية هو أعلى درجات تحصين الجسد العربي؛ حتى يتسلل السرطان الذي ربض فيه إلى خارجه، وتلك معركة كبرى تبدأ بوعي الشعوب وكشفها للحكام الفاسدين؛ لأن مصيرهم ارتبط بمصير إسرائيل؛ ولذلك تخلوا عن الشعارات المكشوفة وانخرطوا -بلا خجل- في مساندة المشروع الصهيوني.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن تكلفة إدخال الديمقراطية هي استثمار مضمون لتفادي مضار استمرار الديكتاتورية والعمالة والفساد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/dr-abdullah-alashal/post_16296_b_18464352.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات