في مطلع عام 2013 وأثناء تصفحي موقع IMDB الشهير، شدني مسلسل حديث العرض بتقييم للمشاهدين تجاوز الـ9 من 10 اسمه بيت من ورق House of Cards.
شعرت بالقشعريرة تسري في جسدي، عند رؤيتي لبوستر العمل، فالبطولة المطلقة كانت للأميركي الحائز على جائزتي أوسكار "كيفين سبيسي"، وليس من المعتاد مشاهدة نجم هوليوودي أوسكاري يؤدي دور بطولة في مسلسل تلفزيوني، ما يشي بأن الإنتاج ضخم والمتعة فيه مضمونة.
من يومها صرت من أشد المتابعين حماسةً لحلقاته التي يؤدي فيها سبيسي شخصية "فرانك أنروود" السياسي الأميركي شديد المكر الذي لا يتوانى عن صحبة زوجته "سبيسي" عن ارتكاب جرائم القتل والتلاعب؛ ليصلا إلى البيت الأبيض.
فتح المسلسل باباً خلفياً للمشاهدين، تلصصوا منه على كيفية صنع القرار والسياسات الأميركية، ما جعله يحقق نجاحاً ساحقاً ونِسب مشاهدة عالية داخل الولايات المتحدة وخارجها؛ لتمر المواسم الواحد تلو الآخر وليخطف العديد من الجوائز الفنية المرموقة.. حتى ظهرت قبل أيام وبشكل مفاجئ أخبار صادمة بإيقاف عملاق الإنتاج "نتفلكس" للمسلسل بعد موسمه السادس المقرر عرضه العام المقبل، والسبب بحسب بيان الشركة هو: مشكلة عويصة بسبب اتهام وجهه الممثل المسرحي "أنوتوني راب" لبطل المسلسل "كيفين سبيسي"، الذي قال إن الأخير تحرش به جنسياً في عام 1986، عندما كان عمر راب 14 عاماً.
الخبر أحبط الكثيرين وأثار حفيظة بعضهم، فلولا ميول "سبيسي" غير السوية وأخلاقه السيئة ما كان ليتوقف هذا العمل الأسطوري، الذي كان في طريقه ليصير The Sopranos آخر في تاريخ الفن والتليفزيون الأميركي.
اعتذر "سبيسي" على حسابه في تويتر قائلاً: بكل صدق لا أتذكر هذه الحادثة، لكن إن كنت تصرفت بهذه الطريقة كما يصفها "راب" فإنني أدين له بأصدق اعتذار.
اعتذار لم يزِد الطين إلا بلةً.. فاتهامات راب كانت الحصاة التي أسقطت بيت الورق، فأخذت الأوراق بالتهاوي الواحدة تلو الأخرى في تتابع سريع كسقوط أحجار الدومينو. فبعدها بفترة وجيزة اتهم عدد من أفراد فريق عمل المسلسل "سبيسي" بالتحرش بهم أثناء تصوير الحلقات، ما يعني أنه لم يتوقف ولن يتوقف عن هذه الأفعال؛ ليظهر النجم الهوليوودي في أسوأ صورة ممكنة أمام الجميع.
آخر الأوراق الساقطة في البيت المتهاوي كانت من المخرج البريطاني المخضرم "ريدلي سكوت" الذي محا دور "سبيسي" في فيلم All The Money in The World ليعيد تصوير كل المشاهد مع ممثل بديل وهو الكندي "كريستوفر بلامر" في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ هوليوود.
كما أن بطلي الفيلم "ميشيل ويليامز" و"مارك وولبرغ" تحمسا لإعادة مشاهدهما مبديَين عدم رغبتهما في أن يظهرا في عمل مع شخص متسبب في فضيحة جنسية، خاصةً أنهما يتمتعان بسمعة جيدة في الوسط الفني.
تلا ذلك طرد شبكة نيتفلكس "سبيسي" وإعلانها وقف عرض فيلم قارب على الانتهاء من تصويره، مؤكدةً أنها لن تعرض الجزء السادس من House of cards إذا ظل ممثلاً فيه.
قد تكون هذه نهاية "كيفين سبيسي" الفنية، وهو ما أكده الممثل "براين كرانستون" نجم Breaking Bad قائلاً: "إنه ممثل رائع لكنه ليس بإنسان جيد، فما فعله مقرف جداً وحيواني".
بلا شك هو عقاب فني ومجتمعي تعرض له "سبيسي" -ويستحقه فعلاً- في دولة توصف بأنها تتربع على هرم الانحلال والفساد الأخلاقي.. في دولة طالما اعتبرناها كعرب ومسلمين أنها تشجع على الرذيلة ونشر كل ما هو فاسق في العالم، ورموز وسطها الفني يعيشون حياةً ماجنةً باخوسيةً.
إنها يا سادة أخلاقيات المهنة لدى الغرب وسمو الرسالة الفنية وحرصهم على انتقاء من يؤديها أمام الأجيال.
لنغير وجهتنا الآن إلى ليبيا.. البلد المحافظ والمعروف بشعبه المتدين، فمنذ سنوات وبين الحين والآخر تطل علينا فضيحة جنسية لأحد السياسيين أو المسؤولين الليبيين، تنتشر كالنار في الهشيم وتصير حديث الشارع لأيام.
تتصاعد رائحتهم حتى تزكم الأنوف، ولا نرى ردة فعل شعبية أو إعلامية أو حتى مؤسساتية على فضائح مَن يقودون البلاد ومن نأتمنهم على مصيرنا ومستقبل الأجيال من بعدنا.
فلا عقاب قانونياً ولا مجتمعياً ولا محاكمات أخلاقيةً.. لم نسمع بأي من زملائهم يبدي حتى امتعاضه منهم أو عدم رغبته بالعمل معهم حفاظاً على سمعته، بل العكس فلم يتجشم أي منهم عناء تقديم اعتذار، ولو على سبيل حفظ ماء الوجه، مستمرين في مناصبهم، مطلّين على شاشات الفضائيات بكل صفاقة وكأن شيئاً لم يكن.
فيا ترى هل هي سطحية الشعب والمجتمع الذي يخشى الغوص في هذه المسائل الأخلاقية رغم حساسيتها؟ أم أنه أمر طبيعي اعتاده الجميع في ظل انعدام أخلاق المهنة في السياسة الليبية؟
أترك لكم الإجابة..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/amr-mohammed-fathalla/post_16448_b_18646960.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات