"وفي حالة وفاة الملك يتولى الحكم بعده الأرشد من أولاد عبد العزيز آل سعود".. كانت هذه هي آلية انتقال السلطة في المملكة العربية السعودية، تلك الآلية التي تركها عبد العزيز آل سعود، الملك المؤسس للدولة السعودية الثالثة، لورثته الذين فاق عددهم السبعين بين أمير وأميرة، كانوا نتاج 36 زيجة، كان أكثرها لتوطيد أركان المملكة.
وبالفعل، نجحت هذه الآلية في تأجيل مشكلة تداول العرش في المملكة عدة عقود بعد الملك المؤسس، وحتى نجاحها هذا لم يكن كاملاً.
فقد وجد فيصل بن عبد العزيز، وهو الملك الثالث للمملكة وأول من قاد السعودية نحو التطوير والتنمية، أن الأمر يحتاج تدخلاً وتأويلاً جديداً، فهذه الآلية قد جعلت كل أولاد عبد العزيز يعتقدون أن لهم حقاً في الحكم؛ إما حاضراً أو آجلاً أو مستبدلاً بمخصصات وصلاحيات، وعليه فقد أرسى فيصل تفسيراً جديداً، وقال إن "الأرشد هو ابن واحد من القبائل الكبرى، وهذا له أن يقترب من دائرة الحكم ويشارك فيه، أما الباقي فعليهم أن ينشغلوا بالتجارة وأمور الحياة، فهذا أنفع لهم ولنا".
وصار حكم فيصل هو الأساس لتداول العرش والمناصب من حوله بين مجموعة من الأمراء وأولادهم. واستمر هذا الوضع طوال فترة حكم فيصل ومِن بعده خالد بن عبد العزيز، إلا أنه عندما طالت فترة حكم تاليهم الملك فهد بن عبد العزيز، كان هناك وضع جديد على أرض الواقع لا يخالف وصية عبد العزيز ولا مبدأ فيصل، ولكن أيضاً يكشف عن حقائق جديدة.
فهد بن عبد العزيز هو أول السبعة السديريين في تولي الحكم، وهؤلاء هم الأمراء السبعة الذين ينتمون إلى عائلة السديري القوية، وقرب نهاية حكمه كان هؤلاء السبعة متغلغلين في جميع مفاصل الدولة وممسكين بكل زمامات الأمور من الوزارات السيادية إلى الهيئات العليا، وكان ذلك خَصماً من رصيد القوتين الأخريين، وهما فرع شمر ويمثله الملك عبد الله وكان في حينه ولياً للعهد يشكو تهميش شخصه وفرعه في الحكم.
أما القوة الثالثة، فكانت أبناء فيصل ومعهم بعض الأمراء من الفروع الوسطى، وكان أقواهم في حينه سعود الفيصل بالخارجية، بينما كان الحرس الوطني في يد عبد الله الشمري، وعلى الجانب الأقوى كانت الداخلية في يد نايف السديري ونائبه أحمد السديري، والدفاع والطيران لم يخرجا من نفوذ السديريين من سلطان إلى نايف إلى سلمان.
جاء الملك عبد الله بن عبد العزيز ليواجه ما كان مؤجلاً، فآلية نقل السلطة لم تعد تصلح، وليس أمام أبناء الملك المؤسس إلا سنوات قليلة، وأغلبهم رحل إلى عالم آخر، والباقون طالهم الاعتلال صحياً وذهنياً، ولا يوجد لدى أحد ما يستطيع به أن ينظم انتقال السلطة إلى الأحفاد، ثم بينهم فيما بعد، وكان قراره بإنشاء هيئة البيعة المكونة مما بقي من الأبناء، وكانوا في حينه لا يزيدون على 15 ثم حفيد ممثل لكل أمير رحل، بجانب ممثل للملك وآخر لولي العهد.
وكان هذا في اعتقاد الملك عبد الله غير كافٍ، فوضع شرطين آخرَين؛ هما: ألا يكون الملك وولي عهده من فرع واحد، وألا يغير أحدٌ هذا النظام بأي شكل، ورحل عبد الله تاركاً أخاه سلمان ولياً للعهد، وبعده أخوه مقرن ولياً لولي العهد.
وتولى سلمان الحكم، وانتظر الجميع أن يكون عهد سلمان هو التطبيق للآلية الجديدة لتداول العرش، ومن المفارقات أن سلمان وقت أن كان أميراً كان دائماً موكّلاً بحل النزاعات الداخلية بين الأمراء، فإذا به يطيح بكل القواعد ويزيح كل الشخوص ويفسح طريق العرش لولده محمد، الذي انقضّ من غير تمهل، ناقضاً لعهد السديرية وهادماً لكل تقاليد العائلة المالكة؛ من تشاور وتوافق وتراضٍ، حتى أحمد بن عبد العزيز الأمير السديري القوي لم يعد يأبه له بن سلمان، فأصر على حملة اعتقال الأمراء رغم أن الأمير أحمد رفضها تماماً.
ومن العجيب أن محمد بن سلمان لم يكتفِ بوضع داخلي كارثي، سواء باقتصاد مأزوم بقوة أو بسلطة سياسية مهتزة بضعف، فإذا به يفتح على نفسه وبلده جبهات خارجية في اليمن وأمام قطر وحول سوريا ولبنان، حتى إنك لا ترى له خلاصاً، أما هو فلا أحد يعلم ماذا يرى أو ينتوي.
أطال الله في عمر الملك سلمان، سيكون اليوم التالي لرحيله يوماً عصيباً للعائلة وللمملكة بأسرها.. حفظ الله السعودية.
وبالفعل، نجحت هذه الآلية في تأجيل مشكلة تداول العرش في المملكة عدة عقود بعد الملك المؤسس، وحتى نجاحها هذا لم يكن كاملاً.
فقد وجد فيصل بن عبد العزيز، وهو الملك الثالث للمملكة وأول من قاد السعودية نحو التطوير والتنمية، أن الأمر يحتاج تدخلاً وتأويلاً جديداً، فهذه الآلية قد جعلت كل أولاد عبد العزيز يعتقدون أن لهم حقاً في الحكم؛ إما حاضراً أو آجلاً أو مستبدلاً بمخصصات وصلاحيات، وعليه فقد أرسى فيصل تفسيراً جديداً، وقال إن "الأرشد هو ابن واحد من القبائل الكبرى، وهذا له أن يقترب من دائرة الحكم ويشارك فيه، أما الباقي فعليهم أن ينشغلوا بالتجارة وأمور الحياة، فهذا أنفع لهم ولنا".
وصار حكم فيصل هو الأساس لتداول العرش والمناصب من حوله بين مجموعة من الأمراء وأولادهم. واستمر هذا الوضع طوال فترة حكم فيصل ومِن بعده خالد بن عبد العزيز، إلا أنه عندما طالت فترة حكم تاليهم الملك فهد بن عبد العزيز، كان هناك وضع جديد على أرض الواقع لا يخالف وصية عبد العزيز ولا مبدأ فيصل، ولكن أيضاً يكشف عن حقائق جديدة.
فهد بن عبد العزيز هو أول السبعة السديريين في تولي الحكم، وهؤلاء هم الأمراء السبعة الذين ينتمون إلى عائلة السديري القوية، وقرب نهاية حكمه كان هؤلاء السبعة متغلغلين في جميع مفاصل الدولة وممسكين بكل زمامات الأمور من الوزارات السيادية إلى الهيئات العليا، وكان ذلك خَصماً من رصيد القوتين الأخريين، وهما فرع شمر ويمثله الملك عبد الله وكان في حينه ولياً للعهد يشكو تهميش شخصه وفرعه في الحكم.
أما القوة الثالثة، فكانت أبناء فيصل ومعهم بعض الأمراء من الفروع الوسطى، وكان أقواهم في حينه سعود الفيصل بالخارجية، بينما كان الحرس الوطني في يد عبد الله الشمري، وعلى الجانب الأقوى كانت الداخلية في يد نايف السديري ونائبه أحمد السديري، والدفاع والطيران لم يخرجا من نفوذ السديريين من سلطان إلى نايف إلى سلمان.
جاء الملك عبد الله بن عبد العزيز ليواجه ما كان مؤجلاً، فآلية نقل السلطة لم تعد تصلح، وليس أمام أبناء الملك المؤسس إلا سنوات قليلة، وأغلبهم رحل إلى عالم آخر، والباقون طالهم الاعتلال صحياً وذهنياً، ولا يوجد لدى أحد ما يستطيع به أن ينظم انتقال السلطة إلى الأحفاد، ثم بينهم فيما بعد، وكان قراره بإنشاء هيئة البيعة المكونة مما بقي من الأبناء، وكانوا في حينه لا يزيدون على 15 ثم حفيد ممثل لكل أمير رحل، بجانب ممثل للملك وآخر لولي العهد.
وكان هذا في اعتقاد الملك عبد الله غير كافٍ، فوضع شرطين آخرَين؛ هما: ألا يكون الملك وولي عهده من فرع واحد، وألا يغير أحدٌ هذا النظام بأي شكل، ورحل عبد الله تاركاً أخاه سلمان ولياً للعهد، وبعده أخوه مقرن ولياً لولي العهد.
وتولى سلمان الحكم، وانتظر الجميع أن يكون عهد سلمان هو التطبيق للآلية الجديدة لتداول العرش، ومن المفارقات أن سلمان وقت أن كان أميراً كان دائماً موكّلاً بحل النزاعات الداخلية بين الأمراء، فإذا به يطيح بكل القواعد ويزيح كل الشخوص ويفسح طريق العرش لولده محمد، الذي انقضّ من غير تمهل، ناقضاً لعهد السديرية وهادماً لكل تقاليد العائلة المالكة؛ من تشاور وتوافق وتراضٍ، حتى أحمد بن عبد العزيز الأمير السديري القوي لم يعد يأبه له بن سلمان، فأصر على حملة اعتقال الأمراء رغم أن الأمير أحمد رفضها تماماً.
ومن العجيب أن محمد بن سلمان لم يكتفِ بوضع داخلي كارثي، سواء باقتصاد مأزوم بقوة أو بسلطة سياسية مهتزة بضعف، فإذا به يفتح على نفسه وبلده جبهات خارجية في اليمن وأمام قطر وحول سوريا ولبنان، حتى إنك لا ترى له خلاصاً، أما هو فلا أحد يعلم ماذا يرى أو ينتوي.
أطال الله في عمر الملك سلمان، سيكون اليوم التالي لرحيله يوماً عصيباً للعائلة وللمملكة بأسرها.. حفظ الله السعودية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mostafa-sorour/story_b_18561898.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات