عبْر عمرها الممتد لما يقارب 90 عاماً، مرت جماعة الإخوان المسلمين بتأسيسَين؛ كان الأول في مارس/آذار 1928 على يد مؤسسها ومرشدها الأول الإمام الشهيد حسن البنا واستمرت الجماعة في القيام بأدوارها الدعوية والاجتماعية والسياسية إلى أن تم حلها واعتقال الآلاف من أعضائها ورموزها وقادتها، بعد انقضاء سنوات العسل بين الجماعة والعسكر إبان انقلاب يوليو/تموز 1952.
توقفت الجماعة عن العمل إلى أن تم التأسيس الثاني للجماعة في سبعينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة والجماعة لا تزال تبحث عن هويتها بعد الفشل الذريع الذي أصابها على الأصعدة كافة، إضافة إلى الأزمات المتتالية التي أصابت جسد الجماعة العجوز منذ إحكام الجيل الأول لهذا التأسيس قبضته على الجماعة بقوة اللوائح والنظم التي وضعها وتحديداً منذ عام 1996 مع ولاية المرشد الخامس للجماعة الراحل مصطفى مشهور.
تلك اللوائح والنظم التي أصبحت بمثابة صنم من العجوة يُقدَّس حيناً ويُؤكل أحياناً أخرى في سبيل السيطرة على الجماعة، فعلى مدار الأعوام العشرين الماضية لم يأت على رأس الجماعة قادة وقد تم انتخابهم بناءً على برنامج أو مشروع، فالاختيار عادة ما يتم بناء على تلك اللوائح والنظم، التي تمت الإطاحة بها حينما اعتقد الجيل الأول أنها قد تنتقص من سيادته في انتخابات مكتب الإرشاد عام 2009.
وقبل أن نخوض غمار الحديث عن الأزمة الراهنة التي تضرب الجماعة منذ صيف 2014 ولا تزال مستمرة حتى الآن والتي وصفها البعض بالأزمة الأصعب في تاريخ الجماعة- دعونا نتفق على أن صعوبتها لا تكمن في قوتها؛ إذ مرت الجماعة بأزمات أكثر قوة من تلك الأزمة عبر مرحلتيها العمريتين، إلا أن صعوبتها تكمن في طبيعة الصراع الدائر فيها وكيفيته.
فعلى سبيل المثال وعبر سنوات مرحلة التأسيس الأول، مرت الجماعة بعدد من الأزمات اتسمت بالقوة، كأزمة عام 1937 الشهيرة والتي انتهت بانشقاق بعض مؤسسي الجماعة اعتراضاً على قبول الإمام الشهيد تبرعاً مالياً من شركة قناة السويس لبناء مسجد داخل الشركة، كذلك أزمة عام 1940 التي كان بطلها المحامي الشهير محمد عطية خميس والتي انتهت بانشقاقه وتأسيسه "حركة شباب محمد"، ثم أزمة عام 1947 التي انتهت بفصل أحمد السكري، وكيل الجماعة وأحد مؤسسيها، الذي قام بعد فصله بتأسيس جمعية "الإخوان المجاهدين الأحرار".
ثم كانت الأزمة الأعنف في تاريخ الجماعة والتي كان بطلها عبد الرحمن السندي، رئيس الجهاز الخاص، والذي أوصى الإمام الشهيد له أو للبكباشي جمال عبد الناصر بمنصب المرشد العام للجماعة من بعده، غير أن اعتقاله وما صاحبه من تنصيب المستشار حسن الهضيبي مرشداً ثانياً للجماعة، ثم اتخاذ الهضيبي قراراً بإعادة النظر في تشكيل النظام الخاص وإعفاء السندي من قيادته وتعيين أحمد حسنين بدلاً منه- كان دافعاً لتمرد السندي وقيامه وبعض أنصاره باحتلال المركز العام للجماعة واقتحام منزل الهضيبي؛ ما دفع مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية لاتخاذ قرار بفصله ومن معه.
وبانتقالنا إلى مرحلة التأسيس الثاني، نجد أن الجماعة قد أدمنت خلالها السير في طريق الأزمات منذ تولي المرشد الخامس للجماعة مصطفى مشهور مقاليد حكم الجماعة ومِن ورائه الجيل الأول عام 1996 والذي بدأ عهده بأزمة مجموعة حزب الوسط الشهيرة، حينما تقدم "ماضي" ورفاقه للجنة شؤون الأحزاب بطلب لتأسيس حزب، رجوعاً إلى نقاشات وموافقات مسبقة من القنوات الشرعية للجماعة، غير أن رغبة الجيل الأول في إجهاض المشروع، متخذاً من عدم وجود موافقة واضحة وصريحة من تلك القنوات ورفض "ماضي" ورفاقه الرضوخ لهم ذريعة لمشهور ومكتب إرشاده لفصلهم جميعاً؛ بل ومطاردتهم في ساحات المحاكم من خلال محامي الجماعة بقيادة مختار نوح!
أزمة أخرى عرفتها تلك المرحلة؛ ألا وهي أزمة انتخابات مكتب الإرشاد عام 2009، وما شابها من تلاعب وتربيطات ألقت بظلالها على ما بعد ثورة يناير/كانون الثاني المجيدة من انشقاقات لبعض قيادات الجماعة من أمثال الدكتور محمد حبيب، الذي أصبح بين ليلة وضحاها من ألدّ أعداء الجماعة، مروراً بالدكتور إبراهيم الزعفراني صاحب الشعبية الطاغية بالجماعة، وصولاً للأزمة الشهيرة المتعلقة بإعلان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ترشُّحه على رئاسة الجمهورية واتخاذ قرار بفصله نزولاً على لوائح ونظم الجماعة، التي سرعان ما تم التغاضي عنها؛ تماشياً مع الرغبة الحثيثة لرجل الأعمال خيرت الشاطر في الوصول إلى المقعد ذاته والذي تم اتخاذ قرار خوضه انتخابات الرئاسة بعد إعادة الشورى 3 مرات بما "يخالف" شرع الله! سبقت هذه الأزمة أزمة أخرى، أبطالها مجموعة ائتلاف شباب الثورة والتي انتهت بفصلهم من الجماعة وتأسيسهم حزب "التيار المصري".
وعلى الرغم من قوة جميع الأزمات السابق ذكرها، فإنها تختلف جذرياً عن الأزمة الأخيرة المشتعلة داخل أروقة الجماعة، فجميع الأزمات السابقة رضخ أصحاب الرؤى والأفكار والطاقات لقرارات أصحاب النفوذ والسلطة بالفصل من الجماعة وذهابهم لتأسيس كيانات أخرى تتسع لأفكارهم، على العكس تماماً مما يحدث في هذه الأزمة؛ فجيل الشباب أو الجيل الثاني للتأسيس يرفض تماماً الرضوخ لقرارات أصحاب النفوذ من الجيل الأول بالفصل من الجماعة كسابقيهم، مؤمناً بأن الجماعة تتسع للجميع وأن النظم واللوائح ليست منزَّلة من السماء، وأن القادة بشر يخطئون كما يصيبوا، وهو ما يرفضه أبناء الجيل الأول من أرباب المعاشات والخانعين السائرين في ركابهم، رافضين تماماً مبدأ محاسبة القادة بإعتبارهم رموزاً فوق المحاسبة، تماماً كغيرهم ممن يرفضون محاسبة الوزراء والرؤساء على أخطائهم وخطاياهم في الأنظمة الديكتاتورية بإعتبارهم رموزاً للدولة.
وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن طبيعة الإطار البنائي للجماعة والمتمثل في التنظيم الهرمي بصورته الشيوعية التقليدية مع الفارق الأيديولوجي- تعد أحد أهم مسببات الأزمة، فهذا النسق الهرمي الذي أدى إلى عزلة الجماعة مجتمعياً، ساهم أيضاً بدرجة كبيرة في جهل قواعد الجماعة بما يدور في مطبخ صنع القرار، انتظاراً لما قد يسمح به قادة التنظيم من معلومات يتم تمريرها إلى القواعد من خلال جلسات توضيح الرؤية طبقاً للاستراتيجية الفرعونية "ما أُريكم إلا ما أرى".
فلا وجه إذن للمقارنة بين جيل شاب شارك في صناعة ثورة وأعلى من قيمة الفهم على السمع والطاعة، جيل يعمل ويفكر ويبحث عن الحق، جيل يحلم بالتغيير والتطور، وجيل آخر أصابه التكلُّس، يرفض التطور منذ أن تمكن من هيكلة الجماعة بشكل جذري في التسعينيات، محكِماً سيطرته على التنظيم بشكل كامل؛ من الرؤية والاستراتيجية الخاصة بالتنظيم، وصولاً إلى العضوية وتصعيد الأفراد داخل الجماعة، جيل لا يعترف بالثورة في أدبياتها توازياً مع ما يقدمه من عوار سياسي، جيل أجاد صناعة الفشل؛ بل وساهم في تقزيم دور جماعةٍ قال عنها مؤسسها ومرشدها الأول إنها روح جديد تسري في جسد الأمة فتحييها بالقرآن، فيما اكتفى رموزه بالقول عنها إنها فصيل سياسي وطني!
وبعيداً عن الصراع الدائر، فإن رفاهية حل الأزمة تكاد تتلاشى بمرور الوقت، فالجماعة التي تأخر إعادة تأسيسها كثيراً، وتحديداً منذ وضْعها رهينة بيد الجيل الأول، باتت في أمسّ الحاجة الآن لتأسيس ثالث، فالتخبط والفشل الذي تحصده الجماعة على الأصعدة كافة طوال العقدين الماضيين ما هو إلا نتيجة طبيعية لفساد إدارتها، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
ولم يعد هناك مناص للخروج من تلك الأزمة سوى بإجراء المراجعات الجدية والتقييمات الصادقة والمحاسبة الشفافة وإعلاء الكفاءة على الثقة والإسراع في تسليم السلطة من جانب الجيل الأول إلى جيل الشباب، الذي لولاه ما استمرت الجماعة على قيد الحياة إكلينيكياً بعد الهجمة الأمنية الشرسة في صيف 2013 حتى نصل في النهاية إلى تأسيس ثالث للجماعة ينتشلها من الفشل الذريع والضياع الحتمي الذي ينتظرها؛ لسوء إدارتها على يد مجموعة من الفارّين من إحدى دور المسنين والذين يتبعون سياسة ترقيع ثوب الجماعة، في محاولة لإخفاء الأخطاء بدلاً من معالجتها، متخذين من سياسة تفويض بعض عناصر الجيل الأول للقيام بالمهام القيادية للجماعة بعيداً عن الانتخابات التي يخشون إقامتها؛ خوفاً من الإطاحة بهم، متحججين كأسلافهم بأن الظرف الراهن لا يحتمل إقامة انتخابات قدر احتياجه لسير الصف في ركابهم، مبدياً السمع والطاعة العمياوين.
توقفت الجماعة عن العمل إلى أن تم التأسيس الثاني للجماعة في سبعينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت وحتى هذه اللحظة والجماعة لا تزال تبحث عن هويتها بعد الفشل الذريع الذي أصابها على الأصعدة كافة، إضافة إلى الأزمات المتتالية التي أصابت جسد الجماعة العجوز منذ إحكام الجيل الأول لهذا التأسيس قبضته على الجماعة بقوة اللوائح والنظم التي وضعها وتحديداً منذ عام 1996 مع ولاية المرشد الخامس للجماعة الراحل مصطفى مشهور.
تلك اللوائح والنظم التي أصبحت بمثابة صنم من العجوة يُقدَّس حيناً ويُؤكل أحياناً أخرى في سبيل السيطرة على الجماعة، فعلى مدار الأعوام العشرين الماضية لم يأت على رأس الجماعة قادة وقد تم انتخابهم بناءً على برنامج أو مشروع، فالاختيار عادة ما يتم بناء على تلك اللوائح والنظم، التي تمت الإطاحة بها حينما اعتقد الجيل الأول أنها قد تنتقص من سيادته في انتخابات مكتب الإرشاد عام 2009.
وقبل أن نخوض غمار الحديث عن الأزمة الراهنة التي تضرب الجماعة منذ صيف 2014 ولا تزال مستمرة حتى الآن والتي وصفها البعض بالأزمة الأصعب في تاريخ الجماعة- دعونا نتفق على أن صعوبتها لا تكمن في قوتها؛ إذ مرت الجماعة بأزمات أكثر قوة من تلك الأزمة عبر مرحلتيها العمريتين، إلا أن صعوبتها تكمن في طبيعة الصراع الدائر فيها وكيفيته.
فعلى سبيل المثال وعبر سنوات مرحلة التأسيس الأول، مرت الجماعة بعدد من الأزمات اتسمت بالقوة، كأزمة عام 1937 الشهيرة والتي انتهت بانشقاق بعض مؤسسي الجماعة اعتراضاً على قبول الإمام الشهيد تبرعاً مالياً من شركة قناة السويس لبناء مسجد داخل الشركة، كذلك أزمة عام 1940 التي كان بطلها المحامي الشهير محمد عطية خميس والتي انتهت بانشقاقه وتأسيسه "حركة شباب محمد"، ثم أزمة عام 1947 التي انتهت بفصل أحمد السكري، وكيل الجماعة وأحد مؤسسيها، الذي قام بعد فصله بتأسيس جمعية "الإخوان المجاهدين الأحرار".
ثم كانت الأزمة الأعنف في تاريخ الجماعة والتي كان بطلها عبد الرحمن السندي، رئيس الجهاز الخاص، والذي أوصى الإمام الشهيد له أو للبكباشي جمال عبد الناصر بمنصب المرشد العام للجماعة من بعده، غير أن اعتقاله وما صاحبه من تنصيب المستشار حسن الهضيبي مرشداً ثانياً للجماعة، ثم اتخاذ الهضيبي قراراً بإعادة النظر في تشكيل النظام الخاص وإعفاء السندي من قيادته وتعيين أحمد حسنين بدلاً منه- كان دافعاً لتمرد السندي وقيامه وبعض أنصاره باحتلال المركز العام للجماعة واقتحام منزل الهضيبي؛ ما دفع مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية لاتخاذ قرار بفصله ومن معه.
وبانتقالنا إلى مرحلة التأسيس الثاني، نجد أن الجماعة قد أدمنت خلالها السير في طريق الأزمات منذ تولي المرشد الخامس للجماعة مصطفى مشهور مقاليد حكم الجماعة ومِن ورائه الجيل الأول عام 1996 والذي بدأ عهده بأزمة مجموعة حزب الوسط الشهيرة، حينما تقدم "ماضي" ورفاقه للجنة شؤون الأحزاب بطلب لتأسيس حزب، رجوعاً إلى نقاشات وموافقات مسبقة من القنوات الشرعية للجماعة، غير أن رغبة الجيل الأول في إجهاض المشروع، متخذاً من عدم وجود موافقة واضحة وصريحة من تلك القنوات ورفض "ماضي" ورفاقه الرضوخ لهم ذريعة لمشهور ومكتب إرشاده لفصلهم جميعاً؛ بل ومطاردتهم في ساحات المحاكم من خلال محامي الجماعة بقيادة مختار نوح!
أزمة أخرى عرفتها تلك المرحلة؛ ألا وهي أزمة انتخابات مكتب الإرشاد عام 2009، وما شابها من تلاعب وتربيطات ألقت بظلالها على ما بعد ثورة يناير/كانون الثاني المجيدة من انشقاقات لبعض قيادات الجماعة من أمثال الدكتور محمد حبيب، الذي أصبح بين ليلة وضحاها من ألدّ أعداء الجماعة، مروراً بالدكتور إبراهيم الزعفراني صاحب الشعبية الطاغية بالجماعة، وصولاً للأزمة الشهيرة المتعلقة بإعلان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ترشُّحه على رئاسة الجمهورية واتخاذ قرار بفصله نزولاً على لوائح ونظم الجماعة، التي سرعان ما تم التغاضي عنها؛ تماشياً مع الرغبة الحثيثة لرجل الأعمال خيرت الشاطر في الوصول إلى المقعد ذاته والذي تم اتخاذ قرار خوضه انتخابات الرئاسة بعد إعادة الشورى 3 مرات بما "يخالف" شرع الله! سبقت هذه الأزمة أزمة أخرى، أبطالها مجموعة ائتلاف شباب الثورة والتي انتهت بفصلهم من الجماعة وتأسيسهم حزب "التيار المصري".
وعلى الرغم من قوة جميع الأزمات السابق ذكرها، فإنها تختلف جذرياً عن الأزمة الأخيرة المشتعلة داخل أروقة الجماعة، فجميع الأزمات السابقة رضخ أصحاب الرؤى والأفكار والطاقات لقرارات أصحاب النفوذ والسلطة بالفصل من الجماعة وذهابهم لتأسيس كيانات أخرى تتسع لأفكارهم، على العكس تماماً مما يحدث في هذه الأزمة؛ فجيل الشباب أو الجيل الثاني للتأسيس يرفض تماماً الرضوخ لقرارات أصحاب النفوذ من الجيل الأول بالفصل من الجماعة كسابقيهم، مؤمناً بأن الجماعة تتسع للجميع وأن النظم واللوائح ليست منزَّلة من السماء، وأن القادة بشر يخطئون كما يصيبوا، وهو ما يرفضه أبناء الجيل الأول من أرباب المعاشات والخانعين السائرين في ركابهم، رافضين تماماً مبدأ محاسبة القادة بإعتبارهم رموزاً فوق المحاسبة، تماماً كغيرهم ممن يرفضون محاسبة الوزراء والرؤساء على أخطائهم وخطاياهم في الأنظمة الديكتاتورية بإعتبارهم رموزاً للدولة.
وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن طبيعة الإطار البنائي للجماعة والمتمثل في التنظيم الهرمي بصورته الشيوعية التقليدية مع الفارق الأيديولوجي- تعد أحد أهم مسببات الأزمة، فهذا النسق الهرمي الذي أدى إلى عزلة الجماعة مجتمعياً، ساهم أيضاً بدرجة كبيرة في جهل قواعد الجماعة بما يدور في مطبخ صنع القرار، انتظاراً لما قد يسمح به قادة التنظيم من معلومات يتم تمريرها إلى القواعد من خلال جلسات توضيح الرؤية طبقاً للاستراتيجية الفرعونية "ما أُريكم إلا ما أرى".
فلا وجه إذن للمقارنة بين جيل شاب شارك في صناعة ثورة وأعلى من قيمة الفهم على السمع والطاعة، جيل يعمل ويفكر ويبحث عن الحق، جيل يحلم بالتغيير والتطور، وجيل آخر أصابه التكلُّس، يرفض التطور منذ أن تمكن من هيكلة الجماعة بشكل جذري في التسعينيات، محكِماً سيطرته على التنظيم بشكل كامل؛ من الرؤية والاستراتيجية الخاصة بالتنظيم، وصولاً إلى العضوية وتصعيد الأفراد داخل الجماعة، جيل لا يعترف بالثورة في أدبياتها توازياً مع ما يقدمه من عوار سياسي، جيل أجاد صناعة الفشل؛ بل وساهم في تقزيم دور جماعةٍ قال عنها مؤسسها ومرشدها الأول إنها روح جديد تسري في جسد الأمة فتحييها بالقرآن، فيما اكتفى رموزه بالقول عنها إنها فصيل سياسي وطني!
وبعيداً عن الصراع الدائر، فإن رفاهية حل الأزمة تكاد تتلاشى بمرور الوقت، فالجماعة التي تأخر إعادة تأسيسها كثيراً، وتحديداً منذ وضْعها رهينة بيد الجيل الأول، باتت في أمسّ الحاجة الآن لتأسيس ثالث، فالتخبط والفشل الذي تحصده الجماعة على الأصعدة كافة طوال العقدين الماضيين ما هو إلا نتيجة طبيعية لفساد إدارتها، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.
ولم يعد هناك مناص للخروج من تلك الأزمة سوى بإجراء المراجعات الجدية والتقييمات الصادقة والمحاسبة الشفافة وإعلاء الكفاءة على الثقة والإسراع في تسليم السلطة من جانب الجيل الأول إلى جيل الشباب، الذي لولاه ما استمرت الجماعة على قيد الحياة إكلينيكياً بعد الهجمة الأمنية الشرسة في صيف 2013 حتى نصل في النهاية إلى تأسيس ثالث للجماعة ينتشلها من الفشل الذريع والضياع الحتمي الذي ينتظرها؛ لسوء إدارتها على يد مجموعة من الفارّين من إحدى دور المسنين والذين يتبعون سياسة ترقيع ثوب الجماعة، في محاولة لإخفاء الأخطاء بدلاً من معالجتها، متخذين من سياسة تفويض بعض عناصر الجيل الأول للقيام بالمهام القيادية للجماعة بعيداً عن الانتخابات التي يخشون إقامتها؛ خوفاً من الإطاحة بهم، متحججين كأسلافهم بأن الظرف الراهن لا يحتمل إقامة انتخابات قدر احتياجه لسير الصف في ركابهم، مبدياً السمع والطاعة العمياوين.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/badreldin-atya/-_13899_b_18414018.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات