بعد طول نقاش ونحن في طريقنا لتناول الغداء، قال لي: "الدولة حڨارة"، وكأنه يرمي إليّ َّبالمنشفة وخلاصة الحديث. خرجت تلك الكلمات من دون أي ملامح "زعاف"، نرفزة أو قلق رغم أنه احتدَّ في النقاش كعادته قبل قليل.
تلفظ بها من دون أي تعابير على وجهه قد تهمس بما في داخله، لكن صوته أسرّ بكل شيء حين لزمته نبرة الموضوعية الهادئة التي لا تبدي غضباً أو سروراً تجاه الموضوع، بتنغيم كالذي تعلمنا أنه يرفق الجملة الخبرية، فلا صعود فيه ولا نزول.
شعرت وكأنه لا يسعني إلا التنهد طويلاً وتريث في الرد قليلاً، قبل أن أنطق مجيباً عن عبارة قيلت وكأن صاحبها سلّم بأمر واقع هو فيه كالقنفذ في البئر ولا ينتظر مني فيها رأياً، نبرة تجعل من الجملة مسلّمة لا تحتمل غير الصواب كما لو أنه قال: "السماء زرقاء اليوم". أي كلمات أختار لأهوّن على نفسي قبل أن أهوّن على صديقي مصابنا الجلل؟
تلك اللحظات التي أعقبت الجملة ملأتها في عقلي أفكار من كل مجاري حياتي، من كل ما رأيته في حلّي وترحالي، وكل ما تعلمته من حصص دراسة الوسط بالابتدائي إلى محاضرات العنف السياسي بالجامعة، ومروراً بما أقرأ وأشاهد على الإنترنت، ولكنها جميعاً صبت في دلو واحد: هل حقاً الدولة بجميع مكوناتها "حڨارة"؟
إذا نظرت إلى التعريفات الموضوعة للدولة على اختلافها، للاحظت اتفاقها على أن الدولة كيان معنوي، بعبارة أخرى "وهمي"، لا يكتسب كينونة أو وجوداً إلا بوجود شعب تديره مؤسسات وفقاً لنظام سياسي متفق عليه ضمن حدود جغرافية متعارف عليها (أو متنازع عليها في بعض الأحيان للأسف).
أي إذا ما طبقتُ هذا المفهوم على بلدي وجدتُ أن الدولة مكونة من مؤسسات (الحكومة، الرئاسة، البرلمان، الجيش...)، تدير الشعب وحياته بأدوات قوة يقيدها نظام سياسي يحدد معالمه الدستورُ الذي صوّّت عليه الشعب في أكثر من مناسبة بعد أن اختار كل كم سنة مشرّعيه في البرلمان.
إذا جمعنا بين جملة صديقي ومفهوم الدولة في العصر الحديث، فالأمر لا يبشر بخير ويجانبه المنطق، لسبب رئيسي واحد: لو سلمت بأني شخص عاقل في المجمل، أيعقل أن أظلم نفسي؟ أيعقل أن يظلم الشعب نفسه؟ أفكار كثيرة محبطة تسري في عقلي وأنا أفكر في هذه الجملة!
المجتمع المدني (الشعب) مؤسسة قائمة بذاتها، تماماً كالرئاسة والبرلمان والحكومة؛ بل هو مؤسسة تمتلك السلطة الأقوى بين المؤسسات جميعها، ويذهب كثيرون إلى القول بأنه مُنبَثَقُ المؤسسات الأخرى جميعها، وليس لأي منها أن تكون إن هو (الشعب) لم يكن! فكيف يلد الشعب من يظلمه وهو يحمل بيده سلطة اختيار المُشَرِع ومن يجلس على كرسي البرلمان، يملك سلطة انتقاء الرئيس؛ ومن ثم شكل الحكومة؟ ؛ بل ويملك سلطة إلغاء كل مؤسسات الدولة الأخرى بجلوسه على كرسي حديقة عامة أو رصيف شارع ورفع لافتة عدم رضى إن ثبت عقوق المؤسسات التي حمل بها رحمه.
الشعب هو الثابت الوحيد الذي لا يزول، كيف إذن لأشخاص بكل هذه القوة والسلطة أن يُظلموا؟ أم "أن الناس أنفسهم يظلمون"؟
الموقف لا يحتمل جملاً كثيرة، ففتحتُ باب المطعم لصديقي قائلاً: "واش دير، مكاش كيفاه" (ماذا عساك أن تفعل؟ لا سبيل لإيجاد حل)، وأنا بداخلي أعلم أنه "كاين كيفاه"، ولكن مع الجوع لا يسع الحديث عن الحقوق.
تلفظ بها من دون أي تعابير على وجهه قد تهمس بما في داخله، لكن صوته أسرّ بكل شيء حين لزمته نبرة الموضوعية الهادئة التي لا تبدي غضباً أو سروراً تجاه الموضوع، بتنغيم كالذي تعلمنا أنه يرفق الجملة الخبرية، فلا صعود فيه ولا نزول.
شعرت وكأنه لا يسعني إلا التنهد طويلاً وتريث في الرد قليلاً، قبل أن أنطق مجيباً عن عبارة قيلت وكأن صاحبها سلّم بأمر واقع هو فيه كالقنفذ في البئر ولا ينتظر مني فيها رأياً، نبرة تجعل من الجملة مسلّمة لا تحتمل غير الصواب كما لو أنه قال: "السماء زرقاء اليوم". أي كلمات أختار لأهوّن على نفسي قبل أن أهوّن على صديقي مصابنا الجلل؟
تلك اللحظات التي أعقبت الجملة ملأتها في عقلي أفكار من كل مجاري حياتي، من كل ما رأيته في حلّي وترحالي، وكل ما تعلمته من حصص دراسة الوسط بالابتدائي إلى محاضرات العنف السياسي بالجامعة، ومروراً بما أقرأ وأشاهد على الإنترنت، ولكنها جميعاً صبت في دلو واحد: هل حقاً الدولة بجميع مكوناتها "حڨارة"؟
إذا نظرت إلى التعريفات الموضوعة للدولة على اختلافها، للاحظت اتفاقها على أن الدولة كيان معنوي، بعبارة أخرى "وهمي"، لا يكتسب كينونة أو وجوداً إلا بوجود شعب تديره مؤسسات وفقاً لنظام سياسي متفق عليه ضمن حدود جغرافية متعارف عليها (أو متنازع عليها في بعض الأحيان للأسف).
أي إذا ما طبقتُ هذا المفهوم على بلدي وجدتُ أن الدولة مكونة من مؤسسات (الحكومة، الرئاسة، البرلمان، الجيش...)، تدير الشعب وحياته بأدوات قوة يقيدها نظام سياسي يحدد معالمه الدستورُ الذي صوّّت عليه الشعب في أكثر من مناسبة بعد أن اختار كل كم سنة مشرّعيه في البرلمان.
إذا جمعنا بين جملة صديقي ومفهوم الدولة في العصر الحديث، فالأمر لا يبشر بخير ويجانبه المنطق، لسبب رئيسي واحد: لو سلمت بأني شخص عاقل في المجمل، أيعقل أن أظلم نفسي؟ أيعقل أن يظلم الشعب نفسه؟ أفكار كثيرة محبطة تسري في عقلي وأنا أفكر في هذه الجملة!
المجتمع المدني (الشعب) مؤسسة قائمة بذاتها، تماماً كالرئاسة والبرلمان والحكومة؛ بل هو مؤسسة تمتلك السلطة الأقوى بين المؤسسات جميعها، ويذهب كثيرون إلى القول بأنه مُنبَثَقُ المؤسسات الأخرى جميعها، وليس لأي منها أن تكون إن هو (الشعب) لم يكن! فكيف يلد الشعب من يظلمه وهو يحمل بيده سلطة اختيار المُشَرِع ومن يجلس على كرسي البرلمان، يملك سلطة انتقاء الرئيس؛ ومن ثم شكل الحكومة؟ ؛ بل ويملك سلطة إلغاء كل مؤسسات الدولة الأخرى بجلوسه على كرسي حديقة عامة أو رصيف شارع ورفع لافتة عدم رضى إن ثبت عقوق المؤسسات التي حمل بها رحمه.
الشعب هو الثابت الوحيد الذي لا يزول، كيف إذن لأشخاص بكل هذه القوة والسلطة أن يُظلموا؟ أم "أن الناس أنفسهم يظلمون"؟
الموقف لا يحتمل جملاً كثيرة، ففتحتُ باب المطعم لصديقي قائلاً: "واش دير، مكاش كيفاه" (ماذا عساك أن تفعل؟ لا سبيل لإيجاد حل)، وأنا بداخلي أعلم أنه "كاين كيفاه"، ولكن مع الجوع لا يسع الحديث عن الحقوق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/-ibrahim-ahmaid-/story_b_18610914.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات