الأحد، 26 نوفمبر 2017

على هامش تفجير مسجد العريش.. هذا ما جلبه لنا التطرُّف

على هامش تفجير مسجد العريش.. هذا ما جلبه لنا التطرُّف

ملحوظة: التدوينة بالعامية المصرية


03

ربما صورة زي دي من أفضل الردود على حادثة تفجير المسجد في العريش.. أوقات كتير بنكتب ردود علمية ودينية وسياسية .. إلخ، لنقاش هؤلاء، لكن الصورة دي جزء من الرد.

هتفضل مصر محتوية كافة تنويعات الحياة التي تعبر تعبيراً شاملاً عن البشر.. عندنا كازينو وملهى ليلي في شارع الهرم والسيارات أمامه طابور.. وإلى جواره هتلاقي مستشفى فيه أطباء شبان يكافحون من أجل لقمة العيش وإنقاذ الناس. وجنب ده هتلاقي مسجد فيه ناس تستيقظ لصلاة الفجر وتحافظ عليها عشرات السنين دون انقطاع. هتلاقي بتاع الفول بيجهز القدرة على العربية ليبدأ يومه، وسيارة مرسيدس تتوقف لتنتظر أول ساندويتش وصاحبها يترك للبائع بقشيشاً كبيراً، وكلاهما يتعامل مع الآخر بأريحية.

مصر طول عمرها فيها أجمل صوت يقرأ قرآن.. وأجمل صوت يرقع موال.. وأجمل صوت يسهر عليه العشاق.
مصر فيها أحسن عالم وأحسن عالمة.

عندنا أفضل نصابين وحلانجية ودجالين ومن يلعبون البيضة والحجر والتلات ورقات وفين السنيورة، ووقت الجد عندنا أفضل عقول لعلماء تشارك في نهضة البشرية. بقايا من نشأوا في الفترة الليبرالية في مصر في بعض تخصصاتهم على قدر يوازي قامات عالمية، كان لدينا محامون وكتاب ورجال قانون دولي وعلماء فيزياء وممثلون وأطباء بمستوى أقرانهم في بريطانيا وأميركا وفرنسا.

الحاج حمزة جارنا الذي بلغ الثمانين يحكي لي أنه توقف عن الحشيش بعد أن صارت شرايين قلبه لا تتحمل أنفاس الجوزة.. الحاج حمزة تاجر أمين ربّى أبناءه بشرف ورقي ويحترم زوجته ويحبها ويخاف عليها. يحلق ذقنه كل يوم ويرتدي جلباباً مكوياً وله رائحة طيبة طيلة الوقت، بشوش، خفيف الظل، رقيق القلب، ويصلي الخمس صلوات في المسجد دون انقطاع منذ أربعين سنة. لم يتورط يوماً في مشكلة، ولم يسئ لأحد، ويزور الأرامل ويقضي لهن الحاجات، وكان لا يجد تعارضاً بين تلك القيم التي يؤمن بها وبين أنفاس الجوزة التي يلتقطها يومياً قبيل ساعة المغرب؛ لتهوّن عليه مشاقّ الحياة.

ستظل الطبيعة البشرية فيها الخير والشر، العبادة والغواية، الفضيلة والخطأ، وسيظل الإنسان في صراع دائم بين تلك الأشياء، والحكم النهائي لا يعرفه إلا رب العباد، والفصل الأخير يظل غائباً في هذه الدنيا.

من ينكر هذه الطبيعة ويريد الناس بالقهر والجبر والإلزام على شاكلة واحدة، فهو يتحدى ناموس الحياة، ولن يعيش إلا ليطبق وهماً في خياله، وعند الله المذنب المنكسر خير من المتعبد المغرور، والله يطلع على القلوب وليس على الأجساد والأشكال.

لن ننسى هذا الفتى الداعشي الذي في أول مقابلة له برجال التحقيق أول شيء طلبه أن يدخن سيجارة، ولن ننسى أن أنور العوالقي القيادي الشهير بتنظيم القاعدة في الولايات المتحدة الأميركية مدان باستجلاب عاهرات واستغلال قاصرات، وأسامة بن لادن اكتشفوا ضمن أوراقه السرية أشرطة كاسيت للمطرب الفرنسي/الجزائري إنريكو ماسياس.

التشدد الديني في أي مكان لم يخلق لنا إلا النفاق وفظاظة القلب وتفريغ الدين من تأثيره الروحي والنفسي والحضاري وخلق مسوخ متجهمة غبية بلا روح مملوءة سخط وشهوانية وتعالٍ.

شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت تجبر الناس في السعودية على الصلاة.. اذهب وانظر كيف يصلي السعوديون في ملاحظة شائعة عنهم، صلاة سريعة خاطفة لاهثة في ثوانٍ قليلة بلا خشوع أو طمأنينة أو تذكّر أو قناعة إيمانية أو امتلاء روحي.

صديق لي كان يحافظ على الصلاة في المسجد وعندما ذهب إلى السعودية وفي إحدى المرات ضبطته شرطة الأمر وقت الصلاة وهو في طريقه إلى الصلاة، ولكن حدث سوء تفاهم واتهموه بالتهرب من الصلاة، ثم أجبروه على أداء الصلاة أمامهم.. ومن يومها وصديقي لا يذهب إلى المسجد لا في السعودية ولا في مصر. يقول لي: أنا أذهب لأصلي حباً في الله، الآن صرت في شك من أمري هل أصلي من أجلهم أم من أجل الله؟!

التدين في مصر له وصفة خاصة وغنية وغريبة.. ذلك قبل أن يأتينا التدين السعودي والأفغاني.. المرأة المصرية كانت تفهم كويس امتى تديك الوش الخشب، وتزغرلك توقفك عند حدك، وتردحلك وتهزأك وتلم عليك خلق الله وتخلع شبشبها في ثانية تديك على دماغك لو فكرت للحظة تهين كرامتها أو تعتدي عليها، وامتى لما ترضى وبمزاجها وبالطريقة التي ترتضيها تبصلك بصة تشيبك، توقعك من طولك، تجرجرك وراها تتمنى تنول الرضا، وامتى تتخلى عن أنوثتها وتصير وحش يحمي عيالها لو طالهم أذى، وتنزل للعمل في أصعب المهن بحثاً عن الرزق الشحيح.

لسنا شعباً غنياً، ونكمل نصف عشائنا رضا، ونصف يومنا صبراً على المكاره، وكنا نبتلع المواجع بزجاجات البيرة الرخيصة. لكن القلوب كانت مؤمنة بالله الواحد الرزاق، وكانت تعتقد في أن عمل الخير أبقى وأدوم ويجلب البركة وسعادة القلوب. وما كانش بيسأل نفسه هي البيرة حلال ولا حرام، والفروق الفقهية بين الخمر حكماً والخمر اسماً، والقياس الدائر بينهما، ورأي الأحناف ومعارضة المالكية؛ لأنه كان يصب في ميزان حسناته يومياً أطناناً من أفعال الخير الصادق.

أكثر ما أكرهه في حياتي هي الشعوذة، وتقليل الإنسان من احترامه للعقل، وعدم التعلّق الحقيقي بالله.. لكن يظل جزءاً في الوجدان الشعبي المصري حب آل البيت، وأولياء الله الصالحين، والأتقياء، والتشفع بأعمالهم الصالحة.. نحن لا نعبد البشر، ولا نتمسح بالحجارة، ونعلم أن النافع الضار هو الله العزيز القدير، لكنها عاطفة جياشة تحب الصالحين وترى فيهم لمسة صلة صادقة بالله، قد لا أتفق مع هذا، لكن لا يمكن تجاهل هذا الوجدان.

في صحيح البخاري أن عمر بن الخطاب في أعوام الجفاف يتوسل الله بعمّ النبي العباس، ويقول: (اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعمّ نبينا فاسقنا، فيسقون)، فهل كان عمر بن الخطاب رجلاً مبتدعاً يقع في الشركيات؟!

وفي القرآن الكريم: (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً)، وكان هؤلاء هم الفتية الصالحين الذين فروا من الملك الظالم وكانوا آية للناس بعد أن أقامهم الله من رقاد دام ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً.

والآية تظهر أن بناء مسجد فوق رفات أناس صالحين عمل قديم منذ الأزل اعتادته الأمم السابقة ولم يقرنه القرآن بنهي أو زجر، بل فيه إقرار لفعلهم، وذلك لأن الذين قتلوا الناس في الصلاة في مسجد الروضة ببئر العبد إنما اتهموهم بتهم شبيهة لأنهم صوفية.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/mohammed-eldwek/post_16458_b_18654978.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات