منذ أن أعلن رئيس الحكومة اللبنانية سعد الدين الحريري استقالته من الرياض منذ قرابة ثلاثة أسابيع، كان بيان الاستقالة المفاجئ وغير المسبوق في تاريخ لبنان الذي حاز استقلاله عام 1943، قد أحدث انقساماً في الشارع اللبناني مسبباً ضجيجاً وردود فعل غير مسبوقة، في إرباك قلَّ نظيره في الحياة السياسية اللبنانية، الأمر الذي أدخل القوى السياسية والطائفية في أتون التساؤلات عن مسار ومصير البلاد بعد هذه الاستقالة المفاجئة، التي لا يزال محورها ومضمونها وحتى المكان والزمان اللذان انبثق منهما قرار الاستقالة موضع حيرة وشك وخوف الكثير من اللبنانيين، وذلك خشية من دخول لبنان مجدداً في حالة من القلق والفوضى، والخوف من العودة بالبلاد إلى مرحلة الاضطراب وتفجير الاستقرار والإطاحة بالسلم الأهلي، ودخول لبنان في أزمة فراغ مؤسساتي.
والخوف كان أيضاً قد امتد ليصل إلى إمكانية أن تسبب استقالة الرئيس الحريري بتدهور قيمة الليرة اللبنانية وصولاً إلى حصول اضطرابات أمنية، وذلك كما حدث في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، كما أنها أحدثت صدمة كبيرة لدى حلفائه وبيته الداخلي كما لدى خصومه، خصوصاً أنها تزامنت مع حملة الاعتقالات التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طاولت أكثر من مائتي شخصية سعودية بارزة.
وبالرغم من الانقسامات السياسية إزاء ملفات كبرى في لبنان، كانت حكومة الحريري التي تم تشكيلها قبل عام تقريباً، قد نجحت في تحقيق استقرار إلى حد كبير في بلد يقوم نظامه السياسي على تقاسم السلطة وفق حصص طائفية وعلى ديمقراطية توافقية، خصوصاً أن الشارع اللبناني رافض بطبعه للعودة إلى مرحلة الفوضى! خصوصاً أنه اختبر نتائج ما حصل من عدم استقرار وانقسام عام 2005 وانكشاف البلاد أمنياً وتورطها في حرب قد استغرق إخماد نارها وقتاً لا يستهان به حتى عاد وميض الاستقرار يلوح في سماء لبنان بعد كل تلك المآسي.
لكن عودة الرئيس سعد الحريري قبل أيام إلى بيروت قد أعادت لبنان إلى خانة الانتظار والترقب والآمال المعلقة في خضم صراع إقليمي حاد، حتى إن الرئيس اللبناني ميشال عون رفض استقالة الحريري التي أعلنها في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، وقد كان في انتظار عودته للاستماع إليه، ومعرفة ظروف الاستقالة وموقفه النهائي بشأن ما إذا كان مصرّاً على الاستقالة أم يريد التراجع عنها؟
وعلى هذا الأساس يتخذ رئيس الجمهورية الموقف المناسب الذي ينسجم مع الأصول الدستورية والقانونية، وكان عون صرح بأنه "لا يجوز أن تعلن الاستقالة من الخارج وفقاً للأصول والقواعد"؛ لأنه ووفق الدستور اللبناني، فإنه في حالة "إن وافق" رئيس الجمهورية على استقالة الحكومة، فإنها ستتحول إلى حكومة تصريف أعمال؛ لتبدأ فيما بعد الاستشارات النيابية مع كافة الكتل النيابية لتكليف رئيس حكومة جديد.
في حال اختارت الغالبية الحريري مجدداً، يعيد رئيس الجمهورية تكليفه مرة أخرى بتشكيل حكومة جديدة، وقد يتيح هذا الخيار للفرقاء السياسيين الفرصة للتوصل إلى تسوية جديدة، من شأنها أن تبعد لبنان عن التوتر الإقليمي المتصاعد، على غرار التسوية التي أوصلت الحريري قبل عام إلى رئاسة الحكومة، وأتت بعون حليف حزب الله رئيساً للبلاد.
إلا أنه بعد استقالة الرئيس الحريري المفاجئة في الزمان، والبعيدة في المكان عن العاصمة بيروت، تعد حدثاً غير مسبوق على الساحة السياسية في لبنان؛ إذ تقتضي العادات والأعراف والقوانين هناك أن يتسلم رئيس الجمهورية الاستقالة من رئيس الحكومة بصورة خطّية خلال لقاء يجمع بينها ويتم التخطيط له مسبقاً، ليس ذلك فحسب، بل كما اقتضت العادة أيضاً، أن يقوم رئيس الحكومة بتقديم استقالته بـ"التوافق" مع رئيس الجمهورية ليسارع إلى قبولها، بعكس ما حصل مع استقالة الحريري التي كانت كالخنجر الذي اخترق الفصائل السياسية اللبنانية على اختلاف طوائفها وأحزابها والسياسيين الأبرز فيها.
وقد أجمع محللون ونقاد سياسيون ومراقبون كذلك على أن لبنان سيستمر في انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام، في محاولة كسب المزيد من الوقت إزاء الملفات الخلافية الكبرى، خصوصاً أن المنطقة حالياً تعيش "الحرب الباردة في الشرق الأوسط"، كما أن إعلان استقالة الحريري قد أحدثت شرخاً وخلقت انقساماً كبيراً بين المحورين السعودي الداعم في "الشكل والهيئة" للرئيس الحريري، والمحور الإيراني الداعم لحزب الله، الأمر الذي كان مسبباً لتصاعد وتنامي الصراع بين المحور السعودي والمحور الإيراني في المنطقة، ومواقف البلدين صوب بعض القضايا الإقليمية خصوصاً الملفين اليمني والسوري، ولطالما شكّل لبنان ساحة لتجاذبات بين القوى الإقليمية، وخصوصاً سوريا، والسعودية، وإيران.
وعلى الرغم من الغبار والضوضاء الطبيعية والمفتعلة التي أحدثتها، فإن عودة الرئيس الحريري لبيروت قد هدأت من زوبعة الشارع اللبناني، وما إن أطل رئيس الحكومة سعد الحريري أمام مناصريه وسط بيروت بعد عودته بتدخّل فرنسي، نظم مناصروه مواكب سيارة في شوارع عدة في بيروت، وتوافد المئات من مناصري تيار المستقبل إلى دارته المعروفة باسم "بيت الوسط"، رافعين أعلام التيار والشعارات المؤيدة له، وعلى مدى ساعات لم تتوقف مكبرات الصوت عن بث الأغاني ترحيباً بعودة الحريري، وتأكيداً على الوفاء له وتشبثهم وتمسكهم بقيمه ومبادئه.
وفي أول رد فعل دولي على عودة الحريري إلى لبنان، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الأربعاء المنصرم، إنه "بات من المهم الآن العمل للتوصل إلى اتفاق سياسي يتيح للبنان، البلد الغالي علينا، أن يحظى بالاستقرار وبأفق يكون طويل الأمد".
كما تطرق الوزير الفرنسي إلى الدور الذي تقوم به بلاده في لبنان، معتبراً أنه "أتاح خفض التوتر"، بل إن العديد من السياسيين والمحللين يرون أن لحظة وصول الرئيس الحريري إلى بيروت يمكن اعتبارها علامة فارقة في تاريخ لبنان، كونها جاءت بعد كثير من "الشد والجذب"، والجدل أيضاً حول لبنان وعلاقاته الإقليمية وتدخلات بعض الدول في شؤونه الداخلية وتحويله إلى منصة لإطلاق الصواريخ السياسية والعسكرية تجاه عواصم عربية، كانت ولا تزال في ظهر لبنان، لكن طالما لا يوجد اتفاق سعودي إيراني حقيقي، من الصعب أن نرى كيف ستؤول الأمور في لبنان وكيف سيكون حاله بمعزل عن التقلبات الإقليمية.
ورغم كل المحاولات في عدم إخفاق أي تسوية حقيقة في لبنان والتي لا يمكن أن تتم بمعزل عن توافق إقليمي واسع وعريض، وذلك لأنه توافر ركيزة الحوار الداخلي في لبنان يبدو متطلباً سياسياً جامعاً في الوقت الفاصل، إلا أنه لا تزال الأزمة التي يشهدها لبنان حالياً موضع قلق دائم وستبقى في الإطار السياسي أغلب الظن، وهي أزمة قد تكون مرشحة للاستمرار إلى حين موعد الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار المقبل من عام 2018، وسط الأزمات المتشعّبة التي تشهدها البلاد، يكاد الثابت الوحيد الذي يجمع عليه جميع الفرقاء أن تكون الانتخابات النيابية في موعدها، خصوصاً مع اتساع رقعة المطالبين بها، وانضمام رئيس الحكومة سعد الدين الحريري إليهم، بعد الرصيد "الشعبي الهائل" الذي "أهدته" إيّاه الأزمة الأخيرة، أو تنتهي مع ما سيبادر به الرئيس الحريري بعد أن عاد إلى بيروت والإجراءات التي سيقوم بها في محاولة تهدئة الأوضاع في لبنان، وللبحث في طلب الرئيس ميشال عون في النأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية في المنطقة.
وفي مقابلة تلفزيونية، مساء الخميس، قال وزير الداخلية نهاد المشنوق المقرب من الحريري: إن نزع سلاح "حزب الله" هو أمر ليس بوارد أو مطروح، لكنه شدد على أن لبنان لا يستطيع أن يتحمل مسألة "تمدد حزب الله خارج لبنان" واتساع قاعدة جماهيره، في إشارة إلى دوره في صراعات المنطقة التي كان سببها انتصارات حزب الله والداعمين له بالمنطقة.
ولكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الحريري العائد إلى بيروت، هو ليس نفسه الحريري الذي ظهر في فيديو الاستقالة! ولا يمت له بصلة من قريب أو بعيد.
فسعد الدين الحريري الحالي قد عاد بهمة أكبر وعزيمة قد شحذ له إياهما هتافات اللبنانيين إبان عودته والآمال التي أجلها لبنان لحين إقراره بعدوله عن قراره بالاستقالة، وهو بالتأكيد مرتاح وراضٍ عن نفسه "نوعاً ما"، أنه استطاع تحقيق بـ"الصدفة" ومن دون قصد، وخلال أسبوعين من الأزمة، دعماً شعبياً وسياسياً عجز عن تحقيقه خلال فترة وجوده في السراي الحكومي!
هذا غير أن الحريري اكتسب تعاطفاً لدى الشيعة وبرز تعاطف مسيحي مثيل له، فالمسيحيّون، على اختلاف انتماءاتهم السياسية، يتأثّرون عادةً بعنوان السيادة الوطنية وإلى ما ستؤول إليه النتائج.
في نظري أنا شخصياً، أعتبر أن كل ما حصل كان "ضربة حظ" مجدية نوعاً ما، وكان لارتدادها أثر إيجابي للرئيس الحريري؛ لأن ما حصل كان بمثابة "إعادة هيكلة" لحزبه وتياره وله هو شخصياً، كما أنها جدّدت زعامته ونال ثقة الشارع اللبناني، وخصوصاً السني الذي تعاطف مع "الشيخ سعد" كما يصفونه دائماً، كما ظهر في المسيرة التضامنية أمام بيت الوسط، التي دحضت الشائعات عن تفوق تيارات سنية أخرى عليه، ولفتت مصادر سياسية واسعة الاطلاع إلى أن المشاورات التي سيجريها الرئيس عون بدءاً من الإثنين ربما ستؤدي إلى إيجاد مخارج تتيح للحريري الاستمرار في رئاسة الحكومة، وفي حال أنه لم يتم الاتفاق على أسس لـ"النأي بالنفس"، والتي يجب أن تحظى باستحسان الجميع، فمن غير المستبعد أن تتم المطالبة بإسقاط الحكومة! وإعادة تكليف الحريري من دون أن يؤلف حكومة، ومن المحتمل أن هذا السيناريو لا يزال مطروحاً، ويتضمن تقريب موعد الانتخابات النيابية، حيث إننا نعرف جميعاً ما تكنه الانتخابات للشعب التي تكون بالعادة هي المنفذ لأي أزمة محلية تمر بها أي دولة، باعتبار الانتخابات هي قرار ومن صنع الشعب نفسه، كما أنها تعطيه الفرصة ليبرز من قوى سياسية كانت ضائعة وسط الزحام يمكن الاعتماد عليها في إيجاد حلول للأزمات، ولكن، وعلى أراضي الجمهورية اللبنانية، فإن كل شيء معكوس ويمشي عكس التيار دائماً!
وفي ظل الضجيج المهول الحاصل على قانون الانتخاب، فإن الخوف والخشية ليسا من أن تكون الانتخابات قد جاءت لتمديد الأزمة، بل إنّ الخشية الأكبر تبقى على الانتخابات نفسها، المهدّدة بالإلغاء في أيّ لحظة!
والخوف كان أيضاً قد امتد ليصل إلى إمكانية أن تسبب استقالة الرئيس الحريري بتدهور قيمة الليرة اللبنانية وصولاً إلى حصول اضطرابات أمنية، وذلك كما حدث في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، كما أنها أحدثت صدمة كبيرة لدى حلفائه وبيته الداخلي كما لدى خصومه، خصوصاً أنها تزامنت مع حملة الاعتقالات التي قام بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان طاولت أكثر من مائتي شخصية سعودية بارزة.
وبالرغم من الانقسامات السياسية إزاء ملفات كبرى في لبنان، كانت حكومة الحريري التي تم تشكيلها قبل عام تقريباً، قد نجحت في تحقيق استقرار إلى حد كبير في بلد يقوم نظامه السياسي على تقاسم السلطة وفق حصص طائفية وعلى ديمقراطية توافقية، خصوصاً أن الشارع اللبناني رافض بطبعه للعودة إلى مرحلة الفوضى! خصوصاً أنه اختبر نتائج ما حصل من عدم استقرار وانقسام عام 2005 وانكشاف البلاد أمنياً وتورطها في حرب قد استغرق إخماد نارها وقتاً لا يستهان به حتى عاد وميض الاستقرار يلوح في سماء لبنان بعد كل تلك المآسي.
لكن عودة الرئيس سعد الحريري قبل أيام إلى بيروت قد أعادت لبنان إلى خانة الانتظار والترقب والآمال المعلقة في خضم صراع إقليمي حاد، حتى إن الرئيس اللبناني ميشال عون رفض استقالة الحريري التي أعلنها في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، وقد كان في انتظار عودته للاستماع إليه، ومعرفة ظروف الاستقالة وموقفه النهائي بشأن ما إذا كان مصرّاً على الاستقالة أم يريد التراجع عنها؟
وعلى هذا الأساس يتخذ رئيس الجمهورية الموقف المناسب الذي ينسجم مع الأصول الدستورية والقانونية، وكان عون صرح بأنه "لا يجوز أن تعلن الاستقالة من الخارج وفقاً للأصول والقواعد"؛ لأنه ووفق الدستور اللبناني، فإنه في حالة "إن وافق" رئيس الجمهورية على استقالة الحكومة، فإنها ستتحول إلى حكومة تصريف أعمال؛ لتبدأ فيما بعد الاستشارات النيابية مع كافة الكتل النيابية لتكليف رئيس حكومة جديد.
في حال اختارت الغالبية الحريري مجدداً، يعيد رئيس الجمهورية تكليفه مرة أخرى بتشكيل حكومة جديدة، وقد يتيح هذا الخيار للفرقاء السياسيين الفرصة للتوصل إلى تسوية جديدة، من شأنها أن تبعد لبنان عن التوتر الإقليمي المتصاعد، على غرار التسوية التي أوصلت الحريري قبل عام إلى رئاسة الحكومة، وأتت بعون حليف حزب الله رئيساً للبلاد.
إلا أنه بعد استقالة الرئيس الحريري المفاجئة في الزمان، والبعيدة في المكان عن العاصمة بيروت، تعد حدثاً غير مسبوق على الساحة السياسية في لبنان؛ إذ تقتضي العادات والأعراف والقوانين هناك أن يتسلم رئيس الجمهورية الاستقالة من رئيس الحكومة بصورة خطّية خلال لقاء يجمع بينها ويتم التخطيط له مسبقاً، ليس ذلك فحسب، بل كما اقتضت العادة أيضاً، أن يقوم رئيس الحكومة بتقديم استقالته بـ"التوافق" مع رئيس الجمهورية ليسارع إلى قبولها، بعكس ما حصل مع استقالة الحريري التي كانت كالخنجر الذي اخترق الفصائل السياسية اللبنانية على اختلاف طوائفها وأحزابها والسياسيين الأبرز فيها.
وقد أجمع محللون ونقاد سياسيون ومراقبون كذلك على أن لبنان سيستمر في انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام، في محاولة كسب المزيد من الوقت إزاء الملفات الخلافية الكبرى، خصوصاً أن المنطقة حالياً تعيش "الحرب الباردة في الشرق الأوسط"، كما أن إعلان استقالة الحريري قد أحدثت شرخاً وخلقت انقساماً كبيراً بين المحورين السعودي الداعم في "الشكل والهيئة" للرئيس الحريري، والمحور الإيراني الداعم لحزب الله، الأمر الذي كان مسبباً لتصاعد وتنامي الصراع بين المحور السعودي والمحور الإيراني في المنطقة، ومواقف البلدين صوب بعض القضايا الإقليمية خصوصاً الملفين اليمني والسوري، ولطالما شكّل لبنان ساحة لتجاذبات بين القوى الإقليمية، وخصوصاً سوريا، والسعودية، وإيران.
وعلى الرغم من الغبار والضوضاء الطبيعية والمفتعلة التي أحدثتها، فإن عودة الرئيس الحريري لبيروت قد هدأت من زوبعة الشارع اللبناني، وما إن أطل رئيس الحكومة سعد الحريري أمام مناصريه وسط بيروت بعد عودته بتدخّل فرنسي، نظم مناصروه مواكب سيارة في شوارع عدة في بيروت، وتوافد المئات من مناصري تيار المستقبل إلى دارته المعروفة باسم "بيت الوسط"، رافعين أعلام التيار والشعارات المؤيدة له، وعلى مدى ساعات لم تتوقف مكبرات الصوت عن بث الأغاني ترحيباً بعودة الحريري، وتأكيداً على الوفاء له وتشبثهم وتمسكهم بقيمه ومبادئه.
وفي أول رد فعل دولي على عودة الحريري إلى لبنان، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الأربعاء المنصرم، إنه "بات من المهم الآن العمل للتوصل إلى اتفاق سياسي يتيح للبنان، البلد الغالي علينا، أن يحظى بالاستقرار وبأفق يكون طويل الأمد".
كما تطرق الوزير الفرنسي إلى الدور الذي تقوم به بلاده في لبنان، معتبراً أنه "أتاح خفض التوتر"، بل إن العديد من السياسيين والمحللين يرون أن لحظة وصول الرئيس الحريري إلى بيروت يمكن اعتبارها علامة فارقة في تاريخ لبنان، كونها جاءت بعد كثير من "الشد والجذب"، والجدل أيضاً حول لبنان وعلاقاته الإقليمية وتدخلات بعض الدول في شؤونه الداخلية وتحويله إلى منصة لإطلاق الصواريخ السياسية والعسكرية تجاه عواصم عربية، كانت ولا تزال في ظهر لبنان، لكن طالما لا يوجد اتفاق سعودي إيراني حقيقي، من الصعب أن نرى كيف ستؤول الأمور في لبنان وكيف سيكون حاله بمعزل عن التقلبات الإقليمية.
ورغم كل المحاولات في عدم إخفاق أي تسوية حقيقة في لبنان والتي لا يمكن أن تتم بمعزل عن توافق إقليمي واسع وعريض، وذلك لأنه توافر ركيزة الحوار الداخلي في لبنان يبدو متطلباً سياسياً جامعاً في الوقت الفاصل، إلا أنه لا تزال الأزمة التي يشهدها لبنان حالياً موضع قلق دائم وستبقى في الإطار السياسي أغلب الظن، وهي أزمة قد تكون مرشحة للاستمرار إلى حين موعد الانتخابات البرلمانية في مايو/أيار المقبل من عام 2018، وسط الأزمات المتشعّبة التي تشهدها البلاد، يكاد الثابت الوحيد الذي يجمع عليه جميع الفرقاء أن تكون الانتخابات النيابية في موعدها، خصوصاً مع اتساع رقعة المطالبين بها، وانضمام رئيس الحكومة سعد الدين الحريري إليهم، بعد الرصيد "الشعبي الهائل" الذي "أهدته" إيّاه الأزمة الأخيرة، أو تنتهي مع ما سيبادر به الرئيس الحريري بعد أن عاد إلى بيروت والإجراءات التي سيقوم بها في محاولة تهدئة الأوضاع في لبنان، وللبحث في طلب الرئيس ميشال عون في النأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية في المنطقة.
وفي مقابلة تلفزيونية، مساء الخميس، قال وزير الداخلية نهاد المشنوق المقرب من الحريري: إن نزع سلاح "حزب الله" هو أمر ليس بوارد أو مطروح، لكنه شدد على أن لبنان لا يستطيع أن يتحمل مسألة "تمدد حزب الله خارج لبنان" واتساع قاعدة جماهيره، في إشارة إلى دوره في صراعات المنطقة التي كان سببها انتصارات حزب الله والداعمين له بالمنطقة.
ولكن علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الحريري العائد إلى بيروت، هو ليس نفسه الحريري الذي ظهر في فيديو الاستقالة! ولا يمت له بصلة من قريب أو بعيد.
فسعد الدين الحريري الحالي قد عاد بهمة أكبر وعزيمة قد شحذ له إياهما هتافات اللبنانيين إبان عودته والآمال التي أجلها لبنان لحين إقراره بعدوله عن قراره بالاستقالة، وهو بالتأكيد مرتاح وراضٍ عن نفسه "نوعاً ما"، أنه استطاع تحقيق بـ"الصدفة" ومن دون قصد، وخلال أسبوعين من الأزمة، دعماً شعبياً وسياسياً عجز عن تحقيقه خلال فترة وجوده في السراي الحكومي!
هذا غير أن الحريري اكتسب تعاطفاً لدى الشيعة وبرز تعاطف مسيحي مثيل له، فالمسيحيّون، على اختلاف انتماءاتهم السياسية، يتأثّرون عادةً بعنوان السيادة الوطنية وإلى ما ستؤول إليه النتائج.
في نظري أنا شخصياً، أعتبر أن كل ما حصل كان "ضربة حظ" مجدية نوعاً ما، وكان لارتدادها أثر إيجابي للرئيس الحريري؛ لأن ما حصل كان بمثابة "إعادة هيكلة" لحزبه وتياره وله هو شخصياً، كما أنها جدّدت زعامته ونال ثقة الشارع اللبناني، وخصوصاً السني الذي تعاطف مع "الشيخ سعد" كما يصفونه دائماً، كما ظهر في المسيرة التضامنية أمام بيت الوسط، التي دحضت الشائعات عن تفوق تيارات سنية أخرى عليه، ولفتت مصادر سياسية واسعة الاطلاع إلى أن المشاورات التي سيجريها الرئيس عون بدءاً من الإثنين ربما ستؤدي إلى إيجاد مخارج تتيح للحريري الاستمرار في رئاسة الحكومة، وفي حال أنه لم يتم الاتفاق على أسس لـ"النأي بالنفس"، والتي يجب أن تحظى باستحسان الجميع، فمن غير المستبعد أن تتم المطالبة بإسقاط الحكومة! وإعادة تكليف الحريري من دون أن يؤلف حكومة، ومن المحتمل أن هذا السيناريو لا يزال مطروحاً، ويتضمن تقريب موعد الانتخابات النيابية، حيث إننا نعرف جميعاً ما تكنه الانتخابات للشعب التي تكون بالعادة هي المنفذ لأي أزمة محلية تمر بها أي دولة، باعتبار الانتخابات هي قرار ومن صنع الشعب نفسه، كما أنها تعطيه الفرصة ليبرز من قوى سياسية كانت ضائعة وسط الزحام يمكن الاعتماد عليها في إيجاد حلول للأزمات، ولكن، وعلى أراضي الجمهورية اللبنانية، فإن كل شيء معكوس ويمشي عكس التيار دائماً!
وفي ظل الضجيج المهول الحاصل على قانون الانتخاب، فإن الخوف والخشية ليسا من أن تكون الانتخابات قد جاءت لتمديد الأزمة، بل إنّ الخشية الأكبر تبقى على الانتخابات نفسها، المهدّدة بالإلغاء في أيّ لحظة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
المصدر : http://www.huffpostarabi.com/alaa-mohmd-soudi/story_b_18652606.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi
تعبيراتتعبيرات