الأحد، 12 نوفمبر 2017

جدار الخوف

جدار الخوف

انفجرت الجماهير المصرية يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011م بأعداد مليونية على غير ما توقع الجميع، كانت مفاجأة لكل أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية، وكانت مفاجأة للنظام المصري بجميع أجهزته الأمنية والمدنية، وكانت مفاجأة لكل أطياف المعارضة، ومن ضمنهم الإخوان المسلمون أقوى الجماعات الإسلامية وأكثرها تنظيماً وقراءة للواقع، ودعك ممن يقول إنها تمثيلية دبرها الجيش أو غير الجيش ليحقق من خلالها مصالح معينة.

لا ينسى المصريون أبداً ذلك المؤتمر الصحفي الذي عقده جمال مبارك مع بداية المظاهرات وتكاثر أعداد المشاركين فيها شيئاً فشيئاً، وتوجَّه له صحفيٌ بالسؤال -بصفته رئيس الجمهورية القادم- في حواره الذي قرر فيه أن تداول السلطة سابق لأوانه، وهناك أسسٌ دستورية له، سأله الصحفي عن "6 أبريل" ونشطاء الفيسبوك والإخوان وغيرهم، ماذا سيفعل معهم؟ فنظر جمال مبارك إلى جمهور الحاضرين وهو يضحك وقد امتلأ ثقةً بنفسه: "طب ردوا انتو بأه عليه ده... رد يا حسين".

وضحك الجميع ومن ضمنهم "حسين"؛ استهزاءً من السؤال؛ لأنهم لم يتخيلوا عواقب تلك الرياح التي بدأت في الهبوب، وأنها ستتحول إلى عواصف وأعاصير.

كان النظام واثقاً بنفسه لدرجة كبيرة، كان واثقاً بأن المصريين لن يثوروا، وأن المتظاهرين سرعان ما سينفَضُّون، ثم بعدها بأيام قليلة تبدأ أجهزة الأمن في القبض على بعض المتظاهرين وتلفيق التهم المختلفة لهم، ولا مانع من حكم البراءة في المحاكم بعد ذلك، بعد أن يكونوا قد قضوا بضعة أشهر في المعتقلات نالوا فيها قسطاً وافراً من الإهانات و"المرمطة"، ستكون درساً بليغاً لهم ولغيرهم؛ حتى لا يتجرأوا على سادتهم مرة أخرى.

لكن، انقلبت الأحوال بما لم يخطر على البال، ونزل الفرعون عن عرشه، ووسط ذهول الجميع بدأت عجلة الحرية تدور، وفشلت محاولات المجلس العسكري في وقفها، فضلاً عن إعادتها إلى الوراء، وكانت قمة الدهشة وصول أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، التي طاردها الجميع وشوَّه صورتها الجميع، إلى أعلى منصب في البلاد وهو منصب رئيس الجمهورية.

كانت مصلحة العسكريين أن تعود قبضتهم على مقدرات البلاد مرة أخرى، لكن بصورة ناعمة غير محسوسة، فيكون رئيس الجمهورية مجرد واجهة مدنية، ينفذ ما يطلبون، وإذا تشوهت صورته نتيجة لذلك يسقط هو ويأتي غيره وهكذا، بينما هم في الخلف يحققون أطماعهم، وتبقى سمعتهم طيبة بين أبناء الشعب المصري!

ولأن الدكتور محمد مرسي لم يخضع لهم، ورفض ابتزازهم، بدأوا في الإعداد للانقلاب عليه، ودارت ماكينة الدعاية السوداء ضد الدكتور مرسي وضد الإخوان المسلمين حتى وصلوا أخيراً إلى الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013م.

بعد الانقلاب، لم يكن مطلوباً فقط القضاء على الإخوان المسلمين؛ بل كان الأهم هو إعادة ترميم جدار الخوف الذي بنوه على مدى سنوات طويلة منذ انقلاب جمال عبد الناصر على الديمقراطية في 1954 واعتقاله الرئيس المحبوب شعبياً، محمد نجيب! ولأن جدار الخوف قد تهدم في النفوس، فلا يكفي إعادة بنائه على ما كان؛ بل يجب أن يكون أعلى مما سبق، وأكثر رعباً مما سبق.

هنا بدأت عملية الاعتقالات، وبدأ احتكار وسائل الإعلام لتكون في قبضة العسكر أو على الأقل تلتزم بتوجيهاتهم القاضية بتشويه صورة كل معارضي حكم العسكر، وبدأت القوانين التي تقيد الحريات، وبدأت المحاكم التي لا علاقة لها بالقانون، وبدأت الوعود المعسولة التي تخدر عقول الناس.

ولأن الإخوان هم أكثر القوى شعبية وأكثرها تنظيماً، فلا بد أن يكونوا عِبرة لغيرهم؛ حتى يتعلم الشعب من رأس الذئب الطائر؛ فقتلوا من قتلوا منهم، واعتقلوا من اعتقلوا منهم، وأعدموا من أعدموا منهم ظلماً وعدواناً وتجبراً.

والآن، نلاحظ بالفعل صمتاً عجيباً حال بَدَأْتَ الحديث مع الناس عن السيسي؛ خوفاً من وصول تلك الهمسات إلى آذانه، وتجنباً من العقاب المبالغ فيه إذا وقع المسكين في قبضة الشرطة، التي تقبض على الناس لأوهى الأسباب ولأقل الشبهات، حتى إن البعض إذا أراد الانتقام من آخر لأسباب لا علاقة لها بالسياسة ولا بالإخوان؛ فما عليه سوى أن يبلغ الأمن عنه أنه من الإخوان، أو شارك في مظاهرة للإخوان، أو أنه ابتسم في وجه أحد من الإخوان!

لكنْ، هنا أمران لا بد من بيانهما:
الأمر الأول: أن صمت كثير من الشباب ليس خوفاً؛ بل تحيُّناً لفرصة قد تظهر قريباً أو بعيداً، لكنها حتماً ستأتي، وحينها لن يكرروا أخطاء الموجة الأولى من الثورة التي انفجرت في 25 يناير/كانون الثاني 2011م.

والليالي من الزمان حبالى مثقَلاتٌ يَلِدْنَ كلَّ عجيبة

الأمر الثاني: أن حكم الناس بالخوف لن يؤدي إلى عمار أو يضمن للعسكر الاستمرار؛ لأن الخوف وإن رسم الصمت على الأفواه، فإنه يزرع الخراب في مختلف مجالات الحياة، ويهيئ الأوضاع للانفجار، وحينما يصل سوس الخراب إلى النخاع، فليس بعدها سوى السقوط، وأي سقوط!
وإذا أتاك من الأمورِ مُقَـدَّرٌ ففرَرْتَ منه فنحوه تتوجَّهُ



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/majdi-moghera/story_b_18469948.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات