الجمعة، 3 نوفمبر 2017

الرهان على الضمير المصري

الرهان على الضمير المصري

"متى تخرج مصر من الحرب الأهلية؟"، لا أعرف إجابة لهذا السؤال، ولكن رب قائل يسأل: "وهل بدأت؟". أقول: نعم، بدأت من وقت ليس قصيراً، ذلك أن تفاعل الناس مع الحملة ضد الإسلاميين جاء بثماره، وأظن أن حادثة إحراق الناس الشاب الملتحي بائع العطور بمتجره في بورسعيد لهو من علامات تهيُّؤ النفوس لحرب أهلية ينتظرها كثيرون، إما لتصفية حسابات وإما لفتح حسابات.

فهمي للحرب الأهلية أنها ليست تحديداً بين قطاعات المجتمع المدني كما الحال بالعراق، ولكن صفتها الأهم هي تدمير النظام المجتمعي لحساب فئة أو طبقة بعينها كما الحال بسوريا واليمن ومصر.

ربما النموذج المصري للحرب الأهلية كما هو قائم، ينبني على تأليب فصيل من المجتمع ضد فصيل آخر شريطة أن يقف أحد الفصيلين في مساندة النظام الحالي. ومِن أبأسِ ما سمعت، قصة أب أبلغ الشرطة عن ابنه، الذي قبضت الشرطة عليه وهو الآن حبيس السجن، وآلامه الجسدية لا تقل عن آلامه النفسية، وأمه تزوره ولا تدري بم تجيبه عندما يسألها: "لماذا أبلغ والده عنه بتهم هو بريء منها، اللهم إلا أنه متدين أو إسلامي؟!".

نعم، نحن في أتون حرب أهلية لم يُستعمل فيها السلاح إلى الآن، إلا أن النظام قد بدأ يغض الطرف عن أي اعتداءات على ممتلكات المعارضين وأعراضهم وكأنها ضوء أخضر لتصفيتهم على أيدي الجهلاء، إضافة إلى محنتهم داخل سجون النظام وخارجها.

أعود إلى سؤالي: "متى نخرج من هذه الحرب؟"، فأقول: ربما يكون من الأوفق أنه إلى حين يظهر في الأفق من يوقف هذه المهزلة، ربما نسأل: "كيف نتعامل مع الموقف الحالي؟". إجابته أيضاً ليست عندي ولا عند أحد ممن يعيشون بالخارج، فكلنا نعيش في ظروف لا تتجاوب بما فيه الكفاية مع المعاناة الحقيقية للشعب المصري.

إذن، التعامل مع الظرف الحالي مرتهن بقدرة أهل الداخل وإمكاناتهم في التعامل مع الأحداث. ويبقى دعاؤنا لهم أن يلهمهم الله الحكمة والصبر، والثبات الذي به يدفعون الضرر ويجلبون المنفعة.

أمس، كان موعدي مع مالك بن نبي، أتصفح مقالاته التي نشرها في الشهر نفسه منذ 63 عاماً مضت. المفكر الراحل كان يستعرض الحركة الاستقلالية السلمية التي خاضها غاندي والتي استقاها من شاعر الهند المعروف طاغور.

ابن نبي كتب أن استخدام غاندي أسلوب "ستياجراها" -ومعناها اللفظي "الوقوف مع الحق بثبات"، في إشارة إلى المقاومة السلمية- كان مفاجئاً لقوات الاحتلال الإنكليزي. فالإطار الأخلاقي الذي مارسه المهاتما في الضغط تجاه الاستقلال لم تعتده الإمبراطورية البريطانية، فكان أن تلعثمت في استخدامها للعنف الذي اعتادته في قمع شعوب المستعمرات.

ذكر الكاتب أيضاً أن الجندي الإنكليزي كان في أحد موقفين: إما أن يتبع الأوامر ويدهس كل المتظاهرين الهنود الذين افترشوا شوارع كلكتا وإما ألا يستجيب للأوامر العليا؛ حفاظاً على سمعة بلده وعلى قيمة التاج البريطاني التاريخية من هذا الفعل الشائن. كان الاختيار الثاني هو ما وصل إليه الجندي الإنكليزي.

الفكرة التي قدمها ابن نبي اعتمدت في أساسها على فكرتين؛ أولاهما: صمود غاندي ومِن ورائه ملايين من الشعب الهندي، والثانية: هي الرهان على رد فعل ضباط وجنود الجيش الإنكليزي.

وما أشبه اليوم بالبارحة! فسلمية الإخوان بمصر تجاه الانقلاب العسكري لا تخرج مقدار أنملة عما خاضه غاندي. فلم أستوعب أهمية خروج الناس على مدار الأعوام الثلاثة الماضية في مسيرات سلمية بمحافظات مصر كافة، إلا بعد قراءتي للمقالات القديمة خلال إرهاصات الثورة الجزائرية.

أقول: إن إخوان الأربعينيات الذين جاهدوا بفلسطين والذين مارسوا الأعمال الفدائية ضد الاحتلال الإنكليزي، كان أجدر بهم وبمقدورهم وقد زاد عددهم أضعافاً كثيرة وانتشروا في طبقات الشعب المصري المختلفة، كان بمقدورهم أن يحملوا السلاح في وجه الانقلاب الذي يستتر وراء الجيش المصري.

الإخوان اختاروا الرهان على الضمير المصري تماماً كما راهن غاندي على ضمير الجيش والشعب الإنكليزي.

الفارق هنا، أن الإخوان كان اختيارهم أسهل وأصعب في الوقت نفسه. فسهولته في عدم زج أبناء الشرطة والجيش المصري في قتال أبنائه، فعلى الرغم من حدوث هذا في مذبحة رابعة والنهضة والحرس الجمهوري ورفح وغيرها، فإن اتساع رقعة القتل لم تخرج عن حيز الإخوان وهم قد رضوا بأن يكونوا ردءاً لفتنة تعم البلاد كلها. أما صعوبته، فهي تكمن في تردد كثيرين في تقدير ونبل هذه المقاومة السلمية من الإخوان.

أقول: إن الرهان على الضمير المصري رهان في محله، ولا يقوم به إلا أبطال ينظرون إلى الحاضر كلحظة في تاريخ الشعوب. سلمية الإخوان يدفع ثمنها من ماتوا منهم ومن غيرهم في الميادين وفي السجون ومن تغرَّبوا ومن اختفوا من الحياة، ولكن كما قالوا قديماً: "لا بد للحبة التي تنبت أن تدفن في الأرض". كم يستغرق الضمير المصري من الوقت للنهوض من غفلته؟ هذا هو الرهان. وأظنه يفيق.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/magdy-hussein/story_b_18408348.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات