الأحد، 19 نوفمبر 2017

عدالة البريطانيين تفيض بالظلم!

عدالة البريطانيين تفيض بالظلم!

يَعجب الكثير منا من مقاييس وممارسات العدالة في الدول الغربية، هذا إذا نظرنا إلى ما تمارسه في مجتمعاتها، ولكنهم يعجبون أكثر من المقاييس المزدوجة التي تجعل ممارستهم للعدالة خارج بلدانهم ظلماً وعدواناً إذا ما قورنت بممارساتهم على أراضيهم، ولعل الذين يحاولون أن يستصدروا من بريطانيا اعتذاراً عن وعد بلفور إنما أملوا في مظاهر الإنصاف الذي تتعامل الحكومة البريطانية به مع أبناء جلدتها.

لكن، ما فعلوه في انتدابهم لفلسطين ليمكّنوا للصهاينة فيها بشكل يحقق وعد بلفور، سيبقي دليلاً صارخاً على بشاعة الظلم الذي مارسوه، أضف إلى ذلك أن بقاءهم على وعد بلفور هو فضيحة كبرى لكل ضمير حي في بريطانيا.

أما نص الوعد على أنه لن يأتي بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية في فلسطين، فلم يلقِ خلفاء بلفور له بالاً، لو كان البريطانيون فقط عادلين في تطبيق نصوص وعدهم لما أمكن أن يُلحقوا كل هذه النكبات بالشعب الفلسطيني.

والذي لا يستطيع البريطانيون أن يفندوه، هو أنهم عملوا لصالح الصهاينة من غير مراعاة أية حقوق لساكني فلسطين؛ بل وتحالفوا مع الصهاينة ضد مقاومة الشعب الفلسطيني التي ما قامت إلا لتحمي حقوقه، وبلغ ظلمهم شأناً عظيماً، ولو تتبعت الأمثلة على ذلك لوسعك أن تسطر ملايين الكلمات.

يورد المحامي حنا ديب نقارة، في مذكراته المعنونة بـ"مذكرات محامٍ فلسطيني"، الكثير من الحقائق عن ممارسات بريطانيا في فلسطين، المجافية للعدالة نصاً وروحاً، يذكر الكاتب مثلاً أن "بريطانيا التي كانت تسهّل التسلح لليهود بكل الطرق الممكنة، كانت تعاقب بالإعدام كل من يحمل قطعة سلاح من العرب، سواء استخدمها أم لم يستخدمها، وبلغ الظلم مبلغاً عجيباً فحدث أن جاءوا بأربعة شبان من قرية (سيلة الظهر) متهمين بحمل الأسلحة النارية، وكان يدافع عنهم المحامي حنا عصفور، المعروف بذلاقة اللسان وحسن الظهور في القضايا الجزائية، وكنا نساعده في ذلك (المقصود المؤلف ومجموعة المحامين تحت التمرين)، وكانت التهمة هي ضبط مسدس واحد في سيارة كان يركبها المتهمون الأربعة ويقودها سائق غيرهم.

اعتقدنا أن القضية سهلة ويجب أن تتحول التهمة من حمل أسلحة عقوبتها الإعدام إلى حيازة أسلحة عقوبتها أخف كثيراً، كان همنا الأول إنقاذ المتهمين من الإعدام؛ لأنه لا يُعقل أن يحمل أربعة مسدساً واحداً! لذا، اعترضنا على لائحة الاتهام، لكن المحكمة البريطانية قررت رفض الاعتراضات، ورغم أن الدلائل قد أثبتت أن المسدس وُجد في السيارة تحت المقعد الخلفي، ومع ذلك حكمت المحكمة بالإعدام على الشبان الأربعة، ونُفذ حكم الإعدام في سجن عكا شنقاً".

المثال السابق ليس فريداً عن تلك الحقبة، التي بلغ التعسف البريطاني فيها مبلغاً جعله مثيراً للسخرية، لدرجة لا يحتملها البريطانيون أنفسهم، الحكاية التالية هي حكاية حقيقية حدثت مع أحد أشهر المحامين الفلسطينيين آنذاك وكان أعمى مفوّهاً بارعاً، اسمه سليمان المرزوقي، وقد صهر الأديب إبراهيم نصرا لله في روايته "أرض الخيول البيضاء" حكاية مرافعة لهذا المحامي في المحكمة، أُوردها هنا محاولاً الحفاظ على الشكل الفني كما هو في الرواية:

"نجا إدوار بيترسون، القائد البريطاني في فلسطين، من محاولة لاغتياله، وبعد ثلاثة أيام فقط حُكم على المتهم الأول من شباب فلسطين بالإعدام.

بعد قليل، كان أهل المتهم في مكتب المحامي المجاور للمستشفى الفرنسي في البلدة القديمة شرحوا للمحامي تفاصيل القضية، فقال: بسيطة! ولكن عليّ أن أراجع الملفات الرسمية كلها. والتفت إلى الأم وقال لها: اطمئني.

كيف لها أن تطمئن وحبل المشنقة يدور حول رقبة ابنها؟! تقدم المحامي بطلب استئناف.

حين وصل الأهل إلى المحكمة في الموعد فزعوا؛ إذ لم يجدوا وكيلهم المحامي هناك، نادى الحاجب مرة، مرتين. ولكن، لا جواب! وقبل أن يعلن الحاجب غيابه، دخل يرافقه أحد معاونيه..

- كيف تتأخر عن قضية مهدَّد فيها موكلك بالإعدام.. سأل القاضي وهو عقيد في الجيش البريطاني؟
- الضرورات يا سيدي القاضي.. رد المحامي.
- وما هي الضرورات التي لديك؛ أهي أهم من حياة موكلك؟!
- لقد تأخرت يا حضرة القاضي؛ لأن لي صاحبةً، أريد أن أقضي أطول وقت معها في غيبة زوجها!
- وهل لمثلك صاحبة! (يُعيّره بعماه). سأله القاضي وهو يبتسم.
- ولم لا يا حضرة القاضي؟!
- وهل صاحبتك أفضل من ذلك الذي يضع روحه بين يديك؟
- لصاحبتي أهمية خاصة! ولكن، ألا تريد أن تعرف من أين أتيت؟
- لا يهمني ذلك.. قال القاضي.
- ولكن يهمني أنا أن تعرف، حتى تكون على يقين بأن صاحبتي تستحق الكثير.

وتابع غير منتظر إجابة القاضي، قال: "لقد أتيت من بيت صاحبتي التي تسكن بين مبنى جريدة فلسطين ومدرسة ألفرير، ولا أكتمك، إنها زوجة مسؤول كبير.

تحفز القاضي واحتقن وجهه، عند ذلك شدَّ مُرافِق المرزوقي على يده.

تابع المرزوقي: كنت في العمارة الثالثة، وحين صعدت للطابق الثاني، كان عليّ أن أعود؛ لأن خادمتها سوزان كانت هناك -(وشد مرافق المحامي يده مرة أخرى)- كان من الصعب أن أختلي بها في وجود خادمتها؛ ولهذا انتظرت في الطريق حتى رأى مرافقي الخادمة تبتعد، لقد استطاعت صاحبتي أن تخترع لها عملاً خارج المنزل.

وشد المرافق على يد المرزوقي مرة أخرى، ينذره بأن القاضي يفقد أعصابه.

- هيلانة.. إنها أجمل امرأة في العالم! ولو وضعتها هنا في هذه القاعة بين كل هؤلاء الناس دون أن تقول لي أين هي، لعثرت عليها أنا الأعمى بسهولة، كانت تقول لي دائماً: لعل هذه الكنبة الحمراء لم تصنع إلا لنا!

عند ذلك صرخ القاضي: اخرس، وأشهر مسدسه في وجه المرزوقي.

ارتبك الناس، تعالت أصوات الفزع، واحتمى كثير من الناس خلف مقاعدهم.

- المسدس موجَّه إليك.. قال للمرزوقي مرافقه.

عندها، أطلق المرزوقي ضحكة مجلجلة هزت المحكمة، وقال للقاضي: إذا كنت مستعداً للقتل من أجل زوجتك فكيف تحكم بالإعدام على رجل يدافع عن وطنه!

أحس القاضي فجأة بورطته، ارتبك، ولكي يغيب عن الأنظار بأقصى سرعة ممكنة قال: حكمت المحكمة على المتهم بالسجن 10 سنوات ومنْع المحامي من دخول المحاكم 6 أشهر.

علق المحامي: لقد فعلت ما عليَّ وليس يهمني شيء بعد ذلك.
رد القاضي: كنت ستخرب البلاد لو كنت ترى.
ردَّ القاضي: حمداً لله أنني أعمى حتى لا أرى المظالم التي ترتكبها إمبراطوريتكم، إنها عدالة بريطانيا، عدالة تفيض ظلماً!


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/saleh-alshahri/story_b_18575398.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات