الأحد، 12 نوفمبر 2017

لماذا تشتري مصر كل هذه الأسلحة؟

لماذا تشتري مصر كل هذه الأسلحة؟

لماذا زادت صفقات مصر لشراء الأسلحة مؤخراً، وخصوصاً الأسلحة الجوية والبحرية؟ في ظل تردي أوضاع الاقتصاد المصري وتعويم العملة المحلية؟
مؤخراً، ارتمت مصر بثقلها السياسي والعسكري والجغرافي وعمقها القومي العربي بين أحضان الكيان الصهيوني، وتبادل الطرفان الزيارات والاتفاقيات العسكرية والاقتصادية، وأصبح أمن إسرائيل الشغل الشاغل للنظام المصري، كما صرح بذلك مؤخراً السيسي في الاجتماع الأخير للجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهو ما يتم تنفيذه كواقع على أرض سيناء، فمنذ قرابة سنة يهدم النظام المصري المساحات الشاسعة من المنازل لإقامة منطقة عازلة آمنة مع الكيان الصهيوني، كذلك نفذ سلاح الجو الإسرائيلي الكثير من الغارات الجوية على أرض سيناء المصرية، وهي المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك منذ اتفاقية السلام بين البلدين.

لماذا تعقد مصر كل تلك الصفقات من السلاح؟
الأمر الأول:
ضمِن الغرب وأميركا أنه من المستحيل أن تستخدم مصر تلك الأسلحة نحو الكيان الإسرائيلي العدو التقليدي لمصر، كما أن الشعوب العربية ترى ذلك أيضاً من سابع المستحيلات، في ظل التقارب المصري-الإسرائيلي منقطع النظير، والذي لم يسبق أن حدث في تاريخ البلدين من قبل.

الأمر الثاني:
ليس بمقدور عاقل أن يقول إن كمية السلاح تلك هي من أجل مكافحة الإرهاب في سيناء، فالأمر في سيناء بات يلفه كثيراً من الغموض، المستفيد الوحيد من كل ما يجري هناك هو الكيان الصهيوني، من خلال استنزاف الجيش المصري وخلق واقع جديد على الأرض، من شأنه إعادة ترتيب الأوضاع في سيناء لصالح الكيان الصهيوني. كما أنه لا يمكننا القول إن تلك الأسلحة هي من أجل أي تدخل عسكري محتمل لمصر في كل من السودان وليبيا، كما أن ذلك ليس من أجل الحفاظ على أمن مصر المائي الذي يعتبر من أهم العوامل التي تهدد أمن مصر القومي.

إذن، لماذا كل هذه الأسلحة؟
أولاً:
الجميع يعرف موقف النظام التركي من الانقلاب المصري، وعدم اعترافه بالمسرحية التي يقودها السيسي، وتمسك تركيا بالشرعية الرئاسية المتمثلة في الرئيس محمد مرسي، في المقابل الجميع يعرف أن النظام المصري كان أول من بارك الانقلاب العسكري في تركيا عبر أدواته الإعلامية، كما أن سلطة الانقلاب في مصر سعت في أكثر من مرة إلى استرضاء النظام التركي والدفع بالوساطات؛ لعل وعسى أن تعترف تركيا بالانقلاب، إلا أن الرد التركي كان واضحاً من البداية، وهو عدم الاعتراف بالانقلابات العسكرية ورفض ممثليها، فضلاً عن أن تركيا تستضيف على أراضيها الكثير من قيادات الإخوان المسلمين المصنفة كجماعة إرهابية من قِبل النظام المصري، كما أن الكثير من حملات الناشطين الإعلاميين والحقوقيين التي تسعى لكشف حقيقة الانقلاب في مصر يقودها شباب مصري من الأراضي التركية.

ثانياً:
تعيش تركيا وضعاً أمنياً صعباً على حدودها مع العراق وسوريا، وتخوض حرباً ضروساً في العمق السوري دعماً لفصائل الثورة السورية، وهو الأمر الذي لا تريده مصر، فمنذ ترسيخ الانقلاب بمصر تبنَّت سلطات الانقلاب دعمها الكامل لنظام بشار الأسد، بإعادة فتح سفارته لدى مصر والتي كان قد تم إغلاقها من قِبل الرئيس محمد مرسي سابقاً.

كما أنه في أكثر من مرة استخدمت مصر حق النقض في أي قرار يدين النظام السوري والقوى الداعمة له، وكان آخرها ذلك القرار الذي يمدد إجراءات التحقيق في قصف النظام بالأسلحة المحرمة دولياً، كما لمح النظام المصري في أكثر من مرة باعتراضه على أي تدخلات عسكرية في الأراضي السورية وهو يقصد بذلك القوات التركية، متناسياً التشكيلات العسكرية الروسية والإيرانية في العمق السوري.

ثالثاً:
موقف تركيا من الحصار الذي تفرضه كل من مصر والسعودية والبحرين والإمارات على دولة قطر، وهو ما تراه تركيا غير مقبول، مما دفع الأخيرة إلى الإسراع بتنفيذ اتفاقية مسبقة بينها وبين دولة قطر تقضي بإنشاء قاعدة عسكرية تركية على الأراضي القطرية، وهو ما فوت الفرصة على نظام السيسي للقضاء على خصومه السياسيين من جهة، ومن جهة أخرى إغلاق قناة الجزيرة، التي يعدها نظام السيسي من أهم ما يهدد بقاء سلطة الانقلاب بمصر.

رابعاً :
في 8 أغسطس/آب 2010م، وقعت إسرائيل اتفاقية مشتركة مع قبرص لاستخراج الغاز الطبيعي عن طريق شركة نوبل إنرجي الأميركية، بعد فترة وجيزة من تبادل الممثلين بين إسرائيل وقبرص، حدثت الغارة البحرية على أسطول الحرية لفك الحصار عن غزة في 2010، والتي دمرت العلاقات الإسرائيلية-التركية ودفعت إسرائيل تجاه تحالف وثيق مع اليونان، مؤخراً تم تشكيل ما يسمى "مثلث الطاقة" والذي يضم كلاً من مصر وإسرائيل واليونان ممثلة بالجزء القبرصي اليوناني، والذي دفع إلى تشكيل قوة بحرية مشتركة بين الدول الثلاث لحماية الحقول المكتشفة، ومنها حقل "لفثيان" والذي يقع بين التشكيلة الرباعية إسرائيل ومصر وقبرص بشقيها التركي واليوناني، والذي تقدر احتياطاته بنحو 540 مليار متر مكعب، ويعد أكبر حقل غاز طبيعي بحري في البحر المتوسط، وهو الأمر الذي دعا تركيا إلى الاعتراض على أي صفقة لا تراعى فيها حصة القبارصة الأتراك وهددت أكثر من مرة باستخدام أسطولها البحري لحماية المكتشفات الغازية قبالة قبرص الشمالية.

خامساً:
تنص معاهدة باريس للسلام عام 1947م على حظر كل أنواع التدريبات العسكرية في جزيرة رودوس اليونانية، التي تبعد 15 كيلومتراً فقط من السواحل التركية، والتي تخلت عنها إيطاليا لصالح اليونان بشرط نزع السلاح منها، وهو الأمر الذي خرقته كل من مصر واليونان مؤخراً، من خلال إقامة الدولتين مناورات عسكرية على الجزيرة سمتها "ميدوزا 5"، صنفت تركيا ذلك استفزازاً واضحاً، لتصرح عبر وزارة خارجيتها بأن ذلك يعد خرقاً واضحاً للقوانين الدولية ومعاهدات السلام الموقعة.

وحسب ما ذكره موقع ترك برس "فإنه وفي 2 أكتوبر/تشرين أول الماضي، أعلن وزير الدفاع اليوناني، فانوس كمنوس، أن بلاده ستشارك في تدريباتٍ عسكرية مشتركة ستجري قريباً مع سلاح الجو الإسرائيلي وسلاح الجو المصري، إضافة إلى دول أخرى، بهدف تعزيز استقرار الوضع الأمني في منطقة الشرق الأوسط". وهو ما من شأنه أن يدفع إلى تشكيل تحالف أوسطي يضم مصر واليونان وإسرائيل، وهو ما تراه تركيا تهديداً واضحاً لأمنها القومي، خصوصاً أن أميركا تشجع أي تقارب مصري-إسرائيلي، لا سيما إذا كان ضد تركيا.

الخلاصة:
يسعى الغرب لدفع مصر نحو تنفيذ أجندة غربية أميركية بالنيابة، الهدف منها عزل مصر عن واقعها العربي، وتهميش الاقتصاد المصري نحو إغراقها في كثير من المديونية وهي المعضلة الحقيقية التي تعانيها مصر، فقد بلغ نصيب الفرد المصري من إجمالي الديون الخارجية 800 دولار لكل فرد، دفع مصر إلى مواجهة عسكرية محتملة في البحر المتوسط ربما لم تتضح أطرافها بشكل واضح، إلا أن مصر تعد في طرف، وتركيا في الطرف الآخر.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.


المصدر : http://www.huffpostarabi.com/ahmed-abbas-almaljamie/-_13689_b_18488250.html?utm_hp_ref=arabi&ir=Arabi


تعبيراتتعبيرات